القول بأن الحد من التجريم يؤدي إلى إلغاء تجريم السلوك، وبالتالي إعادته إلى دائرة الإباحة من جديد، يعني أن الحد من التجريم إجراء ينصب على السلوك بمعزل عن شخصية مرتكبه، وبالتالي فإن للحد من التجريم طابعا موضوعيا مجردا، إذ تؤثر فيه بعض العناصر الشخصية، وذلك على سبيل الاستثناء. وعلى ضوء التحديد السابق يقترح الأستاذ "محمود طه جلال" تعريفا للحد من التجريم بقوله: "هو إلغاء للوجود القانوني للقاعدة الجنائية وذلك بشقيها، على نحو يؤدي إلى نزع الصفة الجرمية عن السلوك، وإباحته جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية، وذلك لأسباب تستند إلى اعتبارات من الملاءمة تمليها السياسة الجزائية". وإن كان هذا التعريف قد يعد أدق وأوضح التعريفات المقترحة، إلا أنه يلاحظ عليه قصره نطاق الحد من التجريم في صورة واحدة وهي إلغاء نص التجريم برمته، وذلك حينما قال "إلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجنائية"، بينما الحد من التجريم قد يكون من خلال تعديل مضمون هذه القاعدة، وذلك بنزع وصف التجريم عن إحدى حالات السلوك المجرم، كالصورة غير العمدية للسلوك دون الصورة العمدية، أو قصر نطاق التجريم على فئة من الأشخاص بعدما كان التجريم يشمل كافة الأشخاص. وبالتالي فالحد من التجريم قد يحد من نطاق القاعدة التجريمية دون أن يلغي وجودها القانوني. ومن خلال ما سبق يمكن الاعتماد على التعريف السابق مع بعض الإضافة وذلك كالتالي: "الحد من التجريم هو إجراء تشريعي ذو طابع موضوعي، يتخذه المشرع وفقا لسلطته في الملاءمة، استناد إلى معيار الضرورة والتناسب، وذلك بإلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجزائية أو تقليص نطاقها، وبالتالي إعادة السلوك إلى دائرة الإباحة من خلال الاعتراف بمشروعيته القانونية من الناحية الجزائية،