خالدة على مرّ الزمان , حين هب الإسبانيون يحرقون الكتب العربية , ويهدمون المكتبات والجامعات ويذبحون العلماء والمفكرين والأدباء , ويقضون على آثار العرب في الأندلس القضاء الأخير , ولسوء الحظ أتلفت مكتبة العرب في أسبانيا , التي أضافت إلى بلاغتهم في التعبير مقدرة فائقة في الخيال والتصور مما جعل الأدب العربي في الأندلس - كما يستدل من البقية التي تخلفت لنا – من أجود آداب اللغة العربية منذ القدم . ولهذه المكانة الجليلة للأدب العربي في الأندلس فستكون هذه المادة بوابة تفتح على هذا الجمال الذي زخر به . الموقع الجغرافي وسبب التسمية : ومن الجنوب مضيق جبل طارق وجزء من البحر المتوسط الذي يكتنفها ممتدا إلى شرقها , أما في الشمال فتحدها فرنسا التي كان يطلق عليها العرب بلاد الفرنجة . وإنما سميت جزيرة بالتغليب كما سميت جزيرة العرب بذلك . سألت القوم عن أنَس فقالوا : بأندلسٍ , وأندلسٌ بعيدُ أما سبب تسمية الأندلس بهذا الاسم فلكي نعرفه علينا أن نقف أولا أمام هذه الكلمة لنسأل : هل عرف العرب هذا الاسم الأعجمي قبل الإسلام ؟ والواقع أن العرب لم يعرفوه إلا في الإسلام , حيث سمى العرب جميع البلدان الإسبانية التي فتحوها باسم ( الأندلس ) وليس من السهل شرح هذه التسمية ولكن يمكن تقريبها من اسم جماعات الفنداليين الذين هاجموا أسبانيا ومروا بها مهاجرين إلى أفريقيا الشمالية في بدأ القرن الخامس الميلادي . إذ يقال إن هؤلاء الفنداليين عند قطعهم مضيق جبل طارق سمي المرفأ الذي أبحروا منه باسمهم وقيل له ( فَنْدَلس ) , وقد بقي هذا المرفأ على اسمه حتى جاء المسلمون فجعلوه شاملا لجميع البلدان التي احتلوها بعد أن حرفوه وجعلوه ( أندلس ) . ثم لا يجدون ما يقتاتون به غير الكفاف والحرمان . والعبودية للفلاحين . وأسسوا ملكًا كبيرًا كانت عاصمته طليطلة واستمر هذا الحكم حتى الفتح الإسلامي , وقد أساء القوط في إدارة شؤون البلاد ؛ لأنهم أخلدوا إلى الملذات , ولم يهتموا بأمور الشعب بل جعلوا منه عبيدًا أشقياء , ودولة حالتها هذه لا بد أن يمقتها الشعب ويتمنى زوالها . وكان يحكم إسبانيا قبل الفتح مباشرة ملك القوط (رذريق ) الذي إعتلى العرش بعد وفاة ( غيطشة ) بينما ظلت (سبته) تحت حكم ملك يدعى ( يوليان ) الذي كانت بينه وبين (رذريق ) عداوة مستعرة , وبغضاء مستمرة , لهذا كان الأول يتحين الفرص للإيقاع بالثاني , وبدأ خطته بأن كتب إلى ( موسى بن نصير ) عامل ( عبد الملك بن مروان ) على المغرب , وسهولة فتحها ؛ لما تعانيه البلاد من تفكك وانقسام , فأرسل موسى بدوره إلى الوليد يستأذنه في هذا الفتح , ولا يقتحم بحرًا شديد الأهوال غير خبير بدروبه ومسالكه , عادوا بعدها إلى المغرب , وسبايا وفيرة , ثم عاود يوليان الكرة في تحريض موسى على الفتح , فنجح في التأثير عليه واختار موسى بربريا من مواليه يدعى ( طارق بن زياد ) على رأس جيش قوامه سبعة آلاف من البربر ليس بينهم إلا ثلاثمائة من العرب للقيام بمهمة الفتح , وحملتهم السفن التي أعدها لهم يوليان في الخامس من رجب عام 92 ه , فعبرت بهم بحر الزقاق من سبتة إلى جزيرة الفندال , ولكن روذريق لم ييأس , ونجح في ضم أولاد غيطشة إلى معسكره بالرغم مما يضمرون له في نفوسهم من ضغينة وكراهية ؛ كما يقول المقري في ( نفح الطيب ) . والتحم الجيشان في حرب مستعرة , استمرت ثمانية أيام كان النصر في نهايتها حليف المسلمين , وتم ذلك في رمضان سنة 92 ه ثم فوجئ طارق برسالة تأتيه من موسى بن نصير يأمره فيها بالتوقف عن مواصلة الفتح والتوسع والانتظار حتى يصل إليه بنفسه ( وينسب بعض المؤرخين هذا التصرف من موسى إلى الحسد , ثم وصل إلى ( طليطلة ) فقابل فيها طارق الذي تم له افتتاح معظم أجزاء الأندلس , وعاد الاتفاق بينهما , ثم تابعا الفتح متوغلين في الأندلس , غير أن الوليد بن عبدالملك أمر موسى بالعودة , فولى موسى ابنه ( عبدالعزيز ) على الأندلس وعاد هو وطارق إلى عاصمة الخلافة بالمشرق عام 95 ه , مرحلة عهد الولاة ( 95- 138) : وتطلق هذه المرحلة على الفترة الواقعة ما بين الفتح وتولي بني أمية مقاليد الأمور , وكانت الأندلس في هذه الفترة تابعة للخلافة في دمشق , وقد ولي الأندلس خلالها ثمانية عشر واليًا , ولم تكن فترة الولاية تطول لكل منهم , وقد تسبب كثرة الولاة وقصر مدة كل منهم وتنافسهم على مقاليد الأمور في اضطراب الأحوال في عهدهم وذر قرن العصبيات القبلية , فلم يقتصر الصراع على العرب فيما بينهم بل شجر بين العرب والبربر الذين كانوا يعتدون بطارق بن زياد البربري فاتح الأندلس ويعتقدون بأحقيتهم في حكم البلاد , وكان من الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة الصراع هذه موجات الهجر المتتابعة التي وفدت إلى الأندلس , فنشأ الصراع أولا بين العرب والبربر , وفد إلى الأندلس فوج جديد من المشرق مع ( بلج بن بشر ) وكانوا حوالي عشرة آلاف جُلُّهم من العرب , جاء إلى الأندلس من يسمون بـ ( الطالعة الثانية ) وكانوا بصحبة أبي الخطّار الكلبي , ومعظمهم من أهل الشام فأضافوا عنصرا جديدا , المرحلة الثانية : مرحلة السيادة الأموية (138-422) : - إمارة قرطبة . - خلافة قرطبة . أولا : إمارة قرطبة : بدأت هذه المرحلة بدخول عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس , وقد تداول الحكم بعده ستة من أبنائه وأحفاده هم : هشام بن عبدالرحمن الداخل , وعبدالرحمن بن الحكم وولده محمد , وقد طالت مدد حكمهم ( أو حكم أكثرهم ) حتى نيّفت على الثلاثين , وكان لذلك أثره في استقامتهم فمنهم من اتخذ من سيرة السلف الصالح قدوة يقتدى بها في الحكم , وكان بعضهم يحاول أن يتشبه بالخلفاء العباسيين الأقوياء كالحكم بن هشام الذي سار سيرة أبي جعفر المنصور , يقرّب العلماء والفقهاء , وكان هؤلاء الأمراء الأمويون يتصفون بالتسامح الديني ولم يتورعوا عن تعيين النصارى في المناصب السياسية والحربية , وشجع هذا التسامح على اعتناق العديد منهم الإسلام , وقد أدى ذلك إلى ازدهار الحركة الأدبية بفضل رعايتهم لها ثانيا : خلافة قرطبة : تبدأ هذه الفترة بتولي عبدالرحمن الناصر الخلافة فهو أول من تسمى بأمير المؤمنين في الأندلس , وذلك بعد أن فقدت الخلافة العباسية في المشرق هيبتها وحضورها الفعلي , فاغتنم الناصر هذه الفرصة وأعلن نفسه خليفة , تبدأ هذه الفترة بالحاجب المنصور وهو محمد بن عبدالله بن أبي عامر الذي أمسك فيقبضته بأزمة القيادة في عهد هشام المؤيد الذي تولى الحكم وهو حدث صغير فأقام عهدا جديدا يطلق عليه المؤرخين ( عهد الدولة العامرية ), وعاد الأمر إلى البيت الأموي , ولكن الخلفاء الذين جاءوا بعده كانوا ضعافا فأفلت الزمام وانتهى هذا العصر بخلع آخر خليفة أموي في قرطبة وهو هشام الثالث فاقسم البلاد أمراء وزعماء من العرب والبربر و الموالي وبدأ عصر ملوك الطوائف . عهد ملوك الطوائف ( 400-536 ) : وهذه المرحلة تبدأ قبل سقوط الدولة الأموية في الأندلس بعشرين عاما تقريبا , عهد المرابطين ( 495- 555) : كان المرابطون حكاما للمغرب العربي في شمال أفريقيا , واستنجد بهم ملوك الطوائف وخصوصا المعتمد بن عباد , وكان أساس دعوتهم الاهتمام بعلوم الدين والقضاء على الفساد , وقد اتصف المرابطون بالزهد والتقشف , وابن طفيل , وابن رشد , وكلهم من الفلاسفة ,