انتبهت إلى أن أهلي يسمون المكان الذي نسكنه بالخان . من يأتي عندنا يصفنا بساكني الخان . وهو لا ريب قد كان خانا في يوم مضى : غرفة فسيحة » عميقة » في الطابق الأرضي من مينى عتيق على الشارع العام , وعلى مقربة منه دكاكين كثيرة من كل نوع ؛ كأبواب امخازن » أكاد أعجز عن زحزحته لثقله » وقرب الباب مرحاض صغير » أضيف حتماً بعد الفراغ من بناء الدار في يوم من أيام العهد العثماني الطويل . وبين بابنا الكبير والشارع بوابة خشبية أصغر منه » جعلت مدخلاً للبناية » وهي أيضاً إضافة لاحقة » لعزل المبنى قليلاً عن الشارع » فحالما نتتخطى عتبتها العالية » يواجهنا باب الخان على مسافة ست خخطوات أو سبع . الفضاء » درج حجري مكشوف يصعد إلى الطابق الأعلى الذي كانت فيه غرفة طَلىِ بابها بالاخضرء كلما صعدت إلى فوق . حيث يقيم رجل ذو لحية قصيرة ولا أراه إلا وهو جالس إلى طاولته » يفكك ويركب آلات كوا وهو بير في تصليح الساعات ومن جانب غرفته يصعد الدرج المكشوف إلى طابق ثالث كانت فيه «العليّة» . كانت «العليّة» غرفة مستطيلة كبيرة » يؤمها صباح الأحد الكثير من الرجال والنساء » وبعض الصبية الذين يرتدون قمصاناً بيضاء طويلة » ويرتلون » وفي نشازاً بين حين وآخر بالترتيل ؛ وأنها بيت الله . وأن الشيخ هو الس أبونا حنا » الذي يجب أن نقبّل يده كلما التقيناه . وكانت رائحة البخور تعبق فى هذا الطابق الأعلى طوال أيام الأسبوع , وتتكرم كلما هبّت ريح ملائمة » فتنزل الصباح ؛ والباب مفتوح . البريموس ء الذي كان يطلق صوتا يتفاوت حدة بتفاوت حجم لهيبه » فأشعر أنه يعني . وأمي (التي كانت تغئّي معه أحياناً) بارعة في معالحته بإبرة خاصة » كلما أبدى منَعاً في الاشتعال كما هي تريد . يخرج أبي إلى الشغل وأنا نائم . وعندما نستيقظ أنا وأخحي يوسف » ثم نشرب الشاي الذي تهيؤه عادة جدتي , مع شيء من الخبز والزيتون » نخرج إلى الشارع » ثم يتوافد صبية مثلنا» فننحدر معا من وراء الجامع باتجاه ساحة باب الديرء» حيث عربات الخيول » وقد والسيارات » أو يجلسون في المطاعم والمقاهي المحيطة بالساحة »ء وقد غمرت الوادي » واججبال البعيدة القى تشرف عليها الساحة . ويزول البرد الذي كان أول ما ما تحس به عند الخروج . 0_7 ه:رنيوت ‎١‏ كانت بائعة الطنجرة . وكان هذا حدثاً مهماً. لأن أمي تقول أن لا قدرة لها على شراء الحليب إلا في المناسبات وعند الضرورات . وبين صعودي إلى الطابق العلوي لأقول للراهب يوسف «صباح الخيره ؛ المكشوف الذي أمامها إلى الصبية الذي هم في الأسفل يلعيون في الحارة » وأناديهم وينادونني ‎٠‏ وبين نزولي لأرى كيف يجري طبخ الهيطلية » كانت الأكلة اللذيذة » الموعودة » قد حضرت ‎٠. وقالت : «لنتركه ساعتين ليبرد . سأعطيك منه قليلا » عند الظهر , ولكننا عندما يعود أبوك من الشغل » فهو مثلك يحب الهيطلية . أوصتني أمي بألا أكثر من الخروج والدخول , ريئما تذهب جيدا . ومددت اصبعي إليها , وذقتها . باردة . طيّب . وأخذت لطعة أخرى قبل الخروج . في الشارع ؛ «أتعرف؟ أمي طبخت لنا اليوم هيطلية» . وعندما تمشينا وراء الجامع . التقانا صبيّانَ آخران ‏ وقال لهما صديقي : «أمه 4 وبعد قليل . فقلت لهم : «أمي طبخت هيطلية!» قال أحدهم : «كذاب!» قالوا : «ولكن نخاف من أمك» . جعلنا نتقافز ونتراكض باتجاه الخان . أدخلت أصدقائى , ودخلنا جميعاً - وكنًا سبعة أو ثمانية . أحجام مختلفة . ووجدت أنه لم تبق لي أنا وراحوا هم يأكلون . دخلت أمى وصاحت بنا صيحة اهتزّلها الخان. ورمى الصبية عنهم وجدتني أنا أيضاً أسابق الريح , وقد تشدّت أصدقائي في كل اتجاه . وبقيت أركض حتى وصلت باب كنيسة المهد مبهور النفس . وحيداً لا رفيق لي . وأنا السبب . لم أجد أحداً من رفقتي ألعب معه : على بعد قليل في باب المهد ؛ على طرف من الساحة » كان رجل يسحب لماء من دلو جلدي من بثر كبيرة الفم » ويصبّه كادت مشافرها الضخمة تصيب قعرهء وقد تكشّفت عن أسنان صغفراء رهيبة » وهي تشفط الماء بشراهة . على استدارة أعناقها الطويلة : وضخامة أبدانها , وأخفافها المفلطحة ء التفً حولها حتى تأتي عليه الجمال في الحال . تركتها » متلكثاً في السير ء إلى الطريق المجاور» وتوقفت عند بوابات مخحازن «السوفئير» أتفرج على ما في واجهاتها من مسابح وصور وصلبان من الصّدف ء وجمال صغيرة من خشب الزيتون , وقد صّفْت في قوافل » مقطور بعضها ببعض . بعد مدة زَايلني الخوف » أو نسيته » وجعلت أشعر بجوع شديد . قسرت باتجاه الدار » ولكن » عند الباب » عاودنى المنوف مما ستفعله بى أمى ؛ وصحت : «هة! سبّى!» ‎١‏ 00 وهو يضحك ويقول : «تعال » وأنت تأكل بالمغرفة! عال والله! كيّفنا! يلا » تعال . حين قالت : «يا شيطان! أتوزع أكلنا على الناس؟ أتحسب نفسك ابن سليمان جاسر؟ اشبع أولاً » وقالت : دخمذ الطنجرة يا يوسف , وخذ هذين القرشين » وأركض الى بيت بائعة الحليب . الحليب » اشتر ست أواق » وعد على عجل ؛ لأطبخ وجبة أخرى من الهيطلية لأبيك . لا أريد أن أرى وجهه!» في المساء , وقالت في نفرة مفتعلة : هيلا » اقعد 0_7 ه:رنيوت 0 صبيحة اليوم التالي أصعدني أبي مع أخي إلى الكنيسة مبكرا » وأوقفني في وأحاول أن أرفع صوتي معهم » كلما رفعوا أصواتهم . صغيرة قليلاً من البخور من طاسة نحاسية في يد الولد . والمصلّين » ويهرٌ المبخرة عليهم بإيقاع منتظم ‏ وهي تطلق سحب العطر . وتمنيت لو أنني أحمل أنا أيضا مبخرة مثله » لأبخر الناس » والدار » والدرج » وكل ما في الحارة من بشر ومساكن . فقد قال أبي إن مع سحب البخور تنطلق لو رأيت أولئك الملائكة . وبقيت رؤية الملائكة حسرة في نفسي , كالأشباح - مخلوقات وسطاً بين الطيور والنساء - وأنني ألعب معها . إلى قصعة من الأرز بالحليب . ولسوف نستطيع أن نأكل على هوانا , لآن أمي لن ترى الملائكة , وكنت أسمع أحاديث عن الشياطين أيضاً : وهي سوداء ‏ لها قرون حادة » وتنفث من أفواهها النيران ‏ وتطرقع بأذيالها الطويلة » غير أنها لا تحب رائحة البخور » ولا التراتيل الجميلة . بالحليب . الحديدي في وجهه . وليدقّ عليه بذيله إلى أن يشبع! فقالت له أمي : «خذ أخاك غير أن مدير المدرسة . عندما أخذني أخي إليها معه : نظر إلى نظرة سريعة » وهر رأسه » وسأل يوسف : «أخوك هذكء كم عمره؟ . 0_7 ه:رنيوت 0 أجاب : (خمس سئلوات» . وفى الحال أسرعت بى إلى خليّه عندنا وروحي مع السلامة . وانتبهت إلى أن بيتنا الجديد هذا نسميه بكلمة جديدة علي : «الخشاشي» . سالاد في المدرسة رأيتهم يكتبون . ويفتح الدفترء ويكتب على الورق الأ بيض المسطر . كانوا يرفعون رؤوسهم وينظرون عبر رأس المعلم إلى «اللوح» - وهو مجموعة من أخشاب شدّت معأ على شكل ولكنها الآن بعضها عن بعض . وقد خط المعلم على هذا اللوح بضعة حروف . والصبية ومن عادة كل منهم أن يمد لسانه » ويبلل طرف القلم على حافة لسانه » ويمحو بممحاة صغيرة عليها صورة فيل . ويغمس الأسود المبري بلعاب لسانه . كان ذلك أول يوم لي » أو أحد أيامي الأولى في «مدرسة الروم» الواقعة خلف كنيسة المهد . قلت للمعلم » وأنا على «بنك» طويل بين أربعة أو خمسة أطفال 5 و١‏- قال : «كيف تكتب إذن؟» قلت : «في دفتر أحد الأولاد الذين عندهم دقاتر» . فضحك الصبية . حتى المعلم ضحك ء وقال : «لا يا ولد . غداً أحضر دفترك وقلمك » واكتب» . وخرجنا إلى الملعب . كانت هناك شجرة صنوبر قفزت على الجذع ولحق بى جماعة من الصبية . وما كدنا نلعب قليلاً حتى رأينا المعلم يدق جرسه مرة أخرى . كنت أرى معظمهم كبيراً بالنسبة وأنا في الخامسة . حافى القدمين . وأكثرنا حفاة » غير أن بعض الأولاد الكبار يلبسون أحذية ضخمة , » في ساعة الغداء . ووجدت جدتي في الحاكورة تنظر إلى ظل شجرة اللوز الواقع على حائط البيت . - «ولكنها ساعة الظهر» . - «لاايا حبيبي . لم يصل الظل إلى هذا الحجر بعد . » وأشارت إلى حجر «أتعتقد أننى لا أعرف متى تكون ساعة الظهر؟» . - ولا أدري . فصاحت جدتي : «مرء! حضري الغداء . كانت لي علاقة خاصة بجدتي » من «وراء ظهر» أمي . «عصبية» ؛ 1 1 اقتربت منها - وكان فستانها طويلاً يكاد يبلغ الأرض . «ها؟ عندك شىء تقوله؟ فعلت شيئاً غير لائق؟» فقلت وأنا أنظر في عينيها العسليتين : «سمّي , - دقل ذلك لأمك . أطلب ما تريد من أمك . أو انتظر إلى أن يعود أبوك في وتخلط ما فيها. قلت : يمه » المعلم يقول أن علي أن آخذ معي دفترا وقلما للمدرسة» . - «صحيح؟ ومن أين أجيء لك بالدفتر والقلم؟» - «وأنا من أين لي نصف قرش؟ يلا أقعد وكل » وبلا دفتر وبلا قلم . أخرجت شيئا من الحشيش الذي كنا نجمعه في كيس كبير في طلعاتنا الى الحقول . لكي لا نضطر إلى أخذ الخروفين للرعي كل يوم . وأخذته للخروفين الأبيضين ء المربوطين في «الخشيّة» » كانا كلاهما متمرغين في تراب الأرضية ووضعت لهما الحشيش ‎٠‏ وأقبلا عليه بنهم . أربت على ظهر هذا وظهر ذاك . صبّت أمي الطعام في قصعة كبيرة على الأرض وجلسنا حولها . «هه! الآن دق الظهر!» إذ راحت قباب الأديرة المنبثة في البلدة تقرع أجراسها لتعلن انتصاف النهار ؛ الصف . ولم يكتب أحد شيئاً هذه المرّة . كتب المعلّم حروفاً على اللوح » وطلب من جماعة منا أن تكررها وراءه : 0ع :رنيوت 0 - دتاء!» - «ألف باء!» نص رغيف وكوساية . - «معك تعريفة؟؛ - «روح وأحضر نصف قرش . ووجدت جدتي في الحاكورة تلم الغسيل . ووأخرجت منديلاً معقوداً . وحلّت عقدتين وانفتح المنديل عن أربع أو خمس قطع ولا تخبر أمك . وركضت معنفصاً إلى دكان الطبش » وناولت صاحبه قطعة النقد العزيزة » وقال : «إذا لم تكن لديك براية ء مش ضروري . وجدتي كالعادة كان قرب باب بيتنا مصطبة حجرية طويلة » تمددت فوقها بلّلت طرفه الحاد على رأس لسانى . ولكن ماذا أكتب؟ جعلت أستذكر الحروف التي كتبها المعلم على اللوح في الصباح » وبعد الظهر . كانت الألف سهلة . - 5 - وكتبت !!١١ء‏ ثم ب ب بء وامتلا السطر . وبدأت سطراً آخر . ولكنني وجدت أن أسطري » غصباً عني , مهما حاولت . غيّرت وضع الدفتر أمامي , القلم . في ذلك المساء » كان دفتري «فرجة؛ العائلة . أبي قال «عفارم!؛ «أسطرك نازلة من الجبل » لتشرب الماء؟؛ بالك على الدفتر . ولا تضيّع القلم : أتسمع؟» وجدتي غمزتني جانبياً ؛ متفاهمة «جلبت معي الدفتر والقلم» فقال : : «طيّب » اقعد مكانك واكتب» . ولكن الأولاد الذين بقربي كانوا لا يكتبون ؛ لأن ليست معهم دفاتر » ويضحكون . ويتململون » وأرجلهم الحافية في عبث متواصل » هذا يدفع ذاك بقدمه تحت «البنك» ؛ وذاك يركل ويروح قلمي شاحطاً على الصفحة المفتوحة بين يدي . وجعلني أكتب قال : «هل أعرف أنا القراءة حتى أقرأ بعد الظهر, لم نكتب شيئاً . يتنفس . اكتب لي اسمه على اللوح . . . الخلف . اجعلوا سواعدكم على البنك , هكذا , وناموا . دفنًا وجوهنا بين سواعدنا ء كما أوصانا المعلم » ولكن من منا نحن العفاريت «علامة ضرب» إزاء أحدها . وانطلقت فجأة شخرة عاتية من المعلم » رفع رأسه على أثرها مباشرة » وأجال عينيه الرهيبتين فى وجوه الأولاد . وببطء ؛ أدار رأسه نحو اللوح , فنادى أولها : «جريس ! شرّف!» وخخرج جريس من بين رفاقه » وسار خائفاً نحو المعلم : «والله يا معلمي ما حكيت . ولا ضحكت» . بلا حكي!» وفتح الولد يذه » وضربه المعلم بالمسطرة على كف يده ضربة واحدة . فأذاقه ضربتين اثنتين » ثم دق اللترس », . وقد لازمني في العودة ؛ 1 ورقة . كانت أمه منشغلة عنا بالخياطة عندما جلسنا في ركن من غرفة بيتهم » على «طقاعة واحدة » وبس!» قال . فرضيت . فتحه واقتلع الورقتين اللتين في الوسط , وأدخلها بين طرفيها , 0_7 ه:رنيوت 0 سحبها بسرعة ؛ ونفضها بقوة , فأطلقت صوتاً انفجارياً بديعاً . أعاد الطي . وأعاد العملية » و «طقع» مرة أخرى . قال : «أأعمل لك واحدة؟ة قلت : «أنا أعملها» . واقتلعت ورقتين من وسط الدفتر » وعملت طقاعة , وطرقعت! ثم عملنا طقاعة أخحرى » فأخرى - إلى أن أتينا على الدفتر . وأم عبده ترقبنا بنصف عين , وتقول بين حين وآخر : ابلا دوشة يا جماعة!» وخرجنا إلى الشارع » ونحن نطرقع » وجيوبنا ملأى بعتاد من الطقاعات . ووجدنا أصدقاء , ورحنا جميعاً نطرقع . . إلى أن غابت وأسرعت إلى البيت . قلت : «أخذه المعلم» . - «ليحفظه في الجرار عنده . وعندما عاد أبى من العمل . قلت : «عند المعلم» 1 وسألنى أخى يوسف على العشاء السؤال نفسه » وأجبته بالجواب نفسه . وغت تلك الليلة وأنا أفكر في الطقاعات ء وآسف أنني لم أترك على الأقل واحدة منها أطرقع بها في المدرسة . ولكنني شعرت أيضاً بشيء من الخوف . أين لي أن أشتري دفتراً آخر؟ . في اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة . وجعلت أنقش وكلما انقرم بريته بمساعدة أحد الأولاد. حتى كاد نصفه وفى البيت أمطرت من جديد بالسؤال إياه : «أين الدفتر؟» وأجيت : «عند في صباح اليوم الثالث ؛ عندما دق الجرس » جرني عبده من ذراعي . فقلت : «شو هالمدرسة؟ جرس » دائما جرس؟» قال : «بلا مدرسة يأ شيخ! أتجبيء معي؟) قلت : دياذ!» وخمرجنا من باب الملعب راكضين ؛ في اتجاه ساحة المهد . التصوير» ويكلموننا بلغة لا نفهمها ء فيومئون إلينا لكي نقف أمامهم , وباب وقالت : «طبغمت لك اليوم أحسن عدس . بالملح» : حتى اتخمت » واستلقيت على ظهري . فنفرت بي أمي : «قم! قم إلى مدرستك! أم أنك نسيت؟ وقل للمعلم أن يعيد إليك دفترك!» وقالت جدتي : «مهلك على الصبي . فقالت أمى : «والله أفسدته!» حرجت - إلى بيت عبده . وفي على الدوام في المدرسة . ولكن ما كادت قر أربعة أيام أو خمسة » حتى جوبهت في الظهيرة بأمي » واقفة ببوابة الحاكورة » وهي تنتظرني . وجرّتها بقوة عاتية » وصاحت : «أين الدفتر؟» 0ع :رنيوت 0 - ديه ء قلت لك »ء عند المعلم!» ولطمتني على خدّي الآخر . «ملات شارع راس افطيس بالطقاعات :يا كذاب » وكل الذي استطاعت جدتي أن تفعله هوأن تدس في يدي ء وأنا أبكي في الحاكورة » قطعة خحبز وزرٌ بندورة » ودفعتني إلى الهرب . وخرجت . » وجلست على الدرج النازل إلى الطريق ‎٠‏ وأكلت غدائي البائس وأثر الملح في عيني يؤذيني , وقرّص أمي ما زال بيخز في خدي وفخذي . وقرّر أبى ذلك المساء أن يرسلني إلى مدرسة السريان الكاثوليك التي يعرف وأتعلم الألف 0_7 ه:رنيوت 0 حاكورة فيها شجرتا رمان وشجرة لوز أو شجرتان ؛ وبين مأوانا والخشية » التى هي مأوى المخراف والدجاج ‏ مشى يفصل أيضاً بين الحاكورتين » ويمتد من وكانت غرفتنا وخشيّتنا كلتاهما مسقوفتين بالأحطاب » وجذوع الأشجار وأغصانها . من الداخل » ظاهرة التفاصيل فى السقف المنخفض » وهى تتداخل وكان من مهام أبي وبقية أفراد العائلة بين الحين والحين » ولا سيما قبل مقدم الشتاء » دك السطح بالدرداس . . ولم يكن هذا بالطبع ليمنع الدّلف أو الخرير عندما تسقط الأمطار» ولكنّه يقلّله ويحصره على الأغلب في الزوايا . وكشيراً ما كنت أستلقي ‎١ -‏ و - 0_7 ه:رنيوت على ظهري . على أرض الغرفة الترابي » أو على الحصيرة » وأرقب مصارعة الجرذان المعشعشة بين أحطاب السقف . وأكثر من مرة » صرع جُرذْ جرذا آخر ء فالتقطته قطتنا «فلة» ببراعة . كانت «فلّة» على رقتها الظاهرة » ورقّة اسمها . تتكشف عن شراسة النمرة حين تمجابه بالفريسة . وكثيراً ما رأيتها تجابه الفغران » وتجمّدها رعباً » ثم تقضي عليها . ولكنها ذات يوم , حين أقعت بوجه إذ راح يرفع قدمه الأمامية أعلى الجبل الذي بنيت البلدة على سفحه منذ القدم . الطريق العام المعروف برأس أفطيس » أو شارع النجمة كما سمي فيما بعد . من الشارع كنا نصعد الدرجات الحجرية اللامنتظمة ؛ التي صقلتها الأقدام مع مرور الزمن » لكي نبلغ زقاق دارنا . بعمارة فخمة على اليمين » مبنية من حجارة «مدقوقة» منتظمة ء لها بوابة حديد صبغت ذات يوم غابر بطلاء أبيض . وعلى اليسار جدار عال » عند قاعدته معلف يربط عنده حمار أبيض . كلما وقف عبر المدرج ورأسه في المعلف ومؤخرته متجهة نحو الدار الفحمة ؛ كان هذا حمار «الحكيم الرومي» ء المقيم في تلك الدار . والحكيم الرومي هذاء لا أظن أن أحداً كان يدعوه باسمه , أو حتى يعرف اسمه . إنه أشهر طبيب فى البلدة . الأرستقراطي الأبيض ». بينما كانت الحمير الأخرى أقرب إلى الرمادي المسكين في لونها - وحقيبته في خرج الحمار الأحمرء وهو ينهره بشموخ وأنفه بخيزرانة 0_7 ه:رنيوت 0 في طريقة إلى دار هذا المريض أو ذاك . كان «الحكيم» رجلاً قصيراً . أولشيء . لم تقسم بيني وبين هذا الطبيب أو حماره أية مودّة . هذا الحي . أردت صعود الدرج إلى البيت » والحمار واقف على قوائمه يكاد يسدٌ عرض المعبر بجثته , في المستهل . تنبت الروث مااستطعت » وقصدت الفسحة الضيقة التي تركتها عجيزته للعابرين » وهو يكش بذيله عنها الذياب والقراد . ولا أظنني » حين تريثت طويلاً للنظر إلى ذيله وحشراته » ولكنني ربما مددت يدي الى ونفذت إلى الدرجات العليا وأنا مرتعب أبكى . وكان ذلك درساً أليماً » ومبكراً فى حياتى . علّمنى ألا أقترب من الحميره أو أن أعمل الحذر الشديد إذا اضطررت إلى الاقتراب منها ومن أضرابها . الحركة » ولم أفهم بالضبط ما الذي جرى لها عندما وجدتها لا تغادر فرشتها الملقاة على الأرض » وهي تتلوى وتئن » وطلبت إلى جدتي أن أنزل الدرج إلى دار ا لحضور إلى دارنا لمعالجة أمي . ولو لم أدرك أن الأمر خطير على نحو ما لما جازفت بدخول العمارة التي يقيم فيها الحكيم ؛ وحماره مربوط بالمعلف على بعد خطوة أو خطوتين من الباب . يتهيأ للخروج . وقبل أن أقول له - كما علمتني جدتي - «صباح الخير »» سألني عابسا : اوين » وين ء يا ولد؟» قلت متلعثماً : «أمي مريضة يا حكيم» . 0ع :رنيوت 054 - «ومن هى أمك؟» لا أذكر كلماته بالضبط ‏ التي لم أفهم منها الكثير أصلاً » بسبب لهجته الرومية » ولكن لا بد أنني أفهمته ما أريده , الدار . ولم تطل الزيارة . وهي في أللها مندهشة : «خمسة تأفف الطبيب » ثم قال : «طيب هاتي قرشين ؛ غير أن أمى دسّت يدها تحت وسادته ؛ تقول بكبرياء : «لاء لا ء تفضل . شكرأ» 1 سترته » ولحظت السلسلة الدقيقة التى تمند من أحد الأزرار إلى الجيب المقابل : سحبها بعناية » وأخرج ساعة صفراء فتحها ليعرف الوقت ؛ البراق بنقرة حلوة » وأعادها إلى جيبه . والتقط حقيبته » وخرج . وقد خخاطت لى أمى كيساً أحمله حول أخذت الكيس . » وانطلقت نزلا فى اتجاه «الطريق الجديدة» » حيث كانت المدرسة : وهى أيضاً غرفة واحدة كبيرة بن ت قرب كنيسة حديئة التشييد» ملأى بالمقاعد الطويلة . فتى؟) . قلت : «أحذت الحكيم الرومي لأمي» . . حسناً » شفاها الله . تتساقط من شفتيه ء ولا نفهم الكثير منها ء ولو أننا قد نحزر معناها - أحياناً . راس روس » دار دور»