لخّصلي

هل الإيمان بالله فطري أم مكتسب؟ وقد ذهب أهل الأديان بمن فيهم المسلمين إلى انه شيء فطري ولكن بما أن هذه الفطرة قد تتعرض للتشويه فقد حدد علماء العقيدة أدلة تتسم بالموضوعية للاستدلال على وجود الله عز و جل وقد تعددت هذه الأدلة وهي على تعددها ضبطت فيما يلي: أ دليل الخلق: يخاطب القران الكريم الناس بان يعملوا عقولهم و بان يتفكروا في الملكوت, وذلك للانتقال منها إلى علة وجودها وهي الخالق سبحانه وتعالى. ودليل الخلق يبدأ من التأمل في الكون باعتباره كلّا في وجوده الابتدائي، وقد وجه القران الكريم الإنسان إلى التأمل من هذه الجهة لقوله تعالى :"ألم تروا كيف خلق إبراهيم/ 10 ( وقال تعالى :"أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات و الأرض بل لا يوقنون")الطور/ 35 ( ففي هذه الآيات دعوة إلى النظر في الكون بما يشكل دليلا على وجوده تعالى وذلك على مرحلتين : _ الدليل على خلق الكون: و القول بأن الشيء مخلوق يتضمن أمرين أساسيين: أما كونه حادثا مخلوقا؛ فمعنى ذلك أنه طرأ عليه وجود فصار له وجود بعد ما كان عدما و مما يستدل به على حدوث الشيء حدوث الأعراض . و إنكاره يؤدي إلى القول وقد رد القرآن الكريم على ذلك " أم خلقوا من غير شيء " بطلان الحدوث الذاتي: ويقصد به أن يكون سبب حدوث العالم يعود إلى العالم ذاته لا إلى وهذا يؤدي إلى وجود الوجود الإلهي. ومما يدل على أن فكرة الحدوث الذاتي باطلة ما ينطوي عليه العالم من نقص. الماتريدي:" لو كان العالم أوجد بنفسه لجاز أن يكون كل شيء لنفسه أحوالا هي أحسن فدل وجود ذلك على كونه بغيره" ومن خلال نوظيف هذا الدليل وصل علماء العقيدة إلى نتائج ترتبت على توظيفه هي: قصور المثل عن الخلق : أي أن خصائص التكوين الذاتي للكون تجعله قاصرا على الفعل بطلان الدور: لأنه يؤدي إلى تسلسل الظواهر داخل دائرة مغلقة الحديث في القرآن الكريم باسم التقدير كما في قوله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر" )القمر/ 49 ( قال الراغب الأصفهاني عن قدر والأشياء وقدرها:" أن يجعلها على قدر مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة". ومما يدل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر") القمر/ 49 ( وقوله تعالى:" ما ترى في خلق الرحمان قال ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية:" وانتظام أمر العالم كله بظواهر فلكية كالخسوف والكسوف. وغيرها. ثلاثة أمور: الصدفة، أمر ذاتي، الله عز وجل. أ بطلان الصدفة: وهذا ما أبطلته الرياضيات من خلال حساب الاحتمالات. 3 دليل العناية: ويتمثل هذا الدليل في التوافق المتحقق بين الكون والإنسان بما يدل على أن سائر الموجودات سخرت للإنسان، وهذا من مظاهر العناية بالإنسان، وهذا الدليل: ينبني على أصلين: ويتمثل دليل العناية في عدة أمور منها: 1 توافق الإنسان والكون والذي يتجلى في : الإجابة على هذا التساؤل تكون بنفي إمكانية التوافق الذاتي ونفي الصدفة، والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون" )البقرة/ 21 22 . رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار" )إبراهيم/ 32 33 . ويضاف إلى هذه الأدلة الشق الثاني منها والذي ينطلق فيه الإنسان من تأمل ذاته وهي ما عرف بدلالة الأنفس. وبان يلتفت إليها على أنها طريق موصل إلى الإيمان بوجود الله عز وجل. وجه القرآن الكريم العقول إلى أن تتأمل الأنفس كما في قوله تعالى:" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق" )فصلت/ 53 ( وقال تعالى:" وفي أنفسكم أفلا وهذا لمكانة الإنسان بين المخلوقات لأنه المخاطب بالوحي وبالإيمان، إلى بعض الأدلة الموجودة في ذات الإنسان والدالة على الإيمان بالله منها: 1 دليل التخليق: ويقصد بها خلق الإنسان في مراحل متتابعة الواحدة بعد الأخرى مع يقينه بأنه لا دخل له في ذلك. وهذا ما يؤدي به إلى أمرين: أ الإيمان بأنه وجد بعد أن لم يكن، وإذا كانت الإشارة إلى هذا في برهان الخلق إلا أن ب أنه يدرك بالملاحظة أن خلقه تم عبر مراحل من لحظة خلقه الأولى إلى آخر مراحل النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" )المؤمنون: 12 13 14 . 2 دليل الحاجة: ومضمونه ما يجده الإنسان في نفسه من الحاجة والعجز والجهل؛ فهي حاجته إلى من يدفع عنه ما لا يرتضيه ويترتب على هذا ما يلي: الإنسان ليس هو من يدبر أمر نفسه،

الإٌيمان بوجود الله عز وجل.
البحث في هذا الموضوع أدى إلى التساؤل.هل الإيمان بالله فطري أم مكتسب؟ وقد ذهب أهل
الأديان بمن فيهم المسلمين إلى انه شيء فطري ولكن بما أن هذه الفطرة قد تتعرض للتشويه
فقد حدد علماء العقيدة أدلة تتسم بالموضوعية للاستدلال على وجود الله عز و جل وقد
تعددت هذه الأدلة وهي على تعددها ضبطت فيما يلي:
أ دليل الخلق: يخاطب القران الكريم الناس بان يعملوا عقولهم و بان يتفكروا في الملكوت,
وذلك للانتقال منها إلى علة وجودها وهي الخالق سبحانه وتعالى.
ودليل الخلق يبدأ من التأمل في الكون باعتباره كلّا في وجوده الابتدائي، أو باعتباره أفرادا .
وقد وجه القران الكريم الإنسان إلى التأمل من هذه الجهة لقوله تعالى :"ألم تروا كيف خلق
الله سبع سماوات طباقا ")نوح/ 15 ( . وقال تعالى :"أفي الله شك فاطر السماوات و الأرض"
)إبراهيم/ 10 ( وقال تعالى :"أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات و
الأرض بل لا يوقنون")الطور/ 35 ( ففي هذه الآيات دعوة إلى النظر في الكون بما يشكل دليلا
على وجوده تعالى وذلك على مرحلتين :
_ الدليل على خلق الكون: و القول بأن الشيء مخلوق يتضمن أمرين أساسيين:

• أن ذلك الشيء حادث.


• أن ذلك الشيء له سبب خارج عنه هو خالقه و موجده.
  أما كونه حادثا مخلوقا؛ فمعنى ذلك أنه طرأ عليه وجود فصار له وجود بعد ما كان عدما و
  مما يستدل به على حدوث الشيء حدوث الأعراض .
  أما إثبات السبب لحدوث الشيء فهذا تماشيا مع مبادئ العقل, و إنكاره يؤدي إلى القول
  بالصدفة و هو باطل, وقد رد القرآن الكريم على ذلك " أم خلقوا من غير شيء "
  )الطور/ 35 .)
  بطلان الحدوث الذاتي: ويقصد به أن يكون سبب حدوث العالم يعود إلى العالم ذاته لا إلى
  موجود خارجي , وهذا يؤدي إلى وجود الوجود الإلهي.
  ومما يدل على أن فكرة الحدوث الذاتي باطلة ما ينطوي عليه العالم من نقص. قال
  الماتريدي:" لو كان العالم أوجد بنفسه لجاز أن يكون كل شيء لنفسه أحوالا هي أحسن
  الأحوال و الصفات و خيرها فيبطل به الشرور و القبائح,فدل وجود ذلك على كونه بغيره"
  ومن خلال نوظيف هذا الدليل وصل علماء العقيدة إلى نتائج ترتبت على توظيفه
  هي:
  قصور المثل عن الخلق : أي أن خصائص التكوين الذاتي للكون تجعله قاصرا على الفعل
  بطلان الدور: لأنه يؤدي إلى تسلسل الظواهر داخل دائرة مغلقة
  بطلان التسلسل لأنه يؤدي إلى القول بسلسلة من الأسباب غير متناهية.
  2 دليل النظام: النظام في الأشياء هو وجودها على مقادير محددة وهو ما جاء عنه
  الحديث في القرآن الكريم باسم التقدير كما في قوله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر" )القمر/
  49 ( قال الراغب الأصفهاني عن قدر والأشياء وقدرها:" أن يجعلها على قدر مخصوص
  ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة".
  ونقيض النظام هو الفوضى وهي أمر نفاه القرآن الكريم، ومما يدل على ذلك من القرآن الكريم
  قوله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر") القمر/ 49 ( وقوله تعالى:" ما ترى في خلق الرحمان
  من تفاوت")الملك/ 3 ( . قال ابن أبي العز في شرحه على الطحاوية:" وانتظام أمر العالم كله
  وإحكام أمره من أدل الأدلة على أن مدبره واحد وملك واحد ورب واحد لا إله للخلق غيره
  ولا رب لهم سواه".
  مظاهر النظام في الكون:
  النظام في التركيب: وهذا ما يتجلى في تركيب الأجسام من عناصرها الأولى كالحلية إلى
  وظائفها التي تؤديها بدقة وتكامل.
  النظام في الحركة: وهذا الذي ذكر في القرآن الكريم كما في قوله تعالى:" والشمس تجري
  لمستقر لها ذلك تقدير العزيز الحكيم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"
  )يس/ 39 ( و قد أثبت الفلك والفيزياء أن كل الكون يتحرك وذلك ما مكن الإنسان من التنبؤ
  بظواهر فلكية كالخسوف والكسوف. ..وغيرها.
  النظام في التوازن. والذي يتمثل في العلاقات بين الموجودات الكونية مثل المسافات الفاصلة
  بين الكواكب.
  دلالة النظام الكوني على وجود الله: بما أن الكون قائم على النظام فمرد ذلك النظام أحد
  ثلاثة أمور: الصدفة، أمر ذاتي، الله عز وجل.
  أ بطلان الصدفة: وهذا ما أبطلته الرياضيات من خلال حساب الاحتمالات.
  ب بطلان النظام الذاتي: بما أن المادة عاجزة عن الخلق والإيجاد فهي عاجزة عن التنظيم.
  ج يثبت بذلك أن موجد هذا الكون هو الله عز وجل.
  3 دليل العناية: ويتمثل هذا الدليل في التوافق المتحقق بين الكون والإنسان بما يدل
  على أن سائر الموجودات سخرت للإنسان، وهذا من مظاهر العناية بالإنسان، وهي تدل على
  وجود معتن بالإنسان فعل هذه العناية وهو الله عز وجل. وهذا الدليل: ينبني على أصلين:
  أحدهما أن جميع الموجودات التي هاهنا في الكون موافقة لوجود الإنسان،
  والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد، إذ ليس يمكن
  أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق.
  ويتمثل دليل العناية في عدة أمور منها:
  1 توافق الإنسان والكون والذي يتجلى في :
  حاجة الإنسان إلى الكائنات الأخرى.
  دور الكائنات الأخرى في حفظ البيئة.
  إمكانية الحياة على كوكب الأرض.
  2 دلالة التوافق على العناية: وهنا يكون التساؤل كيف حدث هذا التوافق؟
  الإجابة على هذا التساؤل تكون بنفي إمكانية التوافق الذاتي ونفي الصدفة، وإنما بعناية ربانية،
  وهذا ما أشارت إليه النصوص مثل قوله تعالى:" يا أيها لناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
  والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء
  ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون" )البقرة/ 21 22 .)
  وقال تعالى:" الله الذي خلق السموات والأرض وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات
  رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم النهار وسخر لكم الشمس
  والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار" )إبراهيم/ 32 33 .)
  وهذه الأدلة هي التي صنفت على أنها دلالة الآفاق. ويضاف إلى هذه الأدلة الشق الثاني منها
  والذي ينطلق فيه الإنسان من تأمل ذاته وهي ما عرف بدلالة الأنفس.
  دلالة الأنفس: وتتعلق بما هو مركوز في النفس الإنسانية من طباع جديرة بأن تتأمل
  وبان يلتفت إليها على أنها طريق موصل إلى الإيمان بوجود الله عز وجل. ولطبيعتها هذه
  وجه القرآن الكريم العقول إلى أن تتأمل الأنفس كما في قوله تعالى:" سنريهم آياتنا في الآفاق
  وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق" )فصلت/ 53 ( وقال تعالى:" وفي أنفسكم أفلا
  تبصرون" )الذاريات/ 21 .)
  وهذا لمكانة الإنسان بين المخلوقات لأنه المخاطب بالوحي وبالإيمان، وقد أشار علماء العقيدة
  إلى بعض الأدلة الموجودة في ذات الإنسان والدالة على الإيمان بالله منها:
  1 دليل التخليق: ويقصد بها خلق الإنسان في مراحل متتابعة الواحدة بعد الأخرى مع يقينه
  بأنه لا دخل له في ذلك. وهذا ما يؤدي به إلى أمرين:
  أ الإيمان بأنه وجد بعد أن لم يكن، وإذا كانت الإشارة إلى هذا في برهان الخلق إلا أن
  ملاحظته لنفسه تكون أبلغ.
  ب أنه يدرك بالملاحظة أن خلقه تم عبر مراحل من لحظة خلقه الأولى إلى آخر مراحل
  العمر مع وعيه التام أنه لا يملك من ذلك شيئا. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله
  تعالى:" كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا" )مريم/ 9 (. وقوله
  تعالى:" ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا
  النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا
  آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" )المؤمنون: 12 13 14 .)
  2 دليل الحاجة: ومضمونه ما يجده الإنسان في نفسه من الحاجة والعجز والجهل؛ فأما الجهل
  فلأنه يجهل الكثير من الأشياء، وأما العجز فيجد نفسه غير قادر على بلوغ أهدافه وأما الحاجة
  فهي حاجته إلى من يدفع عنه ما لا يرتضيه ويترتب على هذا ما يلي:
  الإنسان ليس هو من يدبر أمر نفسه، ولذا يجد نفسه دائما في حاجة إلى ترديد لا حول ولا
  قوة إلا بالله. إدراكا منه أن الله هو الذي يمده بالقوة فيتجاوز حالة العجز التي حلت به، وأن
  يعينه على إبعاد وتحويل ما ألم به من ضرر.
  لا يجد ذلك الذي يلبي له هذه الحاجة إلا موجودا منزها عن العجز وهو الله عز وجل. قال
  تعالى:" يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" )فاطر/ 15 (، وقال تعالى:"
  وخلق الإنسان ضعيفا" )النساء/ 28 )