لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

من المصالح والفوائد ما يُصلح أحوال الناس فيكل زمان ومكان؛ مما جعلها شريعة راسخة وثابتة وشامخة على مر العصور والدهور بما حوته من الهدى والنور والبيان والخيور. ومن هناكانت العناية بعلم مقاصد الشريعة من أَِجل العلوم الشرعية الصناعية المعيارية؛ التي تُ َكون لدى الطالب بحق: ملكة الُوقوف على الحكم والغايات التي قصدها الشارع من تشريع الأحكام. وقد جعل الشاطبي  فهم مقاصد الشريعة من أهم شروط الاجتهاد فقال  ((إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها))
ويقول ((من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها)) يقول الإمام ابن القيم  ((وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ، إلاكمثل رجل قيل له : لا تسلم على صاحب بدعة. وقال في سياق آخر  : ((وقدكانت الصحابة  أفهم الأمة لمراد نبيها وأتبع له، ويقول الإمام الغزالي  :((مقاصد الشرع قبلة المجتهدين، من توَّجه إلى جهة منها أصاب الحق)). واعتبر الإمام أبوبكر ابن العربي  : ((اتباع الظاهر على وجهه هدٌم للشريعة)). مقاصد الشريعة وبالأخص المقاصد الابتدائية التي هي من أ َج ّل مباحث علم مقاصد
والتي يُعنى بها المعاني والحكم والغايات التي تنطوي عليها الأحكام الشرعية؛ إذ ما من نص شرعي إلا وله جانبان:
ولا تخلوا أوامر الشرع ونواهيه من هذين الجانبين:
من أمثلة ذلك قول الله تعالى ﴿ولاتقربوا الزنا﴾ ينظر إليه من الجانب الحُكمي وهو ِ
ومن الجانب الحكمي الذي نبه ربنا سبحانه وتعالى عليه بقوله ﴿إنهكان فاحشة وساء سبيلا﴾. وحتى في جانب العبادات فقوله تعالى ﴿وأقيموا الصلاة﴾ الجانب الحُكمي في الآية: وجوب إقامة الصلاة، بل إن البُعد الحِكمي المقاصدي ليس مقصورا على جانب الأمر؛ إذ الكل من الله تعالى ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ ومما يدل على البعد المقاصدي ووجوده في جانب الخلق قول ربنا سبحانه وتعالى في سياق الخلق ﴿وما خلقت الجن
ِ
إذ حينما سئل عن
فيكونها ليست بنجس مع تحريم أكلها؛ ناستها بقوله  «إنها من الطوافين عليكم والطوافات». ومثله قوله  «يامعشر
وأما
رواه
وجانب الخلق، ومن هنا
ِ 4
تعريف مقاصد الشريعة: أولا: لغة:
وشريعة، ناسب أن نتعرف على مفرداته؛ لنصل إلى تعريف مقاصد الشريعة في الاصطلاح باعتبارها علما ولقبا لهذا العلم. أولا: المقاصد في اللغة: جمع مقصد على وزن: مفعل مصدر ميمي والقصد والمقصد مترادفان، ويأتي القصد لمعان في لسان العرب، والنهوض إلى الشيء، ومنه قوله  چڤڤڦڦڦڦڄچ[سورة النحل: 9]. ج)) التوّسط والاعتدال وعدم الإفراط والتفريط، إلى غير ذلك من المعاني. ثم إن لهذه الاستعمالات علاقة بالتعريف اللقبي لمقاصد الشريعة التي تهدف إلى تحقيق مراد الشارع في أحكامه؛ (الشريعة)) نسبة إلى الشرع؛ 18]. وما ينحدر منه؛ مما يؤكد علاقة المعنى اللغوي
بالاصطلاحي فكأنما أن الماء مصدر الحياة؛ بل والأبدان بالحفاظ عليها. ويراد بالشريعة في الاصطلاح: ((ما دل عليهكتاب الله تعالى وسنه رسوله  على فهم السلف الصالح من العقائد والأعمال)). إلى غير ذلك من المعاني التي يُقصد من إيرادها مع تقاربها في المعنى تدريب الناظر في 5
ليصل من خلالها إلى َغور وعمق المعاني الاصطلاحية، ثانيا: في الاصطلاح:
عرفها شيخ المقاصد الإمام الشاطبي  بالتقسيم الحاصر الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان فقال  "والمقاصد التي ينظر فيها قسمان:
أحدهما: يرجع إلى قصد الشارع. فالأول يعتبر من جهة
قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء، ومن جهة قصده في وضعها للإفهام، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، أنواع". وهذه المقاصد الابتدائية هي التي وضعت لمصالح العباد في الدارين، وخا ّص؛ العباد في المعاش والمعاد)). الفرق بين مقاصد الشارع ومقاصد المكلف: المقاصد باعتبار محل صدورها تنقسم إلى قسمين: أ- مقاصد الشارع. ب- مقاصد المكلف، وهي المقاصد التي يقصدها المكلف في سائر تصرفاته، اعتقادا وقولا وعملا، وما هو ديانة وما هو قضاء، وما هو موافق للمقاصد وما هو مخالف لها إذ ((المقصد
كما هو عبد لله اضطرارا)). ومقاصد المكلف؛ قَصر علم المقاصد بقصد الشارع!
موضوع علم المقاصد الشرعية:
موضوع هذا العلم هو ما أشار إليه شيخ المقاصد الشاطبي  حين قال: "والمقاصد التي ينظر فيها قسمان: أحدهما: يرجع إلى قصد الشارع. والآخر: يرجع إلى قصد المكلف. فالأول يعتبر من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء، ومن جهة قصده في وضعها للإفهام، فهذه أربعة أنواع". ودرء المفاسد أو تقليلها، والمفاسد من حيث دفعها ودفع ما يدعو إليها. بل هي قبلة التكليف، وهي الآصرة الكبرى ِ
إذ كل ما يحقق مصالح الناس في العاجل والآجل، فهو من الشريعة، وكل ما يؤدي إلى الفساد والضرر، ورحمةكلها، وحكمةكلها، وعن الرحمة إلى ضدها، ورحمته بين خلقه،  وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله  وأصدقها)). بما يحقق مقاصد الشريعة، ويتفق مع أهدافها في جلب المنافع ودفع المفاسد. لأن الألفاظ قد تتعدد معانيها، فتأتي المقاصد لتحديد المعنى المقصود منها. لاستنباط الأحكام عن طريق البيان العام
أو الفرعيةكالقياس والاستحسان والاستصلاح وغيرها بما يتفق مع
مقاصد الشريعة. 6) تعين مقاصد الشريعة المجتهد على الترجيح بين الأدلة عند تعارضها في الظاهر وفي نظر الناظر؛ لترجيح ما وافق مقصود الشارع؛ كما تعين على تقريب شقة الخلاف. بيان معاني المصطلحات ذات العلاقة بالمقاصد:
5) أصول الفقه. العلة في لغة العرب –بكسر العين- عبارة عنكل ما اقتضى تغييراً؛ ويترتب عليه قصر الصلاة الرباعية وجمعها تقديما وتأخيرا والقصد من الترخيص والحِكمة منه: دفع المشقة بسبب عناء السفر وتبعاته؛ وبهذا الاعتبار فالعلة هي ركن علم المقاصد وأساسه؛ وبخاصة أنه يُشترط فيها المناسبة، بل هي مفتاحه وأساسه ومع هذه العلاقة القوية بينهما فإن بينهما فروقاً تابعة للمراد بإطلاق العلة ونحو ذلك من الاعتبارات
ومن ذلك: أ ) العلة سابقة؛ وذلك أَّن مقاصد الشارع هي بمعنى المصالح والغايات التي يترتب
المترتب على علته؛ وبهذا الاعتبار تكون العلة والحكم: ُمقدمتان للمقاصد. أعني: الابتدائية هي الغاية من تشريع الحكم من َجلب المصلحة أو دفع المفسدة؛ أما العلة وما يُرادفها؛ العلة والسبب فلا يكونا إلا وصفين ظاهرين منضبطين؛ لا نبناء الحكم عليهما. وفي الاصطلاح: هي: ((السبب الذي من أجله صار الوصف علة))؛ بشرع القود والقطع )). إذ هي غاية
الشريعة الإسلامية في شرعية الأحكام، فكل منهما يعبر عن الآخر وبخاصة إذا فسرنا الحكمة ُ
أعني: جلب المصالح ودفع المفاسد؛ سوء أكان المقصد جزئياكما يقال علة تحريم الخمر حفظ العقل والمال، والحكمة من
مثل المنفعة وزناً ومعنى، فهي مصدر بمعنى الصلاح، أو هي اسم للواحد من المصالح. والمصلحة المرسلةكل منفعة داخلة في مقصود الشارع دون أن يكون لها شاهد معين بالاعتبار أو الإلغاء؛ لذا سميت مرسلة؛ وقبل بيان العلاقة لا ب ّد من بيان أقسامها من حيث اعتبار الشارع لها وجوداً وعدماً عيناً وجنساً. وقام الدليل على رعايتها، وهي شاملة للضروريات الخمس من المحافظة على الدين والنفس والنسب والعقل والمال، وهذا القسم معتبر اتّفاقاً؛ كالقول بالتسوية بين
الذكر والأنثى في الميراث، فهذه مصلحة موهومة وملغاة اتّفاقاً؛ لمصادمتها للنصوص القطعية ثبوتاً ودلالة أو مصلحة بيع الخمر والتعامل بالربا. ج ) مصلحة مرسلة عن الاعتبار، قولنا: ((ـدون أن يكون لها شاهدا ))؛ أي: شاهداً معيّنا، وسميت مرسلة لإطلاقها عن قيد دليل الاعتبار أو الإلغاء المعّين. وهو في اللغة: طلب المصلحة والعمل بها على جادة السين 10
فإنه لا
لكنها مشمولة وداخلة في عموم الأدلّة العامة الدالّة على حفظ الديانة، ثم ليعلم أ ّن المصلحة المعتبرة بسائر أنواعها لها ارتباط بالمقاصد؛ بل هي عين المقاصد
باعتبار يقول أبو حامد الغزالي  ((وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجا من هذه الأصول لكنه لا يسمى قياسا بل مصلحة مرسلة؛ وكون هذه المعاني مقصودة عُرفت لا بدليل واحد بل بأدلةكثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات فتسمى
وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها بل يجب
وحيث ذكرنا خلافا فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى )). الشريعة؛ كما قال أبو إسحاق الشاطبي
ثم ليعلم أن خلاصة علاقة القاصد بالمصالح: أن يقال إن من نظر إلى واقع المقاصد الشرعية يظهر له بجلاء أن المصالح المعتبرة بعامة، لاشتراط الملاءمة
لمقاصد الشرع؛ بحيث لا تنافي أصلا من أصوله ولا دليلا من أدلته؛ بحيث يحصل من الاعتماد
عليها تحقيق المصالح ودرء المفاسد مما هو مقصود. رابعا: علاقة المقاصد بالاستحسان:
ومنه ترك الدليل للعرف، 11
ومنه ترك الدليل لإجماع أهل المدينة، ومنه ترك الدليل للتيسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق)). وكل هذه الأنواع لها ارتباط بالمقاصد؛ الكبرى: رفع الحرج، وأن المشقة تجلب التيسير. قواعد الأصول والمقاصد كانت مقترنة وممتزجة بالنصوص، وفي فهم سلفنا الصالح؛ ثم استمر الحال أن أفردا بالتأليف، ثم تمايزا َجرياً على جادة التخصصات؛ إلا أن ذلك لا يدل على استقلال أحدهما عن الآخر منكل وجه؛ إذ قطب رحى النصوص يدور حول تحديد معنى النص، ودرك مقصود الشارع منه من خلال التنصيص على غايته وحكمته أو الاجتهاد في تحديد المناسبة وما يرمي الشرع إليه، وما يعرض له من كونه قُصد منه جلب مصلحة أو درأ مفسدة؛ إذ الشريعة مبنية على جلب المصالح أو تكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها، فالمقاصد لا تغيب عن مخيلة الأصولي؛ بل ُوضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في
وصفو القول في علاقة المقاصد بالأصول مع التلازم الذي بينها أن يقال بما أن الحكم
الشرعي هو ثمرة أصول الفقه؛ إذ به يستنتج الحكم الشرعي فالمقاصد هي الغاية والمقصد والهدف من شرعية الحكم الشرعي فهي ثمرة الثمرة. مع أنهما قد يتفاوتا
في بعض الجوانب؛ إذ القاعدة الفقهية تعبر عن حكم شرع ٍّي كل ٍّي، إلا أنهما يتفقان في أنكّلا منهما يهدف إلى رعاية المصالح ودفع المفاسد، ورفع الحرج والمشّقة، ومراعاة أحوال المكلَّفين ومقاص ِدهم. مق َّدمةٌ على مراعاة القواعد الفقهية التي
تاريخ علم المقاصد وتطوره، مرت قواعد الأصول، بخصوص التدوين لكل منهما؛ وند أن قواعد الأصول والمقاصدكانت مقترنة بالوحي، في تطبيقاتهم لفهم مراد الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على وجه السليقة. والرجال الذين لهم إسهامات في إبرازه؛ ويمكن
تلخيص المراحل التي مر بها علم المقاصد بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى:
عصر النبوة ويمثل عصر ما قبل التدوين وقد كانت المقاصد مراعاة في الوحي قرآنا وسنة وفهوم الصحابة  ويظهر ذلك بجلاء لمن يقف على دلالات النصوص ولديه طرائق الاستنطاق للأدلة ومن ذلك:
ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
أ- التنصيص على المقاصد العامة:
وقوله تعالى: ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [الحج 78]. وفي السنة النبوية المطهرةكثير من الأحاديث؛ وقوله  «لا ضرر ولا ضرار». ب) التنصيص على المقاصد الجزئية:
ومن السنة النبوية قوله  : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن
13
وشد معاقده السلف الأخيار، وشيد أركانه أنظار النظار». وتبعهم في فهومهم لمقاصد الشريعة التابعون  فمن بعدهم؛ إذ تكلموا في القياس
واحتجوا به وهكذا من دّون في أصول الفقه، ومبنى القياس على العلة واستخراج العلل، وكل ذلك آيل إلى الكلام على مقاصد الشريعة، وكذلك نبهوا كثيراً على الحكم المفهومة من الأحكام الشرعية. المرحلة الثانية: مرحلة التدوين والتأليف في المقاصد الشرعية، ولعل أبرز من ألف في هذا الفن وكان له
تأثيرا عليه وتميز في إظهار مسائله وتجديده الأئمة التالية أسماؤهم: 1- الإمام الشافعي  فهو مؤسس علم المقاصد وأصول الفقه فيكتابه الرسالة
2- الحكيم الترمذي وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشير المؤذن المعروف بالحكيم الترمذي اشتهر بالفقه والحكمة التي تعني الفلسفة في هذا السياق فيكتابه الصلاة ومقاصدها، وغيرها. 3- أبو الحسن العامري فيكتابه: الإبانة عن علل الديانة. 4- أبو بكر الشاشي القفال الكبير الشافعي فيكتابه: (محاسن الشريعة)؛ 14

تلميذ أبي
وشفاء الغليل. 7- العلامة محمد بن عمر بن الحسين البكري الطبرستاني الرازي المعروف بابن الخطيب
544- 606) وذلك فيكتابه المحصول. 8- العلامة العز بن عبد السلام وهو عبد العزيز بن يزيد عبد السلام الملقب بسلطان العلماء  . 577 ـ660) فيكتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام. و((الفروق)) وغيرها. 10- شيخ الإسلام ابن تيمية  كما في مجموع الفتاوى، وشفاء العليل. 15
ويمكن اعتبار هذه المرحلة من أبي إسحاق
وأقسامه، وكتاب المقاصد، وكتاب الأدلة الشرعية، وكتاب الاجتهاد. والمقاصد التي ينظر فيها قسمان: أحدهما يرجع إلى قصد الشارع، فكان أَّول من أفرد للمقاصدكتاباً بهذا الاسم؛ ضمنكتاب الموافقات، وحلل فيه القسم الأول؛ ثم ذكر مقاصد المكلف وفيه اثنتا عشرة مسألةكلها مرتبطة ومنضبطة بمقاصد الشارع، في ربط محكم بين الأصول والمقاصد، مع العلم أن المقاصد حاضرة فيكل الكتاب؛ إذ بناه على الاستقراء والمقاصد  ؛ وأن هذا الاستقلال إلى ح ٍّد ّما لا يدل على الانفصام التام عن أصول الفقه؛ بل موافق ُمرافِق ف ُهما َجنباً إلى جنب لا
يُستغنى بأحدهما عن الآخر. ثم توقف الحال عند الشاطبي إلى أن جاء الطاهر بن عاشور  فكتب في
المقاصدكتاباًمستقلاًيحملاسمهذاالفن: ((مقاصدالشريعةالإسلامية ))وهومن أوائل دعاة الفصل بين العلمين، فمن بعده إلى وقتنا الحالي المعاصر؛ وأصبح لكل منهما صبغته الخاصة؛ 16
ُ

وصفو القول في مراحل هذا العلمكالتالي:
المرحلة الثانية: تميُّزه عن غيره من المباحث، ويمكن أن تُعتبر بداية هذه المرحلة من
ويمكن اعتبار هذه المرحلة من أبي إسحاق الشاطبي
العلم القاصد؛ في أطروحات متعددة، وصارت لديه أقسام متخصصة تحمل اسم هذا العلم)). طرق إثبات المقاصد :
وغير ذلك ويمكن أن نورد بيان تلك المسالك ضمن مسلكين كبيرين، تندرج تحتهما بقية المسالك على ضوء ما قرره بالخصوصكل من الشاطبي وابن عاشور  وهما:
17
أو من خلال الاستقراء بتتبع النصوص للوقوف على عللها، ومثالها النهي عن الاحتكار وبيع الطعام قبل قبضه، وعن بيع الطعام بالطعام نسيئة، لذا لما أحدثه بعض
لكونه بدعة وضلالة، وتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين، 2)) الاستخراج من المقاصد الأصلية والجزئية:
ومثال الاستخراج من المقاصد الأصلية استخراج مقاصد السكن والأنس بالذرية والاستمتاع بالزوجة من المقصد الأصلي الذي هو التناسل . ومثال ذلك: مقصد الأخوة ودوام العشرة المستخرج من علل النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه والسوم على سوم أخيه، والنهي عن الوقوع في العِرض أو المال أو الكرامة بالغيبة والنميمة، من خلال التتبع والاستقراء لنصوص الشريعة ظهر أن إثبات المقاصد في النصوص جاءت بطرق متعددة وأساليب متنوعة ومنها:
موضعه اللائق به، 
الطريقة الثانية:
الطريقة الثالثة:
إخباره سبحانه أنه فعلكذا لكذا أو من أجلكذا أو غيره من مسالك العلة المعروفة كقوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا. وقوله تعالى: ( من أجل ذلك
كتبنا على بني إسرائيل. وقال سبحانه: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء 9، ونحوها. الطريقة الخامسة:
فمن المقاصد العامة قوله تعالى: (و ما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج 78، دلت على إرادة اليسر ورفع الحرج، ورود نصوص عامة تشمل تحقيق جميع المصالح من ذلك: 1- قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء
19
النحل 90، فهي أجمع آية في القرآن للحث على المصالحكلها والزجر عن المفاسد بأسرها. 2- قوله تعالى: (قد جاءتكم موعظة من ربكم) يونس 57. وهو حديث صحيح، وحديث (إن هذا الدين يسر) رواه البخاري، الطريقة السابعة :
قد جاءكم من الله نور . المائدة 15، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم . الأنفال 24، ثانيا: إثبات واعتبار المقاصد بالإجماع: ِ الاتفاق منعقد فيكثير من المسائل على مقاصدها وغاياتها وحكمها التي رعاها الشارع
مما يدل على اعتبار أصل المقاصد بالإجماع؛ ومن ذلك أن علة الصغر موجبة للولاية على النفس والمال معاً، ثالثا: إثبات المقاصد بالأدلة العقلية:
الدليل الأول: أن الله تعالى راعى مصالح عباده في مبدئهم ومعاشهم حيث أوجدهم من العدم وسخر

فهي بالمراعاة أولى ولأنها أيضا من مصلحة معاشهم إذ بها صيانة الأموال والدماء ولا معاش بدونها فوجب القول بأنه راعاها. الدليل الثاني:
) الإسراء 70، الدليل الثالث: أن أي نظام لا يقصد به تحقيق نفع أو دفع ضر فإنه نظام فاشل ينسب واضعه إلى
فتنزيه شريعة الله أحكم الحاكمين أولى بذلك، وكيف يظن ذلك بشريعة الرحمن وأنه أنزل شريعة لا تحقق مصلحة ولا تدرأ مفسدة، الدليل الرابع:
أن تعطيل الحكمة والغاية المطلوبة من الأحكام: إما أن يكون لعدم علم الفاعل بها، وهذا محال في حق من هو على كل شيء قدير، وهذا مستحيل في حق من لا يمنعه مانع عن


النص الأصلي

من المصالح والفوائد ما يُصلح أحوال الناس فيكل زمان ومكان؛ مما جعلها شريعة راسخة وثابتة وشامخة على مر العصور والدهور بما حوته من الهدى والنور والبيان والخيور.
ومن هناكانت العناية بعلم مقاصد الشريعة من أَِجل العلوم الشرعية الصناعية المعيارية؛ التي تُ َكون لدى الطالب بحق: ملكة الُوقوف على الحكم والغايات التي قصدها الشارع من تشريع الأحكام.
وقد جعل الشاطبي  فهم مقاصد الشريعة من أهم شروط الاجتهاد فقال  ((إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها))
ويقول ((من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها)) يقول الإمام ابن القيم  ((وما مثل من وقف مع الظواهر والألفاظ، ولم يراع المقاصد والمعاني، إلاكمثل رجل قيل له : لا تسلم على صاحب بدعة. فقبّل يده ورجله، ولم يسلم عليه))، وقال في سياق آخر  : ((وقدكانت الصحابة  أفهم الأمة لمراد نبيها وأتبع له،
وإنماكانوا يدندنون حول معرفة مراده ومقصوده)).
ويقول الإمام الغزالي  :((مقاصد الشرع قبلة المجتهدين، من توَّجه إلى جهة منها أصاب الحق)).
واعتبر الإمام أبوبكر ابن العربي  : ((اتباع الظاهر على وجهه هدٌم للشريعة)).
مدخل تمهيدي:
مقاصد الشريعة وبالأخص المقاصد الابتدائية التي هي من أ َج ّل مباحث علم مقاصد
ِ
الشريعة؛ والتي يُعنى بها المعاني والحكم والغايات التي تنطوي عليها الأحكام الشرعية؛ بحيث
لا يخلو منها دليل؛ إذ ما من نص شرعي إلا وله جانبان:
أ ) جانب ُحكمي، وهو النظر في مراتب الحكم التكليفي من حيث الوجوب والندب والكراهة والتحريم.
3

ب) جانب ِحكمي، وهو النظر في الجانب الغائي الذي تَوخته الشريعة من تشريع ذلك الحكم، ولا تخلوا أوامر الشرع ونواهيه من هذين الجانبين:
من أمثلة ذلك قول الله تعالى ﴿ولاتقربوا الزنا﴾ ينظر إليه من الجانب الحُكمي وهو ِ
تحريم الزنا، ومن الجانب الحكمي الذي نبه ربنا سبحانه وتعالى عليه بقوله ﴿إنهكان فاحشة وساء سبيلا﴾.
وحتى في جانب العبادات فقوله تعالى ﴿وأقيموا الصلاة﴾ الجانب الحُكمي في الآية: وجوب إقامة الصلاة، والجانب الحِ َكمي والغائي ذكره ربنا بقوله ﴿إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾.
بل إن البُعد الحِكمي المقاصدي ليس مقصورا على جانب الأمر؛ بل حتى في جانب الخلق؛ إذ الكل من الله تعالى ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ ومما يدل على البعد المقاصدي ووجوده في جانب الخلق قول ربنا سبحانه وتعالى في سياق الخلق ﴿وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون﴾. ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾. ِ
وَند بَ ّث الوعي المقاصدي في سنته صلى الله عليه وسلم؛ إذ حينما سئل عن
سؤر الهرة بـَّين الجانب الحكمي، بقوله «إنها ليس بنجس» مما آثار استغراب الصحابة َُِ
فيكونها ليست بنجس مع تحريم أكلها؛ حتى بين لهم الجانب الحكمي المقاصدي في عدم
ناستها بقوله  «إنها من الطوافين عليكم والطوافات». ومثله قوله  «يامعشر
الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» هذا بيان للجانب التكليفي الحكمي، وأما
ُ
الجانب الحكمي الغائي المقاصدي فبينه بقوله «فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج». رواه
ِ
الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- إلى غير ذلك من نصوص الوحيين في هذا السياق.
إذن فأوامر الشرع، ونواهيه، وجانب الخلق،كلها تنطوي على ِحكم وأسرار، ومن هنا
َ
ينبغي النظر في الحكم والغاية منها وهو الذي يهتم به علم المقاصد.
ِ 4

تعريف مقاصد الشريعة: أولا: لغة:
بما أن علم مقاصد الشريعة: مركب إضافي من: مقاصد، وشريعة، ناسب أن نتعرف على مفرداته؛ لنصل إلى تعريف مقاصد الشريعة في الاصطلاح باعتبارها علما ولقبا لهذا العلم. أولا: المقاصد في اللغة: جمع مقصد على وزن: مفعل مصدر ميمي والقصد والمقصد مترادفان، ويأتي القصد لمعان في لسان العرب، ومنها: أ )) الأّم والاعتماد على الشيء، والنهوض إلى الشيء، ومنه قولهم: "قصـد فلاناً" إَذا أّمه و ت و ّج ه إ ل ي ه .
ب)) الاستقامة، ومنه قوله  چڤڤڦڦڦڦڄچ[سورة النحل: 9]. قال الطبري  في جامع البيان: ((والقصد من الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه))
ج)) التوّسط والاعتدال وعدم الإفراط والتفريط، ومنه قوله تعالى:چبىبيتجچ [ لقمان : 19]؛ إلى غير ذلك من المعاني.
ثم إن لهذه الاستعمالات علاقة بالتعريف اللقبي لمقاصد الشريعة التي تهدف إلى تحقيق مراد الشارع في أحكامه؛ التي تتسم بالاعتدال والوسطية والمرونة المنضبطة، وملازمة جادة الطريق المستقيم.
((الشريعة)) نسبة إلى الشرع؛ والشريعة في لغة العرب تطلق على الدين والملة والمنهاج
والسنة والطريقة قال الله  چڳڳڳڱڱڱ ڱچ [سورة الجاثية آية:
18]. وأصل إطلاقها على مورد الماء، وما ينحدر منه؛ مما يؤكد علاقة المعنى اللغوي
بالاصطلاحي فكأنما أن الماء مصدر الحياة؛ فكذلك شريعة الإسلام مصدر حياة الأرواح وإسعادها في عاجل أمرها وآجله؛ بل والأبدان بالحفاظ عليها...
ويراد بالشريعة في الاصطلاح: ((ما دل عليهكتاب الله تعالى وسنه رسوله  على فهم السلف الصالح من العقائد والأعمال)).
إلى غير ذلك من المعاني التي يُقصد من إيرادها مع تقاربها في المعنى تدريب الناظر في 5

اللسان العربي إلى الوقوف على توافقها أو اختلافها؛ ليصل من خلالها إلى َغور وعمق المعاني الاصطلاحية، والعلاقة بين المعاني اللغوية والاصطلاحية. ثانيا: في الاصطلاح:
عرفها شيخ المقاصد الإمام الشاطبي  بالتقسيم الحاصر الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان فقال  "والمقاصد التي ينظر فيها قسمان:
أحدهما: يرجع إلى قصد الشارع. والآخر: يرجع إلى قصد المكلف. فالأول يعتبر من جهة
قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء، ومن جهة قصده في وضعها للإفهام، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، ومن جهة قصده في دخول المكلف تحت حكمها؛ فهذه أربعة
أنواع". ويقصد  بقصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء؛ أي المقاصد الذي تعتبر في المرتبة
الأولى، ويكون ما عداهاكأنها أمور إجرائية وتفصيل لها، وهذه المقاصد الابتدائية هي التي وضعت لمصالح العباد في الدارين، ولعل لأهميتها من بين أركان هذا العلم ند أغلب المعاصرين عرفوا المقاصد من خلال المقاصد الابتدائية؛ إلا أنه ينبغي أن يـُعلم أن لها معنيين: عام، وخا ّص؛ومنتعريفاتهافيالاصطلاحعندالمعاصرينالشامللنوعيهاالعامةوالخاصةأنيقال هي: ((الغايات والأهداف التي أرادها الشارع؛ لتقرير عبوديته ، وتحقيق مصالح
العباد في المعاش والمعاد)).
الفرق بين مقاصد الشارع ومقاصد المكلف: المقاصد باعتبار محل صدورها تنقسم إلى قسمين: أ- مقاصد الشارع. ضمن الأنواع الأربعة التي ذكرها الشاطبي  .
ب- مقاصد المكلف، وهي المقاصد التي يقصدها المكلف في سائر تصرفاته، اعتقادا وقولا وعملا، والتي تفرق بين صحة الفعل وفساده، وبين ما هو تعبد وما هو معاملة، وما هو ديانة وما هو قضاء، وما هو موافق للمقاصد وما هو مخالف لها إذ ((المقصد
الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبدا لله اختيارا؛
كما هو عبد لله اضطرارا)). ً
ً
6

ثم إن علم مقاصد الشريعة يشمل القسمين: مقاصد الشارع. ومقاصد المكلف؛
إذ القصد من مقاصد الشارع بأنواعها الأربعة: إصلاح مقاصد المكلف بإخراجه من داعية هواه إلى عبادة مولاه سبحانه وتعالى؛ خلافا لما مشى عليه بعض المعاصرين من
قَصر علم المقاصد بقصد الشارع!
موضوع علم المقاصد الشرعية:
موضوع هذا العلم هو ما أشار إليه شيخ المقاصد الشاطبي  حين قال: "والمقاصد التي ينظر فيها قسمان: أحدهما: يرجع إلى قصد الشارع. والآخر: يرجع إلى قصد المكلف. فالأول يعتبر من جهة قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء، ومن جهة قصده في وضعها للإفهام، ومن جهة قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، ومن جهة قصده في دخول المكلف
تحت حكمها؛ فهذه أربعة أنواع". وعليه فموضوع هذا العلم بيان لمعايير هذه الأجناس الخمسة التي أشار إليها الشاطبي
؛ وبخاصة ِحكم الأحكام وأسرار التشريع، وغاياته، وذلك لتحقيق المصالح وتكثيرها،
ودرء المفاسد أو تقليلها، وبيان مراتب المصالح، وما تجلب به ويحافظ به عليها، والمفاسد من حيث دفعها ودفع ما يدعو إليها.
الفائدة من معرفة مقاصد الشريعة:
إن معرفة مقاصد الشريعة لها أهمية عظيمة، بل هي قبلة التكليف، وهي الآصرة الكبرى ِ
التي تربط بين الأحكام والحكم، وتبين خصائص ومحاسن الشريعة وتحقيق العبودية، ومن هذه الفوائد ما يلي:



  1. معرفة الهدف والتصور العام للشريعة، ومن ثم معرفة ما يدخل في الشريعة وما يخرج منها؛ إذ كل ما يحقق مصالح الناس في العاجل والآجل، فهو من الشريعة، وكل ما يؤدي إلى الفساد والضرر، والاضطراب والخلل فليس من الشريعة.
    يقول العلامة ابن القيم  ((إن الشريعة مبناها على الحكم ومصالح العباد وهي عدلكلها، ورحمةكلها، وحكمةكلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من
    7

    الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله  وأصدقها)).

  2. تتكون لدى الدراس لها بحق القدرة على الترجيح؛ بما يحقق مقاصد الشريعة، ويتفق مع أهدافها في جلب المنافع ودفع المفاسد.

  3. فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بشكل صحيح عند تطبيقها على الوقائع؛ من خلال الاستعانة بمقاصد الشريعة. 4) تحديد مدلولات الألفاظ ومعانيها؛ لأن الألفاظ قد تتعدد معانيها، وتختلف مدلولاتها،
    فتأتي المقاصد لتحديد المعنى المقصود منها. 5) يُعتمد عليها في المسائل والوقائع المستجدة؛ لاستنباط الأحكام عن طريق البيان العام
    للأدلة الأصلية، أو الفرعيةكالقياس والاستحسان والاستصلاح وغيرها بما يتفق مع
    مقاصد الشريعة. 6) تعين مقاصد الشريعة المجتهد على الترجيح بين الأدلة عند تعارضها في الظاهر وفي نظر الناظر؛ لترجيح ما وافق مقصود الشارع؛كما تعين على تقريب شقة الخلاف.
    بيان معاني المصطلحات ذات العلاقة بالمقاصد:
    من الأمور والمصطلحات التي لها ارتباط بمقاصد الشريعة؛ بل إن معيار علم المقاصد يتكون من خلالها لذا من المناسب ذكر العلاقة بينها، وبين المقاصد، وهي:

  4. العلل. 2) الحكم. 3) المصالح. 4) الاستحسان. 5) أصول الفقه. 6) القواعد الفقهية.
    8

    أولا: العلاقة بين القاصد والِعلة:
    العلة في لغة العرب –بكسر العين- عبارة عنكل ما اقتضى تغييراً؛ ومنه علة المريض.
    وفي الاصطلاح الأصولي: ((الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم )).
    ومن أمثلة ذلك: السفر فهو علة لقصر الصلاة وهو وصف ظاهر تمكن معرفته ومشاهدته وهو منضبط، ويترتب عليه قصر الصلاة الرباعية وجمعها تقديما وتأخيرا والقصد من الترخيص والحِكمة منه: دفع المشقة بسبب عناء السفر وتبعاته؛ إذ هو مظنة ذلك.
    وبهذا الاعتبار فالعلة هي ركن علم المقاصد وأساسه؛ وبخاصة أنه يُشترط فيها المناسبة، والمناسبة هي مراعاة مقصد الشارع من شرع الحكم، بل هي مفتاحه وأساسه ومع هذه العلاقة القوية بينهما فإن بينهما فروقاً تابعة للمراد بإطلاق العلة ونحو ذلك من الاعتبارات
    ومن ذلك: أ ) العلة سابقة؛ وذلك أَّن مقاصد الشارع هي بمعنى المصالح والغايات التي يترتب
    حصولها على ترتيب الحكم على علته أو سببه، وبهذا الاعتبار تكون المقاصد متأخرة الحصول حتى عن الحُكم، المترتب على علته؛ إذا العلة مقدمة للحكم الذي تترتب عنه المقاصد، وبهذا الاعتبار تكون العلة والحكم: ُمقدمتان للمقاصد.
    ب ) المقاصد؛ أعني: الابتدائية هي الغاية من تشريع الحكم من َجلب المصلحة أو دفع المفسدة؛ أما العلة وما يُرادفها؛ كالسبب في هذا السياق فلربط الحكم بسببه وجوداً وعدما. ج ) مقاصد الشارع بمعنى الحِكم والغايات قد تكون ظاهرة وقد تكون مضطربة؛ بخلاف
    العلة والسبب فلا يكونا إلا وصفين ظاهرين منضبطين؛ لا نبناء الحكم عليهما.
    ثانيا: العلاقة بين المقاصد وال ِحكمة:
    الحكمة في اللغة: الحاء والكاف والميم تدل على أصل واحد، وهو المنع. وفي الاصطلاح: هي: ((السبب الذي من أجله صار الوصف علة))؛ كما قال صاحب المراقي  ((وهي التي من أجلها الوصف جرى ** علة حكم عند كل من درى)).
    وعرفها الطوفي بقوله هي ((غاية الحكم المطلوبة بشرعه؛كحفظ الأنفس والأموال
    بشرع القود والقطع )).
    9

    وأما العلاقة بين الحكمة والمقصد فتظهر من خلال التعريف الاصطلاحي؛ إذ هي غاية
    الشريعة الإسلامية في شرعية الأحكام، فكل منهما يعبر عن الآخر وبخاصة إذا فسرنا الحكمة ُ
    بالأثر المترتب على الحكم؛ أعني: جلب المصالح ودفع المفاسد؛ سوء أكان المقصد جزئياكما يقال علة تحريم الخمر حفظ العقل والمال، بمعنى أن مقصد الشارع من تحريم الخمر هو حفظ العقل والمال، أوكلياًكأن يقال الحكمة من خلق بني آدم التعبد لله تعالى، والحكمة من
    الأمور التعبدية: تقرير الامتثال في النفوس ونحو ذلك.
    ثالثا: العلاقة بين المقاصد والمصلحة المرسلة:
    المصلحة لغة؛ مثل المنفعة وزناً ومعنى، وضدها: المفسدة، فهي مصدر بمعنى الصلاح، أو هي اسم للواحد من المصالح.
    والمصلحة من المصطلحات التي لها ارتباط قوي بمقاصد الشريعة، والمصلحة المرسلةكل منفعة داخلة في مقصود الشارع دون أن يكون لها شاهد معين بالاعتبار أو الإلغاء؛ لذا سميت مرسلة؛ أي عن دليل اعتبارها على جهة التعيين.
    وقبل بيان العلاقة لا ب ّد من بيان أقسامها من حيث اعتبار الشارع لها وجوداً وعدماً عيناً وجنساً.
    أ ) مصلحة معتَبرة بالدليل الخاص وهي: المصلحة التي شهد الشرع باعتبارها، وقام الدليل على رعايتها، والمحافظة عليها، وهي شاملة للضروريات الخمس من المحافظة على الدين والنفس والنسب والعقل والمال، وهذا القسم معتبر اتّفاقاً؛ إذ هو في حقيقته راجع إلى القياس. ب ) مصلحة ملغاة؛ وهي: التي لم يَشهد الشرع باعتبارها بل بإلغائها؛كالقول بالتسوية بين
    الذكر والأنثى في الميراث، فهذه مصلحة موهومة وملغاة اتّفاقاً؛ لمصادمتها للنصوص القطعية ثبوتاً ودلالة أو مصلحة بيع الخمر والتعامل بالربا.
    ج ) مصلحة مرسلة عن الاعتبار، وهي: ((كل منفعة داخلة في مقاصد الشارع دون أن يكون لها شاهدا معينا بالاعتبار أو الإلغاء)).
    قولنا: ((ـدون أن يكون لها شاهدا ))؛ أي: شاهداً معيّنا، وإلا فهي مندرجة تحت القواعد العامة، وسميت مرسلة لإطلاقها عن قيد دليل الاعتبار أو الإلغاء المعّين.
    وطلبها يسمى استصلاحاً، وهو في اللغة: طلب المصلحة والعمل بها على جادة السين 10

    والتاء في دلالتهما على الطلب. واصطلاحا: (( الأخذ بالمصلحة المرسلة )).
    ومن أمثلة مصلحة المرسلة: مصلحة جمع القرآن الكريم في مصحف واحد؛ فإنه لا
    يوجد ن ّص معّين على اعتبارها أو إلغائها؛ لكنها مشمولة وداخلة في عموم الأدلّة العامة الدالّة على حفظ الديانة، ومن ذلك حفظ القرآن الكريم الذي هو أساس الدين وكلية
    .
    ثم ليعلم أ ّن المصلحة المعتبرة بسائر أنواعها لها ارتباط بالمقاصد؛ بل هي عين المقاصد
    باعتبار يقول أبو حامد الغزالي  ((وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجا من هذه الأصول لكنه لا يسمى قياسا بل مصلحة مرسلة؛ إذ القياس أصل معين، وكون هذه المعاني مقصودة عُرفت لا بدليل واحد بل بأدلةكثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات فتسمى
    لذلك مصلحة مرسلة. وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها بل يجب
    القطع بكونها حجة، وحيث ذكرنا خلافا فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى )).
    الشريعة؛كما قال أبو إسحاق الشاطبي
    ثم ليعلم أن خلاصة علاقة القاصد بالمصالح: أن يقال إن من نظر إلى واقع المقاصد الشرعية يظهر له بجلاء أن المصالح المعتبرة بعامة، والمرسلة بخاصة بشرطها من أَهّم الأركان التي تدور عليها المقاصد؛كما أن العمل بها لا َيخرج عن بـوتقة المقاصد؛ لاشتراط الملاءمة
    َ
    لمقاصد الشرع؛ بحيث لا تنافي أصلا من أصوله ولا دليلا من أدلته؛ بحيث يحصل من الاعتماد
    عليها تحقيق المصالح ودرء المفاسد مما هو مقصود.
    رابعا: علاقة المقاصد بالاستحسان:
    بالنظر إلى أنواع الاستحسان نلحظ أن له ارتباطا بالمقاصد؛ إذ من أنواعهكما يقول العلامة أبو بكر ابن العربي المعافري  ((ترك الدليل للمصلحة، ومنه ترك الدليل للعرف،
    11

    ومنه ترك الدليل لإجماع أهل المدينة، ومنه ترك الدليل للتيسير لرفع المشقة وإيثار التوسعة على الخلق)). وكل هذه الأنواع لها ارتباط بالمقاصد؛ إذاكانت حقيقته العدول والاستثناء من الحكم الكلي الذي يؤدي التزامه إلى الحرج المرفوع عن الشريعة؛ إذ من مقاصد الشريعة الكلية
    الكبرى: رفع الحرج، وأن المشقة تجلب التيسير.
    خامسا: العلاقة بين المقاصد وأصول الفقه:
    قواعد الأصول والمقاصد كانت مقترنة وممتزجة بالنصوص، وفي فهم سلفنا الصالح؛ في تطبيقاتهم للقواعد على وجه السليقة؛ ثم استمر الحال أن أفردا بالتأليف، ثم تمايزا َجرياً على جادة التخصصات؛ إلا أن ذلك لا يدل على استقلال أحدهما عن الآخر منكل وجه؛ إذ قطب رحى النصوص يدور حول تحديد معنى النص، ودرك مقصود الشارع منه من خلال التنصيص على غايته وحكمته أو الاجتهاد في تحديد المناسبة وما يرمي الشرع إليه، وما يعرض له من كونه قُصد منه جلب مصلحة أو درأ مفسدة؛ إذ الشريعة مبنية على جلب المصالح أو تكثيرها ودرء المفاسد أو تقليلها، فأحكام الشريعة لا تخرج عن ذلك في أي تنظير أصولي أو استثمار حكم تنزيلي، فالمقاصد لا تغيب عن مخيلة الأصولي؛ فالشريعة تكاليفها ليست موضوعةكيفما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت ُسلطة الدين، بل ُوضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في
    الدين والدنيا معا. وصفو القول في علاقة المقاصد بالأصول مع التلازم الذي بينها أن يقال بما أن الحكم
    الشرعي هو ثمرة أصول الفقه؛ إذ به يستنتج الحكم الشرعي فالمقاصد هي الغاية والمقصد والهدف من شرعية الحكم الشرعي فهي ثمرة الثمرة.
    سادسا: علاقة المقاصد بالقواعد الفقهية:
    نعم! بين القواعد الفقهية والقواعد المقاصدية صلةً قويةً، وارتباطا وثيقا، مع أنهما قد يتفاوتا
    في بعض الجوانب؛ إذ القاعدة الفقهية تعبر عن حكم شرع ٍّي كل ٍّي، والقاعدة المقاصدية تعبر عن غاية تشريعيٍّة عاّمٍة؛ إلا أنهما يتفقان في أنكّلا منهما يهدف إلى رعاية المصالح ودفع المفاسد،
    ورفع الحرج والمشّقة، ومراعاة أحوال المكلَّفين ومقاص ِدهم. ومع ذلك فمراعاة القواعد التي ُتجس ُد المقاص َد والغايا ِت، مق َّدمةٌ على مراعاة القواعد الفقهية التي
    ََِ
    ُتجسد وسائ َل إقامة المقاصد؛ لأ َّن الغاية مق َّدمة على الوسيلة؛ وما الوسيلة إلا خاد ٌم للمقصد
    12
    والغاية.

    تاريخ علم المقاصد وتطوره، وأهم الكتب المؤلفة فيه:
    مرت قواعد الأصول، ومقاصد الشريعة بمراحل؛ بخصوص التدوين لكل منهما؛ وند أن قواعد الأصول والمقاصدكانت مقترنة بالوحي، وفي فهم سلفنا الصالح؛ في تطبيقاتهم لفهم مراد الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على وجه السليقة.
    ثم إن لدراسة أي فن من الفنون لابد من الوقوف علىكيفية نشأته، والرجال الذين لهم إسهامات في إبرازه؛ إذ بذلك يقف الطالب على حقيقة مصطلحاته وطرائق التنزيل وعلم المقاصدكغيره من العلوم الشرعية لم يظهر إلى الوجود في مؤلف خاص دفعة واحدة ولكنه مّر بمراحل متتابعة حتى وصل إلى مرحلة التبويب والتدوين بالصورة المعهودة الآن، ويمكن
    تلخيص المراحل التي مر بها علم المقاصد بالمراحل التالية:
    المرحلة الأولى:
    عصر النبوة ويمثل عصر ما قبل التدوين وقد كانت المقاصد مراعاة في الوحي قرآنا وسنة وفهوم الصحابة  ويظهر ذلك بجلاء لمن يقف على دلالات النصوص ولديه طرائق الاستنطاق للأدلة ومن ذلك:
    أولا: ان مقاصد الشريعة العامة والجزئية اقترنت بنزول الوحي، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
    أ- التنصيص على المقاصد العامة:
    ومن ذلك في القران الكريمكثير من الآيات؛كقوله تعالى: ﴿يريد الله بكم اليسر ولا
    يريد بكم العسر ﴾ [البقرة 185]. وقوله تعالى: ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [الحج 78]. وقوله تعالى: ﴿يريد الله أن يخفف عنكم ﴾ [النساء 28].
    وفي السنة النبوية المطهرةكثير من الأحاديث؛كقوله  «فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» وقوله  «إن هذا الدين يسر». وقوله  «لا ضرر ولا ضرار».
    ب) التنصيص على المقاصد الجزئية:
    كما في قوله تعالى: ﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ [العنكبوت 45]، وقوله سبحانه: ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾ [التوبة 103]، ومن السنة النبوية قوله  : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن
    13

    للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». ثانيا: الصحابة  أول المفسرين والأصوليين والفقهاء والمقاصديين فجميع العلوم
    الشرعية هم أولى بفهمها وبمعاييرها وتنزيلها وقد أشار إلى هذا الشاطبي  في سياق حديثه عنكتاب الموافقات وما أودع فيه من معايير لمقاصد الشريعة وأصول الفقه «فإنه بحمد الله أمر قررته الآيات والأخبار، وشد معاقده السلف الأخيار، ورسم معالمه العلماء الأحبار،
    وشيد أركانه أنظار النظار». وتبعهم في فهومهم لمقاصد الشريعة التابعون  فمن بعدهم؛ إذ تكلموا في القياس
    واحتجوا به وهكذا من دّون في أصول الفقه، ومبنى القياس على العلة واستخراج العلل، وكل ذلك آيل إلى الكلام على مقاصد الشريعة، وكذلك نبهوا كثيراً على الحكم المفهومة من الأحكام الشرعية.
    المرحلة الثانية: مرحلة التدوين والتأليف في المقاصد الشرعية، ولعل أبرز من ألف في هذا الفن وكان له
    تأثيرا عليه وتميز في إظهار مسائله وتجديده الأئمة التالية أسماؤهم: 1- الإمام الشافعي  فهو مؤسس علم المقاصد وأصول الفقه فيكتابه الرسالة
    وقد ركز  كثيرا على البيان ومعهود الأميين في التأسيس لفهم الوحي وفق معهود العرب في سياقاتها الكلامية وبساطة مداركها التي جاء راعاها الوحي؛ بل على منوال ذلك يفهم مراد الله تعالى ومراد رسوله  .
    2- الحكيم الترمذي وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشير المؤذن المعروف بالحكيم الترمذي اشتهر بالفقه والحكمة التي تعني الفلسفة في هذا السياق فيكتابه الصلاة ومقاصدها، وكتاب العلل، وغيرها.
    3- أبو الحسن العامري فيكتابه: الإبانة عن علل الديانة. 4- أبو بكر الشاشي القفال الكبير الشافعي فيكتابه: (محاسن الشريعة)؛ إذ امتاز بتعليل الأحكام الفقهية عبادة أو معاملة من أوله إلى آخره وكتابه من
    اجل الكتب القديمة في ذكر مقاصد الشريعة وتعليل الأحكام الجزئية. 5- إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف الجويني -رحمه الله- (419-
    14

  5. وذلك فيكتابه البرهان.
    6- العلامة أبو حامد الغزالي  محمد بن محمد الغزالي (تـ: 505)، تلميذ أبي
    المعالي الجويني وذلك فيكتابه المستصفى، وشفاء الغليل.
    7- العلامة محمد بن عمر بن الحسين البكري الطبرستاني الرازي المعروف بابن الخطيب
    (544- 606) وذلك فيكتابه المحصول.
    8- العلامة العز بن عبد السلام وهو عبد العزيز بن يزيد عبد السلام الملقب بسلطان العلماء  .
    (577 ـ660) فيكتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام. وقد حصلت نـُقلة متميزة في تاريخ علم المقاصد، حيث تميزت المقاصد الابتدائية إلى حٍّدكبير عن أصول الفقه في كتابه ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام))؛ إذ و َّسع الكلام على المصالح، والمفاسد؛ من حيث الحقيقة، والتقسيم لها، والترجيح بينها، ونحو ذلك، مما يعد بذلك شيخ علم
    المصالح بحق. 9- العلامة القرافي  تلميذ العز بن عبد السلام في كتابه ((شرح تنقيح الفصول))،
    و((نفائس الأصول))، و((الفروق)) وغيرها. 10- شيخ الإسلام ابن تيمية  كما في مجموع الفتاوى، وفي سائركتبه التي امتازت
    .
    11- العلامة ابن القيم  تلميذ شيخ الإسلام فيكتابه: إعلام الموقعين عن رب
    بالبعد المقاصدي في جانب التطبيق مما لا تكاد تجده عند غيره العالمين، وشفاء العليل.
    15

    المرحلة الثالثة: تتميز هذه المرحلة بتخصيصه بالتأليف، ويمكن اعتبار هذه المرحلة من أبي إسحاق
    الشاطبي  شيخ المقاصد بحق؛ فالإمام الشاطبي (تـ: 790) فيكتابه الموافقات وغيرها، له السبق في الكتابة في هذا العلم على وجه الشمول لقواعده وكلياته، وأقسامه، وإحكامه في قوانينكبرى وأجناس خماسية عظمى؛ بل إذا ذكر الشاطبي  ذكرت
    المقاصد وإذا ذكرت المقاصد ذكر الشاطبي؛ إذ خص هذا العلم بـكتاب ضمنكتابه َُ
    الموافقات الذي ضَّمنه مقدمات عظيمة، وكتاب الأحكام، وكتاب المقاصد، وكتاب الأدلة الشرعية، وكتاب الاجتهاد.
    جاء في الموافقات بعد أن أنهى كتاب الأحكام قوله  ((كتاب المقاصد،
    والمقاصد التي ينظر فيها قسمان: أحدهما يرجع إلى قصد الشارع، والآخر يرجع إلى قصد المكلف ...)).
    فكان أَّول من أفرد للمقاصدكتاباً بهذا الاسم؛ ضمنكتاب الموافقات، وحلل فيه القسم الأول؛ أعني: مقاصد الشارع إلى أربعة أنواع، ثم ذكر مقاصد المكلف وفيه اثنتا عشرة مسألةكلها مرتبطة ومنضبطة بمقاصد الشارع، في ربط محكم بين الأصول والمقاصد، مع العلم أن المقاصد حاضرة فيكل الكتاب؛ إذ بناه على الاستقراء والمقاصد  ؛ مما يدل على قوة التلازم بينهما، وأن هذا الاستقلال إلى ح ٍّد ّما لا يدل على الانفصام التام عن أصول الفقه؛ بل موافق ُمرافِق ف ُهما َجنباً إلى جنب لا
    يُستغنى بأحدهما عن الآخر. ثم توقف الحال عند الشاطبي إلى أن جاء الطاهر بن عاشور  فكتب في
    المقاصدكتاباًمستقلاًيحملاسمهذاالفن: ((مقاصدالشريعةالإسلامية ))وهومن أوائل دعاة الفصل بين العلمين، -مع حسن نية فيما أحسب-ِ وتبعه على هذا علال الفاسي ، فمن بعده إلى وقتنا الحالي المعاصر؛ إذ أصبح ممايزاً إلى ح ّد كبير لقواعد أصول الفقه، وأصبح لكل منهما صبغته الخاصة؛ بل أصبحت تدرس مادة المقاصد في أغلب الجامعات على وجه الاستقلال، وأُفرد بالتأليف فيكثير من الرسائل الجامعية،
    وأصبح هناك متخصصون في مادة المقاصد. 16
    ُ
    
    وصفو القول في مراحل هذا العلمكالتالي:
    ((المرحلة الأولى: اقترانه بغيره، والمقصود بهذه المرحلة أنه لم يُفَرد بكلام خاص به ليبّين معالمه ومعاييره وأقسامه، وهذاكما في عصر الصحابة  ومن جاء بعدهم، إلى عصر إمام الحرمين  .
    المرحلة الثانية: تميُّزه عن غيره من المباحث، ويمكن أن تُعتبر بداية هذه المرحلة من
    الجويني .
    المرحلة الثالثة: تخصيصه بالتأليف، ويمكن اعتبار هذه المرحلة من أبي إسحاق الشاطبي
    ، وعلال الفاسي  ثم توالت الكتابة في هذا
    العلم القاصد؛ في أطروحات متعددة، وصارت لديه أقسام متخصصة تحمل اسم هذا العلم)).
    طرق إثبات المقاصد :
    يصطلح على تسمية هذا المطلب بمسالك الكشف عن المقاصد، أو سبل إثبات وطرق كشف وتعيين المقاصد، وغير ذلك ويمكن أن نورد بيان تلك المسالك ضمن مسلكين كبيرين، تندرج تحتهما بقية المسالك على ضوء ما قرره بالخصوصكل من الشاطبي وابن عاشور  وهما:
    1)) الاستنباط المباشر من القرآن والسنة: ويشمل ذلك:
    مجرد الأمر والنهي الابتدائيين التصريحيين؛ والمراد بالابتدائيين: المقصودين بالقصد
    الأول احترازا من الأمر والنهي اللذين يكونان بالقصد الثاني؛ وقيدا بالتصريحيين احترازا من الأمر والنهي الضمنيين كالنهي عن أضداد المأمور والعكس، ونحو ذلك.
    أو من خلال اعتبار علل الأمر والنهي، وتعرف العلة بمسالكها المعلومة في اصول الفقه؛ أعني :النص، والإجماع والاستنباط.
    أو من خلال النصوص التقريرية منه صلى الله عليه وسلم. 17
    ، ثم من جاء بعده؛كابن عاشور
    
    أو من خلال الاستقراء بتتبع النصوص للوقوف على عللها، وتتبعها حول علة واحدة، ومثالها النهي عن الاحتكار وبيع الطعام قبل قبضه، وعن بيع الطعام بالطعام نسيئة، وكل ذلك قد أفاد مقصد تيسير رواج الطعام وتحصيله، ونحو ذلك
    أو من خلال تتبع السكوت النبوي الوارد في موضع الحاجة إلى البيان الشرعي، فيدل ذلك السكوت وعدم تقرير حكم مع قيام المقتضي له على أن قصد الشارع أن لا يزاد في الحكم العبادي ولا ينقص منه، ومن أمثلة ذلك الآذان في العيدين، لذا لما أحدثه بعض
    الأمراء، أنكره المسلمون؛ لكونه بدعة وضلالة، وتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين، فإنه لما فعله بعض الأمراء– أيضا- أنكره المسلمون لكونه بدعة
    أو من خلال تتبع اجتهادات السلف- رحمهم الله تعالى-
    2)) الاستخراج من المقاصد الأصلية والجزئية:
    ومثال الاستخراج من المقاصد الأصلية استخراج مقاصد السكن والأنس بالذرية والاستمتاع بالزوجة من المقصد الأصلي الذي هو التناسل . أما الاستخراج من المقاصد الجزئية، فهو يتمثل في تتبع العلل الكثيرة الثابتة والواردة في تحديد حكمة واحدة مشتركة، فتكون تلك الحكمة بمثابة المقصد الكلي الأصلي، ومثال ذلك: مقصد الأخوة ودوام العشرة المستخرج من علل النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه والسوم على سوم أخيه، والنهي عن الوقوع في العِرض أو المال أو الكرامة بالغيبة والنميمة، والغصب والتغرير وغير ذلك . أدلة اعتبار المقاصد:
    أولا: الأدلة النقلية على إثبات المقاصد:
    من خلال التتبع والاستقراء لنصوص الشريعة ظهر أن إثبات المقاصد في النصوص جاءت بطرق متعددة وأساليب متنوعة ومنها:
    الطريقة الأولى:
    إخبار الله سبحانه وتعالى في كتابه في أكثر من موضع أنه حكيم، وذلك يقتضي أن
    تكون أحكامه سبحانه مشروعه للمقاصد ولا تكون عبثاً، إذ الحكيم الذي يضع الشيء في
    18

    موضعه اللائق به، وأحكام اللهكذلك وجدناها محققة لمصالح العباد في الدنيا والآخرة.
    الطريقة الثانية:
    إخبار الله تعالى عن نفسه بأنه أرحم الراحمين في أكثر من موضعكقوله تعالى: (ورحمتي
    وسعت كل شيء) [الأعراف 156]، وذلك لا يتحقق إلا بأن يقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم وبما شرعه فلو لم تكن أوامره ونواهيه لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إلى عباده
    لماكانت رحمة قال تعالى: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [الأنبياء 107]. الطريقة الثالثة:
    إخباره سبحانه أنه فعلكذا لكذا أو من أجلكذا أو غيره من مسالك العلة المعروفة كقوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا...) الآية البقرة 143، وقوله تعالى: ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة ) البقرة 150، وقوله تعالى: ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ) البقرة 185، وقوله تعالى: ( من أجل ذلك
    كتبنا على بني إسرائيل..... ) الآية المائدة 32.
    الطريقة الرابعة:
    إخباره سبحانه عن أهميةكتابه وعظم فائدته ومقصد إنزاله والقران أصل الشريعة وأسها قال سبحانه: (يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يونس 57، وقال سبحانه: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء 9،
    ونحوها.
    الطريقة الخامسة:
    ورود بعض المقاصد الشرعية العامة والخاصة في بعض النصوص، فمن المقاصد العامة قوله تعالى: (و ما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج 78، وقوله: ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) البقرة 185، دلت على إرادة اليسر ورفع الحرج، ومثل ذكر مقاصد
    الحج والصيام والزكاة وتوزيع الفيء ونحوه على وجه الخصوص.
    الطريقة السادسة:
    ورود نصوص عامة تشمل تحقيق جميع المصالح من ذلك: 1- قوله تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء
    19

    والمنكر والبغي..) النحل 90، وهذا أمر بالمصالح وأسبابها ونهي عن الفحشاء والمنكر وهذا نهي عن المفاسد وأسبابها، فهي أجمع آية في القرآن للحث على المصالحكلها والزجر عن المفاسد بأسرها.
    2- قوله تعالى: (قد جاءتكم موعظة من ربكم) يونس 57. 3- حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) أخرجه أحمد وابن ماجه، وهو حديث صحيح،
    وحديث (إن هذا الدين يسر) رواه البخاري، فكم يدخل تحت هذا اليسر من تحقيق المصالح ودفع الحرج حتىكأنه جعل الدين هو اليسر.
    الطريقة السابعة :
    إخباره سبحانه بأن حكمه أحسن الأحكام في قوله تعالى: ( ومن أحسن من الله حكماُ لقوم يوقنون ) المائدة 50، ولولا مطابقته للحكمة والمصلحة المقصودة المرداة لماكانكذلك.
    الطريقة الثامنة :
    أن الله تعالى وصف كتابه الذي هو أصل الدين في مواطن كثيرة بأنه نور وحياة وسماه روحا قال تعالى
    (قد جاءكم من الله نور ...) المائدة 15، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ...) الأنفال 24، وقوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) الشورى 52.
    ثانيا: إثبات واعتبار المقاصد بالإجماع: ِ الاتفاق منعقد فيكثير من المسائل على مقاصدها وغاياتها وحكمها التي رعاها الشارع
    مما يدل على اعتبار أصل المقاصد بالإجماع؛ ومن ذلك أن علة الصغر موجبة للولاية على النفس والمال معاً، وأن الشارع إنما حرم الخمر للمحافظة على العقل ... ثالثا: إثبات المقاصد بالأدلة العقلية:
    تأسياً بالقرآن الكريم والسنة النبوية جرى عمل الأئمة في الاحتجاج بالعقل فيما فيه دليل الوحي من باب توارد الأدلة، والطمأنينة لتلقي الحكم الشرعي، ولإقناع من ليس منتظما تحت أمة الإجابة وغير ذلك من الاعتبارات:
    الدليل الأول: أن الله تعالى راعى مصالح عباده في مبدئهم ومعاشهم حيث أوجدهم من العدم وسخر
    لهم سائر النعم فمن المحال أن الله تعالى يراعي مصالح العباد في المبدأ والمعاد والمعاش ويهمل 20
    
    مصلحتهم في الأحكام الشرعية إذ هي أهم، فهي بالمراعاة أولى ولأنها أيضا من مصلحة معاشهم إذ بها صيانة الأموال والدماء ولا معاش بدونها فوجب القول بأنه راعاها.
    الدليل الثاني:
    أن الله تعالى خلق الإنسان مكرما مشرفا لقوله تعالى: ( ولقدكرمنا بني آدم.. ) الإسراء 70، ومن لوازم التكريم أن يحقق للإنسان مصالحه على أحسن الوجوه و إلا لم يكن مكرما.
    الدليل الثالث: أن أي نظام لا يقصد به تحقيق نفع أو دفع ضر فإنه نظام فاشل ينسب واضعه إلى
    الجهل والغفلة متهم بالشر، فتنزيه شريعة الله أحكم الحاكمين أولى بذلك، وكيف يظن ذلك بشريعة الرحمن وأنه أنزل شريعة لا تحقق مصلحة ولا تدرأ مفسدة، لا يظن ذلك إلا من ظن السوء برب العالمين.
    الدليل الرابع:
    أن تعطيل الحكمة والغاية المطلوبة من الأحكام: إما أن يكون لعدم علم الفاعل بها، وهذا محال في حق من هو بكل شيء عليم، وإما لعجزه؛ وهذا محال في حق من هو على كل شيء قدير، وإما لعدم إرادته الإحسان إلى غيره وإيصال النفع إليه؛ وهذا محال في
    حق أرحم الراحمين. وإما لمانع يمنع من إرادتها وقصدها؛ وهذا مستحيل في حق من لا يمنعه مانع عن
    فعل ما يريد بل هو فعال لما يريد، وإما لاستلزامها نقصا ومنافاتها كمالا؛ وهذا باطل بل هو قلب للحقائق وعكس للفطر ومناقضة للعقل، فإن من يفعل لحكمة وغاية مطلوبة أكمل
    ممن يفعل لا لشيء


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

In Shakespeare'...

In Shakespeare's play "Macbeth", Claudius is not a character; however, in "Hamlet," Claudius is the ...

في الوقت الحاضر...

في الوقت الحاضر ، تتزايد أهمية إنشاء المناطق المحمية في السياسات العامة ، مع ضمان حق السكان المحليين...

3.1.3 Types of ...

3.1.3 Types of false ceilings Pvc and Fiber glass( كل وحده اربع او 5 اسطر بالكتير 1- PVC (Pol...

التعاون الاقتصا...

التعاون الاقتصادي بين دولة الإمارات وجمهورية الهندية يعد محوراً هاماً في علاقاتهما الثنائية، حيث تشه...

عنوان الرسالة: ...

عنوان الرسالة: ظاهرة التضخم الوظيفي في ليبيا: دراسة متكاملة من سنة 1996 إلى سنة 2022 **المقدمة** ت...

### مقدمة رواي...

### مقدمة رواية "رب خرافة خير من ألف واقع" للكاتب يوسف جاسم رمضان هي رواية تتناول مواضيع فلسفية ونف...

In 2003, he dec...

In 2003, he decided to climb the remote Blue John Canyon in Utah. But little did he know that he wo...

كيف تفسر بان ا...

كيف تفسر بان الطلاب شاركوا في اللعبة دون معارضة واحيانا بتحمس ظاهر , פחד וחוסר ביטחון, וראו בתנועה...

أهم التعديلات ع...

أهم التعديلات على معيار 15 امتدت متطلبات الإفصاح عن الأطراف ذات العلاقة إلى التعهدات والارتباطات بي...

المطلب األول: ا...

المطلب األول: الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية عن أضرار السفن ذاتية القيادة يطرح موضوع تحديد المس...

‎تخدمك منصة قوى...

‎تخدمك منصة قوى بسوق العمل و بجميع معاملاتك وهو عبارة عن منصة خدمات اطلقتها وزارة الموارد البشرية وا...

أولاً: الموهبة ...

أولاً: الموهبة الأكاديمية : توصل تايلور (Taylor) في نظريته للمواهب المتعددة إلى وصف الموهبة الأكاد...