لخّصلي

يلعب الأخصائي الاجتماعي دوراً محورياً في معالجة العنف الأسري، فهو يسعى لتمكين الأفراد العاجزين عن تقرير مصيرهم، خاصة ضحايا العنف بسبب الإعاقة أو غيرهم، من خلال توفير الدعم اللازم ومساعدتهم على أداء أدوارهم (Lang٤، Flynn ٢٠٠٥). يعتمد ذلك على قيم مهنة الخدمة الاجتماعية (Adams ٢٠٠٣) التي ترفض استخدام القوة أو فرضها، مفضلة مصطلحات أقل حدة كـ"إدارة الغضب" و "السلوك الاندفاعي" بدلاً من "مقترفو الأذى" أو "الضرب" (Colarossi, 1990). يدعم الأخصائيون الاجتماعيون السياسات المناهضة للعنف، ويعملون على تعزيز العلاقات الأسرية، وسيادة العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتمكين الأفراد من خلال مشاركتهم الفاعلة (Flynn ٢٠٠٥). يتعاون الأخصائيون مع جهات أخرى كالمدرسة لتبادل الخبرات وتوفير الدعم المادي والمعنوي والعلاجي للأسر (Burt, Sienfeld ۱۹). إن بناء علاقة فاعلة مع الأسرة يسمح للأخصائي بتقبل الفروق بين أفرادها، وتغيير السلوكيات والمعتقدات الخاطئة التي قد تسهم في العنف، ونشر ثقافة اللاعنف (Burt, Sienfeld ۱۹). يعتمد الأخصائي على المعلومات من استطلاعات الرأي ودراسة الظاهرة لفهم أسباب العنف وآثاره، وبناء ثقة وتواصل مع الأسرة، وإزالة الشوائب الاجتماعية (Burt, Sienfeld ۱۹۹۴). يستخدم الأخصائي الاجتماعي منهجية علمية لفهم العنف ومرتكبيه، من خلال دراسة عوامل نمو الفرد، ونشأته، ومحيطه، وعلاقاته الاجتماعية (Burt, Sienfeld ۱۹۹۴). كما يوفر فرصاً جديدة، وقنوات تواصل فاعلة بين الأسرة والجهات المعنية بالتربية. ويُعدّ الأخصائي وسيطاً وموجهاً لأفراد الأسرة، يحفزهم على اتباع سلوكيات مثمرة، ويُسهم في إعداد برامج أسرية هادفة (Burt, Sienfeld ۱۹).

لذا على الأخصائي الاجتماعي أن يكون واعياً بذلك الدور المنـــوط بـه ومتفهمــاً
للهدف الذي من أجله يتدخل مهنياً ومدى التأثير الذي يمكن أن تحدثه عملية التدخل
تلك (Lang٤). يأتي هذا لأن الأخصائي الاجتماعي هو شخصية تعمل من
أجل التخلص من الحواجز التي تمكّن العاجزين عن تقرير مصيرهم في داخـــــل
الأسرة من اكتساب ذلك الحق لأنفسهم، ويمثلهم بصورة بارزة هنا ضحايا العنف
الأسري بسبب الإعاقة أو من يعولهم أشخاص آخرون أو من يعيشون في أجواء من
عدم الاطمئنان والأمان (٢٠٠٥ Flynn).
وهذا الأمر يؤكد على قيم مهنة الخدمة الاجتماعية من حيث مساعدتها لمن يفتقرون
إلى القوة وتوفيرها لهم الدعم اللازم (۲۰۰۳ ,Adams) لتمكينهم من أداء أدوارهم
في الحياة والقيام بوظائفهم ومسؤولياتهم على الوجه الأكمل، فمبدأ استخدام القوة أو
فرضها أمر غير مقبول لدى الأخصائيين الاجتماعيين لأنه مبدأ يعمل على اضهاد
الآخرين.
في كثير من الأحيان يتجنب الأخصائيون الاجتماعيون، ومن خلال سعيهم للتقليل
من حجم ظاهرة العنف الأسري، استخدام مصطلحات كأمثال "مقترفو الأذى" أو
"الضرب حيث يرونها مصطلحات قاسية بل وتصف الرجال بصورة غير عادلة.
فبدلاً من ذلك استبدلوها بمصلحات أخرى أقل حدة مثل "إدارة الغضب" و"السلوك
الاندفاعي" و "عدم التحكم بالذات، على اعتبار أن تلك تمثل دلالات لمشكلات يمكن
التغلب عليها عن طريق الاستعانة بجهود دور الخدمات الاستشارية المختلفة
‏.(Colarossi, 1990)
فالأخصائيون الاجتماعيون يدعمون السياسات المناهضة للعنف داخل الأسرة
ويدعمون كل ما يقود إلى تعزيز وتقوية العلاقات بين أفرادها وما يقود إلى بســــطة

سيادة العدالة الاجتماعية والاقتصادية فيما بينهم وإكسابهم حق حرية تقرير المصير
وفرص العيش الأمثل ذات الرفاه الاجتماعي والرقي (٢٠٠٥ ,Flynn) وتنمية
شخصياتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم واستثمار مواردهم من خلال مـا يبدونـه مـن
إسهامات ومشاركات ، وترسيخ مفهوم العمل المشترك والتعاون بينهم وسط أجواء
ديمقراطية سليمة ومناخ متعافي تعلو فيه قيمتهم ويتعرفون فيـه علـى واجبـاتهم
وحقوقهم ويحترمون فيه آراء بعضهم البعض فتنمو لديهم روح الجماعة والمسؤولية
والمشاركة الفاعلة.
وهذا الموقف الحيادي بالطبع لا يعفي الأخصائي الاجتماعي من إقامة علاقات
تبادلية مشتركة مع الجهات الأخرى ذات الاهتمام بالجانب الأسري والتربوي
كالمدرسة وغيرها من أجل تبادل الخبرات وإضافة المزيد من الخطط التي تعزز
الوصول إلى الأهداف المرجوة وتنمية وعي أفراد الأسرة وتلبية متطلباتهم وسد ما
قد يعتريهم من نقص في الموارد المالية أو الاقتصادية أو التعليمية أو العلاجية أو
غيرها من الاحتياجات الأساسية التي ربما شكل غيابها سبباً من أسباب ظهور
العنف الأسري ونشوء الاضطرابات داخل الأسرة.
إن تكوبن علاقة فاعلة بين الأخصائي الاجتماعي وأفراد الأسرة من شأنه أن يجعله
قادراً على التعرف على الفروق المختلفة بين أفراد الأسرة وتقبلها بالصورة التــــي
هي عليها ومن ثم بذل الجهود لتغيير السلوكيات والمعتقدات الخاطئة التي ربمــا
كانت من بين الأسباب التي أدت إلى ظهور العنف بين أفرادها نتيجة الجهل أو
التمسك بتقاليد عقيمة ذات عقلية لا تؤمن بمبدأ تغيير سلوك الأسرة أو نمطها
بسبب
أو أساليبها التي تتبعها في التربية.
لذا
يجب اقتراب الأخصائي الاجتماعي من أفراد الأسر والأزواج والعائلات
للإسهام في تزويد هؤلاء بالعديد من المهارات والحلول التي تعمل علـــى

ثقافة اللاعنف بحيث تصبح واقعاً ملموساً يتوج بنجاح الأخصائيين الاجتماعيين في
مساعدة عملائهم على احترام الأشخاص الآخرين بكل ما يحملونه معهم من صفات
وعادات وقيم (۱۹ ,Burt, Sienfeld).
ومن خلال تلك العلاقة وعلى ضوء المعلومات والبيانات التي يستند إليها الأخصائي
الاجتماعي في مواجهة الظاهرة والمستمدة من خلال استطلاعات الرأي
والاستبيانات ومن دراسته للظواهر المرتبطة بالعنف الأسري الهادفة إلى التعرف
على أسبابها ومظاهرها والآثار المترتبة عليها ، يمكن أن يبنى جداراً من الثقة
والتواصل بين الطرفين ويعمل على إزالة الشوائب الاجتماعية الضارة التي يمكن
أن تلحق بالأسرة جراء عجزها عن التعامل مع معطيات الواقع بنفسها أو جهـل
القائمين عليها بأبسط متطلبات التربية الأسرة أو تغاضيهم عن مسؤولياتهم.
وهنا يمكن للأخصائيين الاجتماعيين Social Workers ومن خلال منهجية الخدمة
الاجتماعية فهم الحقائق والمعطيات الخاصة بالعنف ومرتكبيه من خلال منظور
علمي يتعرفون من خلاله على العوامل الخاصة بنمو الفرد ونشأته والمحيط العائلي
الذي يعيش فيه وبيئته التي تربى عليها ونمطه وطريقة تعامله مع المجتمع من حوله
وطبيعة علاقته بأنداده و مستوى طبقته والجنس الذي ينتمي إليه. هذا إلى جانب
العديد من الحقائق الأخرى التي يمكن للأخصائي الاجتماعي عن طريقها التوصل
إلى المفاتيح الهامة التي تزوده بفهم أشمل للأسباب الكامنة وراء السلوك العدواني
الذي يصدر من مرتكبه (۱۹۹۴ ,Burt, Sienfeld).
كذلك بمكن للأخصائي الاجتماعي أن يهيئ الظروف والمناخ الملائم لأفراد الأسرة
ويوفر لهم العديد من الفرص ذات الخطط السليمة والأفكار والإسهامات الجديدة،
وذلك عبر قنوات من التواصل الفاعل ليس بين الأسرة والأخصائي الاجتماعي
فحسب، بل بين الأسرة والجهات الأخرى المعنية بالتربية بشؤون الأسرة.

من هنا يتضح جلياً مدى الدور الفاعل الذي تمليه مهنية وأخلاق الخدمة الاجتماعية
على الأخصائي الاجتماعي على اعتباره وسيط وموجه لأفراد الأسرة بدءاً من
تحفيزهم نحو اتباع سلوكيات مثمرة اجتماعياً والاستفادة من أوقات فراغهم
والتماسك فيما بينهم وتوفير قنوات حوار منطقية وسليمة فيما بينهم وانتهاءً بالإسهام
في إعداد البرامج الأسرية الهادفة والتي تضم العديد من الجوانب الإرشادية الهامة
التي تفيد كل أفراد الأسرة وترسخ مبادئ التعاون والتكاتف فيما بينهم.