وقد مضى يكثر من الألفاظ الغريبة والأساليب التويمة : العاني غير المألوفة حتى يلفت العلماء والفلاسفة أمثال الفارابي . جميعاً. وردت إليه نفسه بعد ذلك ، فلم يعد يعنى بالألفاظ الغريبة والمعاني البعيدة ، إنما منى بالموضوع نفسه، الدولة جميعاً . ويظهر أن غروره المسرف الذى كان يصوره في شعره السالف لم يزايله في سلوكه وإن زايله فى أشعاره فحقد عليه كثير من الملتفين حول الأمير ، وكان من بينهم من ينفس عليه مكانته منه وعطاياه الجزيلة ، وعلى رأسهم أبو فراس الحمداني الشاعر المعروف ابن عم سيف الدولة وأحد أبطال معاركه الحربية . وكانت تحدث مشادات بينه وبينهم (۱) . وأحس ذلك فمسح الحزن على أشعاره . وكان ينتهز فرصة الرثاء حين يتوفى بعض أقرباء الأمير وعاتب سيف الدولة حين فاض به الكتيل بقصيدته : واحر قلباه ممن قلبه شبيم ومن بجسمي وحالي عنده سقم (۲) ويصدقهم فيما يقولون . ويعاوده تشاؤمه القديم وحقده على الزمن والأحياء ويضطر اضطرارا . وقد أحس الخطر على حياته أن يفر مع أسرته خفية من حلب إلى دمشق سنة ٣٤٦ . وولى وجهه نحو الفسطاط وكافور ، فردوسه الأرضى وأنه بذلك يهدر مسئوليته الأدبية ، أمير حبشى ، مقاليد الحكم ، غير أن هذا لا يشفع له فيما انتهى إليه أمره من مديحه ، نفسه . وعلى نحو ما وجد عنده من فكان يسوق إليه كثيراً من وكان الإخشد أقطعه الدولة . ومدحه المتنبي دون أن يراه ليؤذى كافورا، ولكن كافوراً منعه ينتقم منه ، ولا يلبث أن يهجو كافورا ويفر فى عيد الأضحى تحت جنح الليل . وشعره في كافور مدحاً وهجاء يفيض بالثورة على الزمن والتشاؤم الشديد ، رحابه ، مسقط رأسه ، وتحول عنها إلى بغداد ، وحاول الوزير المهلبي أن يجذبه إليه ، ولم يمدحه . فوقع ذلك من نفسه وشلك الرجوع ، غير أنه رأى أن يذهب إلى فارس وعضدالدولة ووزيره ابن العميد، نائلا عمرا . ونراه يؤثر العودة إلى العراق، ولعله كان ينوى الذهاب إلى سيف الدولة ، ويقاتلهم ، فهو فيتحدث عن تجاربه وشكواه أو يصف شعب بدوان . صدقاً ولا عاطفة ، من شعره . وهى ثقافة واسعة ، وأتيح له ذلك كما أسلفنا منذ نشأته ، إذ نشأ فى الكوفة وتربى فى مدرسة للعلويين ودرس الفلسفة ويظهر أنه كان مطلعاً على كثير من النحل والعقائد كما يدل على ذلك مثل قوله : تمتع من سهاد أو رقاد ولا تأمل كرى تحت الرجام (1) فإن لثالث الحالين معنى سوی معنى انتباهك والمنام (۲) يؤمنون به - موت ولا نوم . دهرية كان يعرف المجوسية ومعتقداتها ، كقوله في هجاء ابن كيغلغ : يا أخت معتنق الفوارس في الوغى لأخوك ثم أرق منك وأرحم يترنو إليك مع العفاف وعنده أن المجوس تصيب فيما تحكم يقول العكبرى : إن المجوس يحلون تزوج الأخوات فأخوها من حسنها يرى أن المجوس أصابوا في حكمهم (٣) . ويقول فى بعض ممدوحيه : وكم لظلام الليل عندى من يد تخبر أن المانوية تكذب ۳) وكان يقول الخير من النور والشر من الظلمة فرد عليه المتنبي ، فقال : كم نعمة لظلام الليل عندى تبين أن المانوية الذين نسبوا الشر إلى الظلام كاذبون (۱) . كيما تزول شكوك الناس والتهم. فإنه حجة يؤذى القلوب بها من دينه الدهر والتعطيل والقدم والحق أن ثقافته العقلية كانت واسعة ، كبيرا في شعره ، يقول صاحب معاهد وحوشيها، ولا يُسأل عن شيء إلا ويستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر ، حتى قيل إن الشيخ أبا على الفارسى قال له يوماً : كم لنا من الجموع على وزن فعلى ؟ فقال المتنبى فى الحال حجتلى وظربى، قال الشيخ أبو على: فطالعت أجد (۲) ويذكر البديعي : : أنه لما وقع الجدل بين أبي الطيب اللغوى وابن خالويه في حضرة سيف الدولة طلب إليه أن يشترك فى الجدل ، فناصر أبا الطيب واتى من الحجج ما أعانه (۳) ) . ويقال إنه لما رحل إلى بغداد ناظر الحاتمي في اللغة (1) كما يروى أن ابن العميد قرأ عليه بعض الكتب اللغوية (٥) . إذا كان ١٠ تنويه فعلا مضارعاً مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم ونماذجه ،