قد ذكر الحكماء لذات الانسان وقواها مثالاً صوروها بها ، فيتمثل كل ما لا يدرك الا بالعقل بتصور الحس ليقرب من الفهم، وقسمت محاله وعمرت بالسكان دوره وسلكت سبله، وأجريت انهاره وفتحت اسواقه، وصاحب البريد القوة المتخيلة ومسكنها مقدم الدماغ. والخازن القوة الحافظة ومسكنها خلف الدماغ. والترجمان القوة الناطقة وآلتها اللسان والكاتب القوة الكاتبة وآلتها اليد ، وسكانها الاخيار والاشرار هي القوى التي منها الاخلاق الجميلة والاخلاق القبيحة، وكما أن الوالي اذا تزكى وساس الناس بسياسة الله صار ظل الله في الارض كما روي أن النبي ﷺ قال : « السلطان ظل الله في الارض ويجب على الكافة طاعته » كما قال الله تعالى : اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم كذلك متى جُعِلَ العقل سائساً وجب على سائر قوى النفس ان تطيعه. وكما ان الله تعالى جعل الناس متفاوتين كما نبه الله تعالى عليه بقوله : ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا . كذلك ى النفس متفاوتة وجعل من حق كل واحدة ان تكون يا سلطان ما فوقها ومتأمرة على ما دونها . فحق القوة الشهوانية ان تكون مؤتمرة للقوة العاقلة، وحق القوة العاقلة ان تكون مستضيئة بنور الشرع ومؤتمرة لمراسمه ، حتى تصير هذه القوى متظاهرة غير متعادية كما قال الله تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سُرُرٍ متقابلين . وكما لا ينفك اشرار العالم من ان يطلبوا في العالم الفساد ويعادوا الاخيار كما قال تعالى : وكذلك جعلنا في كل قرية اكابر مجرميها ليمكروا فيها. وقال سبحانه : وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الأنس والجن . وكما نبه انه يجب للوالي ان يتبع الحق ولايصغي الى الاشرار ولا يعتمدهم كما قال تعالى : يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم . وقال تعالى : (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء. يجب للعقل والفكر ان لا يعتمد القوى الذميمة. وكما انه يجب للوالي ان يجاهد اعداء المسلمين كما قال تعالى : وكم . كذلك يجب للعقل ان يعادي الهوى فإن الهوى من اعداء الله بدلالة قول النبي : « ما في الارض معبود ابغض الى الله من الهوى » ثم تلا أفرأيت من اتخذ الهة هواه وكما ان من استحوذ عليه الشيطان انساه ذكر الله ، كذلك العقل اذا استحوذ عليه الهوى. كما انه يجب للوالي ان يسالم اعاديه اذا لم يقو عليهم كما قال الله تعالى : وان جنحوا للسلم فاجنح لها وان لا يركن اليهم وان سالمهم كما قال الله تعالى : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار كذلك يجب للعقل ان يسالم الاشرار من قوى النفس اذا عجز فحق العقل أن يستعيذ من الهوى والشره والحرص والامل وان يطهر ذاته منها . سائر القوى الرديئة، ومن عاث (۱) فيه ولا يقبل التأديب والرياضة فاحبسه او اقتله ولكن بالحق » كما قال الله تعالى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . وعن الاحتراس من ان تفترسك سباعه، وصنف فعل ما أمر فأدى حقالايالة ، تارة، فجرح وجُرح، وعين تكلأه ، فيخلط الكذب بالصدق والخطأ بالصواب. يحميه عن أعاديه ، فيهيج هائجه فلا يقمعه النصح ولا يطأطئه الرفق ،