بسم الله الرحمن الرحيم ذكر ابن بطوطة في رحلته الى الهند عن امرأة يقال لها: السلطانة رضية ولاها أهل البلد الملك، ولما أدركها الجوع وأجهدها الإعياء قصدت رجلا يحرث الأرض وطلبت منه ما تأكله فأعطاها خبزا وبعد الأكل غلها النوم فنامت في حقل ذلك الفلاح، وبعد سنوات طويلة بُنيت قُبّة على قبرها ومع مرور الزمن صارت تلك القبة تزار ويتبرك بها الناس، ويحدثنا التاريخ كيف أن عمرو بن لحي الخزاعي قد سافر إلى الشام فوجد أهلها يعبدون الأصنام، فلما سألهم عنها قالوا: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، ويروي لنا القرآن الكريم كيف أن قوم نوح عليه السلام كانوا يصرون على عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق، وكانوا يتواصون بالتمسك بتلك العبادة وعدم اتباع ويذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الخمسة كانوا رجالا صالحين، وقليل من الناس من يُعْمِل عقله ويغوص في أصول تلك المعتقدات ليعرف حقيقتها ويعرف كيف تكونت وتطورت. ثم بعد مدة من التجربة العمليّة والتّطور التاريخي أفرز مَنْظُومَة فكرية مبنية على تراكمات مسيرته العملية، وقد اتفق شيعة من اهل العراق أن علي بن أبي طالب بالقَوْلِ بفكرة الحُكْمِ الوراثي في ذريته كما اتفقوا على القول بإمامة ابنيه الحسن والحسين من بعده، هذه الدراسة تقدم تفسيرا لنشأة التيار الشيعي وتطوره من معارضة سياسية إلى فرقة دينية ذات منظومة فكرية شاملة وتبيّن أسباب ظهور المعتقدات الأساسية للشيعة الإثني عشرية باعتبارهم أهم الفرق الشيعية الموجودة، أحدهما: مكانة هذا الكتاب في المذهب الشيعي الإثني عشري وثانيهما: أنه تم تأليف هذا الكتاب بعد انقطاع سلسلة الإمامة بفترة قصيرة، ولا يمكن اتهامهما بتزوير الحقائق التاريخية ضد الشيعة هما: تاريخ اليعقوبي لـ أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (توفي في حدود سنة 296هـ)، أما ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالفِرَق الشيعية فقد تم استخدام كتاب فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، وفيما يتعلق ببعض المصادر الشيعية نقلت عن الدكتور عبد الحميد خروب في رسالته رواية الحديث عند الشيعة الإمامية: دراسة وتحقيق، المصادر الأساسية للحديث عند الشيعة هي: 2/ مَنْ لا يَحْضُرُهُ الفَقِيه للصدوق، ولما كان النظام السياسي في ذلك الوقت خاضعا لأعراف النظام القبلي والنظام الوراثي، فإنهم جعلوا الحكم وراثيا في ذرية الزعيم الرَّمْز الذي رَأَوْهُ أَوْلَى بالحكم، وتتابع الأمر على ذلك في الممالك التي قامت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وكلّما طال أمَدُ الصراع ازداد التطور حتى وصلت الفكرة في النهاية إلى مرحلة تكوين مذاهب فكرية وعقدية متكاملة لمجموعة كبيرة من الفِرَق الشيعية تحمل كل إفرازات المراحل المختلفة للصراع. لأن ذلك يعني إضعاف المذهب وتعريضه إلى انتقادات وهزات قد تهدم بُنْيَانَهُ من الأساس، وإذا اكتشف صاحب البيت بعد اكتمال بُنْيَانِه أن بعضاً من حجارة أساس البيت غريب ودخيل، ومحاولة إعطاء المشروعية لتلك الحجارة الغريبة الدخيلة، 2 بواكير النشأة السياسية وبالضبط إلى الوقت الذي جمع فيه الله سبحانه وتعالى الخلق في عالم الغيب- على شكل ذُراتٍ وأشهدهم على ربوبيته سبحانه وتعالى، ومن أجل إثبات ذلك عمدوا إلى تأويل آيات القرآن الكريم وبعض أحداث السيرة بما يؤيد ذلك، ودعموا ذلك بنسج شبكة كبيرة من الأخبار حول تلك الأحداث وأسباب نزول القرآن الكريم) ومثل هذه المبالغات معهودة عند أصحاب الفرق الدينية من أجل إثبات المشروعية، وكان لابد من رجل يخلفه ويتولّى إدارة شؤون الدولة الإسلامية، وكان من الطبيعي أن تكون للصحابة آراء مختلفة فيمن يرونه أولى بتولّي الحكم بعد الرسول الله؛ وإنهم هم الذين أووا الرسول وأصحابه الفارين من اضطهاد المشركين في مكة وغيرها من البلاد، ورشحوا للخلافة أبا بكر الصديق لقد كان مما اتَّصف به الأنصار - رضي الله عنهم صفاء النفوس، وقد جعلتهم تلك الصفات النّبيلة يتخلون عن رأيهم في أحقيتهم بالخلافة بمجرد أن بيّن لهم أبو بكر أنّ مصلحة الأمة في تلك الظروف تقتضي وحدتها، فإذا تم اختيار حاكم من قِبَل أغلبية المواطنين وَجَبَ على الكلّ العمل تحت سلطته والخضوع للقوانين العامة للدولة، وأبو سفيان وعتبة بن أبي جهل كانا من أوائل الذين دعوا إلى ترشيح عليّ للخلافة وعارضوا اختيار أبي بكر الصديق لذلك ولكنهما غيّرا رأيهما فيما بعد. ولم يكن للمجموعة التي كانت تفضل ترشيح علي بن أبي طالب للخلافة نشاط سياسي معروف في تأييد علي بن أبي طالب سوى أثناء اختيار الخليفة الأول؛ 3. تبلور التيار السياسي للعلويين (انصار علي) والفتنة التي حصلت بين علي وشيعته من جهة ومعاوية وشيعته من جهة أخرى، وكان من الطبيعي بعد مقتله أن يُبايع أهل الكوفة وما جاوَرَها ابنه الحسن بن علي بالخلافة، فضلاً مع عن أن ثقافة الحكم السائدة فيهم هي مبادئا لتواصل للنظام الوراثي. فكيف لم يشفع هذا لأبي سفيان؟ ولماذا لم يَعُدَّه الشيعة من مؤسسي مذهبهم أو على الأقل واحداً من أفراد الفرقة؟، وحفظ للأرواح التي تُزْهَق في صراع سياسي لم تكن تعلم نهايته حتى سَمُّوا ذلك العام بعام الجماعة ولكن مجموعة من شيعة علي رفضوا ذلك الصلح رفضاً شديدا، بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة انتهى الصراع السياسي بانتصار ميداني للأمويين والاستيلاء على السلطة كاملة وخضوع العراق -بما فيه الكوفة- لسلطان الدولة الأموية، طائفة شعروا بوَخْزِ الضمير بسبب خيانتهم للحسين وعدم الخروج للقتال معه؛ لأن عملهم ذلك كان في اعتقادهم رمز التّوبة من خيانة الحسين وتسليمه للقتل في معركة كربلاء. طائفة اكتفت بتعيين إمام نظري يمثل رَمْزَ التَّواصل مع ويمثل السلطة الروحية لهم، وهؤلاء هم الذين اختاروا زين العابدين علي بن الحسين ليكون الإمام الرمز لهم. ورأوا أنّ الخيار الأفضل هو مواصلة الثورة ضدّ الأمويين في صفٌ مُنَظَّم مع رفع شعار الانتساب إلى واحد من ذريّة علي بن أبي طالب وهم الذين قاتلوا في صفّ المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي اختار محمد بن علي بن أبي طالب (المشهور باسم محمد بن الحنفية ليكون شعارالمشروعية لثورته وطموحه للحكم. وفي حَجب الولاء الباطني عن السلطة القائمة وإعطائه لإمامهم النظري الذي يمثل رمز التواصل مع البيت العلوي،