لخّصلي

من المعلوم أن الدكتور غازي القصيبي أديب وأغلب إنتاجه في مجال الأدب، ولكن كتابه هذا من نوع مختلف نوعًا ما فهو يتكلم هنا عن حياته لما كان وزيرًا لوزارة الصناعة والكهرباء وثم لوزارة الصحة ولكن الكلام لا يتمحور حول هذه الوزارات وإنما عن الدور الذي جعلته هذه الوزارات يلعبه بكونه وزيرًا مرافقًا (وهي مهمة تكليفية تُعطى أحد الوزراء بمرافقة الوفد الرئاسي في الزيارات الرسمية بين الدول)، فهو يتكلم عن نشاطه الدبلوماسي وعن لقاءه برؤساء الدول وعن التفاوض في القضايا السياسة بين الدول وعن انطباعاته عن بعض الشخصيات الكبيرة التي التقى بها، ولكن كل هذا بطريقة قصصية بسيطة تجعلك تُنهي الكتاب في جلسة واحدة.

كل فصل من الكتاب يتكلم عن رئيس ما التقى به، وحصلت بينه وبين هذا الرئيس حوارات معينة، فالكتاب يصلح أن يكون مرجعًا لنسبة بعض الأقوال الى أصحابها من هذه الشخصيات؛ لأن المؤلف هنا ينقل ما دار بينه وبينهم مباشرةً ولا ينقل عن كتاب أو مرجع مماثل، والرؤساء الذين التقى بهم هم (الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ثم جيمي كارتر) و (رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي) ثم (الرئيس التونسي حبيب بو رقيبة) و(مستشار ألمانيا الغربية هيلموث شميدث ثم هيلموث كول) و (الرئيس الليبي معمر القذافي) و (ملكة بريطانيا)، و(الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران) ثم (رئيس أوغندا عيدي أمين) ثم اختتم الكتاب بالكلام عن القمة العربية في فأس بالمغرب.

ويستفاد من الكتاب معرفة الأعراف الدبلوماسية مثل بروتوكول الزيارة ومقابلة المسؤولين وما هي المشاكل التي تحصل فيه. (يعني مثلًا يسافر ملك إلى دولة أوروبية فلابد أن يستقبله الرئيس أو رئيس الوزراء وإذا قرر أن يكون من يستقبله هو النائب أو نائب رئيس الوزراء قد تحصل مشكلة مما يؤدي إلى إلغاء الزيارة)، وكذا ألقاب التخاطب بين المسؤولين، والإنفاق على الزيارات ونحو ذلك.

وفي الفصل الأول تكلم عن البيت الأبيض، ومدى اختلاف الرئيسين الأمريكيين، نيكسون الذي كان يبالغ في المظاهر وكارتر المتواضع إلى حد الإسفاف، وكيف انتقد جيمي كارتر على أسلوبه هذا المفرط في التواضع وأن التواضع المبالغ فيه يذهب من هيبة الرئيس، وأن بقاء الهيبة أمرٌ لابد منه.

وذكر نتيجة يصل إليها كل من حاول أن يقف على مسافة واحدة من الأطراف المختلفة محاولًا إرضائهم أن هذا الفعل في النهاية لن يجعل أحدهم يرضى عنه! “فجيمي كارتر حاول إرضاء الجميع ولكن انتهى به المطاف إلى إغضاب الجميع!” (ص20).

وكذا تكلم عن قضية مهمة، وهو عن الجهل المركب الذي ينتاب بعض المسؤولين الأمريكيين الكبار في السياسة الدولية، مثل الحوار الذي دار بينه وبين عضو مجلس الشيوخ عن شاه العراق! أو عن خلط نيكسون ما بين الملك السعودي فيصل والملك العراقي فيصل الأول! وإن كان يحاول أن يوجد مبررات هذا الخلط أو هذا الجهل، إلا أنه قال بتهكم: (إن جهل عدد من أعضاء الشيوخ بالشؤون الدولية كان سرًا يعرفه الجميع!).

وهذا أمر سوف يتكرر في الكتاب، إذ أن في أذهاننا أن الشخص لا يصبح رئيسًا أو مسؤولًا في الدول الكبرى إلا وله إلمام جيّد وثقافة عامة واسعة عن الغير، وهذا الانطباع سوف يتهدم في الكتاب؛ إذ أن الرئيس قد يكون ذو ثقافة متواضعة والدور الأكبر في تبصيره يكون على يد مستشاريه في المقام الأول.

يحكي القصيبي أنه التقى مع الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة، وحكى له هذا الأخير أن قراره المثير للجدل في منع تعدد الزوجات قد استند عليه من القرآن نفسه إذ يقول: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، وأنه ساوى بين الجنسين في الحقوق والواجبات وأن هذا هو الإسلام الحقيقي، طبعًا لا يحتاج أن نثبت كمية التحشيش في الاستدلال والاستنباط والتصور في هذا الإسقاط؛ إذ شذوذه الظاهر يكفينا.

والحديث عن التحشيش يجرنا للحديث عن القذافي؛ إذ الشيء بالشيء يُذكر، إذ التقى الوفد السعودي مع الرئيس الليبي في زيارة لليبيا، وذهبوا في حافلة نقل، ودار بينهم حوار، كان القذافي ينكر السنة القولية وحجيتها ويستمسك بالسنة الفعلية، ويقول أن التقويم الإسلامي خاطئ إذ يجب أن يبدأ منذ وفاة الرسول ﷺ لا هجرته، ويقول أن الإسلام هو دين العرب فقط، وأن لا تعدد للزوجات في الإسلام، فانبرى له الشيخ ناصر الشثري (والد الشيخ سعد الشثري) الموجود ضمن الوفد وألقمه حجرًا، ولكن لم يتزحزح القذافي عن موقفه قيدْ أنملة، وبدلًا من ذلك ثار على الشيخ ناصر قائلًا: (كيف أتناقش معك؟! أنت رجل رجعي دماغك متكلس تبحث عن تبرير لزوجاتك الأربع، وأنا رجل ثوري متحرر أنظر إلى الإسلام نظرة ثورية متحررّة!).