والإنسان الفاضل هو ذو الخلق الطيب الذي اعتاد أن يختار أن يعمل وفق ما تأمر به الأخلاق، وقد تطلق الفضيلة على العمل نفسه فيقال: «فضائل الأعمال» ولیس یعنی بها كل عمل أخلاقي بل الأعمال العظيمة التي يستحق فاعلها الثناء الجزيل، فلا نسمي دفع ثمن ما اشترى فضيلة، إنما يسمى الإتيان بالعمل الكبير مع تحمل المشاق في سبيله فضيلة، ويشهد لهذا المعنى اشتقاق الكلمة نفسها، فإنها مأخوذة من الفضل وهو الزيادة، تختلف قيمة الفضائل في الأمم اختلافا كبيرا، فلو وضعنا لأمة قائمة تتضمن الفضائل مرتبة حسب أهميتها لها لوجدناها تخالف ما يجب أن يوضع لأمة أخرى، ذلك لأن ترتيب الفضائل في كل أمة يجب أن يتبع مركزها الإجتماعي وظروفها المحيطة بها، والأمة التي تحيا على الصناعة ترى الأمانة والإستقامة عماد الفضائل، ويختلف أيضا مفهوم الفضيلة الواحدة باختلاف العصور، فما كان يفهم من الشجاعة عند اليونان غير ما يفهم منه في العصور الحديثة، والعدل تطور مفهومة تطورات عدة حسب تطور الأمم في حالتها العقلية والإجتماعية، واعترض عليه بأنه لا يميز فيه بين المستحق للإحسان وغير المستحق تمييزا يوثق به، وبأنه يشل المحسن إليهم، ويقعد بهم عن العمل ويميت ما في نفوسهم من شرف وإباء، واستحسن المحدثون إنشاء جمعيات للإحسان تحسن إليها الأفراد وهي التي تتولى الإنفاق على المعوزين بعد أن تدرس حالتهم وتعرف فقرهم، كذلك تختلف قيمة الفضائل باختلاف حالة الأفراد وأعمالهم، ففضيلة الكرم بالنسبة للفقير ليست من الأهمية بالدرجة التي لها بالنسبة للغني، ولا الفضائل التي في الدرجة الأولى للمسن هي بعينها الفضائل التي في الدرجة الأولى للشاب، ولا فضائل المرأة مرتبة ترتيب فضائل الرجل، ولا فضائل التاجر هي نفسها فضائل العالم وهكذا. وبيان الإختلافات الدقيقة بين الأشخاص التي يترتب عليها اختلاف في قيمة الفضائل. وكل الذي نستطيع أن نقوله إن الناس جميعا مهما اختلفوا مطالبون بفضائل عامة من صدق وعدل ونحوهما يجب أن يتصفوا بها، وأنهم على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم يستوون في شيء واحد، وهو أن كلا منهم مطالب أن يضع في الدرجة الأولى من الأخلاق ما يناسب حالته ويتفق مع مركزه الإجتماعي وعمله الذي يؤديه، بعض الفضائل يمكن أن تدخل في فضائل أشمل منها، فإنها تدخل في مفهوم العدل. وبعض الفضائل يكون مولدا من فضيلتين أو أكثر، كالصبر فإنه ينتج من العفة والشجاعة، فما أصول الفضائل التي هي أساس لغيرها؟ فكل الشرور ناشئة من الجهل، وعلل ذلك بأن كل إنسان بطبيعته يقصد الخير لنفسه ويكره لها الشر، فمحال أن يفعل ما يضرها وهو عالم بضرره، ولتعويد إنسان الخير وجعله مصدرا للفضيلة يعلم نتائج الأعمال الحسنة. فمعرفة الخير ليست كافية في الحمل على فعله، لأنه أول من حاول أن يبني معاملات الناس على أساس علمي. والقوة الشهوية أو البهيمية وهي إذا إعتدلت نشأ عنها العفة وهذه الفضائل الثلاث باعتدالها جميعا ينشأ عنها العدل، فالعدل تتصف به النفس عند أداء هذه القوى الثلاث وظائفها باعتدال، وعندما تكون متساندة بحيث تتعاون كل قوة مع أخرى. فلا يطغى أحدهما على الآخر. وقد جر هذا القول «أرسطو» إلى وضع «نظرية الأوساط» أي أن كل فضيلة وسط بين رذيلتين، ولكن هذا لا ينفي أن الفضيلة في هذه الحالة أيضا وسط بين رذيلتين. وقد اعترض على هذه النظرية بأن هناك كثيرا من الفضائل لا يظهر فيها أنها وسط بين رذيلتين كالصدق والعدل، فليس هناك إلا صدق وكذب، وبأن بعض الفضائل ليس وسط الرذيلتين، فإن الشجاعة ليست على بعدين متساويين من التهور والجبن، وكذلك الكرم أقرب إلى الإسراف منه إلى البخل. فقالوا: إن الفضائل إما فضائل شخصية، كضبط النفس وتهذيبها، وإما فضائل اجتماعية كالعدل، وتجعل ملكاته وقواه في حالة تعادل ورقي، وأما الفضائل الإجتماعية فهي الفضائل التي تجعل الإنسان في وفاق مع من حوله من الناس وترقي شؤونهم، نعم إن النوعين من الفضائل يتوقف كل منهما على الآخر، فإنه إذا انعدمت الفضائل الشخصية لا يمكن تحصيل الخير للمجتمع، وإذا انعدمت الفضائل الإجتماعية ساءت أخلاق الفرد، ولكن يمكن التمييز بين النوعين بسهولة.