المبحث الأول: حماية الصحافة في القانون الدولي ومفهوم النزاعات المسلحة وسنعرض بيان الافعال غير المشروعة التي يتعرض لها الصحفي، المطلب الأول: الحماية القانونية للصحفي في ضوء الاتفاقيات والمعايير الدولية. أولى القانون الدولي اهتماماً خاصاً بمهنة الصحافة سواء أكانت مدنية أم صحفية، وهو يهدف إلى ضمان الحماية الكاملة للصحفيين وتمكينهم من أداء واجباتهم دون ترهيب أو إكراه. وجاء التعريف الفقهي للصحفي بأنه الشخص الذي يقوم بالبحث عن المعلومات وتفسيرها واستخدامها لعرضها على وسائل الإعلام، إذ يتعرص الصحفيون العاملون في القوات المسلحة نفس المخاطر والتحديات التي يواجهها أفراد القوات المسلحة ويمكن اتخاذ تدابير خاصة لحماية الصحفيين في مناطق النزاع، ولكن لا يزال يتعين على الصحفيين العسكريين اتخاذ الاحتياطات الكافية وأن يكونوا على دراية بالبيئة الخطرة التي يعملون فيها في حالات النزاع المسلح، تحدد اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و 1907 القواعد الواجب مراعاتها في النزاعات المسلحة، وتشير اتفاقية جنيف لعام 1921 في المادة 81 منها مصطلح ”المراسل الصحفي“ دون تعريف محدد له ، ب‌- الصحفيون الذين يرافقون القوات المسلحة في تنفيذ مهامها العسكرية: ويتمركز هؤلاء الصحفيون في الوحدات العسكرية وهم ملزمون باتباع الوحدة التي تم تعيينهم فيها وفقاً لوثيقة التجنيد، ج- الصحفيون المستقلون: يُصنف الصحفيون المستقلون الذين يعملون كمراسلين مدنيين لوكالات الأنباء ويغطون الحروب والنزاعات المسلحة بشكل مستقل ودون أي انتماءات كمدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهذا يتماشى مع أحكام البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية الذي دخل حيز النفاذ عام 1978 والبروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية لسنة 1977، بغض النظر عما إذا كانوا يعملون كصحفيين أو يعيشون في منطقة معترف بها كمنطقة نشاط عسكري. وهذا يعني أنه لا يجوز لأطراف الحرب إساءة معاملة أسرى الحرب أو قتلهم، باعتبار القانون الدولي الانساني يتضمن قواعد مكتوبة وقواعد عرفية تطورت وتوسعت عند تدوينها، وتنص المادة 34 من الفصل العاشر من قواعد القانون الدولي العرفي الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 على ضرورة احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مناطق النزاع المسلح، ويدعو الدول الأعضاء إلى اعتماد تدابير تشريعية توفر بيئة مواتية تضمن استقلالية وسلامة عمل الصحفيين، وكذلك إعلان جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية الوصول إلى المعلومات لعام 2002 على أن الحق في الوصول إلى المعلومات هو أحد الحقوق الأساسية التي تكفلها حرية الرأي والتعبير، ونص تقرير الأمم المتحدة الخاص بشأن حرية الرأي والتعبير لعام 1993 على أن حرية التعبير تشمل الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة وفرض التزامًا إيجابيًا على الدولة بضمان الوصول إلى المعلومات، و يصنف نظام روما الأساسي لعام 1998 انتهاكات حقوق الإنسان ضد الصحفيين على أنها جرائم حرب يمكن مقاضاة مرتكبيها أمام المحاكم الجنائية ويؤكد على حماية الصحفيين طالما أنهم لا يشاركون في الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم 2222 لعام 2015 الذي يؤكد حماية الصحفيين في مناطق النزاع المسلح ويشدد على التزام المجلس بحقوقهم وحمايتهم، وذلك لأن محددات هذه الحريات وضوابطها يتم السعي إلى ضمان احترامها بما لا يسمح بتأويل النصوص أو التشكيك في دلالاتها؛ إلا أنَّ قوات الاحتلال الاسرائيلي لم تتوانى عن انتهاك هذه القوانين باستمرار من خلال استمرارها في الاعتداء على الفرق والمؤسسات الصحفية في كل مناسبة وفي كل منعطف تاريخي، وإنَّ الدول التي من المفترض أن تدافع عن القانون ومبادئه وتعزز الديمقراطية والعدالة تغض الطرف عن تطبيق هذه المبادئ والقوانين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، المطلب الثاني: مفهوم النزاعات المسلحة ومدى انطباقها على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة حروب التحرر الوطني في حالات محددة مثل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقلال أو التحرر من الاستعمار أو السيطرة الأجنبية، على النقيض فالنزاعات المسلحة غير الدولية: هي نزاعات تقع داخل إقليم دولة واحدة بين القوات المسلحة، تعتمد القواعد المنطبقة على نزاع معين على طبيعة النزاع - سواء كان نزاعاً دولياً أو غير دولي، وتستند هذه النقطة النظرية إلى حقيقة أن إسرائيل تسيطر على حدود غزة ومجالها الجوي، وتوفر لها معظم احتياجاتها الأساسية مثل الكهرباء والماء والغاز وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الضرورية للحياة، فإن اندلاع الصراع بين حركة حماس وإسرائيل يؤدي بالضرورة إلى تفعيل قوانين الحرب في هذا السياق بشكل شامل، ولا بُدَّ أن يشمل القانون الدولي الإنساني أيضاً القوانين التي تحكم الاحتلال عندما لا تكون لدولة ما سيادة على إقليم ما وتحتله دون موافقتها، وتنص هذه القوانين على أن الدولة المحتلة لم تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة وتفرض التزامًا على دولة الاحتلال بمعاملة السكان معاملة إنسانية وتوفير الغذاء والرعاية الطبية. ومن الجدير بالذكر أنَّ القاعدة العامة هي أن المعاهدات لا تكون ملزمة إلا للأطراف المتعاقدة وأن الاتفاقات الدولية لا يمكن أن تفرض التزامات أو حقوقاً دون موافقة الأطراف غير المتعاقدة، وإسرائيل طرف في هذه الاتفاقية وقد لوحظ أن سلوك إسرائيل يظهر أحياناً عدم التزامها بتطبيق هذه الاتفاقية والقواعد والمبادئ التي تحكم الاحتلال العسكري للأراضي المحتلة. والدليل على انطباق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر في 30 أيار/مايو 2004؛ فقد أكدت المحكمة في هذا القرار أن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح تخضع لأحكام اتفاقية لاهاي رقم 4 لعام 1907 واتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، المبحث الثاني: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين وآليات المساءلة الدولية يتناول هذا المبحث مطلبين أساسيين، وهما: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينين، المطلب الأول: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين لَعِب وسائل الإعلام الفلسطينية دوراً مهماً في إطار الجهود المبذولة لمقاومة الاحتلال وتستند هذه الجهود إلى دورها الوطني في توعية الشعب الفلسطيني والحفاظ على مستوى الوعي والحساسية العامة تجاه جهود الإعلام الصهيوني، وتشمل الجهود الفلسطينية العالمية أيضًا تقديم رؤية فلسطين من وجهة نظر الشعب الفلسطيني ومواجهة الروايات والأكاذيب الصهيونية التي تسعى إلى تشويه الحقائق والتاريخ؛ حيث شهد في الآونة الأخيرة أعمال عنف من قبل القوات الإسرائيلية ضد الصحفيين الذين يقومون بمهامهم ويستحقون الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد فاق عدد القتلى من الصحفيين في قطاع غزة عدد قتلى حرب فيتنام خلال العشرين عاماً الماضية، واستناداً للدراسة التي أعدها الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، بعنوان " محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة - العقبات والحلول"، يواجه الصحفيون في قطاع غزة ظروفاً صعبة بسبب الجوع والحصار العسكري الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي و هذه الظروف بالضرورة تجعل من الصعب على الصحفيين الوفاء بالتزامهم بالتغطية بحرية وفقًا للقانون الدولي، ويقع على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العمل على رفع الحصار العسكري عن قطاع غزة وتهيئة الظروف المواتية لعمل الصحفيين هناك وضمان حمايتهم وسلامتهم في ممارسة مهنتهم، بما في ذلك وكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية والعديد من القنوات الإخبارية العربية والمحلية. ولا بُدَّ أن يحصل الصحفيون على الرعاية الطبية والحماية أثناء ممارسة مهنتهم و على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف هذه الإجراءات القمعية والمتصاعدة ضد الصحافة وضمان حرية الصحافة وسلامة الصحفيين في الأراضي المحتلة. وأنَّ الحرب في قطاع غزة كانت أكثر الصراعات دموية منذ أن بدأ الاتحاد الدولي للصحفيين في نشر تقريره السنوي عن قتل الصحفيين في عام 1990. سجلت منظمات حقوق الإنسان الدولية مؤشرات مقلقة للانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة: فقد قُتل 143 صحفيًا فلسطينيًا على يد الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى استشهاد أو إصابة العديد من العائلات وتدمير أكثر من 100 وسيلة إعلامية. فإن الاعتداء عليهم يُعتبر اعتداءً على المدنيين فالمادة 59 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 تؤكد على أن الصحفي بصفته مدنيًا لا يجوز أن يكون هدفًا عسكريًا مباشرًا، خاصةً عندما يكون مكلفًا بمهام مهنية خطرة تجعله عرضة للاعتداءات الموجهة، مما يطرح تساؤلات حول فعالية هذه الحماية القانونية وضرورة تعزيزها على أرض الواقع، بالإضافة إلى التزام الدولة التي ينتمي إليها المعتدي بتقديم التعويض المناسب، المطلب الثاني: آليات المساءلة الدولية لدولة الاحتلال عن الانتهاكات الصحفية– تقييم الفاعلية- أ‌- محكمة الجنايات الدولية: هناك محاولات عدة دول للمساءلة القانونية عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي(، لا يزال هناك شك في قدرة المحكمة الجنائية الدولية على المضي قُدماً في هذه القضايا بشكل حاسم؛ هذه المسألة تُظهر التحديات المستمرة في تطبيق القانون الدولي بشكل عادل وفعال، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات ترتكبها دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي كبير، ويبقى تجاوز هذه العقبات السياسية أحد أكبر التحديات أمام تحقيق المساءلة الدولية الفعالة، ولقد برزت بشكل جيد التحديات التي تواجه تفعيل آليات المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين على مر العقود، ب‌- الملاحقة عبر الآليات الجنائية الوطنية: ويبدو أن هذا الخيار أكثر فعالية اليوم بسبب سهولة تنفيذه وحقيقة أنه لا يتطلب تعقيد الإجراءات والبروتوكولات العديدة التي تتسم بها المحاكم الدولية. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية قضايا في أوروبا تمت فيها محاكمة عدد من الأفراد المتهمين بالتورط في جرائم حرب في سوريا، وقد أصدرت محكمة ألمانية حكمًا بالسجن المؤبد على رجل أدين بالانتماء إلى منظمة ميليشيا تابعة لنظام الأسد في سوريا، وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الدولية الخاصة المذكورة أعلاه أُنشئت ضمن هياكل الأمم المتحدة. د- لجان التحقيق أو تقصي الحقائق الدولية تُعتبر لجان الحقيقة آلية مهمة للمساءلة وخطوة ضرورية نحو محاكمة مجرمي الحرب. ويمكن استخدام نتائج وتوصيات لجان الحقيقة لتقديم المعلومات والأدلة والشهود في ساحة العدالة الدولية. ويمكن أن يطلب مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان أو مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق. وسبق أن أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في النزاع في غزة عام 2014، وغالباً ما يكون إنشاء مثل هذه اللجان منفصلاً عن الآليات القضائية المحتملة. وتوفّر لجان الحقيقة سجلًا تاريخيًا مستقلًا ومفصّلًا يمكن أن يشكّل أساسًا لعمليات قضائية دولية لاحقة، ومن خلال توفير أساس السجلات والتحقيقات للمحاكم الدولية، بشكل كبير من جهود المنظمات غير الحكومية (منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني) التي وثقت الانتهاكات وجمعت الشهادات أثناء النزاع، وقد قامت هذه المنظمات بمهام هامة مثل توثيق الانتهاكات وجمع الشهادات من الضحايا والشهود والعمل على حماية هؤلاء الشهود، وبذلك زودت هذه المنظمات لجنة التحقيق الدولية بالوثائق وقاعدة الأدلة اللازمة لعملها؛ وينطبق اختصاص محكمة العدل الدولية إذا ثبت أن الجرائم المرتكبة في فلسطين تشكل جريمة إبادة جماعية، ويمكن القيام بذلك من خلال الاستناد إلى المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي صادقت عليها إسرائيل دون تحفظ، يتعين على الدول الأخرى التي صادقت على الاتفاقية ولم تتحفظ على المادة 9 أن تتخذ إجراءً؛ وهذا إجراء قضائي دولي يتم فقط بين الأطراف الدولية وليس على المستوى الوطني، وأيضا دور الامم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين؛ ويشمل ذلك قرار الجمعية العامة الصادر عام 1950 "جامعة السلام"، من المهم اللجوء المتكرر إلى مجلس الأمن والجمعية العامة لإنفاذ هذه القواعد والإجراءات، وإنما أيضًا من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تشارك فيها إسرائيل، تواجه الجهود المبذولة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين تحديات كبيرة وغير مسبوقة مقارنةً بالمحاكمات الأخرى من هذا النوع؛