وتمتاز مطالع المقدمات بأسلوب مباشر يستهدف جذب اهتمام الطفل، ودفعه لقراءة المقدمة قبل قراءة القصة نفسها، وتمتاز أيضاً بنوع من التحفيز المثير لعواطف الطفل وحواسه الإدراكية الواعية، ويوزع المؤلف أهدافه التربوية البنائية والأسلوبية في كل المقدمات التي وضعها في مجموعة من قصصه للأطفال، ويمكن تصنيفها في منظومة متكاملة من الأهداف، وذلك على النحو الآتي: أولاً: الأهداف الفكرية: تزيد من ثقافة الطفل الفكرية([51])، وتنظم تفكيره([52])، فلا يصطدم مع الأفكار القويمة([53])، ويرفض الكيلاني القول بأن بعض ما يقدمه "لا يلائم مدارك الصبي العادي، وربما عجز الشاب والفتى عن إدراك معانيها واستيعاب مراميها"([55])، لأنه يثق بذكاء الطفل ودقة فهمه([56])، وبخاصة الطفل الذي نشأ على قصصه منذ البدء، حتى يتوضح أمامه مغزاها العميق، "ليجد من العظات ما ينير طريق الحياة ويكشف لـه أخلاق الناس وحقائقهم المستورة عنه"([60]). ثانياً: الأهداف المعرفية العلمية: يوضح الكيلاني أنه وضع برنامجاً لثقافة الطفل، ويشير إلى أنه بدأ البرنامج بالتسلية، ثم تدرج بعد ذلك خطوات، كان يرفع بيديه ثوراً ضخم الجثة، دون أن يبدو عليه شيء من آثار التعب أو أمارات الجهد، وقد حار الناس في تعليل هذه القدرة العجيبة، وأخذت نفسي بهذا التمرين دون أن أقصر في أدائه يوماً واحداً، وكان نموّنا في كل يوم يزداد زيادة بطيئة مطردة دائماً، ولم أشعر أن وزن الثور قد زاد يوماً عما كان عليه في سابقه ولم أحس له ثقلاً إلى اليوم([64]). وهو يرى أنّ الهدف التربوي هو الأهم، فكل والد حريص على تربية أطفاله وفائدتهم، ويلقى من الحرج مثلما يلقى، فكان ذلك أقوى حافز له على الاضطلاع بحمل هذا العبء، فهو يسعى إلى أن يشرح للطفل دقائق الحياة وأسرار النفوس لتستنير لـه السبل فيمشي على هدى([68]). ويريد أن يريه عاقبة الحسد، ويعِّرفُهُ كيف ينتصر الحق آخر الأمر، ويخفق علمه، جزاءً وفاقاً لما اقترفوه من الإثم وارتكبوه من عدوان؟([69]). ويطالب بقصص "لا تصطدم والأخلاق الفاضلة القويمة"([71])، ولعلَّ دافعه الأول للكتابة: الأهداف التربوية الأخلاقية، فقد كان يعتبر أن مؤلفي "كثير من القصص قد أسفّوا إسفافاً شديداً، وقد كتبوها لجمهرة العامة، فلم يراعوا فيها أي اعتبار أخلاقي ولم يتورعوا عن خوض كل موضوع"([73]) . رابعاً: الأهداف اللغوية: أن يتخذ من القصص المشوقة وسيلة إلى المحادثات باللغة العربية، ولذلك فقد صاغ قصصه صياغة عربية، أصيلة في العروبة، لا تشوبها لكنة ولا تخالطها عجمة، ولا تفسدها تلك العامية التي يرى أنها متفشية في أغلب القصص التي يحاول بعض المنشئين تقديمها للطفل([76]). خامساً: الأهداف الذوقية: حرص الكيلاني أن تلتئم قصصه مع أذواق الأطفال([77])، فكان يختار أحسن القصص وأكثرها روعة وجمالاً ويدأب على الروية والتمهل والتدبر في صوغها وتنسيقها([78]) بأسلوب قصصي جذاب([79])، وأجمل صورة بيانية تلبس ثوباً أخاذاً([80]). وكان يبذل كل ما في وسعه لتكون قصصه نواةً صالحة لتثقيف الأطفال وتهيئة أذهانهم لتذُّوق الأدب العربي الزاخر وفهم أسلوبه العالي([81])، وقد كان يرفض البيان الركيك الضعيف، والألفاظ السوقية المستهجنة والمبتذلة المعيبة، فهو يسعى ليعجب الطفل بالقصص([83]). فالكيلاني يريد أن يحمي الجيل الجديد من البيان المشوّه المضطرب([84])،