أو عظة بليغة أثرت في عقله ووجدانه؟ إن الإنسان بكونه كائنا اجتماعيًا محتاج إلى التواصل مع غيره، فماذا تعرف عنه ؟ وماذا تُجيد منه ؟ إننا كثيرًا ما نزعم إجادة الإصغاء والالتزام به، ومن اعتاد الإنصات عرف ما تقتضيه العلاقات البشرية من حسن تجاوب وتواصل، لذلك كان للإصغاء آداب لا تقل شأنا عن آداب الزيارة والتحية وغيرهما من مظاهر السلوك. وأن يُمهله حتى ينقضي حديثه فلا يقطعه سواء أوافقه فيه أم خالفه، بل إن جلسة المستمع أمام محدثه هي الأخرى من الآداب التي تشيع روح التفاهم والاحترام والود بين الناس. ونقل عن أحد الذين جربوا قيمة الإصغاء في المجالس قوله: تعلمت منذ سنوات درسًا لفت انتباهي إلى ما للإصغاء من أهمية، قلت له دون روية يا لها من أيام أمضيتها في المرح والاستجمام وإذا بالرجل ينظر إلي مستغربا مما سمع، ذلك؟ لقد قلت لك إن حادثا ألم بي فأنهيت آخر أيام الإجازة في المصحة !! ولا شك في أن هذا المتحدث قد رأى نفسه في هذا الموقف كمن يتحدث في هاتف معطل، من سوء الاستماع ما جعله يقطع حبل الحديث. يكون ضروريًا في تبصير النفوس بالحقائق الدينية وتوعيتها بواجباتها نحو خالقها، ذلك أن الله قد أنعم علينا بنعم نعدها فلا نحصيها، وقد جعل الله السمع لدى المؤمنين مبعث طاعتهم وخشوعهم في قوله تعالى ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ) ( مثلما أمر بوجوب الإنصات عند سماع وحسبنا من قيمة الاستماع أنه من الخلال التي خص بها الله تعالى المؤمنين، الَّذِينَ هَدَتْهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) "). من أجل ذلك يتعين على المؤسسات التعليمية أن تُعلم من يرتادها كيف يُجيد الإصغاء قبل أن تُعلمه ضروب المعرفة لأن الإصغاء فن من فنون الحياة، فما أحوج مجتمعنا إلى طالب إذا أقبل على العلم أجاد الاستماع والفهم ممن يُعلمه، ويخفف وقعها عليه ألا ترى - بعد هذا كله - أن في الإصغاء وفاقا ومودة بين الإنسان وأخيه الإنسان؟ وأن بالإصغاء تتجاوب النفوس،