وقفة السبية على بني خالدوفيها وقعة السَّبية (۱) المشهورة ، سميت بذلك لكثرة ما فيها من الحلي والحلل، وذلك سبي أن محمد بن عريعر وأخاه ماجد استلحقوا عربانهم وأتباعهم من بني خالد وغيرهم ، وظهروا قاصدين نجد لمحاربة تركي وأتباعه ، وسار فهيد بن مبارك الصيفي رئيس أعراب سبيع ومعه جملة من عرباته ومعهم أيضاً فدغم بن لامي وفراج ابن شبلان ورؤساء المقالدة من أعراب مطير وكثير من عربانهم ، وضويحي الفغم رئيس أعراب الصهبة من مطير وعربانه ، ومعهم أيضاً مزيد من مهلهل بن هذال وجملة من أعراب عنزة ، ومطلق بن نحيلان رئيس بني حسين وعربانه ، وغيرهم من أخلاط البوادي ، وسار محمد بن عريعر وأخوه ماجد بتلك الجنود فنزلوا خفيسة المهمري الخبرا المعروفة بين الدهنا والصمان ، ويشربون من ماء معقلا ماء قريب منهم ، فلما بلغ تركي بن عبدالله رحمه الله تعالى خبرهم ذلك أمر على جميع نواحي المسلمين من أهل العارض والجنوب والوشم وسدير والقصيم والجبل ووادي الدواسر ، واستنفرهم مع ابنه فيصل وأمر على أتباعه أيضا من العربان بالمغزا معه ، مطلق المصخ وأتباعه من أعراب سبيع ، وعساف أبوثنين وأتباعه أيضا من سبيع ، وضويحي ابن خزين بن لحيان رئيس أعراب السهول وأتباعه ، ومحمد ابن هادي بن قرملة وأتباعه من قحطان ، وغيدان وأتباعه من آل شامر وآل عجمان ،فسارفيصل في أول شعبان وقصد جموع بني تهم خالد ، ونزل بينهم معقلا الماء المعروف الذي يشربون منه وقطعهم عن الماء ، ووقع الطراد والقتال وتصادمت الفرسان والأبطال،والجنود ، وتلاقت الفئتان وعمل السنان واشتعلت نار الحرب ، وصبر الفريقان وثارت نيران العزائم العدية ، فدارت بين الطائفتين كؤوس المنية ، وعمل أهل البنادق والمتارس بالحجارة ، وتعاقبت الفرسان بينهم كأطيف الطارة ، ، وأظلم الجو من وقع سنابك الخيل ودخان البارود ، واستمر هذا القتال والطراد والحرب والضرب والجلاد مدة أيام وهم يديرون رأيهم وحيلهم فلم يدركوا إلا أن ساقوا على رماة المسلمين إبلهم، فاشتد الأمر بالمسلمين ، فأرسل الموت على ماجد بن عريعر وذاق طعمه ومره ، وذلك في أول رمضان ، فلمالله واستنفره ، فلما بلغه الخبر ركب بشرذمة قليلة من ورجاجيله واستنفر حشد ابن وريك رئيس آل عاصم من قحطان ، وقدم على ابنه في العشر الأواخر من رمضان ، ينزل حتى قابل خيمة محمد بن عريعر وضرب خيمة قبالها فوقع الفشل فيهم حيث رفعها وأقامها ، وأنزل الله النصر لذلك القدوم وبالاعتماد على دعاء الحي القيوم ، فتزاحمت جموع العربان وتلاقت الأبطال والفرسان ، وقتل ذلك اليوم المصخ رئيس سبيع ، وقتل من بني خالد عدة فرسان وعدد من الرجال والخيل حتى قاربوا للهزيمةفلما كان صبح سبع وعشرين من رمضان حملت جموع المسلمين على جموع بني خالد ، وتنزل النصر من الصمد الواحد ، فانهزموا هزيمة شنيعة ، فولوا جميعاً هاربين وعلى أعقابهم مدبرين ، ولا والد على ما ولد ، والمسلمون في ساقتهم يقتلون ويغتنمون ويحمدون ربهم شكراً ويشكرون ، واستولى الإمام على محلتهم وخيامهم وسوادهم وبياضهم من والفرش والابل والأغنام ، وجميع ما معهم من الأواني وآلات الحرب ، ولا سلم إلا الشريد على ظهر فرسه إلا بعض فرقان من مطير هربوا بإبلهم ، هذا وهم في أعظم عدد وعدة وقوة هائلة وشدة ، وقد أقبلوا لحرب المسلمين وقوتهم عندهم أعظم عمدة ، ولو فهموا لقالوا ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذيينصركم من بعده ) .وأقام الإمام تركي وابنه فيصل في منزل هؤلاء الجنود يوما أو يومين يجمع الأخماس من تلك الغنائم مما يعجز عنه الحصر، وكتب إلى رؤساء الأحساء يدعوهم إلى المتابعة والمبايعة فأجابوه إلى ذلك بمن معه من جنود المسلمين ، وقصد الأحساء ، وكان محمد بن عريعرومن معه من عشيرته وبعض رؤساء بني خالد لما صارت الهزيمة ، قصدوا الأحساء فدخلوه ورتبوا ثغوره وقصوره وضبطوه ، ولكن المقادير تغلب التدابير وربك على كل شيء قدير، فلما قرب تركي من الأحساء ، ونزل الحويرات المعروفة أوقع الله الرعب في قلوب بني خالد ورؤسائهم ،وهربوا على ظهور خيلهم وتركوا النساء والأبناء والأموالفرحل تركي ونزل البلد ودخلها من غير قتال ، ونزل تحت القارة المسماة أبو غنيمة ،فسلموا له ، وظهر عليه رؤساء أهل الأحساء وأعيانهم وعلمائهم وبايعوه على القيام بدين الله ورسوله والسمع والطاعة ، وبقي قصر الكوت فيه محمد بن عريعر وخيله وبعض رجاله دخله واحتصن فيه بلا حرب ، فأرسل اليهالإمام إن شئت أن تخرج على إحساننا وإساءتنا فاخرج ،فخرج فعامله بالإحسان والإكرام والأمان ، وأعطاه ما يحتاج إليه من الخيل والركايب العمانيات وغير ذلك من الأمتاع ، وأمر على عمر بن محمد بن عفيصان ومعه خيل وجيش من المسلمين أن يسروا خلف برغش بن حميد والذين هربوا معه من بني خالد ، فأدركهم في أطراف الأحساء ، وأخذ ركائيهم وما معهم وهربوا على ظهور خيلهم ، وأقام تركي وابنه فيصل في الأحساء أكثر من أربعين يوماً ، وأخذ نخيلهم بيت مال ، ورتب رجالاً في الثغور والقصور ، وأدب من تخلف عنها ، وحضهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتعليم الجهال أصل الاسلام، ووفد اليه رؤساء أهل القطيف وبايعوه وكذلك رؤساء عربانهم ، وهو مسرور منصور . ثم قفل راجعا إلى وطنه ، وأذن لغزوه من كل ناحية ، ولرؤساء العربان ، فرجعوا سالمين غانمين ،وفيها أرخص الله الأسعار وفاضت الآبار وبلغ البر خمس وثلاثين صاعا بالريال (۱) والتمر سبعين وزنة بالريال وكثرت الخيرات والبركات.أنهوفيها غزوة الأفلاج البلد المعروفة في الجنوب ،بعض ، فنزل بهم وقطع نخيلاً وأجلى رجالاً .حوادث سنة ١٢٤٦ هـ )ثم دخلت السنة السادسة والاربعون بعد المائتينوالألف ،وسدير والوشم والقصيم وجبل شمر وعربانهم ، فقصد الشمال ووافق فهيد الصييفي رئيس سبيع وأتباعه وبني حسين وأخلاط معهم من غيرهم، وهم نازلون بين حفر الباطن (۱) والوقبا الماء ان المعروفان فصبحهم بجنوده وأخذهم ، فلما حاز أموالهم حضر عنده رؤساؤهم وادعوا أنلهم عنده ذمة وعهد ، فرد عليهم جميع ما أخذ منهم ، ثم سار ونزل الصبيحة الماء المعروف قرب بلد الكويت ، وأقام تركي على هذا الماء أكثر من أربعين يوماً ، ووفد عليه كثير من رؤساء العربان ، ثم بلغه ان ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن ظهر من الرياض برجال معه من أعوانه هارباً مغاضبا له ، فلما بلغه ذلك الخبر قفل راجعا ، وأقام فيه مدة أيام ، ووفد إليه فيه رجال من أهل سدير ورؤساء عنزة وغيرهم . وأقام عليها أياماً ثم قفل إلى بلده ، وأما مشاري فإنه لما هرب من الرياض، وجد منديل ابن غنيمان رئيس الملاعبة من مطير وعربانه في المستوى المعروف عند رمال السر،فطلب منه ينزل عنده وينصره فأبى ، ثم رحل من عنده ، وكاتب رؤساء أهل القصيم يطلب منهم ذلك فأبوا عليه ، سار ، ونزل على عربان عنزة واستنصرهم فلم يغنوا عنه شيئاً ، ثم سار إلى مكة وقصد الشريف محمد بن عون رئيسها يومئذ ، فأكرمه وأراد منه النصر والمساعدة فأبى عليه ، وأقام عنده مدة أشهر ، فلما علم أن أنه لا ناصر له سار من مكة وقصد خاله الامام تركي بن عبدالله ، وألفى عند أهل بلد المذنب ، وطلب منهم يركبون إلى خاله ويأخذون له ذمة وعهد ، وأنه ندم على ما سلف ، فركبوا معه وقدموا على تركي بالرياض فعفا عنه وأكرمه ، وذلك في أول السنة الثامنة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .وفيها في آخر ذي القعدة هب ريح عاصف وقت العشاء الآخرة ، ورمى نخيلاً كثيرة في سدير وغيره ، واحصي الذي طاح من قريتنا (1) أربعمائة نخلة ، ومن تقدير العزيز العليم أن أكثر الانكسار في النخلة الشابة الخيسة والنخل الكبارالعيدان هو السالم في الغالب ، وهذه من الآيات وخوارق العادات التي طمت فعمت حتى قيل إنها كذلك في الأقطارشمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً . وهو الوباء المعروف أبو زويعة ، وهو العقاص الذي أشار إليه النبي الله ، وأول ما وقع فيها قبل قدوم الحاج في ذي القعدة ، ومات منه فئام من الناس ثم ارتفع عنها على دخول ذي الحجة ، فلما كان يوم النحر حل الوباء والموت العظيم ثانياً في الحاج وغيرهم ، ومات في أيام التشريق فئام من الناس . ذكر لنا أنه ما بقي من الحاج الشامي إلا قدر ثلثه ،أقلومن حاج أهل نجد كل بلد هلك من حاجهم قدر نصفه وأكثر وبعضهم ، وذكر لنا أنه أحصي الذي مات من أهل مكة فكانوا ستة عشر ألف نفس ، وقدم علينا أناس من المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بعد الحج وأخبروا أنه لما قدم الحاج الشامي المدينة بالليل راجعا من ،