لخّصلي

فإن اسم آرتو عادة ما يكون أول أسم يطرح في هذا الإطار. على الرغم من تركيزه علی أنه يصعب الزعم بأن آرتو كان أول من بدأ هذا الاتجاه ، إلا أن الأحلام والمستويات البدائية من النفس الإنسانية يمتد ليشمل الأصول الهمجية والثقافة البدائية. وفى هذا الإطار يمكن الإشارة إلى مصورين تعبيريين من أمثال تولد Nolde الذي التجا إلى النحت الافريقى كمصدر للإلهام. أو بيتس الذى حاكى مسرح" النو" الياباني ، والتي تعتبر جميعاً فنوناً رقيعة وغاية في الإتقان). وكان أكثر ما أثر في أرتو فيما يتعلق بالدراما الراقصة البالينيزية هو الإبقاء على السحر بشكل غريزي من خلال ما اعتقده خطأ إيماءات لا إرادية ورؤيوية. وفى راية أن هذه الإيماءات سببت" حركة الفزع الديني التي استحوذت على الجمهور في معرض باريس الكولونيالي: وكان هذا هو التأثير الذي سعى إلى احداثه ؛ والمسرح البالينيزي ينطوى على المصادر السحرية الحقيقية لنفس اللاوعى البدائي. 1) وكان فريزر قد حدد هذه الأنظمة الأسطورية فيما أسماء" قوانين السحر المتجانس" ( والذى يتخذ صيغة كذا يؤدى إلى إن" صور ذهن المتفرج ، وذلك إذا ما تم تقديمها بدرجة العنف المطلوبة" ۲) تقديمها فوق الخشبة ، فمن المفروض فيها أن تستثير حالة المراة mirror state ر الطاقة الكامنة في اللاوعى ، يتحدث عنه ارتو يتسم بالقدرة على التفشى والعدوى ، وذلك من خلال تلك النسبة الضئيلة من مجموع سكان المجتمع التي ج آرتو: والمشابهة التي يطرحها آرتو هنا هي بين الهذيان والطاعون. فالهذيان- كما يتصوره- يشكل" حرية روحية" تعمل على تذويب كل" الأشكال الاجتماعية" ، وهو يتفشى دون فئران ، تحضر مسرح إن تلك الصلة التي يصنعها ارتو في تلك المشابهة المجازية بين الجسدي والروحي تعد سمة أساسية في منحى ارتو المسرحى ؛ على المسرح إذا أن يقوم طرسية من خلال إعادة اكتشاف العلامات الجسدية الكونية ، أو ما بالعلامات الهيروغليفية * ، وذلك في حين يتم إعادة صياغة التعبير اللفظى في صورة تعزيم تمثل هذه- بشكل موجز- العناصر الأساسية التي يقوم عليها صرح القسوة عند آرتو ، مع اضافة تيمة أساسية اشتغل عليها آرتو وهى القلب inversion بين الشر الإشارة إلى الهيروتنيقية هنا للدلالة على أن العلامات التي يقتصدها آرتو هي علامات تقوم على الصورة pictorial | المترجم بينما الحضارة ، هو الخصوص المتطلبات الأخلاقية للمسيحية ليست إلا أكاذيب عقيمة اخترعتها نخبة عقيمة لإخضاع كل ما هو قوى. وحتى ما تتواجد تلك الثقافة المصطنعة على وجه الوجود فقد وسمت كل ما هو جسدی ، وطبیعی باعتباره" شراً. لذا فإنه حتى نخلص لطبيعتنا الحقة ، وحتى ما تنفك قيودنا لنصل امكاناتنا الحقيقية الكامنة باعتبارنا بشر" كاملين" لا نعانى ذلك الانقسام الذي فرضته تلك الثنائية الغربية بين الجسد والروح ، فعلينا ان نفعل ماشبينا على اعتقاده اشراً ، فهذا هو حيث تخلق من حيث هي تدمر. لكن مهما كانت طبيعة القسوة ، فإن الحل الناجح الذي يطرحه آرتو يكمن في العودة إلى الوجود البدائي وإلى الوعى السابق على المنطق وهكذا يمكن القول أن اسم آرتو يستثير في أذهاننا معادلة مفرداتها البدائية- 6 { المترجم] الطقس- القسوة- المنظر المسرحى. لكن ما يفهم على انه نظريته في المسرح بتناقض في نواحى هامة كثيرة مع المسرح الذى يبدعه بالفعل: وكلما دقق المرء أكثر في كتاباته كلما بدا غموض التأثير الذى قد يكون أحدثه ارتو. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أسلوبه يحمل الطابع الدلفي delphic فيما يتعلق بغموضه الشعري نتيجة لهذا الغموض فقد كان نقاد ارتو و مفسری افکاره هم من قاموا بتحديد تأثیر ارنو في مرجع ذلك هو أن آرتو يمثل ذلك القرين الكامن داخلنا. يعكس آرتو في أعماله ما المسرح الحديث ، وكان منهجهم في التفسير اجمالاً يفتقر إلى النظرة النقدية ، ولعل حدث في الستينيات والسبعينيات من فقدان مؤسسات المجتمع التقليدية والدين قرتها الايهامية ؛ وكان آرتو من أوائل من استخدموا عقاقير الهلوسة في عملية الابداع الفنى لقد استشرف ارتو ضرورة البحث عن انماط روحية جديدة ، وهي نزعة امتدن اليوم لتشمل الاهتمام بالعناصر الدينية الشرقية ، والاهتمام بالسحرة ، والاعتقاد الشديد في الخرافات الخاصة بالتنجيم ، التي يتلازم آرتو- في حقيقة الأمر- وتلك الشكوك الوجودية التي برزت مؤخراً ولعل هذا ما يبرر لنا لماذا يحظى آرتو بالقبول في كل مكان تقريباً. ومن بين الأرصان أطلقت عليه" النبي" ، " الشامان" ، " البطل التراجيدي وقد هرجم مسرح آرتو من منطلقات مختلفة ، منها أن هذا المسرح يستعصى على التمثل والمقاربة ، كما أنه منعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي للجمهور ؛ وأيضاً أن هذا المسرح يقوض مبادىء الدراما المقبولة والمتواضع عليها ( وهذا تماماً ما كان الإشارة هنا إلى تبوة دلقى delphic oracle والتي كانت في حوذة أبوللو في معبده في دلفي وتعد هذه النبرة مثالاً للغموض الشديد ، وكانت مصدراً لتوليد الكثير من النبؤات في الأساطير اليونانية. أنه يقصد إليه ارتو) ، وكذلك أن هذا المسرح يشى بسؤ فهم لمناحي معرفية) مثل علم النفس ، والمسرح البالينيزي. من جهة أخرى يشار إلى ارتو بالبنان باعتبار ا أعاد صياغة المسرح بشكل كامل ، فأبدع من خلال المفردات الجدلية التي ينطوي عليها المسرح تناغما يفرض حضوره: كذلك صاغ آرتو الفن فى ثنائيات الشمس والقمر وهو هنا يلامس جوهر الوجود وسواء تعرض ارتو للهجوم أو التأييد ، فإن مهاجميه و معارضيه يستخلصون دلائلهم من نظرياته. وهكذا نجد أن نظریات آرتو تستثير العديد من الأطروحات التي تدور حول مفاهيم مجردة عامة ، وعلى هذا المستوى يمكن القول ان ارتو يمثل كل شيء لكل الناس ، فقد مثل- على سبيل المثال- مصدراً للإلهام للطلبة الشيوعيين في باريس عام ١٩٦٨) على الرغم من انه اهدى أحدى قصائده إلى هيتلر) ، 1) قد يكون الموقف الأساسي الذي يتبناه آرتو واضحاً بعض الشيء فهو يقول" إن حالتنا الاجتماعية الراهنة يعتريها الخراب ، إن كانت هذه الحقيقة تمثل قضية ينشغل بها المسرح ، فهى أيضاً قضية تلعب فيها المدافع دورها. إلا أن برنامج العمل الذي يقترحه آرتو يتسم بالمراوغة والتناقض ، فعندما يظن المرء أنه أمسك بهذه الأفكار إذ بها قد تلاشت ؛ كذلك فإن شخصيته تبرز بشكل قوی في كتاباته كثيراً ما يشار إلى آرتو باعتباره أبو المسرح الطليعي الحديث ، إلا أن هذه العلاقة في علاقة ذهنية وفكرية فقط فقد كانت نظريات آرتو بمثابة العامل المساعد في المعادلات الكيميائية ، إلا أن أعماله المسرحية ذاتها تم استبعادها دون حتى فحصها ۱۱۷ " واكتشافها. ومن ثم فإن رد الفعل الطبيعي إزاء مسرح ارتو يمكن إجماله في القول من الصعب الحديث عن مسرح لم يوجد يمكن أن نرى رد الفعل ذاته في دراسة المارتن إسلن عن ارتو ( ۱٩٧٦) ، وبروك ، وجروتوفسكي ، والمسرح الحي وهنا قد يصل المرء إلى نتيجة أن أعظم عمل قدمه آرتو هو حياته إن هذا الخطأ في تقييم ارتو مرجعه ذلك التمييز الجوهرى بين الفن والحياة ، ففى تفسيره لعنوان كتابه في خطاب أرسله إلى ناشره يظهر آرتو تمايزاً واضحاً بين الدراما ، والوجود اليومى ، حتى وإن عكس العلاقة الطبيعية للخشبة بالمجتمع: يقول آرتو ۹)" إن كان المسرح التقليدى هو قرين الحياة ، فالحياة هي قرين المسرح الحقيقي". وهنا يتبدى لنا أن هذا" المسرح الحقيقي" يتكون من شيء ما ليس حاضراً في تجربة الإنسان الحديث ، يقول آرتو: إن مخزون الطاقات الذى يتجلى فى الأساطير والذى لم يعد بمقدور الانسان تجسيده يتجسد في المسرح". ۱) ۱۱۸ يظهر لنا كتاب المسرح وقرينه آرتو وهو يلجأ إلى استخدام الأساطير الغامضة ، والاستعارات الملتبسة ، وذلك لشعوره بعجزه عن التعبير عن أفكاره في كلمات. وكان بعد الانهيار العقلى الذى تعرض له أن بدأ آرتو ينقل اهتمامه من المسرح إلى الوجود. وكان قد ظل يزعم أنه يسعى إلى الوسائل التي تمكنه من تقديم الدراما الحقيقية" فوق الخشبة ، وبدا منعدم الصلة بمعنى الخشبة المسرحية. ۱۱) بعد هذه المرحلة ابتدا ارتو يعانى من استخدامه للمخدارت ، كما ظل يتنقل بين العديد من المصحات والمؤسسات النفسية وهكذا أصبحت أعماله قليلة الصلة بالمسرح ، وأكرهه أكثر من فكرة المســرحــيـــة واللاواقع التي ترتبط بكل ما يقدم ويعرض. و ۱۱۹ والاحتجاج على المســرحــيـــة على أية ۱۲) حال. ولكن هناك محاولة واحدة تتسم بالاتساق هى التى وضعت من خلالها افکار ارتو موضع التطبيق ، وهى محاولة تجلت فى تجارب كل من بيتر بروك وتشارلز ماروفيتز. ارتكز كل من بيتر بروك وتشارلز ماروفيتز على كتابات آرتو كأساس لعملهم ، وكان ذلك عام ١٩٦٤. وكانت تجربة" مسرح القسوة التى قاما بتصميمها بمثابة تدريب للممثلين ، أو قل أنه يوجد شيء ما في آرتو يرتبط بأسلوب ما في المسرح ؛

عندما يطرح النقاد للمناقشة مسألة استخدام الطقس في الدراما المعاصرة ، أو عندما يقوم المخرجون الطليعيون بتوصيف محاولاتهم لإعادة اكتشاف الوظيفة الطقوسية البدائية للمسرح ، فإن اسم آرتو عادة ما يكون أول أسم يطرح في هذا
الإطار. على الرغم من تركيزه علی
أنه يصعب الزعم بأن آرتو كان أول من بدأ هذا الاتجاه ، إلا أن الأحلام والمستويات البدائية من النفس الإنسانية يمتد ليشمل الأصول الهمجية والثقافة البدائية. وفى هذا الإطار يمكن الإشارة إلى مصورين تعبيريين من أمثال تولد Nolde الذي التجا إلى النحت الافريقى كمصدر للإلهام. إلا أن آرتو كان رائداً في بحثه عن صيغ مسرحية ليست فقط غير أوربية إنما أيضاً بعيدة عن الحضارة ( وهنا يختلف ارتو عن سترند برج الذى استعار تيماته من الديانة الهندية. أو بيتس الذى حاكى مسرح" النو" الياباني ، والتي تعتبر جميعاً فنوناً رقيعة وغاية في الإتقان). وكان أكثر ما أثر في أرتو فيما يتعلق بالدراما الراقصة البالينيزية هو الإبقاء على السحر بشكل غريزي من خلال ما اعتقده خطأ إيماءات لا إرادية ورؤيوية. وفى راية أن هذه الإيماءات سببت" حركة الفزع الديني التي استحوذت على الجمهور في معرض باريس الكولونيالي: وكان هذا هو التأثير الذي سعى إلى احداثه ؛ وكان قد اعتقد أن كل من مسرح الفريد جارى الذي قام بتأسيسه ، والمسرح البالينيزي ينطوى على المصادر السحرية الحقيقية لنفس اللاوعى البدائي.
( 1)
في" خطاب مفتوح إلى مدارس بوذا" يرفض آرتـو كـل مـن المنطق والعقل باعتبارهما القيدين اللذين يكبلاننا داخل اطار ذهنية متحجرة وساذجة ؛ ومن ثم بطرح آرتو التلقائية اللاعقلانية والهذيان كبديلين بإمكانهما تحرير الميول المكبوتة في عملية تطهير عاطفى شبيهة بأثر عملية التطهير Catharsis التي نجدها في التراجيديا الكلاسيكية
الأمر الذى له دلالته أن النموذج الذي يطرحه آرتو في نظرياته يتبع نمطين قياسيين في الاستدلال يتحكمان في الأنظمة الأسطورية. وكان فريزر قد حدد هذه الأنظمة الأسطورية فيما أسماء" قوانين السحر المتجانس" ( والذى يتخذ صيغة كذا يؤدى إلى
۱۱۳

إن" صور
ذهن المتفرج ، وذلك إذا ما تم تقديمها بدرجة العنف المطلوبة"
( ۲)
كذا ، والسحر الهولوفراستى holophrastic) الذي يمثل فيه الجزء الكل). تقديمها فوق الخشبة ، فمن المفروض فيها أن تستثير حالة المراة mirror state ر الطاقة الكامنة في اللاوعى ، والجريمة التي تقترف دون مسوغ عندما. يتحدث عنه ارتو يتسم بالقدرة على التفشى والعدوى ، فيستثير أنماط السلوك القهرية في المجتمع ككل ، وذلك من خلال تلك النسبة الضئيلة من مجموع سكان المجتمع التي ج آرتو: والمشابهة التي يطرحها آرتو هنا هي بين الهذيان والطاعون. فالهذيان- كما يتصوره- يشكل" حرية روحية" تعمل على تذويب كل" الأشكال الاجتماعية" ، وهو يتفشى دون فئران ، ودون ميكروبات ، ودون اتصال مادی بین
تحضر مسرح
إن تلك الصلة التي يصنعها ارتو في تلك المشابهة المجازية بين الجسدي والروحي تعد سمة أساسية في منحى ارتو المسرحى ؛ فالميتافيزيقا تجد طريقها إلى الذهن من خلال الجلد: كذلك يتم تجسيد ديناميات الوعي في إيقاعات مشهدية. أيضاً فإن توتيات الخطية للصورة تؤثر فى العقل بشكل مباشر. على المسرح إذا أن يقوم طرسية من خلال إعادة اكتشاف العلامات الجسدية الكونية ، أو ما بالعلامات الهيروغليفية * ، وذلك في حين يتم إعادة صياغة التعبير اللفظى في صورة تعزيم تمثل هذه- بشكل موجز- العناصر الأساسية التي يقوم عليها صرح القسوة عند آرتو ، مع اضافة تيمة أساسية اشتغل عليها آرتو وهى القلب
inversion بين الشر
الإشارة إلى الهيروتنيقية هنا للدلالة على أن العلامات التي يقتصدها آرتو هي علامات تقوم
على الصورة pictorial | المترجم

لقد كان هذا القلب فى المعايير الأخلاقية سمة للحركة الطليعية الفوضوية منذ سترند برج ؛ ويتضح ذلك عند ارتو في الخطاب الذى أرفقه بـ" رحلة إلى أرض تارا هو ماراس" أو في" خطابات عن القسوة" حيث يرى أن الطبيعة نقيضة لما. اجتماعي ، بينما الحضارة ، وعلى وجه ا
إلى
هو
الخصوص المتطلبات الأخلاقية للمسيحية ليست إلا أكاذيب عقيمة اخترعتها نخبة عقيمة لإخضاع كل ما هو قوى. وحتى ما تتواجد تلك الثقافة المصطنعة على وجه الوجود فقد وسمت كل ما هو جسدی ، وطبیعی باعتباره" شراً. لذا فإنه حتى نخلص لطبيعتنا الحقة ، وحتى ما تنفك قيودنا لنصل امكاناتنا الحقيقية الكامنة باعتبارنا بشر" كاملين" لا نعانى ذلك الانقسام الذي فرضته تلك الثنائية الغربية بين الجسد والروح ، فعلينا ان نفعل ماشبينا على اعتقاده اشراً ، أما إذا فرضنا على أنفسنا أن نخضع لتلك القوالب التى اعتبرها المجتمع خيراً الضلال المحض. وبعيداً عن النزعة الفلسفية التي تنطوي عليها هذه الأطروحة فإن ارتو يبدو على غير يقين فيما يتعلق بالطبيعة المحددة للقسوة. فقى بعض الأحيان يرى العنف باعتباره عرضاً للتشوه الروحي ، وهو يظهر عندما تصبح الأنماط السلوكية القهرية التي يفرضها المجتمع أمراً لا يحتمل. من ناحية اخرى تقدم القسوة باعتبارها قرينة على العنف الكامن في الحضارة الأوروبية مقارنة بالهمجية النبيلة الشبيهة
فهذا هو
بهمجية روسو *
وفي أحيان أخرى تظهر القسوة باعتبارها قانون الطبيعة ذاتها ، وهي هنا تصطبغ بصبغة داروينية سادية ، حيث تخلق من حيث هي تدمر. لكن مهما كانت طبيعة القسوة ، فإن الحل الناجح الذي يطرحه آرتو يكمن في العودة إلى الوجود البدائي وإلى الوعى السابق على المنطق وهكذا يمكن القول أن اسم آرتو يستثير في أذهاننا معادلة مفرداتها البدائية-
6
أعتقد أن الاشارة هنا هى إلى هنرى چولیان روسو ( ١٨٤٤- ١٩١٠) المصور الفرنسي الذي اشتهر في لوحاته بنزعته البدائية ، ومشاهده الغرائبية eХОtic التي تمثل ذكرياته وأحلامه. { المترجم]
110

الطقس- القسوة- المنظر المسرحى. لكن ما يفهم على انه نظريته في المسرح بتناقض في نواحى هامة كثيرة مع المسرح الذى يبدعه بالفعل: وكلما دقق المرء أكثر في كتاباته كلما بدا غموض التأثير الذى قد يكون أحدثه ارتو. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أسلوبه يحمل الطابع الدلفي delphic فيما يتعلق بغموضه الشعري نتيجة لهذا الغموض فقد كان نقاد ارتو و مفسری افکاره هم من قاموا بتحديد تأثیر ارنو في مرجع ذلك هو أن آرتو يمثل ذلك القرين الكامن داخلنا. يعكس آرتو في أعماله ما المسرح الحديث ، وكان منهجهم في التفسير اجمالاً يفتقر إلى النظرة النقدية ، ولعل حدث في الستينيات والسبعينيات من فقدان مؤسسات المجتمع التقليدية والدين قرتها الايهامية ؛ وكان آرتو من أوائل من استخدموا عقاقير الهلوسة في عملية الابداع الفنى لقد استشرف ارتو ضرورة البحث عن انماط روحية جديدة ، وهي نزعة امتدن اليوم لتشمل الاهتمام بالعناصر الدينية الشرقية ، والاهتمام بالسحرة ، والاعتقاد الشديد في الخرافات الخاصة بالتنجيم ، والبحث في الباراسيكولوجيا ، وظاهرة الإدراك ** ESP وذلك في العديد من المراكز البحثية الجامعية. ما وراء الحسى
التي
يتلازم آرتو- في حقيقة الأمر- وتلك الشكوك الوجودية التي برزت مؤخراً ولعل هذا ما يبرر لنا لماذا يحظى آرتو بالقبول في كل مكان تقريباً. ومن بين الأرصان أطلقت عليه" النبي" ،" الساحر" ،" الرؤيوي" ،" الشامان" ،" البطل التراجيدي وقد هرجم مسرح آرتو من منطلقات مختلفة ، منها أن هذا المسرح يستعصى على التمثل والمقاربة ، كما أنه منعزل عن السياق الاجتماعي والسياسي للجمهور ؛ وأيضاً أن هذا المسرح يقوض مبادىء الدراما المقبولة والمتواضع عليها ( وهذا تماماً ما كان الإشارة هنا إلى تبوة دلقى delphic oracle والتي كانت في حوذة أبوللو في معبده في دلفي وتعد هذه النبرة مثالاً للغموض الشديد ، وكانت مصدراً لتوليد الكثير من النبؤات في الأساطير اليونانية. [ المترجم} تستعمل اختصاراً لـ Extra Sensory Perception ( المترجم)

( い)
أنه
يقصد إليه ارتو) ، وكذلك أن هذا المسرح يشى بسؤ فهم لمناحي معرفية) مثل علم النفس ، والمسرح البالينيزي. من جهة أخرى يشار إلى ارتو بالبنان باعتبار ا أعاد صياغة المسرح بشكل كامل ، فأبدع من خلال المفردات الجدلية التي ينطوي عليها
المسرح تناغما يفرض حضوره:
( 0)
كذلك صاغ آرتو الفن فى ثنائيات الشمس والقمر
،
وهو هنا يلامس جوهر الوجود وسواء تعرض ارتو للهجوم أو التأييد ، فإن مهاجميه و معارضيه يستخلصون دلائلهم من نظرياته. وهكذا نجد أن نظریات آرتو تستثير العديد من الأطروحات التي تدور حول مفاهيم مجردة عامة ، وهذه الأطروحات المتباينة تتمخض عن نتائج متباينة تقف ورائها توجهات مختلفة إزاء شخصية آرتو ذاتها باعتبارها شخصية غير عادية. وعلى هذا المستوى يمكن القول ان ارتو يمثل كل شيء لكل الناس ، فقد مثل- على سبيل المثال- مصدراً للإلهام للطلبة الشيوعيين في باريس عام ١٩٦٨) على الرغم من انه اهدى أحدى قصائده إلى هيتلر) ، ومرجع ذلك أن كتاباته اتسمت بقدر كبير من الغموض مما يسمح بإمكانية تأويلها بشكل راديكالي
أو غير تقليدي.
( 1)
قد يكون الموقف الأساسي الذي يتبناه آرتو واضحاً بعض الشيء فهو يقول" إن حالتنا الاجتماعية الراهنة يعتريها الخراب ، ومن ثم يجب تقويضها. إن كانت هذه الحقيقة تمثل قضية ينشغل بها المسرح ، فهى أيضاً قضية تلعب فيها المدافع دورها.. إلا أن برنامج العمل الذي يقترحه آرتو يتسم بالمراوغة والتناقض ، وكما قال آداموف يوجد شيء ما ثائر وجامع فى أفكاره الدرامية ، فعندما يظن المرء أنه أمسك بهذه الأفكار إذ بها قد تلاشت ؛ على النقيض من أفكاره فإن أحداث حياته معروفة وواضحة ، وتعد تصرفاته لافتة في لامعقوليتها ، كذلك فإن شخصيته تبرز بشكل قوی
في كتاباته
كثيراً ما يشار إلى آرتو باعتباره أبو المسرح الطليعي الحديث ، إلا أن هذه العلاقة في علاقة ذهنية وفكرية فقط فقد كانت نظريات آرتو بمثابة العامل المساعد في المعادلات الكيميائية ، إلا أن أعماله المسرحية ذاتها تم استبعادها دون حتى فحصها
۱۱۷

"
( A)
واكتشافها. ومن ثم فإن رد الفعل الطبيعي إزاء مسرح ارتو يمكن إجماله في القول من الصعب الحديث عن مسرح لم يوجد يمكن أن نرى رد الفعل ذاته في دراسة المارتن إسلن عن ارتو ( ۱٩٧٦) ، فباستثناء فصل واحد قصير عن" مسرح ارتو- النظرية والممارسة" يشكل الكتاب فى مجمله سرداً للسيرة الذاتية لآرتو ، وحتى الممارسة المسرحية تقدم هنا كما تتجلى فى أعمال بارو ، وبروك ، وجروتوفسكي ، والمسرح الحي وهنا قد يصل المرء إلى نتيجة أن أعظم عمل قدمه آرتو هو حياته إن هذا الخطأ في تقييم ارتو مرجعه ذلك التمييز الجوهرى بين الفن والحياة ، تلك الحياة التي لا يمكن للمسرح أن يوجد بدونها ؛ وهذا التمييز ينكره مريدو ارتو على اعتبار أن الفن الحقيقى لا يوجد إلا كعملية" process) أي أنه لا ينعزل عن التجربة الحياتية التي يعتريها التغير الدائم) ، ومن ثم فهم يرفضون مفهوم الفن باعتباره" منتج" product) أي باعتباره عملاً فنياً مستقلاً). لكن يمكن القول أن نظريات آرتو- في واقع الأمر – تفترض وجود علاقة جدلية بين الخشبة المسرحية والعالم. لعله يكون أمراً له دلالته أن تلك الفقرات التي يتم اقتباسها كثيراً من كتابات آرتو هي ذاتها تلك الفقرات التي تفتقر إلى أى معنى منطقى مثل قوله الذي يقول فيه:" إن كل دمية حقيقية لها ظل هو قرينها الحقيقي" إلا أن آرتو كان قادراً على أن يكون أكثر بياناً ؛ ففى تفسيره لعنوان كتابه في خطاب أرسله إلى ناشره يظهر آرتو تمايزاً واضحاً بين الدراما ، والوجود اليومى ، حتى وإن عكس العلاقة الطبيعية للخشبة بالمجتمع: يقول آرتو
( ۹)" إن كان المسرح التقليدى هو قرين الحياة ، فالحياة هي قرين المسرح الحقيقي". وهنا ينظر إلى الوجود المادى باعتباره صورة غير مكتملة لما عنه الفن بشكل رمزى يعبر باعتبار الفن شكلاً أسمى للواقع. وهنا يتبدى لنا أن هذا" المسرح الحقيقي" يتكون من شيء ما ليس حاضراً في تجربة الإنسان الحديث ، وإن كان كامناً فيه ؛ يقول آرتو: إن مخزون الطاقات الذى يتجلى فى الأساطير والذى لم يعد بمقدور الانسان تجسيده يتجسد في المسرح".
( ۱)
۱۱۸

يظهر
لنا كتاب المسرح وقرينه آرتو وهو يلجأ إلى استخدام الأساطير الغامضة ، والاستعارات الملتبسة ، وذلك لشعوره بعجزه عن التعبير عن أفكاره في كلمات. وكان بعد الانهيار العقلى الذى تعرض له أن بدأ آرتو ينقل اهتمامه من المسرح إلى الوجود. وكان قد ظل يزعم أنه يسعى إلى الوسائل التي تمكنه من تقديم الدراما الحقيقية" فوق الخشبة ، إلا أن ما قدمه انفصل عن الفنون الآدائية ، وبدا منعدم الصلة بمعنى الخشبة
المسرحية.
( ۱۱)
بعد هذه المرحلة ابتدا ارتو يعانى من استخدامه للمخدارت ، كما ظل يتنقل بين العديد من المصحات والمؤسسات النفسية وهكذا أصبحت أعماله قليلة الصلة بالمسرح ، وإن انطوت على دراما داخلية شبيهة بالشعر. ويرى بعض النقاد أن تصيدته الأخيرة المسماة الانتهاء من قضاء الله To have Done With The Judgement Of God) والتي اتخذت شكل حوار تؤديه أصوات مختلفة في دراما اذاعية عام ١٩٤٨ ( تعتبر المثال الحقيقى و الوحيد المعبر عن مسرح القسوة عند أنور. إلا أن هذا الزعم يتجاهل تعليقات صريحة داخل القصيدة يقول فيها آرتو:" لا يوجد شي
، أمــقـ
وأكرهه أكثر من فكرة المســرحــيـــة
وذلك بسبب فكرة المظهر ، واللاواقع
التي ترتبط بكل ما يقدم ويعرض....
لقد كان الغرض من هذا البرنامج الاذاعي
هو الاحــتــجـــاج على مبدأ المظهر دأ اللاواقع
و
۱۱۹

والاحتجاج على المســرحــيـــة على أية
( ۱۲)
حال...
يمكن القول أن القليل جداً من المخرجين المعاصرين لم يتأثر بأفكار آرتو ، ولكن هناك محاولة واحدة تتسم بالاتساق هى التى وضعت من خلالها افکار ارتو موضع التطبيق ، وهى محاولة تجلت فى تجارب كل من بيتر بروك وتشارلز ماروفيتز. فعلى خلاف مريدى ارتو من أمثال شيشنر او بيك ومالينا الذين صاغوا ما استعاروه من آرتو في قوالب تحمل مزاجهم الخاص ، ارتكز كل من بيتر بروك وتشارلز ماروفيتز على كتابات آرتو كأساس لعملهم ، وكان ذلك عام ١٩٦٤. وكانت تجربة" مسرح القسوة التى قاما بتصميمها بمثابة تدريب للممثلين ، وتوجت هذه التجربة في سلسلة من العروض البيانية التى ضمت اول صياغة مسرحية لمسرحية آرتو السيريالية المسماة انبياس الدماء The Spurt of Blood. كذلك ظهرت نتائج لهذه التجربة في اخراج عرض الستائر The Screens لچينيه ، كما تجلت هذه النتائج أيضاً في تأويل بروك اللافت لمسرحية مارا/ صاد Marat | Sade لـفـايس ( انظر الفـصـل الثامن). الأمر المثير للانتباه أن النتيجة التي وصل اليها بروك افتقرت إلى التحديد ، فقد قال:" يجب أن تأخذ آرتو دون تزييفه باعتباره طريقة حياة ، أو قل أنه يوجد شيء ما في آرتو يرتبط بأسلوب ما في المسرح ؛ حدد بروك هذا الشيء الذي يشير إليه في" أشياء محددة ومعينة ذات طبيعة تقنية تقريباً مثل استخدام اليوجا ، وتدريبات التنفس ، والتعبير الانفعالى من خلال توطين مشاعر معينة في أجزاء مختلفة من) ويمكن القول أن هذه الأشياء التي يشير إليها بروك هي ذاتها المقترحات الجسم" المتضمنة في مجموعة مقالات آرتو التي لا تتحدث عن الميتافيزيقا أو وضعية الثقافة الغربية ، ومن بين هذه المقالات" النزعة الرياضية التأثيرية Affective Athleticizm ، و" مسرح ملائكة السيراقيم The Seraphim Theatre).
( ۱۳)
إن كانت مقالات آرتو فاقت انجازاته العملية فهذا مرجعه أنها تعد بشيء أكبر كثيراً مما يمكن أن ينجز عملياً ؛ فقد كان من عادة آرتو المبالغة إلى حد التطرف ، ففى
۱۲۰

الخطاب أرسله إلى چان بولان يسأله ألا ينشر إحدى مراجعاته المسرحية ، ذلك لأن ما كتبه لا يرتبط بشكل كبير بما راه ؛ يقول ارتو في هذا الخطاب:" لا يمكننى دون حماس ، لذا فدائماً ما أجاوز كل الحدود. هذا هو السبب وراء تلك الفجوة
التي نجدها بين نظرية آرتو ، وممارسته العملية ، وليس مجرد الافتقار إلى الدعم المالي فى يحول النظرية إلى واقع ، ولعل أكثر ما يبرز هذه الفجوة هو تركيز ارتو الدائم على الدراما" كعملية ، وليس كمنتج مكتمل ، وهذا التركيز يميز ما يعرف لدينا باسم
مسرح أرتو.
للمسرح
تتخذ مقالات آرتو ( كما يفعل تلاميذه من" المسرحة" المباشرة والارتجال أساساً ح الحقيقى". رغماً عن ذلك فإن آرتو في مسودات عروضه ، وفي عمليات المسرحة الفعلية التي قام بها ركز على فكرة أن العرض المسرحى يجب ان يبدو فقط وكأنه مرتجل ، وأن يعطينا الانطباع بأنه ليس فقط غير متوقع وإنما غير قابل وهذا في حقيقة الأمر ليس إلا موقف طبيعي وتقليدى. أيضاً فإن
للتكرار
هجوم
( ۱۵)
آرتو على اللغة في المسرح ليس بالدرجة التي يبدو عليها ؛ فباستثناء ييتس ،- الذي عبر ذات مرة عن رغبته فى أن يقوم الممثلون بإلقاء أدوارهم في مسرحياته داخل براميل ( وذلك حتى لا يستبدلوا إيقاعات ومعاني شعره بالايماءات والحركات)- يصعب على المرء أن يتخيل مخرج أو كاتب مسرحى يؤمن بأن المعنى المنطقي للكلمات لو الوسيلة الوحيدة للتواصل المسرحى ؛ ومع ذلك فهذا الأمر ( غير الوارد) بالنسبة لكتاب ومخرجي المسرح هو ما يهاجمه آرتو. لقد كان هدف آرتو في حقيقة الأمر هو السيطرة الكاملة على كل عنصر من عناصر العرض المسرحى بما في ذلك" السكرييت". وفى هذا الاطار يجب أن نضع فى الاعتبار أن استبعاد آرتو للنص الدرامى ليس إلا اليحل محله طريقة ما يتم بها تسجيل العرض فى مجمله ، ومن هنا كانت رغبته في إيجاد نظام لتدوين الايماءات وتعبيرات الوجه ، والاتجاهات ، والحركات ، و التنويعات الصوتية ، والتنفس ، وكذلك بحثه عن طرائق تجعل بالإمكان السيطرة على هذه العناصر والتحكم في دقتها ، واعادة انتاجها. إن ما أراده آرتو هو" عرض مسرحى مدون ، ومثبت في أدق تفاصيله" وذلك حتى يمكن أن تكون النتيجة النهائية" دقيقة
۱۲۱

مع وسائط التعبير الأخرى لا يسمح بالارتجال و محسوبة مثل تلك التي يتمخض عنها أى نص درامی مکتوب" ذلك أن المسرح خلانا
( ١٦)
كل سطر لابد وأن يكون منطلقاً لعملية" تخيل حر ل لا يعنى هذا أن آرتو كان يقارب" السكريبت" وفى ذهنه تأويل مسبق ، أو حركات. جاهزة يؤديها الممثلون ؛ فبناء على ما ذكره الممثلون الذين عملوا معه كان يرى أرتو أن كذلك أن أية حالات انفعالية يستثيرها" السكريبت" لابد وان تترجم مباشرة إلى لغة." free fantasizing وقد رأي/ جسدية مادية- إلا أن آرتو لم يكن يشجع التعبير الحر ، فقد كان يقوم بأداء كل الأدوار بنفسه امام ممثليه. فيفرض عليهم صيغة أسلوبية معينة. وبالنسبة للحركات والإيماءات والنبرات التي يصل إليها كان يقوم بتدوينها بشكل دقيق ، ثم يقوم بتدريب الممثلين عليها ، ومن ثم لايترك شيء للصدفة في العرض المسرحى في صورته النهائية وإن أعطى انطباعاً بالهذيان والعشوائية ولعل هذا ما تشی به ملاحظات ریمون رولو Raymond Rouleau الذي قام بأداء دور الضابط في مسرحية حلم التي أخرجها آرتو ؛ يقول رولو: لم يكن آرتو يجهز لعروضه من خلال طريقة محددة.... فإخراجه للعروض كان نوعاً من الاستبطان ؛ فقد بدا وكأنه يسترق السمع لما يلقنه إياه عقله الباطن. وفي البروفة الأولي كان آرتو يحوم حول الخشبة ، مستخدماً صوتاً رفيعاً ، وكان يتلوى بجسده ، ويعوى ويصارع كل منطق ، ونظام ، وكل منهجية محددة محكمة... وعندما يستشعر. أنه وجد الحقيقة- تلك الحقيقة التي أفضت بها إليه رحلته الداخلية- فكان يقرها ويثبتها بكل
تدقيق
( ۱۷)
إن ما تم التأكيد عليه منذ برامج العروض المبكرة التي وضعها آرتو المسرح | جارى ، وحتی ملاحظات روچیه بلان التي دونها بخصوص اخراجه لعرض السنسي