أ - الصورة الشعرية ووظيفتها في القصيدة : ومقدرته على التعبير عن المخزون الذاتي التكون مما تطرحه الحياة بين يديه من أفكار وما تثيره في نفسه من مشاعر وأحاسيس . وكان من الطبيعي أن تترك الوظيفة الاجتماعية للشعر آثارها في تطور الجانب الوظيفي للصورة فلم تكن الصورة في الموروث الشعري وسيلة ضرورية يستكشف بها الشاعر تجربته الخاصة فضلا عن أنها لم تنبع من حاجة الشاعر الداخلية إلى التعبير عن مشاعره وانفعالاته بقدر ما كانت تشكل إحدى الوسائل التي يقنع بها الشاعر جماهيره التي تستمع إليه (. ب - الصورة الشعرية بين القديم والحديث : فكان مقياس التشبيه هو مطابقة كل طرف من أطراف التشبيه للآخر انطباقا كاملا إلى الدرجة التي يصح فيها عكس الطرفين، ولذلك رأينا أكثر من ناقد يتصدى لأبي نواس موجها إليه اللوم لأنه ابتعد في بعض تشبيهاته عن دائرة الواقع والمتعارف عليه لدى القدماء، كَأَنَّمَا عَيْنُهُ إِذَا نَظَرَتْ فالأسد عند العرب لا يوصف بجحوظ العين بل بغؤورها ترى إلى أي مدى التزم شعراء القرن الثاني بهذا الأساس الذي قامت عليه تجربة الشعر الجاهلي الشعرية؟ اتكأ شعراء القرن الثاني الهجري على الموروث الشعري القديم، الصورة مليئة رمزا وإيحاء. ك سَقَتْكَ بالعينين خَمْرًا قِطَعُ الرِّيَاضِ كُسِينَ زَهْرَا هَارُوتَ ينفتُ فيه سحرًا لم يلجأ إلى طريقة الشعراء الجاهليين في التشبيه ولم يعتمد مجرد العلاقة الحسية بين طرفي التشبيه للوقوف على وجه الشبه، بل يعمد إلى تشبيه شيء معنوي بشيء حسي تاركا في ذلك العنان لتصوراته في أن تحوك ما تريد من علاقات بين الصور . ( ومن الجائز أن يكون لسمع الحديث أثر في إنعاش الجسم، وإحياء النفس ومن الجائز أن يكون لقطع الرياض المكسوة بالزهر معنى الأنوثة والأمومة مقترنين. إن ما يلفت نظرنا في تجربة القرن الثاني الهجري على صعيد الصورة: وكأس كمصباح السماءِ شربتها عَلَى قُبْلَةٍ أَوْ مَوْعِدِ بِلِقَاءِ تَسَاقُطُ نَوْرٍ مِنْ فَتُوقِ سَمَاءِ أتَتْ دُونَهَا الأَيَّامُ حَتَّى كَأَنَّهَا فالكؤوس مضيئة كالنجوم، الحياة حين ألبسها أردية جديدة انتزعها من خياله الخصب.