حقها كأنسان :  قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مَمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) .كرم الله الانسان سواء كان ذكرًا أو أنثى بإنسانية ، وقد جاء في تفسير هذه الآية في ظلال القرآن لسيد قطب : (كرمه بخلقته على تلك الهيئة بهذه الفطرة التي تجمع بين الطين والنفخة. فتجمع بين الأرض والسماء في ذلك الكيان وكرمه بالاستعدادات التي أودعها فطرته والتي استهل بها الخلافة في الأرض يغير فيها ويبدل وينتج فيها وينشئ ويركب فيها ويحلل ويبلغ بها الكمال المقدر للحياة. وكرمه بتسخير القوى الكونية له من الأرض وإمداده بعون القوى الكونية من الكواكب والأفلاك وكرمه بذاك الاستقبال الفخم الذي استقبله به الوجود وبذلك الموكب الذي تسجد فيه الملائكة ويعلن الخالق جل شأنه تكريم هذا الإنسان) . ويفسر معنى هذه الكرامة بقوله: (ولقد كرمنا بني آدم: أي جعلنا لهم كرما أي شرفًا وفضلاً، وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أفضلية جنس البشر على جنس الملائكة) . إن تلك الكرامة الإنسانية التي قررتها النصوص القرآنية بطريقة حاسمة قاطعة ثابتة للإنسان كل الإنسان بوصف كونه إنسانًا لا فرق في هذه الكرامة واستحقاقها بين ذكر وأنثى ولا بين لون ولون ولا بين جنس وجنس، فكل أولئك من بني الإنسان يستحقون هذه الكرامة بمقتضى الإنسانية فهم من أصل واحد ومن أب واحد وأم واحدة. ويروي في ذلك أن رسول الله ﷺ مرت به جنازة فقام فقيل : إنه يهودي فقال : «أليست نفسًا ؟ ) . فما أبلغها وأحكمها وأصدقها من كلمة تقرر الكرامة الإنسانية وتؤكدها بما لا يدع مجالاً للشك أفليست المرأة «نفسا»؟ تشملها هذه الكرامة الإنسانية؟ بلى إنها لكذلك كما نص صريح الكتاب الكريم والسنة المطهرة من ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) .إذ استهل سورة النساء بآية تثبت بأسلوب معجز أن المرأة والرجل من نفس واحدة، لافتا بذلك أنظار الناس جميعًا في كل بقاع العالم موجها النداء إليهم جميعا بقوله: (يا أيها الناس) مناديًا بذلك - الجنس البشري كله. فلفظ الناس في اللغة وفي القرآن يشمل كل أفراد الإنسان يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) .ولتأكيد هذه الحقيقة عطف على قوله عز وجل : (الذي خلقكم من نفس واحدة) جملة ( وخلق منها زوجها ) أي أن المرأة من نفس الرجل، خلق منها زوجها وهناك قولان :القول الأول : أن (منها) في الآية يقصد به من نفس آدم عليه السلام. رواها ابن كثير في تفسيره فقال: (إن آدم بعد ما حدثه ربه قال ثم ألقيت السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوارة وغيرهم من أهل العلم عن ابن عباس وغيره ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولام مكانه لحما وآدم نائم لم يهب من نومه حتى خلق الله من ضلعه زوجته حواء فسواها امرأة ليسكن إليها. فلما كشف عنه السنة وهب من نومه رآها الى جانبه فقال فيما يزعمون والله أعلم الحمى ودمي زوجتي فسكن إليها فلما زوجه الله وجعل له سكنا من نفسه قال له قبيلا: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاً مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُهَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) . ويقال إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة كما قال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة وعن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة وكان يمشى فيها وحيدًا ليس له زوج يسكن إليه فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة. قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه ما اسمها يا آدم قال : حواء. ثم تحولا معا إلى سنة التكاثر بطريق التوالد المعروفة فهو تقرير يقرره العلم وتذهب إليه بعض مقرراته المؤكدة الثابتة ولعل في ذلك ما يوضح قول رسول الله ﷺ «إن المرأة خلقت . )من ضلع . والحديث بكامله كما رواه مسلم ( عن أبي هريرة الله قال : قال رسول الله ﷺ: إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقه فإن استمعت بها استمعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ). والحديث الثاني ( عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخير أو ليسكت واستوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج استوصوا بالنساء خيرا) . وبين النبي أنها خلقت من ضلع .أما القول الثاني : وإذا كان الأمر كذلك، ومن أصحاب هذا الرأي الشيخ عبد الكريم الخطيب حيق قال: «أي وخلق من هذه النفس ومن مادتها وطبيعتها زوجا لهذه النفس الواحدة لا يقصدها باعتبارها كائنا بشريًا هو آدم وإنما تشير إليها باعتبارها مادة مهيأة لخلق البشر، بل هو التدبير الذي قدره الله لخلق الكائنات الحية كلها.إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء. والفطرة ابتداء جعلت الرجل رجلاً والمرأة امرأة وأودعت كل منهما خصائصه المميزة لتنوط بكل منهما وظائف معينة لا لحسابه الخاص ولا لحساب جنس منهما بذاته ولكن لحساب هذه الحياة الإنسانية التي تقوم وتنتظم، وتستوفي خصائصها وتحقق غايتها - من الخلافة في الأرض وعبادة الله بهذه الخلافة عن طريق هذا التنوع بين الجنسين والتنوع في الخصائص والتنوع في الوظائف، فالاختلاف في التكوين والخصائص يقابله اختلاف في التكليف والوظائف فهناك فوارق جسمية ونفسية واضحة بين الرجل والمرأة تتناسب مع الوظائف المنوطة بكل منهما . فمن الناحية الجسدية يقول العلماء المختصون أنه : قد ثبت علميا أن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل حتى من حيث الخلايا وتركيبها وهذا الاختلاف موجود حتى على مستوى الجسيمات والصبغيات والكروموسومات.وحتى على مستوى الخلايا التناسلية فالفرق شاسع بينهما، وأما على مستوى الأنسجة والأعضاء : فأعضاء المرأة الظاهرة والخفية وعضلاتها وعظامها تختلف إلى حد كبير عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية، والحكمة في الاختلاف البين في التركيب التشريحي والوظيفي (الفسيولوجي) بين الرجل والمرأة، هو أن هيكل الرجل قد بنى ليخرج إلى ميدان العمل ليكدح ويكافح وتبقى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها الأولى العظيمة التي أناطها الله بها، كذلك نجد أن للمرأة تكوينا نفسيًا لا يشبه الرجل ويظهر ذلك واضحا منذ الطفولة من حيث طريقة التفكير والسلوك وما إلى ذلك. وقد تحدثت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية عن بعض الخصائص التي عرفت بها المرأة وأصبحت صفة من صفاتها وجزءًا من طبيعتها وتكوينها مثال عليها: فقد وصف القرآن الكريم إحدى بنات شعيب عليه السلام: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءِ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) فيذكر الحيـاء عـلـى أنـه صفة لبنت شعيب عليه السلام.وكأن صفة الحياء تلازم ذوات الخدور والأبكار بصفة أكثر فكان الصحابة رضوان الله عليهم يصفون حياء الرسول ﷺ: روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان الرسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها) . فالحياء سمة من سمات المرأة الطبيعية، وجبلة من جبلاتها الخلقية وهبها إياها الله لتحصنها ويكون لها منه سياج يصونها، وحافظ أمين يحميها.الصفة الثانية : أن المرأة تنشأ في الحلية منذ نعومة أظافرها وأنها ضعيفة ساعة الخصومة :يقول الإمام القرطبي في معنى الآية. قال قتادة ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها) وقد تكلم المفسرون في تفسير هذه الآية بكلام كثير ومن هؤلاء المفسرين ابن كثير حيث قال: (إن المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلى منذ تكون طفلة، وأما نقص معناها : فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار وعند الانتصار لا عبارة لها ولا همة) .وهذا ما لا ننكره فهي صفة محبوبة مطلوبة في النساء وهي ملازمة للإناث وضرورية وليست عيبًا كما يظن. يقول الاستاذ محمد عزه دروزة في تفسيره لهذه الآية (قد يبدو من فحوى الآية أنها بسبيل الانتقاص من قدر البنات والإناث ومركز هن وتهوين شأنهن بالنسبة للبنين والذكورة والذي يتبادر لنا أن ما ورد في الآيات هنا وفي آيات أخرى جاء في مثل المناسبة التي جاءت فيها هذه الآيات هو تعبير عما كان سائدا في أذهان العرب الذين تندد الآيات بشركهم واعتباراتهم لتكون الحجة فيها أشد إلزامًا وإقحامًا وليس هو رأى القرآن المباشر ) .الصفة الثالثة الغيرة : وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين هذا في حق الآدمي. أما في حق الله فهي بمعنى غيرة الله : أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه . وكذلك إلى الرسول ، ولم نجد أن الرسول قد عاب على أحد منهم قط، فأورد في الباب الأول أحاديث كثيرة تصف الغيرة منها ما ينسب الله عز وجل ومنها ما ينسب للرسول ﷺ قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي ﷺ أتعجبون من غيرة سعد ؟ لأنا أغير منه،