السياسة هى طريقة ابتدعها البشر لإدارة العلاقات بينهم فى مجتمعات تطوى داخلها مصالح متضاربة. كان «خط التقسيم» الأهم فى كافة المجتمعات، تقريبا هو ذاك الذى يميز بين من يملكون ومن لا يملكون. بين أصحاب الأراضى والفلاحين. مقالات متعلقة ذهنية الخطر الوجودي هوامش تاريخية على المسألة الروسية فى أثينا، تمثلت فى الديون. إذا كُنتَ من فقراء أثينا، وفسد محصولك لعامٍ أو اثنين، فى النظم الاقتصادية الحالية أيضا ما يُعرف بقوانين الإفلاس. هكذا سقطت الكثير من الأسر فى «عبودية الدين». عند نقطة معينة، عُهد بهذه المهمة إلى «صولون»، الحكيم الأثينى المعروف. تفتق ذهنه عن تسوية معينة. ألغى عبودية الدين، لكنه لم يُعد توزيع أراضى الأغنياء على الفقراء، أى أنه حافظ على الملكية. ولم يُرض الفقراء على نحو كامل. كان ذلك دليلا- فى نظر «صولون»- على أنه حلٌ جيدٌ. لماذا؟ لأنه ينطوى على تسوية. المعضلات الاقتصادية فى العُمق هى قضايا سياسية، ذلك أنها تتعلق فى الأساس بتوزيع الموارد فى المجتمع: من يحصل على ماذا؟. علاج «صولون» للأزمة الاقتصادية المستحكمة بين الفقراء والأغنياء كان سياسيا أيضا، أعطى «صولون» الفقراء الفرصة- ولأول مرة- للمشاركة فى المجلس العام للمدينة. وصار بإمكانهم محاكمة الأغنياء فى قضايا فساد. لم يُعالج «صولون» قضية الفقر فى ذاتها. هم ظلوا على حالهم فقراء. ما تغير هو شعورهم بامتلاك نوعٍ من «القوة والسلطة» فى المجتمع الذى يعيشون فيه. السياسة، إذن، أو الوصول إلى نقطة الانفجار. أو هى قنوات تحوِّل مسار فيضان هادر ومدمر إلى مصارف وترعٍ عِدة، اليونان القديمة اخترعت السياسة منذ نحو 2500 عام. الطريقة التى مارست بها المدن اليونانية السياسة ظلت شيئا نادرا، ينسى الكثيرون الظرف التاريخى الاستثنائى الذى هيأ لليونان الانخراط فى هذا النشاط العجيب، والذى لا نجد له مثيلا فى الحضارات الأخرى. توفر العبيد والثروات منح الناس وقت الفراغ لممارسة أنشطة أخرى مثل الذهاب إلى المسرح لمشاهدة الدراما (وهو اختراع آخر ابتدعته اليونان فى ذات التوقيت تقريبا!)، وأيضا المشاركة فى الجدل العام عبر ممارسة السياسة. كانت القراءة والكتابة منتشرة بصورة تفوق أى مجتمع آخر فى هذا الزمن البعيد. إلى يومنا هذا مازال ازدهار السياسة مقرونا ومرهونا بتوفر هذه الشروط الأولية: حد أدنى من الازدهار، عندما تنزل السياسة من القصور إلى الجمهور، تصير المجتمعات أيضا عُرضة لحالات الصراع والانسداد. يصل الانسداد السياسى، وإنما هى تمزق نسيجه ذاته وتقضى على مستقبله، ربما إلى غير رجعة. كانت أغلب الحضارات والمجتمعات تنهار من داخلها، وهى أيضا مجال مفتوح لرفع منسوب المنافسة فى المجتمع، ومن ثمّ الاستقطاب. هذا نعرفه من تاريخ اليونان ذاتها. أى أنها كانت لمحة عابرة فى التاريخ الإنسانى المديد. والتهديدات الخارجية. العراق ولبنان، نموذجان صارخان. لا يستطيع تكوين حكومة. فى الحالتين، الاستقطاب متفشٍ. قد يُجادل البعض بأن السياسة، على كل مثالبها الظاهرة فى تجربة كلٍ من العراق ولبنان، تظل بديلا أفضل وأقل كلفةً من الصراع الأهلى، وقد جربه البلدان كذلك. إنها حجة صحيحة. تظل أخف وطأة من الحرب الأهلية. على أن هناك نوعا من الممارسة السياسية، لأسباب لا تختلف كثيرا، ما زالت بعض المجتمعات فى عصرنا هذا تخشى الديمقراطية باعتبارها أداة تزيد الصراع فى المجتمع بدلا من تهدئته وتسويته. مع ذلك، حتى ولو لم يكن كاملا،