لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (2%)

وهدته ثقافته إلى أن شعراء النهضة والإحياء لا يبسطون شعرهم على حياتهم النفسية
فهو شعر ذاتى كامل الذاتية ، فهو شعر يجلل بالسواد
فلكل بيت قافيته أو لكل بيت نهايته
الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى الأشياء يمتاز الشاعر على
ولا ينتقل الشاعر من فكرة إلى فكرة في غير نظاموأيضا لا بد أن يلتحم كل بيت بما قبله وبما بعده بحيث لا يستغنى البيت في تمام
وكل منهما استطاع أن يوجد فعلا تجربة جديدة


النص الأصلي

جيل جديد
لا نكاد نمضى في النصف الأول من هذا القرن العشرين حتى يظهر عندنا
جيل جديد تثقف ثقافة عميقة بالآداب الإنجليزية وغيرها من الآداب الغربية .
وهدته ثقافته إلى أن شعراء النهضة والإحياء لا يبسطون شعرهم على حياتهم النفسية
وحياة الكون من حولهم ، بل هم إنما يبسطونه على حياتنا العامة ، وقلما وقفوا عند
الحياة الإنسانية في عواطفها ودوافعها وظواهرها وبواطنها . ثم هم يبالغون في
التقيد بصورة الشعر العربي القديم في صياغته وأوزانه .
فهذا الجيل كان يختلف عن الجيل السابق في فهم الشعر وتصوره ، من
جهة يريد أن يكون الشعر تعبيراً عن النفس لا يمعناها الخاص ولكن بمعناها
الإنساني العام وما تضطرب به من خير وشر وألم ولذة ، ومن جهة ثانية
يريد أن يكون الشعر تعبيراً عن الطبيعة وحقائقها وأسرارها المبثوثة فيها ، فليس
الشعر أريحيات وطنية ولا قومية ولا هو تسجيل لحوادث الأمة وما يجرى فيها
على أرقام السنين ! وإنما هو قبل كل شيء تصوير لعواطف إنسانية تزدحم بها
النفس الشاعرة ، وتندفع على لسان الشاعر لحناً خالداً يصور صلته بالعالم والكون
من حوله.
"
وكان هذا الجيل كما قلنا آنفاً لا يستمد من الآداب الفرنسية شأن الجيل
السابق ، وإنما يستمد أولا من الآداب الإنجليزية وشعرها الغنائى . ولم يكن
يسعى إلى تقليد هذا الشعر والضرب على أنماطه طبق الأصل ، إنما كان
يستوحيها هذا النقش الجديد ، ويستلهمها، ويتصل بأصحابها اتصالا دائماً غير
منقطع
ورواد هذا الجيل هم عبد الرحمن شكرى ثم المازني والعقاد ، وقد تخرج
الأولان فى مدرسة المعلمين العليا، ولم يتخرج العقاد في مدرسة المعلمين ، ولكنهحقق لنفسه تثقفاً أصيلا باللغة الإنجليزية وما أنتجته قرائح الشعراء والنقاد فيها
ولم يلبث الثلاثة أن ألفوا مدرسة شعرية رائعة بثت روحاً جديدة في شعرنا الغنائى
و دفعته قدماً نحو تطور واسع
ولا نصل إلى سنة ۱۹۰۹ حتى يخرج عبد الرحمن شكرى أول محاولة لهذه
المدرسة، فقد نشر ديواناً سياه و ضوء الفجر ) . وهو يجرى في هذا الذوق الجديد
إذ تعالج قصائده معانى إنسانية عامة تتبع من قلب صادق الإحساس بمشاعره
و بما توحى به الطبيعة من حوله . فهو شعر ذاتى كامل الذاتية ، ليس شعراً
لمجتمع ولا شعراً غيرياً كأكثر ما أنتجه شعراء الإحياء ، إنما هو حديث نفس
تترجم عن دخائلها ووساوسها وآلامها وأحلامها كما تترجم عن الكون وطلاسمه
وألغازه وما يحمل بين جوانحه من حقائق وأسرار
وهذه النزعة الذاتية تقترن بتشاؤم حاد ، فالحياة تستغرقها الآلام ، والبشرية
يتقاذفها متاعس لا عداد لها ولا حصر ، وشكرى يصور ذلك في حزن عميق،
بحيث لو أمكن أن نعطى شعره لوناً لقلنا إنه شعر قاتم ، فهو شعر يجلل بالسواد
وبالكآبة .
وقد نجد عند بعض الشعراء العباسيين أمثال ابن الرومى وأبى العلاء شيئاً
من أصول هذه النزعة ، ولكن شكرى إنما استمدها في الأغلب من شعراء
الإنجليز في القرن التاسع عشر الذين نزعوا بشعرهم هذا المنزع المعروف في
آدابهم وآداب الفرنسيين باسم « الرومانسية ) . عم بعد الثورة الفرنسية
واكتساب الأفراد في أوربا لحقوقهم السياسية مترع ذاتى ، إذ آمن الفرد
بشخصيته وانطلق يصورها ويصور أحاسيسها ومشاعرها .
فقد


وتنادى الشعراء الغربيون في أثناء ذلك ينبذ الآداب الإغريقية واللاتينية التي
كانت تسيطر على حياة الأدباء والشعراء في العصور الكلاسيكية السابقة،
والاستمداد من أنفسهم ومن الكون المنبسط حولهم . فظهر عندهم هذا الضرب
من الشعر الغنائي الرومانسي الذي إلى تحقيق الفرد وتحقيق وجوده بما
يسعى
يصور من بواعثه النفسية وما يجلو من معانى الطبيعة من حوله . ومن الغريبشعرهم
أنهم حين اتجهوا هذه الوجهة فاض الألم على قلوبهم ونفوسهم ، فغدا
ويفسر لنا الشعر الفرنسي الرومانسي بواعث ذلك أوضح
حزيناً قائماً


تفسير ، فإن الشباب الفرنسي خرج من الثورة كثيباً ، إذ لم يستطع نابليون
أن يحقق له أحلامه في إمبراطورية ضخمة ، بل لقد هزم وهزمت فرنسا شر
هزيمة فسرى هذا الشعور الحزين عند الشعراء الفرنسيين ، وتجاوزهم إلى شعراء
إنجلترا وغيرها من البلاد الأوربية بحيث أصبح كأنه داء العصر ، فهو يصيب
كل شاعر هناك ، كأنه وباء ، بل إن الشعراء يقصدون إليه ويترامون عليه ترامى
الفراش على النار . ومن هذا الوباء أصاب شكرى وزميليه الداء ، وتصادف أن
كانت تجتاز دورة مريضة تهيئ لانتشار هذا الداء بين أفرادها وشعرائها ،
إذفتحوا عيونهم في أول هذا القرن على الاحتلال الإنجليزي البغيض ورأوا أقدام
العدو تدوس ثرى الوطن وأمجاده ، وأحسوا كأنهم يقفون على أطلال هذه الأمجاد،
فقد ضاعت أحلام أسلافهم فى تكوين دولة مصرية حرة على يد محمد على
وقواده ، بل لقد ضاعت أحلام هؤلاء الأسلاف في محمد على نفسه وأبنائه
الذين حاولوا أن يذلوهم ، ولم يردوا إليهم حقوقهم السياسية كاملة ، بل لقد
استعانوا بالمحتل الأجنبي في إذلالهم .
مصر
وحقا استطاع نفر من المصريين أن يرتفعوا إلى بعض المناصب الكبرى ،
وأخذت تتكون طبقة مصرية ممتازة تسعى إلى النهوض بمصر في الدين والسياسة
والاجتماع.
لا تستطيع أن تحقق آمالها ولا أن تنهض من كبوتها . فطبيعي أن تسرى بين
الشباب روح تشاؤم شديد ، لما أخذهم به المحتل وأعوانه من أغلال وقيود ،
تحول بينهم وبين حريتهم ، كما تحول بينهم وبين المكان الذي ينبغي أن يأخذوه
على قمم وطنهم
، ولكنها كانت طبقة محدودة، وظلت طبقات الشعب الوسطى والدنيا
.
فكان طبيعياً لذلك أن يستغرق منزع الرومانسية الأوربية شعراء هذا الجيل
الذي تعمق في قراءة آداب القوم ، فأعجبه هذا اللون الغنائي الذاتي الذييصور خواجه ، وكأنه ينبع من ذات نفسه ، وتقدم شكرى فاندمج فيه وتبعه
صاحباه .
ولم يفكر أصحاب هذا المنتزع الرومانسى فى الغرب أن يتخلصوا من تأثير الآداب
القديمة فحسب، بل فكروا أيضاً في أن يفكوا عن شعرهم لغة الكلاسيكيين الذين
، وأن يستخدموا فيه لغتهم العصرية البسيطة ، فليس هناك ما يسمى
صياغة شعرية وما يسمى صياغة غير شعرية ، بل كل الألفاظ صالح لأن يكون
مادة للشاعر ينشد منها ألحانه
سبقوهم
وانطلق شكرى فى إثر هذه الدعوة ينظم شعره وتجربته الجديدة ، فليس
هناك ما يسمى صياغة شعرية ثابتة ، وإن ما صنعه البارودى وأصحاب الإحياء من
المحافظة على مادة الشعر القديم ليس هو الخير ، بل الخير أن لا تستأثر بنا هذه المادة
وما يرتبط بها من صيغ الشعر العربي المحفوظة ، وأن نتيح لشعرنا مادة أوسع، هي
مادة اللغة كلها فليس فيها شعرى وغير شعرى ، بل هي كلها ذات قابلية واحدة
من حيث الشعر وأساليبه . ولم يقل شكرى ذلك صراحة ، ولكن ديوانه يشهد به،
إذ لم يتقيد بالنمط الذي نعرفه للشعر العربي، والذي بعثه وأحياه البارودى وحافظ
وشوقي .
وأكثر من ذلك لقد فكر أصحاب هذا المنزع الرومانسي في الأوزان ورأوا
أن يجددوا فيها فنوناً من التجديد ، فأخذ شكرى يجدد في قوافيه، واستخدم الشعر
الدورى الذى تتغير القافية في كل بيتين منه، وحاول أن يستخدم ضرباً جديداً من
الشعر يعرف عند الغربيين باسم الشعر المرسل ، وفيه يتقيد الشاعر بالوزن ولكنه
لا يتقيد بالقوافى ، فلكل بيت قافيته أو لكل بيت نهايته
.
وبذلك كله كان ديوان ضوء الفجر» ثورة على شعرنا القديم والحديث
سواء من حيث الموضوع والمنزع أو من حيث اللغة والقوافى ، فالشاعر يريد
أن يحطم كل السدود التي تقف أمامه في الصياغة والقافية ، كما يريد أن يثبت
اتجاهاً جديداً في تصوير الخوالج النفسية. ولكن ينبغي أن لا نبالغ فنظن أن
شكرى انفصل انفصالا تاما عن معانى شعرنا القديم ، بل ستظل هذه الحركةالجديدة تستمد من هذا الشعر، ولكن فى حدود دعوتها الحديثة، وبدون أن تغير
اتجاهها إلى الآداب الغربية واستيحاء نماذجها ، حتى تضاعف حياتها الأدبية
وتنمى ملكاتها الشعرية . ونشر شكرى بعد ديوانه الأول ستة دواوين لم ينحرف
فيها عن هذه الغاية وأصدائها النفسية والعقلية


وسار في نفس الطريق المازنى والعقاد، وكانا ناقدين كما كانا شاعرين ،
فأخذا يكتبان فى المذهب الجديد ويقارنان بينه وبين مذهب البارودى
وتلاميذه ، وأخذا يحملان على هذا المذهب الذى يحافظ على إطار الشعر العربي
القديم حملات شعواء ، على حين يمجدان مذهبهما تمجيداً حاراً . وخير ما
هذا التمجيد مقدمة العقاد للجزء الثاني من ديوان شكري الذي
يصور
نشره فى سنة ۱۹۱۳ وفيها يقول : ( اليوم يتلقى قراء العربية هذا الجزء الثانى من
دیوان شكرى ، فيتلقون صفحات جمعت من الشعر أفانين ، ويرون في هذه
الصفحات نظرة المتدبر وسجدة العابد ولمحة العاشق وزفرة المتوجع وصيحة
الغاضب ودمعة الحزين وابتسامة السخر وبشاشة الرضا وعبوسة السخط وفتور
اليأس وحرارة الرجاء . . إن شعر شكرى لا ينحدر انحدار السيل في شدة
وصحب وانصباب ، ولكنه ينبسط انبساط البحر في عمق وسعة وسكون » .
وواضح أنه يشيد بهذا الديوان لأن صاحبه يصدر فيه عن نفسه وعواطفه
وانفعالاته مصوراً كل ناطقة من خوالجه وكل صامتة في الكون من حوله ،
فهو شاعر من طراز جديد ، طراز وجدانى ، وهو ليس طرازاً عنيفاً كطراز
من يتحدثون عن ثورتنا الوطنية والسياسية ، وإنما هو طراز هادی ، طراز عقل
يتأمل ونفس تتحدث في هدوء بصوت خفيض
ولم يلبث المازني أن أخرج الجزء الأول من ديوانه ، وقدم له العقاد فصور
طريقتهم الجديدة ، وكيف أنها تقوم على وصف آلام الإنسانية والتعبير عن أناتها
وأحزانها ، حتى ليصبح الشعر زفرات وعبرات. ووقف وقفة طويلة عند فكرة
التجديد في القوافى ، وأطال القول فيمن ينزعون منزع القدماء . ولم يرتض الجديد
الذي كان يردده شوقی و حافظ من تصويرهما لحياتنا العامة ومن وصفهما للمستحدثاتالذي كان يردده شوقى وحافظ من تصويرهما لحياتنا العامة ومن وصفهما للمستحدثات
٦٣
والمخترعات. وقال إن أمثال هذين الشاعرين لا يمتازون في شيء عن القدماء ،
ورماهما كما رمى أضرابهما بأنهم جميعاً غير صادقين فيما يعبرون عنه ، إذ
يعبرون عن معان لا يؤمنون بها ، فيمدحون من يحتقرونه بينهم وبين أنفسهم
ويهجون من يحترمونه !
ودائما نجد عند العقاد والمازني هذا الصوت المزرى على صنيع حافظ وشوقى
وغيرهما من مدرسة الإحياء، وفيهم يقول المازنى فى مقال نشره بصحيفة الجريدة
سنة ۱۹٩١٢ : « إن الناظر فى شعر هذا العصر يجد كلاماً منسجماً وأسلوباً رائعاً
ولفظاً شائقاً ووشياً حسناً وديباجة مليحة وجودة فى الحبك وصحة في السبك ودقة
في المسلك ولطفا في التخيل . وهذا كله شيء حسن جميل ما لحسنه نهاية ،
فإذا أراد شخصية الشاعر أخطأها ولم يجدها أو روح العصر لم يكد يحسها ،
وذلك لأن شعراءنا وإن كانوا لا يزالون يأتون في شعرهم بالبيت النادر والمثل
السائر والقلادة المروية والفريدة العبقرية ، غير أنهم لا يجلون المعاني الحديثة
في كلامهم ، ولا يزفون أبكار الأغراض فيما يحوكون من الأشعار ، بل لا تزال
التفاتة إلى الشعر القديم يسرقون منه ويغيرون عليه ، أو ينحون نحوه
ويقتاسون به » .
والمازني يسخر من محافظة شعراء الإحياء على الصيغة الرصينة التي يستمدونها من
القدماء، ويقول إنها تحيل أشعارهم نسخا متشابهة، لأنهم لا يعمدون إلى تصوير
خوالجهم النفسية الحقيقية ، ولا إلى تمثيل روح عصرهم المتشائمة المحزونة ، إنما
كل ما يعملون إليه أن يأتوا ببيت طريف ، فإذا حققته وجدته مسروقا من
معانى القدماء ، وكأن بينهم حجاباً وبين المعانى الحديثة ، وهو إنما يقصد معانى
تجربتهم الإنسانية الواسعة .
وكتب فى سنة ١٩١٤ مقالات متعاقبة في صحيفة «عكاظ» انتقد فيها حافظاً
نقداً مرا ، وقد جمعت ونشرت فيما بعد باسم « شعر حافظ » وهو فيها يقارن
مقارنة واسعة بين شعره وشعر شكرى . ويلاحظ أن شعر الأخير يمتاز بفضيلة
الصدق فى الإحساس وتصوير محن البشرية وآلامها وآمالها ومخاوفها فهونقداً مرا ، وقد جمعت ونشرت فيما بعد باسم « شعر حافظ » وهو فيها يقارن
مقارنة واسعة بين شعره وشعر شكرى . ويلاحظ أن شعر الأخير يمتاز بفضيلة
الصدق في الإحساس وتصوير محن البشرية وآلامها وآمالها ومخاوفها فهو
٦٤
أخطاء
شعر جديد ، هو نجوى الفؤاد وحديث القلب والنفس ، وهو لذلك شعر مطبوع
لا تكلف فيه ولا تصنع ، أما شعر حافظ فشعر مصنوع لا يمت إلى النفس
التي تنشده بوشائج صحيحة ، إنما هو شعر سياسي أو صحفى ، شعر مناسبات يومية
طارئة، شعر شاعر ضعيف أو قاصر لا يستطيع أن يستلهم في شعره ما في الكون
من حق وجمال . شعر لا يصور صاحبه ولا يشف عما في نفسه من أحاسيس
وعواطف ، وهو لذلك شعر غير صادق ، إنما هو شعر كاذب يقوم على المبالغة
والتهويل والخروج عن الحد المعقول . ويتمادى المازني فيتحدث عن بعض
حافظ اللغوية كما يتحدث عن سرقاته ، وهو في ذلك لا يختلف في شيء عن نقادنا
القدماء الذين لم يكونوا يقيسون الشعراء بمقاييس نقدية عامة ، إنما كانوا يتسقطون
أخطاءهم اللفظية ويفتحون فصولا واسعة لسرقاتهم . وينبغي أن يعفو الناقد
الحديث عن الأغلاط التي تند عن الشاعر ، كما ينبغي أن لا يقف عند
السرقات ، ما دام الشاعر لا يدعى التجديد الكامل ، بل ما دام من ذوق حافظ
ونظرائه الذين كانوا يستمدون من معانى القدماء وصياغاتهم ليضفوا على شعرهم
جلال الشعر القديم وجماله
وكان أولى للمازنى أن يتسع بالحديث عن طريقة شكرى وأن يعف عن
مهاجمة حافظ هذه المهاجمة العنيفة ، فلكل ذوقه ، ولكل طريقته في صناعة
الشعر ونظمه . ونمضى فنجد العقاد يخرج الجزء الأول من ديوانه سنة ١٩١٦
ويخرج المازني الجزء الثاني من ديوانه سنة ۱۹۱۷ ولا يزال شكرى يخرج جزءاً
تلو جزء من ديوانه حتى يخرج الجزء السابع سنة ۱۹۱۹ .
وحتى هذا التاريخ لا نسمع رأى المدرسة فى شوقى ، غير أننا لا نتقدم إلى
سنة ۱۹۲۱ حتى ينشر العقاد والمازني معا كتاباً سمياه ( الديوان » وفيه يعقد العقاد
فصولا طويلة في نقد شوقى يقول فيها :
اعلم أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها
ويحصى أشكالها وألوانها ، وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا
يشبه ، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف لك عن البابه وصلة الحياة بهوليس هم الناس من القصيد أن يتسابقوا فى أشواط البصر والسمع ، وإنما همهم
أن يتعاطفوا ويودع أحسهم وأطبعهم في نفس إخوانه زبدة ما رآه وسمعه وخلاصة
ما استطابه أو كرهه . وإذا كان و كدك من التشبيه أن تذكر شيئا أحمر ، ثم
تذكر شيئين أو أشياء مثله في الاحمرار ، فما زدت على أن ذكرت أربعة
أو خمسة أشياء بدل شيء ،واحد ولكن التشبيه أن تطبع في وجدان سامعك
وفكره صورة واضحة مما انطبع في ذات نفسك . وما ابتدع التشبيه لرسم الأشكال
والألوان فإن الناس جميعا يرون الأشكال والألوان محسوسة بذاتها كما تراها ،
وإنما ابتدع لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلى نفس . وبقوة
الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى الأشياء يمتاز الشاعر على
سواه ،


صميم
والعقاد إنما يصور فى ذلك رأيه ورأى مدرسته فى الشعر ، فالشاعر ينبغي
أن يتغلغل في أعماق الأشياء ، حتى يذيع بواطنها وأسرارها ، وهو لن يصل إلى
ذلك إلا إذا كانت له نفس قوية الإحساس بالكون ومشاهده ، تنفذ إلى أغواره،
وتتسمع إلى كل نبضاته وأصدائه في الإنسان وغير الإنسان .
ولا يرتضى العقاد من شوقى عنايته بالتشبيه على طريقة القدماء ، فليست
صناعة التشبيه من حيث هي مهمة فى الشعر ، إنما المهم توليد المعاني والصور
الذهنية وما يلابسها من خواطر تتيقظ فى النفس . وهو يشير بذلك إلى طريقة
مدرسته في بسط الأفكار وتحليلها والتأمل فى الأشياء تأملا نافذاً ، حتى تعلم أى
شيء هي في النفس لا أى شيء هي في البصر أو فى التشبيه والشكل واللون . وإذا كان
لابد من التشبيه فلا بأس ، ولكن لا لينقل الشاعر الحس الخارجي، وإنما لينقل
الحس الداخلى وما يصحبه من
عاطفة وشعور

ثم تعقب شوقى بنقد تطبيقي لمجموعة من قصائده، انتخب أكثرها من باب
الرثاء ، وهو باب تقليدي، وشوق لا يرتفع فيه ، لأن جمال شعره في موسيقاه
وتصويره لا في أفكاره ، والرثاء من
.. والرثاء من أهم الموضوعات الشعرية التي تحتاج شيئاً
من التفكير العميق فى فلسفة الموت والحياة ، وقد أظهر فيه بعض الشعراء القدماء من.مثل المتنبي وأبى العلاء براعة منقطعة النظير. وبذلك اختار له العقاد عامداً هذا
الحصن الضعيف من حصون شعره ليسلط عليه سهام نقده . وأهم مرثية اتخذها
غرضا لسهامه مرثيته المصطفى كامل ، فقد لاحظ عليها أنها تمتاز بأوصاف أربعة
معيبة هي التفكك ، والإحالة ، والتقليد ، والولع بالأعراض دون الجواهر
أما التفكك فأراد به عدم الالتحام بين الأبيات بحيث يمكن أن يغير نسقها
وترتيبها دون أن يختل نظامها . والعقاد يستغل في ذلك طبيعة الشعر العربى وأن
أبياته يستقل بعضها عن بعض ، وهى لذلك يمكن أن يغير نسقها في كل قصيدة
من قصائده، فإن كان ذلك عيباً فهو عيب عام فى الشعر العربي جميعه منذ العصر
الجاهلى حتى عصر شوقى ونظرائه . وكذلك الشأن فى العيب الثاني وهو الإحالة أو
المبالغة إلى درجة غير معقولة ، فإن معانى الشعر العربي تبني في كثير من جوانبها
على الغلو إلى درجة الإفراط .
ويلتقى العقاد في العيب الثالث عيب التقليد بالمازني في نقده الحافظ ، بل
إنه يلتقى به أيضا في العيب الثاني ، ولم يقل شوقى وحافظ إنهما شداً على الأصول
القديمة للشعر العربى ، بل إن حركة النهضة التي ينضويان تحت لوانها كانت
تسعى إلى الإبقاء على أصول الشعر العربي وقواعده والاحتفاظ بإطاره ،
وخاصة في الموضوعات التقليدية مثل الرثاء .
أما العيب الرابع فيلتقى بما وجهه من حديث إلى شوقى في أول نقده ، ولكنه
حين طبقه عاد إلى مبالغاته، ثم وقف عند حكمه ووصفها بأنها مبتذلة مغشوشة
ومتكلفة مصنوعة . وشوقى فيها إنما كان يدعم اتجاه مدرسته إلى استغلال العناصر
القديمة فيما تنظم من شعر .
وهذه العيوب في جملتها تُرَدُّ إلى اختلاف واضح بين العقاد وشوقى في فهم
الشعر وطريقة صناعته ، وإن من التحكم أن يحاول شاعر من مذهب إخضاع
شاعر من مذهب آخر لمذهبه ، ففي ذلك تعسف وظلم .
ومما وقف عنده العقاد طويلا أن القصيدة ينبغى أن تعمها وحدة عضوية ،
فتكون جسداً واحداً ، ولا ينتقل الشاعر من فكرة إلى فكرة في غير نظاموأيضا لا بد أن يلتحم كل بيت بما قبله وبما بعده بحيث لا يستغنى البيت في تمام
فهمه عن سابقه ولاحقه . وهى نظرية جديدة كان لمدرسته فضل إذاعتها وتطبيقها
إلى حد ما على نماذجها ، وقد استمدتها مما قرأت في نماذج الغربيين وقصائدهم .
وليس هذا كل ما للعقاد في نقد شوقى فقد عاد إلى نقده في مجلة البلاغ
الأسبوعى ، وجمع هذه المقالات فيما بعد ونظمها في كتابه و ساعات بين
الكتب » . وهو في هذه المقالات لا ينقد قصائد لشوقى بعينها ، بل يتحدث
عن شعره من وجهة عامة ، وقد هاجم ما ينظمه في الأحداث والمخترعات مهاجمة
مرة .
يهجم
وهذه النظرات للعقاد والمازني جميعاً تعد شيئاً قيماً جداً في تاريخ شعرنا
الحديث لأنها تصور مذهبهما الجديد في عمل الشعر ونظمه، وتوضح مدى الخلاف
بين مدرستهما ومدرسة الإحياء السابقة، وأيضا فإن كثيراً منها قام من شعرنا مقام
السكان والمجداف من السفينة ، فهو يحرك ويدفع ويثير .
ولعل من الغريب أن الثلاثة شكرى والعقاد والمازنى الذين كونوا تلك المدرسة
انقسموا على أنفسهم ، فإن شكرى كتب في مقدمة الجزء الخامس من ديوانه نقداً شديداً
للمازني ، لأنه على الشعراء الغربيين ويقتبس من روائعهم ويختلس دون أن
يصرح بذلك ، ونص على مجموعة من اقتباساته واختلاساته . واعترف المازني
بذلك في مقدمته للجزء الثاني من ديوانه ، وظل ينتظر مرور بعض الوقت ، حتى
إذا أخرج كتاب ( الديوان ، مع العقاد ثار على زميلهما شكرى ثورة عنيفة، فكتب
فيه فصلين بعنوان ( صنم الألاعيب ، وفيهما هاجم طريقته التي أشاد بها في نقده
الحافظ ، وعد حديثه عن آلام البشرية مرضاً ، ونسى أنه كان مرض العصر ، وأنه
هو نفسه صدر عن هذا المرض فى ديوانه ، بل إن ما أصابه منه كان
أوسع
مما أصاب شكرى ، فإن شعره أنات وزفرات وعبرات وآلام وأحزان عميقة .
وقضت هذه المعركة على الشاعرين جميعاً فإن المازني انصرف عن الشعر
إلى السياسة والصحافة ، وهجر شكرى فى إثره الميدان ، ولم يعد ينظم إلا نادراً .
ومن غير شك كان ذلك خسارة كبرى فى تاريخ شعرنا الحديث لأن كلا منالشاعرين كان يحسن صناعته ، ويقبل عليها عن فهم دقيق للشعر الغربي
إذ كل منهما كان يأخذ نفسه بثقافة واسعة بالآداب الغربية ، وكل منهما كان
واسع جوانب النفس والعقل ، وكل منهما استطاع أن يوجد فعلا تجربة جديدة
في شعرنا صادرة عن نفس تنفعل بمشاهد الحس والخيال

ولكن إذا كان هذان الشاعران انصرفا عن الشعر وميدانه فإن العقاد ظل
علماً لامعاً فيه ، وظل يخرج الديوان بعد الديوان ، حتى السنوات الأخيرة . وكان
لا يزال يحمل رسالة المدرسة ، فهو يستلهم الشعر الغربي ويوسع حياته الأدبية
في شعره ويضاعفها بما يقرأ فيه . وعقله من العقول النادرة في عصرنا ، إذ يستطيع
أن يستوعب ويتفاعل مع ما يقرأ ، ويخلص منه إلى نماذج جديدة له ، فيها حسن
ونفسه وشخصيته
ويتضح ذلك فى ديوانين هما : ( هدية الكروان » و « عابر سبيل ، أما الأول
فنظم آ أكثر قصائده في الكروان طائر مصر الذي يعطر أنفاس لياليها بتغريداته
الشجية ، محللا لاختلاجات نفسه فى أثناء سماعه وتأملات عقله . وكل من يقرأ
في الآداب الإنجليزية يعرف قصيدة شللى فى القبرة ، وما نشك في أن هذه
القصيدة وما يماثلها هي التي أوحت للعقاد لا بنظم قصيدة واحدة في الكروان ، ولكن
بنظم طائفة من القصائد . وهو لا يأخذ من شللى ولا غيره رقعاً يضيفها إلى
نسيج قصائده ، بل يكتفى بالإيحاء والإلهام من بعيد
.
الديوان الثاني ( عابر سبيل ، فهو تجربة من نوع جديد عرف عند
الغربيين في هذا القرن، إذ ولى بعض الشعراء وجوههم إلى حياتهم الحاضرة، ولكن
لا إلى الحب ولا إلى الطبيعة ، بل إلى الموضوعات اليومية التي قد تبدو تافهة .
ولا يليث عقل الشاعر ، بل لا تلبث نفسه أن تتجاوب معها ، وتستخرج منها
أصداء شعورية كثيرة ، فإذا الشيء العادى التافه يتحول شعراً ، وإذا كل
ما في الطريق صالح لأن يكون نبعاً لقصيدة طريفة . وعرف العقاد هذا الاتجاه
في الشعر الغربي الحديث ، فلم يلبث أن حاوله في شعرنا ، ومد عصا شاعريته
إلى ما حوله من كواء الثياب ، وغير كواء الثياب، وسوى من ذلك هذا الديوانما في الطريق صالح لأن يكون نبعاً لقصيدة طريفة . وعرف العقاد هذا الاتجاه
في الشعر الغربي الحديث ، فلم يلبث أن حاوله فى شعرنا ، ومد عصا شاعريته
إلى ما حوله من كواء الثياب ) وغير كواء الثياب، وسوى من ذلك هذا الديوان
79
الذي يحمل اسمه مدلوله ومعناه
على أنه ينبغي أن نعود فنلاحظ بجانب هذه الإيحاءات والإلهامات الغربية
في شعر هذه المدرسة إيحاءات وإلهامات كثيرة من شعرنا القديم ، فإن هذه
المدرسة لم تنفصل انفصالا تاما عن نماذج الشعر العربي ، وإن كانت كتاباتها
النقدية في شعراء الإحياء توهم ذلك . والحقيقة أنها كانت تتصل بروائع شعرنا
السابقة التي تقرب من ذوقها ، مما قرأته عند ابن الرومى والمتنبي والشريف الرضي
وأبى العلاء ، وقد كتب المازني فصولا طريفة عن ابن الرومى وأشاد بشعره إشادة
واسعة ، وأفرد له العقاد كتاباً ، وكتب مراراً عن المتنبي وأبى العلاء المعرى

.
فهم لم ينفصلوا ولم يستقلوا تماماً عن شعرنا القديم، بل إننا نستطيع أن نعين لهم
قصائد كثيرة استلهموا فيها ما أنتجته قرائح القدماء ، فضلا عما يلتقون معهم
فيه من معان وأفكار . وليس هذا عيباً في المدرسة ، بل هو حسنة كبرى لها ،
فإنها بذلك تدخل في مجرى حياتنا الأدبية بقوة ، وتصبح تياراً نافذاً عاملا فيه ،
تياراً فيه من روحنا وحياتنا، ومن إلهامات الغرب وقراءة آثاره ، فهم شرقيون غربيون،
بل هم مصريون عبروا عن روح عصرهم المتشائمة تعبيراً قوياً ، وطبعوا هذا
التعبير بطوابع ثقافتنا الحديثة وكل ما اكتسبه عقلنا المصرى من رقى
وإذا كانوا قد نقدوا فى أول الأمر شعراء الإحياء لوعا بوهم بتسجيلهم لأحداثنا
السياسية والاجتماعية فإنهم اضطروا اضطراراً أن يسلكوا في بعض الأحيان سبيلهم،
وخاصة العقاد الذي اختلط بعد سنة ۱۹۲۲ بحياتنا السياسية ، وأصبح عضواً
عاملا في التعبير عنها باسم أحزابها ، ولم يقف بهذا التعبير عند النثر ، بل مده
إلى الشعر ، فنظم فى المناسبات ومدح ورثى كثيراً ، إلا إنه لم يبتعد عن أسس
مدرسته التي دعت إليها أولا ، وهى وحدة القصيدة ، وأن تكون صورة نفس،
صحيحة الحس صادقة الشعور
"


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الخطوة السادسة:...

الخطوة السادسة: استخدام أداة صياغة الهدف الفعال SMART من أجل أن تضع أهدافاً متميزة فعالة عليك أن تص...

وكان النبي ﷺ لا...

وكان النبي ﷺ لا يتقي الأرض بوجهه قصداً ، بل إذا اتفق له ذلك (۱) فعله، ولذلك سجد في الماء والطين .. ...

تلااجملا يف نير...

تلااجملا يف نيركتبملاو نيعدبملا ىلع ةللادلل مدختست ثيح ةددجتم ةثيدح ةميدق ةرهاظ ةيتلاواقملا ىلإ ةيتل...

الفصل الخامس ت...

الفصل الخامس تقديم تطرقنا في الفصل الرابع إلى جماهير المنظمة من حيث أهميتهم ودورهم الفاعل في دعم و...

يشهد النظام الم...

يشهد النظام المناخي للأرض ارتفاعًا في درجة الحرارة فإن معظم الارتفاع في درجات الحرارة خلال نصف القرن...

الفصل السادس: أ...

الفصل السادس: أحاكم عامة المادة الثامنة والعشرون: تعديل دليل التراخيص وجدول المخالفات والغرامات: ١-...

1. التسعير التك...

1. التسعير التكلفوي: * تحدد سعر المنتج لتكلفة الإنتاجية وإضافة ربح محدد * مثال شركة صنع ...

في الليل الموحش...

في الليل الموحش العتم كانوا يتمترسون خلف الأكياس الرملية على الشاطئ، أيديهم ممسكة بالبنادق العتيقة (...

Themes 1- The ...

Themes 1- The search For Identity in Eugene O'Neill's The Hairy Ape Eugene O'Neill's real concern ...

زايد، نحتاج إلى...

زايد، نحتاج إلى المال، ويلزمنا خصوصاً معدات للقيام بأعمال الحفر. أخشى ألا نتمكن من تنفيذ مشروعك على ...

و هي العملية ال...

و هي العملية التي تقوم على أساس تحديد الاحتياجات من مختلف المواد و السلع و من ثم البحث عن الموردين ,...

كونه أول كنيس ب...

كونه أول كنيس بُني لهذا الغرض في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه يُقدّم سلسلة من العتبات المعمار...