لخّصلي

أجريت انتخابات عامة في بريطانيا في 14 كانون الاول 1918، خيبت امال الاولستريين لانها اسفرت عن فوز حزب الشين فين (Sinn Fein) بـ73 مقعداً من أصل 105 مقاعد لعموم ايرلندا في مجلس العموم البريطاني، والاتحاديون على 26 مقعداً، من ثم أعلن الأعضاء الـ73 انسحابهم من البرلمان البريطاني وعدّوا أنفسهم برلماناً أيرلندياً تحت أسم مجلس ايرلندا او (DailEirenn)، ودعوا جميع ممثلي إيرلندا لحضور الجلسة الأولى لافتتاحه في دبلن، وأكدت أنها ملزمة بلائحة الحكم الذاتي المقرة عام 1914، فضلاً عن التزامها باستثناء الستر من الحكم الذاتي لإقرار هذا الاستثناء خلال الحرب بطلب من كارسون. بالمقابل بدأت أولستر تصر على إن ايرلندا جزء من بريطانيا، وبدأت حملة تبرعات مالية لشراء السلاح إشترك بها شعراء وأدباء منهم الأديب الانجليزي روديارد كبلنج(Rudyard Kipling) (1865-1936) الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1907، الذي أسهم بـ(3000) جنيه أسترليني لتسليح أولستر، حاول الايرلنديون تقديم مطالبهم لمؤتمر السلام في باريس، مما أدى إلى قيام نزاع عسكري بين الايرلنديين والبريطانيين للحصول على الاستقلال، وفشل حزب الأحرار وحكوماته المتعددة من تحقيق السلام في ايرلندا وتطبيق مفاهيمهم السياسية بسبب الصراع المستمر بين الايرلنديين الكاثوليك والأولستريين البروتستانت. ثم تزايدت حدة المواجهات بين الجانبين، بعد حصول الجيش الجمهوري الإيرلندي على السلاح نتيجة التهريب والغارات التي كان يقوم بها على مخازن الجيش والشرطة البريطانيين، مما دفع القوات البريطانية إلى استخدام القسوة في مناطق المواجهات، وتبني الجيش الجمهوري الإيرلندي سياسة عسكرية جديدة تمثلت بشن حرب عصابات على القوات البريطانية. في هذه الظروف قدم رئيس الوزراء لويد جورج الى مجلس العموم لائحة حكومة ايرلندا في 22 كانون الاول 1919، ومجلس ممثل لكليهما بإشراف البرلمان البريطاني، في محاولة منها للسيطرة على ايرلندا، فصار متطوعو أولستر شرطة خاصة أطلق عليها الخاصة B او (B Special) الأمر الذي شكل صدمة للايرلنديين، فقمت القوتان بمهاجمة الأحياء الكاثوليكية في أولستر وحرق المنازل والمحلات العائدة لهم، وتوسع القتال ليشمل لزبرن (Lisburn) في 23و24 آب، كان موضوع العنف في أولستر قد عرض أمام حكومة لويد جورج الثانية، لاستلام طلب مجلس اتحاد الستر، كما نالت لائحة حكومة ايرلندا مصادقة الملك في 23 كانون الاول 1920، بعد اقرارها في مجلس العموم وتحولت إلى قانون نافذ المفعول اعتباراً من 13 آذار 1921، وهو ما وافقت عليه أولستر على مضض( ). أقرت اللائحة تقسيم ايرلندا، يتكون برلمان الشمال من مجلسين: العموم والشيوخ، وتقسيم ايرلندا الشمالية الى مقاطعات (أرما، وتشكيل مجلس لايرلندا، له صلاحية تشريع الأمور الخاصة بايرلندا ويصار إلى تباحث كلا البرلمانين في جلسة مشتركة، فضلاً عن تمثيل ايرلندا الشمالية والجنوبية في مجلس العموم بـ46 عضواً، 13 منهم يمثلون ايرلنديي الشمال ينتخبهم سكان ايرلندا الشمالية، و33 يمثلون ايرلندا الجنوبية ينتخبون بالطريقة نفسها في الدوائر الانتخابية لايرلندا الجنوبية، فاز فيها الاتحاديون بـ37 مقعداً والوطنيون بـ11 مقعداً والاتحاديون المستقلون بـ(3) مقاعد وحزب عمال ايرلندا الشمالية بمقعد واحد( ). مكافحة الرق في فكر حزب الأحرار وجهوده السياسية:
كانت انكلترا من الدول الأوربية التي لها السهم الأكبر في تجارة الرقيق وتحوي على اكبر تجارها، فقد كان المجموع الكلي للعبيد الذين جلبوا من أفريقيا إلى المستعمرات الانكليزية بين عامي 1680- 1786 يربو كثيراً على المليونين. حتى أن وزير خارجية بريطانيا كاننج قال عنهم: "لم نكن نحسب لهؤلاء العبيد قيمة أكثر مما نحسب للحيوان الذي يقاسمهم النصب والكدح"( )، أما الأدميرال نلسن فأشار إلى أن هذه التجارة دعامة كبرى لقوة بريطانيا وسنداً لأسطولها التجاري( ). وكانت محاولة مكافحة هذه التجارة عملاً صعباً يحتاج إلى جهود هائلة، فقد كانت لبريطانيا في القرن الثامن عشر مستعمرات في جزر الهند الغربية تنتج السكر، وتقوم على كاهل الأرقاء الأفارقة، وبدأت الأراضي تتحول إلى أيدي الرأسماليين، وتنامت الحاجة إلى اليد العاملة الرخيصة، أن يحصل على حكم قضائي من كبير قضاة انكلترا يقتضي أن الاسترقاق نظام غير معروف في قانون انكلترا العام، بعد أن شاهد قسوة مع عبد اسود في احد شوارع لندن، فلم يهدأ له بال حتى حصل على هذا الحكم( ). فتشكلت في العام 1783 أول جمعية لمقاومة تجارة الرقيق والعمل على تحريرهم هي لجنة مناوأة الرق (Anti- Slavery Committee)، بدعم جماعات الكويكرز(Quakers) التي قامت في العالم الجديد وتأثيرها( )، والمعاناة التي يقاسونها( )، لإسكان هؤلاء ومنح جمعية سيراليون قانونا يسمح بإنشاء المستعمرة وإدارتها، وتم تنفيذها زمن حكومة اللورد سالزبوري المحافظة فنقل إليها عدد من المحررين في عام 1787، ووافق البرلمان البريطاني رسميا على إنشاء هذه المستعمرة في العام 1791( ). كما قدم ممثلو الويكز المعادون للرق يدعمهم الرأي العام البريطاني والجمعيات الشعبية لاسيما جمعية الكويكرز لائحة إلى مجلس العموم ، لكن اندلاع الثورة الفرنسية في تموز 1789، وما تلاها من تداعيات وحرب اندلعت بين فرنسا وبريطانيا استحوذت على اهتمام الساسة البريطانيين، أدى إلى تأجيل النظر بالموضوع إلى الثاني من نيسان 1792، حينذاك قدمت حكومة وليام بت الابن الاولى المشروع من جديد، كانت في ذلك الوقت تعتمد على سواعد الرقيق، وفي مقدمتهم ولبرفورس مفروشا بالورد، وكاد المشروع ينجح في العام 1804 حين قدم من جديد، فمرر في مجلس العموم خلال القراءات الثلاث، قدم فوكس مشروع القانون لمجلس العموم مرة أخرى في العاشر من حزيران 1806، وفي أوائل العام التالي قدم ولبرفورس القانون إلى مجلس اللوردات لمناقشته، فهو يصل إلى 150% ويمكن لسفينة واحدة أن تربح ستين ألف جنيه، فإن ربح الثالثة يكفي لسد الخسارة"( )، كما أنّ أحد اللوردات لم يجد دفاعاً عن هذه التجارة غير القول:"إنّ جزر الهند الغربية تعد جنة بالنسبة لهؤلاء العبيد إذا ما قورنت ببلادهم الأصلية"( ). وعند التصويت على مشروع القانون تم إقراره، وكان نصه:"اعتباراً من الأول من أيار عام 1807 سيكون شراء العبيد من إفريقيا ونقلهم إلى جزر الهند الغربية أو إلى أي بلد آخر أمراً ممنوعاً لا يقره القانون، وحين أعيد المشروع إلى مجلس العموم في 23 شباط 1807، وبذلك حَرّم على كل بريطاني إن يشترك في تجارة الرقيق أو أن يكون له نصيب فيها، فقد شكر ولبرفورس ودموع الفرح تنهمر من عينيه أمام مجلس العموم، جهود كل الذين ناضلوا وكانوا يحلمون بتحقيق مثل هذا الانجاز الانساني، في مواجهة المستفيدين من استمرارها من انصار حزب التوريز والاقطاعيين والتجار( ). بقي إمام الويكز وانصارهم من دعاة الغاء الرق وعلى رأسهم ولبرفورس خطوة أخرى هي إلغاء الرق نهائيا في بريطانيا وممتلكاتها فيما وراء البحار، الذي يحتاج إلى جهود أخرى وسنوات من العمل الشاق( ). على أن تجارة الرقيق ظل بعض البريطانيين يمارسونها بطرق غير مشروعة، حتى صدرت قوانين عام 1811، ثم صدر عام 1814 قانون وضع حداً نهائيا لهذه التجارة في الممتلكات البريطانية، حين عدّها من أعمال القرصنة( ). وكان لبريطانيا وسياسييها نشاط واسع خلال جلسات مؤتمر فينا (1814-1815) باتجاه إقرار منع تجارة الرقيق، فلقد تلقى مجلس العموم أربع عشرة عريضة احتوت على مليون توقيع لإلغاء تجارة الرقيق عالميا، حمل مؤتمر فينا على إلغاء تجارة الرقيق العالمية، كما أصدرت فرنسا عام 1818 قانوناً أكدت فيه عدم شرعية هذه التجارة وأعقبتها الولايات المتحدة الامريكية والدانمرك والسويد ومن ثم البرتغال واسبانيا، لكن الظروف الاقتصادية الداخلية للدول المشاركة في المؤتمر لم تكن تسمح بتنفيذ القانون، وبالعودة إلى الجهود الدولية لبريطانيا في سبيل منع تجارة الرقيق، فقد فوّض البرلمان البريطاني سفن كل من الأسطول وشركة الهند الشرقية، ونبهتهم إلى مسألة مهمة هي أنه ما دام هناك رق، فستبقى هناك تجارة تقوم على ذلك، وإن حلم إلغاء هذه التجارة تماماً لا يتم إلا بعدم السماح بامتلاك العبيد وتحريرهم في جميع الممتلكات البريطانية، وهذا يحتاج إلى مجهود شاق ومتواصل، بل اكتشف هؤلاء أمرا أشد همجية نتيجة الرقابة البريطانية، فالأسطول البريطاني المعادي للرقيق لم يحرر سوى 8% من عدد الرقيق الكلي المشحون من إفريقيا بين عامي 1811 و1870( )، منعت نقل أكثر من (825 ) ألف من عبد من إفريقيا إلى الأمريكيتين بين عامي 1811 و1870( ). لكن خطب نواب الويكز في مجلس العموم افادت بانهم شخصوا سلوكا بربريا ازاء الرقيق من التجار الذين ينقلون عبر البحار، يلجأون إلى رمي الرقيق في البحر، وبالفعل فقد واصلوا جهودهم، تعويض أصحاب مزارع القطن والأرز وقصب السكر في المستعمرات عن الأرقاء العاملين لديهم، ليكونوا قادرين على تشغيل يد عاملة بدلا من الأرقاء( )، وبالفعل مرر مجلس العموم مشروع اللائحة في القراءة الثالثة، فنجحت جهود حزب الأحرار وتحقق حلم جميع مناصري إلغاء الرق وأصبح أمراً واقعاً. وهو يوجب تحرير كل عبد يقل عمره عن ست سنوات وتحرير العبيد الآخرين خلال اثنتي عشرة سنة، وأن يعملوا خلال هذه المدة ثلاثة أرباع الأسبوع لأسيادهم. وأن يكون الربع الأخير لسد نفقات التعويض التي كانت تدفع لأسيادهم لقاء تحريرهم، كما تضمن اعتراف مجلس العموم أن الرق كان خطأ عاما، لذا يتعين على الحكومة والأسياد والعبيد المشاركة في تحريرهم، فقدر المجلس سبعة وثلاثين باونا وعشرة شلنات ثمنا للعبد الواحد، فكان مقدمة لإلغاء الرق في العالم، حين تدخلت بريطانيا لدى دول العالم الأخرى لتشجيعها (أو إجبارها) على أن تحذو حذو بريطانيا في ذلك. قدمت حكومة الأحرار برئاسة اللورد جون رسل الاولى، لائحة قانون خصص مكافآت مالية مغرية للعاملين على سفن الأسطول البريطاني في جميع بحار العالم مقابل كل رأس من الرقيق يتم العثور عليه( )، وعلى الرغم من أن تحرير الرقيق يعد بكل المقاييس عملا نبيلا، لكن الجارتيين فضحوا منذ العام 1838 حملة الدعاية التي قام بها البرجوازيون بشان صدور قانون 1833، وأشاروا إلى أن العبودية المأجورة موجودة في بريطانيا نفسها إلا أن البرلمان لم يلق لها بالا( )، بل أن أعداء الرأسمالية ردّوا هذه الخطوة إلى مجموعة عوامل، فعندما أخذت الرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر تحل محل الرأسمالية التجارية، ووضعوا على غرار المدرسيين القدامى، محاولة كسب الرأي العام البريطاني، لاسيما القطاعات المثقفة والغنية التي كانت تعمل على محاربة تجارة الرقيق ومنعها، وزوال حاجة المجتمع البريطاني في عصر الثورة الصناعية إلى الرقيق الذين أصبحوا عبئاً اقتصادياً واجتماعياً ثقيلاً، بل أكدوا أن سبب قيام الحكومة البريطانية بهذه الخطوة العمل على حرمان الولايات المتحدة الأمريكية من الأيدي العاملة التي كانت بأشد الحاجة أليها، عقاباً لها على رفضها الاستعمار البريطاني، نتيجة مجموعة تطورات ذات طابع اقتصادي في المقام الأول، فإنّ تحرير العبيد وتحريم تجارتهم، خطوة تاريخية بكل المقاييس، وفي مقدمة الوسائل التي ينبغي العمل من خلالها للمطالبة بالحقوق وتوعية الجمهور، تعليم العامة ومحاربة الجهل والنهوض بالواقع العلمي والثقافي عن طريق فرض إلزامية تعليم الأطفال ومجانيته، ومحو أمية الفئات الاجتماعية الأخرى( )،