لخّصلي

المراهقة مرحلة نموّ شامل، ينتقل خلالها الكائن البشري، من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرّشد. وقد رأى بعض علماء النفس، أنّها تبدأ في الحادية عشرة من العمر، وتنتهي حوالي الثامنة عشرة. ورأوا، أيضًا، أنّ هناك قوى تحدّد مجرى النموّ، في أثناء المراهقة، أبرزها: العوامل الجسديّة، والعائليّة، والمدرسيّة، والاجتماعيّة، والعقليّة، والعاطفيّة. وإذا تناغمت هذه القوى، جاء النموّ متكاملاً ومنتظمًا. أمّا إذا تعارضت، فتتولّد المشكلات والصراعات.
على مستوى التغيّرات الجسديّة، نرى الجسم ينمو طولاً، ويزداد وزنًا، وتشتدّ العضلات، ويقوى العظم، ويتّسع حجمه، وتزيد قوّة المراهق كثيرًا، فيستطيع حمل ما لم يكن يقوى على حمله من قبل. وتظهر، مع نموّ العضل والعظم، الظّواهر الخاصّة بالنوع، كالشّعر في وجوه البنين، وخشونة الصوت، إلى غير ذلك...
أمّا على المستوى العقليّ، فإنّ التغيّرات التي تطرأ على حياة المراهق العقليّة، تكون أوّلاً في الوجدان، وثانيًا في الفكر. وربّما كان التغيّر في الوجدان أقوى التغيّرين، وله عدّة مظاهر، منها:

• عدم رضى المراهق بماضيه، وعدم اكتفائه بما كان يقتنع به، في طفولته: فاللّعبُ التي كانت منبع سروره، ومصدر سعادته، في أيّامه الأولى، ينبذها الآن، وراء ظهره، لأنّها لا تصلح للرِّجال أمثالِه.


• اشتداد غريزة حبّ الاستطلاع فيه: فيشتاق إلى معرفة أخبار بلاد غير بلاده، ويتطلّع إلى الوقوق على حياة غيره من الناس؛ ولذا تراهُ يتوقُ إلى قراءة كُلِّ ما تقع عليه يدُه، من الكتبِ، والمجلاّت والقصص، والرّوايات والرّحلات.


• رغبته في أن يجعل نفسه محسوسًا، ووجوده ملموسًا، وصوته مسموعًا، وأن يشغلَ محلاًّ في المجتمع الإنسانيِّ؛ ويشعر بأنّ في الكون من هو محتاج إلى معاشرتهم ومعونتهم، فلا يستطيع العيش من دونهم.
  أمّا التغيّر في الفكر، فيكون بالانتقال من الملاحظة الحسّيّة البحتة، إلى حياة الفكر، وإدراك الكلّيات؛ فيسعى لفهم حقائق الأشياء ويفهم الفضائل جيّدًا، للمرّة الأولى في حياته، ثم ينشأ عن ذلك الرّغبة في إدراك قوى الطبيعة، وأسرار الكون، ومعنى الحياة، والبحث في علل الأشياء.
  يمكن القول إنّ المراهقة هي مرحلة تحقيق الاستقلال الذاتي، الذي لا يتحقّق من دون أزمات. فالمراهق يعاني، خصوصًا، أزمة وجود وهويّة.
  فوجوده في عالم ينجلي، للمرّة الأولى، أمامه، يدفعه إلى التساؤل عن مكانته فيه. ويبدو أنّ انحرافات المراهق ناجمةٌ عن اضطراب العلاقة بهذا العالم، وعدم ملاءمتها حاجاته. فاندماج المراهق في المجتمع، تتعرّض له سلسلة من الهزّات، تتمثّل في الجنوح والتمرّد، أو الاكتئاب واليأس. المهمّ، قبل أن تحدث الصّدمة، أن يفهم العالم أنّ المراهق يريد أن يتحرّر من التبعيّة، ليكون له دورٌ في المجتمع. فالضّغط الذي تمارسه الأسرة عندنا، قد يولّد القلق والكبت ومحو الشخصيّة. ومن وجوه هذا الضّغط، أنّنا نعلّم المراهق كيف يخضع ويطيع الأوامر، في حين لا نعلّمه كيف يعتمد على نفسه، ويواجه المسؤوليات بوعي وقوّة.
  فالمراهق يريد أن يكون قويًّا، مستقلاً، قادرًا، متحرّرًا. وحبّذا لو يتمّ له ذلك برعاية أهله ومرشديه، كلي لا يكون استقلاله عبوديّة، وقوّته ضعفًا، وقدرته عجزًا، وتحرّره فوضى. وكلّما أحسن المراهق لغة الحوار مع الناضجين، توافرت الأجوبة عن تساؤلاته، وتقدّم في طريق المعرفة والاتّزان.