لخّصلي

لا شك في أن هناك ارتباطا وثيقا بين الموسيقى والكلمة، فالأغنية العربية سلاح خطير من أهم صفاتها الانتشار والتأثير الإيجابي أو السلبي تبعا لمضمونها. فهي لا تقتصر فقط على نوع واحد، بل تتفرع للعديد من الأنواع المختلفة، أشهرها الأغنية الملتزمة الحماسية والأغنية العاطفية التي تعتبر الأكثر شهرة وتداولا بين جميع الفئات العمرية.
لذلك على المؤدي أن يتقن إيصال ونقل الأفكار للمتلقي مهما كان نوع الأغنية (ملتزمة، عاطفية)، فالمؤدي هو أول المتلقين فلن يؤثر في الجمهور، ما لم تكن قد أثرت عليه بالأساس.
حيث أنه الكثير من الفنانين يخشون التغيير في نوع الأغنية التي اعتادوا أن يؤدوها، خوفا من ألا تصل رسالتهم أو لا يتقبلهم المتلقي بنمط وأداء مختلف.
وفي هذا الإطار نذكر الشيخ إمام عيسى والأغنية العاطفية، وهو الذي ارتبط اسمه بالأغاني الملتزمة في فترة منتصف القرن العشرين صحبة الشاعر أحمد فؤاد نجم. حيث ساهم بشكل كبير في حراك الشارع العربي الذي عرف حينها تقلبات سياسية، وأهمها هزيمة 1967 وما تسببت فيه من خسائر، وخاصة إحساس الهزيمة بعد انتصار "العبور" ، وكانت الشعلة الحقيقية في التحول الذي مر به كل من إمام ونجم، وذلك من تأليف بعض الأغاني العاطفية وأهمها أغنية " أنا أتوب عن حبك " التي لاقت نجاحا كبيرا آنذاك ، إلى الأغاني الملتزمة التي تهتم بالقضايا السياسية والاجتماعية.
ومن هنا نذكر بعض الدراسات السابقة المرتبطة بالبحث، الدراسة الأولى تحت عنوان " الشيخ إمام عيسى: قراءة في أعماله وأهم مراحل حياته".

وهدفت هذه الدراسة إلى التعرف على الشيخ إمام كملحن، وذلك بتحليل لحني لنموذج "قيدوا شمعة" وتمكنت بذلك معرفة طريقته وتقنياته في التلحين، واستخلاص أنه ملحن لا يقل بشيء عن بقية ملحنين عصره.
وارتبطت هذه الدراسة بالبحث الراهن من حيث التعرف على تقنيات الملحن في التلحين، وهو ما ساعدنا في فهم أسلوب إمام في الغناء، تحت شعار قوة العلاقة بين اللحن والكلمة.
أما الدراسة الثانية وهي تحت عنوان "الأغنية الملتزمة في تونس في منتصف القرن العشرين".
وهدفت هذه الدراسة إلى التطرق إلى الالتزام في الأغنية التونسية، ومن بين ذلك الحديث عن الشيخ إمام الذي يعتبر رمز من رموز الأغنية الملتزمة في الوطن العربي.
واستفدنا من هذه الدراسة للبحث الراهن في التعرف على الأغنية الملتزمة، وارتباطها بالفنان الشيخ إمام عيسى في تلك الفترة.
وهو ما جعلنا نرغب في إلقاء الضوء على أعمال الشيخ إمام، ولكن من زاويا مختلفة عن البحوث السابقة، حيث لم يتجرأ أي من الباحثين أو النقاد التكلم عن الشيخ إمام كمؤدي وخاصة للأغنية العاطفية. فكل من تبنى فكرة التحليل لأعماله، اختصرها في الجانب الملتزم والتلحين فقط. متجاهلين بذلك أدائه على الرغم من أن كل أغانيه كان هو من يؤديها.
وهذا الإهمال خلق فينا روح التحدي في بحثنا خاصة، وذلك بالتعرف على أسلوب الشيخ إمام في الأداء الغنائي في نمط يمكن أن نقول عنه اللامعتاد بالنسبة لجمهوره، أو يمكن القول إن الكثير منهم لا يعرفون أن إمام أول شهرته كانت مع أدائه الأغنية العاطفية من خلال نموذج "أنا أتوب عن حبك" رفقة صديقه احمد فؤاد نجم.
إلا أنه لإكمال هدف بحثنا، لا بد أن نتطرق لمثال في الأغنية الملتزمة، لكي نتبين من خلاله أسلوب أداء إمام للنمط الذي خلد اسمه في الوطن العربي مقارنة بأدائه للنمط العاطفي.