النظام الاقتصادي ارتباط وثيق بالمالية العامة، ويؤثر كلاهما في الآخر سلبا وإيجابا . ففي ظل النظام الرأسمالي في بدء نشأته والذي يقوم على المناداة بعدم تدخل الدولة مهما كانت الأسباب في الحياة الاقتصادية كان من الطبيعي أن تكون كل نفقات الدولة وإيراداتها قليلة ومتواضعة، كما كان على المالية العامة أن تكون محايدة، بمعنى آخر أن لا تحدث أي تغيير أو تعديل في الأوضاع والمراكز الاقتصادية القائمة، فلم يكن للضرائب على سبيل المثال أن تستخدم في تحقيق أي أهداف اجتماعية أو اقتصادية ولم يكن للموازنة العامة للدولة أية أهمية اقتصادية، فلم تكن تعدو سوی وثيقة للموازنة الحسابية السنوية وكان تساوي الحساب بين النفقات والإيرادات قاعدة هامة جدا في المالية التقليدية تعرف بقاعدة أو مبدأ توازن الميزانية. لكن هذا المفهوم الضيق لدور الدولة في الحياة الاقتصادية والذي يطلق عليه بمبدأ الدولة الحارسة أو المذهب الفردي الحر، قد انحسر خاصة بعد ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929. فعاد دور الدولة ليشمل كل القطاعات ومنها القطاع الاقتصادي، ولم يعد دورها ينحصر على الوظائف التقليدية من حفظ الأمن وإقامة العدالة . بل تعداه إلى جميع مجالات الحياة الاقتصادية وأصبح حجم تدخل الدولة ضخما، وقد اطلق على هذه الظاهرة بما يسمى " بالدولة المتدخلة ". وبناء على هذا الدور الذي أصبحت تقوم به الدولة ازدادت أهمية دراسة النفقات العامة والإيرادات العامة ومن ثم ازدادت أهمية القطاع العام في الدول الرأسمالية كنتيجة لسياستها التدخلية، وأصبحت المالية العامة في تلك الدول " مالية وظيفية ". أما الدول التي أخذت بالنظام الاشتراكي والذي من أهم مبادئه الملكية العامة لوسائل الإنتاج، فقد هيمنت الدولة وسيطرت سيطرة تامة وكاملة على كل النشاط الاقتصادي، وكنتيجة لهذه السيطرة على كل أوجه النشاط الاقتصادي في ظل هذا النظام كانت المالية العامة أهمية كبيرة حيث كان على الدولة أن تواجه النفقات العامة الكثيرة والمتعددة بإيرادات هائلة وضخمة ومن مصادر مختلفة، وبالتالي أصبحت دراسة المالية العامة تتبوأ أهمية قصوى في النظام الاشتراكي. لكن التطور الذي طرأ على العالم بعد زوال الإتحاد السوفياتي عام 1989، وهيمنة القطب الواحد على النظام العالمي والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ومناداتها بسياسة العولمة بما تستتبعه من تغيرات هيكلية في النظم الاقتصادية المختلفة للتتماشى مع سياسة الاقتصاد الحر وتحقيق مبدأ حرية التجارة والمنافسة وإلغاء الحواجز الجمركية إعمالا الاتفاقيات دولية في هذا الشأن. كل هذا أنعكس على دور المالية العامة،