لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

﴿ ِ ب ۡ س ِ م ٱ ه ِللَّ ٱ ل ه ر ۡ ح َ م ٰ ـ ِ ن ٱ ل ه ر ِ ح ی ِ م ﴾ [ ا ل ف ا ت ح ة ١ ]
القول في تأويل ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
القول في تأويل قوله: ﴿ ِب ْس ِم﴾
قال أبو جعفر: إن الله تعالى ذكره وتقدَّست أسماؤه أدّب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقدي َم ذكر أسمائه
وتقدَّم إليه في َوصفه بها قبل جميع ُمه َّماته، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلَّمه إياه، فبه افتتاح أوائل منطقهم ، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: "بسم الله"، على من بطن من مراده الذي هو محذوف.وذلك أن الباء من "بسم الله" مقتضية فعلا يكون لها جال ًبا، فأغنت سام َع القائل"بسمالله"معرفتُهبمرادقائله،عنإظهارقائلذلك ُمراَدهقولاإذكانكلناطقبهعند افتتاحه أم ًرا، قد أحض َر منطقُه به -إ ّما معه، وإ ّما قبله بلا ف ْصل- ما قد أغنى سا ِم َعه عن دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح ِقيلَه به . فصار استغنا ُء سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه، نظي َر استغنائه - إذا سمع قائلا قيل له: ما أكلت اليوم؟ فقال: "طعا ًما" - عن أن يك ّرر المسئُو ُل مع قوله "طعا ًما"، لما قد ظهر لديه من الدلالة على أن ذلك معناه ، بتقدُّم مسألة السائل إياه عما أكل. فمعقول إذًا أ ّن قول القائل إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم افتتح تال ًيا سورةً، أن إتباعه "بسم الله الرحمن الرحيم" تلاوةَ السورة، ُينبئ عن معنى قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم" ومفهو ٌم به أنه مريد بذلك: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وكذلك قوله: "بسم الله" عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله، ينبئ عن معنى مراده بقوله "بسم الله"، وأنه أراد ب ِقي ِله "بسم الله"، هو معنى قول ابن عباس الذي:-
١٣٨ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بش ُر بن ُع َمارة، قُل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم قال: "قل بسم الله الرحمن الرحيم". قال: قال له جبريل: قل بسم الله يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله.قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فإن كان تأوي ُل قوله "بسم الله" ما وصف َت، والجال ُب البا َء في "بسمالله"ماذكر َت،أوأقومأوأقعدباسمالله؟وقد علم َت أن ك َّل قارئ كتا َب الله، فب َع ْون الله وتوفيقه قراءتُه، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلا فبالله قيا ُمه وقعودُه وفعلُه. و َهلا - إذْ كان ذلك كذلك - قيل "بسم الله الرحمن الرحيم" ولم َيقُل "بسم الله"؟ فإن قول القائل: أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم، أو أقرأ بالله - أوض ُح معنى لسامعه من قوله "بسم الله"، إذ كان قوله أقوم "أقوم أو أقعد باسم الله"، يوهم سام َعه أن قيامه وقعوده بمعنى غ ي ِر الله . وبالله التوفيق: إن المقصو َد إليه من معنى ذلك غي ُر ما توهَّمته في نفسك. وإنما معنى قوله "بسم الله": أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء، أو أقوم وأقعد بتسميتي َالله وذك ِره - لا أنه يعني ب ِقي ِله "بسم الله": أقوم بالله، فيكو َن قو ُل القائل: أقرأ بالله، أو أقوم أو أقعد بالله - أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله "بسم الله".فإنقال:فإنكانالأمرفيذلكعلىماوصف َت، وأن التسمية مصد ٌر من قولك َس َّميت؟
قيل:إنالعر َبقدتخرجالمصادَرمبهمةًعلىأسماءمختلفة،وإنما بنا ُء مصدر "أفعل ُت" - إذا أخرج على فعله - "الإفعا ُل". وبناء مصدر: "ف َّعلت" التفعيل.وبعد َع َطاِئ َكالِمئَةَالِّرتَا َعا(
َوإنكا َنهذاالُب ْخ ُلمْنك َسجيةً.لقدكُْن ُتفي َطوِلي َر َجاء َكأَ ْش َعَبا
ومنه قول الآخر: أَظُلَْيُمإنُم َصاَبكمَرُجلا. والشواهد في هذا المعنى تكثُ ُر،فإذ كان الأمر - على ما وصفنا، من إخراج العرب مصاد َر الأفعال على غير بناء أفعالها -
وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودًا فاش ًيا ، فبيّ ٌن بذلك صوا ُب ما قلنا من ِ
التأويل في قول القائل "بسم الله"، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول: أبدأ بتسمية الله،وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن: "بسم الله الرحمن الرحيم"، إنما معناه: أقرأ مبتدئًا بتسمية الله، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله. ف ُج ِعل "الاس ُم" مكان التسمية، والعطا ُء مكان الإعطاء. قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن ُع َمارة، قال: حدثنا أبو َر ْوق، قال: أ ّول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم"، ثم قال: "قل: بسم الله الرحمن الرحيم". قال ابن عباس: "بسم الله"، يقول له جبري ُل: يا محمد، وقم واقعد بذكر الله.وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا - من أنه يراد بقول القائل مفتت ًحا قراءته: "بسم
الله الرحمن الرحيم": أقرأ بتسمية الله وذكره، وأفتتح القراءة بتسمية الله، بأسمائه الحسنى وصفاته ال ُعلَى - ويوضح فُسا َد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله: بالله الرحمن الرحيم أ ّو ِل ك ِّل شيء ، مع أن العباد إنما أ ِمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمو ِرهم بتسمية الله، كالذي أ ِمروا به من التسمية على الذبائح وال َّصيد، وعند ال َمطعم وال َمشرب، وكذلك الذي أ ِمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله، وصدور رسائلهم وكتبهم.ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمة، أن قائلا لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام) "بالله"، أنه مخالف - بتركه ِقي َل: "بسم الله" ما ُس َّن له عند التذكية من القول. وقد ُعلم بذلك أنه لم ُي ِردْ بقوله "بسم الله" "بالله"، كما قال الزاعم أن اس َم الله في قول الله: "بسم الله الرحمن الرحيم" هو الله. لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحتَه "بالله"، قائلا ما ُس َّن له من القول على الذبيحة. وفي إجماع الجميع على أ ّن قائ َل ذلك تارك ما ُس َّن له من القول على ذبيحته - إذْ لم يقل "بسم الله" - دلي ٌل واضح على فساد ما ادَّعى من التأويل في قول القائل: "بسم الله"،وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم: أهُ َو المسمى، أم هو صفة له؟ فنطيل الكتاب به، وإنما هذا موضع من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى الله: أهو اس ٌم، أم مصدر بمعنى التسمية ؟ فإن قال قائل: فما أنت قائ ٌل في بيت لبيد بن ربيعة:
ومن َيْب ِك َحْولاكاملافَقَداعتَذَ ْر فقدتأوله ُمقدَّمفيالعلمبلغةالعرب،وأناسَمالسلامهوالسلام؟ قيلله:لوجازذلكوصحتأويلهفيهعلىماتأّول، وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأول قول لبيد: "ث ّم اسم السلام عليكما"، وا ِدّعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافتَه إلى السلام إنما جاز، إذ كان اسم المس َّمى هو المس َّمى بعينه.و ُيسأل القائلون قو َل من حكينا قولَه هذا، فيقال لهم: أتستجيزون في العربية أن يقال: "أكل ُت اس َم العسل"، كما جاز عندكم: اسم السلام عليك،فإن قالوا: نعم! خرجوا من لسان العرب، وأجازوا في لغتها ما تخ ِطئُه جميع العرب في لغتها.وإن قالوا: لا سئلوا الفر َق بينهما: فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله. فإن قال لنا قائل: فما معنى قول لبيد هذا عندك؟
قيل له: يحتمل ذلك وجهين، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله.أحدُهما: أن "السلام" اس ٌم من أسماء الله، فجائز أن يكون لبيد عنَى بقوله: "ثم اسم السلام
ْ ثم الزما اس َم الله وذك َره بعد ذلك، َو َد َعا ذكري والبكا َء عل ّي؛ على وجه الإغراء. إذ أ ّخر الحر َف الذي يأتي بمعنى الإغراء.١٧) وقد تف َع ُل العرب ذلك، إذا أ ّخرت الإغراء وقدمت ال ُم ْغ َ َرى به، وإن كانت قد تنص ُب به وهو مؤ َّخر. ومن ذلك قول الشاعر: َيا أيُّها المائ ُح َدل ِوي دُونَكا! .فأغ َرى ب "دونك"، فذلك قول لبيد: * إلى الح ْو ِل، أي: الزما ذكر الله ودعا ذكري والوج َد بي، لأن من بكى َح ْولا على امرئ ميّت فقد اعتذر. فهذا أحد وجهيه.والوجه الآخر منهما: ثم تسميتي َالله عليكما، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه: "اسم الله عليك" يعوذه بذلك من السوء،ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أ ّن معناه: ثم السلام عليكما، أت َرى ما قلنا - من هذين الوجهين -
أو غي َر ما قل َت فيه؟ فإنقال:لا!أبانمقداَرهمنالعلمبتصاريف ُوجوهَكلامالعرب،قيلله:فمابرهانكعلىصحةماادَّعيتمنالتأويلأنهالصوا ُب،- من الوجه الذي يلزمنا تسلميه لك؟ ولا سبيل إلى ذلك.١٤٠ - حدثنا به إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك [وهو يلقب
 عن ابن مسعود - و ِم ْس َع ِر بن ِك َدام، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عيسى ابن مريم أسلمته أ ُّمه إلى الكتَّاب ليع ِلّمه، فقال له المعلم: اكتب "بسم" فقال له عيسى: وما "بسم"؟ فقال له المعلم: ما أدري! فقال عيسى: الباء بها ُء الله،٢٠) ف أ خ ش ى أ ْن ي ك و ن غ ل ًط ا م ن ا ل م ح ِد ّ ث ، و أ ن ي ك و ن أ ر ا د [ ب س م ] ، ع ل ى س ب ي ل م ا ي ع ل َّ م ا ل م ب ت د ئ م ن الصبيان في الكتّاب حروف أبي جاد، لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تُلي "بسم الله الرحمن الرحيم"، على ما يتلوه القارئ في كتاب الله، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها،القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿ َّاللَّ﴾ ِ
قال أبو جعفر: وأما تأويل قول الله تعالى ذكره "الله"، فإنه على معنى ما ُروي لنا عن عبد الله بن عباس-: هو الذي َيألَهه كل شيء،١٤١ - وذلك أ ّن أبا كريب حدثنا، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن ُع َمارة، قال: حدثنا أبو َر ْوق، قال: "الله" ذو الألوهية وال َم ْعبودية على خلقه أجمعين.فإن قال لنا قائل: فهل لذلك في "فعل ويفعل" أصل كان منه بنا ُء هذا الاسم؟
قيل: أ ّما سما ًعا من العرب فلا ولكن استدلالا.فإن قال: وما د ّل على أن الألوهية هي العبادة، وأ ّن له أصلا في "فعل ويفعل".قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل(٢٢) - يصف رجلا بعبادة، وبطلب مما عند الله جل ذكره: "تألَّه فلان" - بالصحة ولا خلاف. ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج:
ِلله َد ُّر الغا ِنيات ال ُمدَّ ِه(٢٣) َسبَّ ْح َن وا ْستَ ْر َج ْع َن ِمن تَأَلُّ ِهي
يعني: من تعبدي وطلبي َالله بعملي. التف ُّعل من: "ألَه يأله"، وأن معنى "أله" - إذا نُطق به:- َع َب َد َالله. وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل" يغير زيادة.١٤٢ - وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع، عن ابن عباس: أنه قرأ ﴿ َو َيذَ َر َك وإلا َهتَ َك﴾ [سورة الأعراف: ١٢٧] قال: عبادتَك، ويقال: إنه كان ُيع َبد ولا َيع ُبد. قال: حدثنا ابن ُعيينة، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن ابن عباس: ﴿ َو َيذَ َر َك َوإلا َهتَك﴾ ، قال: إنما كان فرعو ُن ُيع َبد ولا َيع ُبد(٢٤)
١٤٤ - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين بن داود، عن مجاهد: قوله "ويذ َر َك وإلاهتك" قال: وعبادتَك(٢٥) ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصد ٌر من قول القائل: ألَه َالله فلا ٌن إلاهةً، كما يقال: َع َبد الله فلا ٌن عبادةً، و َع َب َر الرؤيا عبارةً. فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا: أ ّن "أله" َعبد، وأن "الإلاهة" مصد ُره.فإن قال: فإن كان جائ ًزا أن يقال لمن عبد الله: ألهه - على تأويل قول ابن عباس ومجاهد - فكيف الواج ُب في ذلك أن يقال، إذا أراد المخبر الخب َر عن استيجاب الله ذلك على َع ْبده؟ قيل: أما الروايةُ فلا رواية فيه عندنا، ولكن الواجب - على قياس ما جاء به الخب ُر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:- ١٤٥ - حدثنا به إسماعيل بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عمن حدثه عن ابن مسعود - و ِم ْس َعر بن ِك َدام، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إ ّن عيسى أسل َمتْه أمه إلى الكتّاب ليعلّمه
"فقال له المعلم اكتب "الله" فقال له عيسى: "أتدري ما الله؟ الله إلهُ الآلهة(٢٦)
الله جل جلاله ألَ َه العب َد، وأ ْن يكون قو ُل القائل "الله" - من كلام العرب أصله "الإله".فإن قال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، مع اختلاف لفظيهما؟
قيل: كما جاز أن يكون قوله: ﴿ل ِك َّن هُو اللهُ ربّي﴾ [سورة الكهف: ٣٨] أصله: لكن أنا،ربي، كما قال الشاعر:
وتَ ْقلينَني،يريد: لكن أنا إياك لا أقلي، فحذَف الهمزة من "أنا" فالتقت نون "أنا" "ونون "لك ْن" وهي ساكنة، فأدغمت في نون "أنا" فصارتا نونًا مشددة. فالتقت اللام التي هي عين الاسم، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة،وصفنا من قول الله ﴿لك َّن ه َو الله َربي﴾
والعربكثيًراما
تبني الأسماء من "فَ ِعل ي ْف َعل" على "فعلان"، ومن َعطش: عطشان. فكذلك قولهم " َرحمن" من َر ِح َم، وقيل "رحيم"، ومن شأن العرب أن يحملوا أبنية
الأسماء - إذا كان فيها مدح أو ذم - على "فعيل"، وإن كانت عين "فعل" منها مكسورةً أو مفتوحةً، كما قالوا من "علم" عالم وعليم، ومن "ق َدر" قادر وقدير. وليس ذلك منها بناء على أفعالها، لأن البناء من "فَ ِعل ي ْف َعل" و "ف َعل يف ِعل" فاع ٌل. فلو كان "الرحمن والرحيم" خارجين عن بناء أفعالهما لكانت صورتهما "الراحم".فإن قال قائل: فإذا كان الرحمن والرحيم اسمين مشتقين من الرحمة، فما وجهُ تكرير ذلك، وأحدهما مؤدّ عن معنى الآخر؟ قيلله:ليسالأمرفيذلكعلىماظنن َت،بللكلكلمةمنهمامعنىلاتؤديالأخرىمنهما عنها.فإن قال: وما المعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما،قيل: أما من جهة العربية، أ ّن قول القائل:
"الرحمن" - عن أبنية الأسماء من "فَ ِعل يف َعل" - أشدُّ عدولا من قوله "ال ّرحيم". ولا خلاف مع ذلكبينهم،أ ّنكلاسمكانلهأصلفي"فَِع َليف َعل"-ثمكانعنأصلهمن"فَِعليف َع ُل"أشد عدولا - أ ّن الموصوف به مف َّضل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من "فَ ِعل يف َعل"، إذا كانت التسمية به مد ًحا أو ذ ًّما. فهذا ما في قول القائل "الرحمن"،وأما من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التأويل اختلاف:-
١٤٦ - فحدثني السري بن يحيى التميمي، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت ال َع ْر َزمي يقول: "الرحمن الرحيم"، ال ّرحيم، قال: بالمؤمنين.٣٠) ١٤٧ - حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء، عمن حدثه، عن عطية ال َعوفي،٣١)
وتسميته باسمه الذي هو "رحيم"، واختلاف معنى الكلمتين - وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فد ّل أحدهما على أ ّن ذلك في الدنيا، ود ّل الآخر على أنه في الآخرة.فإن قال: فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة؟ قيل: لجميعهما عندنا في الصحة مخرج، فلا وجه لقول قائل: أيُّهما أولى بالصحة؟ وذلك أ ّن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن، وأنه بالتسمية
وإما في بعض الأحوال.في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة،لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته، مما ُخ ِذل
وكان مع ذلك قد جع َل،وعمل بطاعته، دون من أشرك وكفر به -(٣٢) كان بيّنًا إن الله قد خص المؤمنين من ِ
مع ما قد ع َّمهم به والكفا َر في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم، وسائر النعم التي لا تُحصى، فربُّنا جل ثناؤه رحم ُن جميع خلقه في الدنيا والآخرة، ورحي ُم المؤمنين خاصةً في الدنيا والآخرة. فأما الذي ع ّم جمي َعهم به في الدنيا من رحمته فكان َرحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه، وسورة النحل: ١٨] . فالذي ع ّم جميعهم به فيها من رحمته، فكان لهم رحمانًا، تسويته بين جميعهم جل ذك ُره في َعدله وقضائه، فلا يظلم أحدًا منهم ِمثْقال ذَ ّرة، وإن تَ ُك حسنةً ُيضاعفها و ُيؤ ِت من لَدُ ْنهُ أج ًرا عظيما، فذلك معنى عمومه في الآخرة جمي َعهم برحمته،وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته، كما قال جل ذكره: ﴿ َو َكا َن ِبا ْل ُم ْؤ ِم ِني َن َر ِحي ًما﴾ [سورة الأحزاب: ٤٣] فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم، فخ ّصهم به، دو َن من خذَله من أهل الكفر به.وأ َّما ما خ ّصهم به في الآخرة، فكان به رحيما لهم دون الكافرين، فما وصفنا آنفًا مما أعدَّ لهم دون غيرهم من النعيم، والكرامة التي تقص ُر عنها الأمان ّي.وأما القول الآخر في تأويله فهو ما:-
١٤٨ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب.٣٣) وكذلك أسماؤه كلها. يدل على أن الذي به ربُّنا رحمن، وإن كان لقوله "الرحمن" من المعنى، ما ليس لقوله "الرحيم". لأنه جعل معنى "الرحمن" بمعنى الرقيق على من ر َّق عليه، ومعنى "الرحيم" بمعنى الرفيق بمن رفق به.والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن الع ْر َزمي(٣٤) ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي رويناه عن ابن عباس. وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، وأن للرحيم تأويلا غي َر تأويل الرحمن.والقول الثالث في تأويل ذلك ما:-
١٤٩ - حدثني به عمران بن َب َّكار الكلاعي، قال: حدثنا يحيى بن صالح، قال: حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللَّخمي من أه ِل فلَ ْسطين،والذي أراد، إن شاء الله، عطا ٌء بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتس َّمى بها أحد من َخ ْل ِقه، فلما تس َّمى به الكذا ُب مسيلمة - وهو اختزاله إياه، غيره ج ّل ذكره. وإنما
ي ت س َّ م ى ب ع ُض َ خ ْ ل ق ه إ م ا ر ح ي م ا ، أ و ي ت س َّ م ى َ ر ح م ن . ف ل م ي ج ت م ع ا ق ّ ط لأ ح د س و ا ُ ه ، بين اسمه واسم غيره من خل ِقه، اختلف معناهما أو اتفقا. بل جائز أن يكون ج ّل ثناؤه خ ّص نفسه بالتسمية بهما م ًعا مجتمعين، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعي ِن أنه المقصود بذكرهما دون َم ْن سواه من خلقه، مع َما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما. ولم يكن ذلك في لغتها(٣٦) ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ َو َما ال َّر ْح َم ُن أَنَ ْس ُجدُ ِل َما تَأْ ُم ُرنَا﴾ [سورة الفرقان: ٦٠] ، إنكا ًرا منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أ ْو: لا وكأنه لم يتْ ُل من كتاب الله قول الله ﴿الَّ ِذي َن آتَ ْينَاهُ ُم ا ْل ِكتَا َب َي ْع ِرفُونَهُ﴾ - يعني محمدًا - ﴿ َك َما َي ْع ِرفُو َن
وقدأنشدلبعض
َ الجاهلية َالجهلاء:
ألا قَضب الر ْحم ُن ربّي ي ِمينَها(٣٧) ََََََََِِ
َع ِج ْل ت ُ ْم َع ل َ ْي ن َ ا َع ْج ل َ ت َ ْي ن َ ا َع ل َ ْي ك ُ ُم . . . َو َم ا َي َش إ ا ل ر ْح َم ُن َي ْع َّ ِق د ْ َو ُي ْط ِل ِق ( ٩ ٣ )
وقد زعم أي ًضا بع ُض من ض ُعفت معرفتُه بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير، أ ّن "الرحمن" مجازه: ذو الرحمة، و "الرحيم" مجازه: ال ّراحم(٤٠) ، ثم قال: قد يق ِدّرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد، وذلك لاتساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونَديم،َونَدْ َمان يزيدُ الكأ َس ِطي ًبا، .. َسقَ ْي ُت َوقَدْ تَغَ َّو َر ِت النُّ ُجو ُم(٤١)
والرحيم الراحم، وإن كان قد ترك بيان تأويل معن َي ْيهما على صحته. ثم مثّل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين، وص َّح أنها له صفة؛ وأن الراحم هو
أو قد رحم فانقضى ذلك منه،ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة، كالدلالة على أنها له صفة، إذا ُو ِصف بأنه ذو الرحمة. فأين معنى "الرحمن الرحيم" على تأويله، على اسمه الذي هو "الرحمن"،أنيقِدّموااسمه، وهذا هو الواجب في ال ُحكم: أن يكون الاسم مقدَّ ًما قبل نعته و ِصفَته، ليعلم السامع الخب َر، ع َّم ن ا ل خ ب ُر . ف إ ذ ا ك ا ن ذ ل ك ك ذ ل ك - و ك ا َن لله ج َّل ذ ك ر ه أ س م ا ٌء ق د ح َّر م ع ل ى خ ل ق ه أ ن ي ت س َّم و ا ب ه ا ، َخ َّص بها نفسه دونهم، وذلك مث ُل "الله" و "الرحمن" و "الخالق"؛ وأسما ٌء أبا َح لهم أن ُيس ِّم َي بعضهم بع ًضا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدَّم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه، ليعرف السام ُع ذلك َم ْن تَو َّجه إليه الحمد والتمجيدُ، ثم ُيتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره، بعد علم المخاطب أو السامع من تو َّجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني. لا من جهة التس ِّمي به، ولا من جهة المعنى. وذلك أنا قد بينَّا أن معنى "الله" تعالى ذكره المعبود(٤٢) ، ولا معبو َد غي ُره جل جلاله، وأن التس ِّمي به قد ح ّرمه الله ج ل ث ن ا ؤ ه ، و إ ن ق ص د ا ل م ت س ِ ّم ي ب ه م ا ي ق ص د ُ ا ل م ت س ِ ّم ي ب س ع ي د و ه و ش ق ي ، و ب ح َس ن و ه و ق ب ي ح .أَولاتَرىأ ّناللهج ّلجلالهقالفيغيرآيةمنكتابه:﴿أَِإلَهٌ َم َع ِالله﴾فاستكبرذلكمنالمقِّربه، إذ كان قد َمنع أي ًضا
خلقه التسمي به، وإن كان من خ ْلقه من قد يستحق تسميته ببعض معانيه. وذلك أنه قد يجوز و ْصف كثير م ّمن هو دون الله من خلقه، ببعض صفات الرحمة. وغير جائز أن يستحق بع َض الألوهية أحد دونه. فلذلك جاء الرحمن ثان ًيا لاسمه الذي هو "الله".وأما اسمه الذي هو"الرحيم" فقد ذكرنا أنه مما هو جائز و ْصف غيره به. فهذا وجه تقديم اسم الله الذي هو "الله"، واسمه الذي هو "الرحمن" على اسمه الذي هو "الرحيم".٤٣)
أنه من أسماء الله التي َمنَ َع التسم َي بها العبا َد.٤٤)
عن عوف، قال: "الرحمن" اس ٌم ممنوع.٤٥)


النص الأصلي

﴿ ِ ب ۡ س ِ م ٱ ه ِللَّ ٱ ل ه ر ۡ ح َ م ٰ ـ ِ ن ٱ ل ه ر ِ ح ی ِ م ﴾ [ ا ل ف ا ت ح ة ١ ]
القول في تأويل ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾
.القول في تأويل قوله: ﴿ ِب ْس ِم﴾
قال أبو جعفر: إن الله تعالى ذكره وتقدَّست أسماؤه أدّب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقدي َم ذكر أسمائه
الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدَّم إليه في َوصفه بها قبل جميع ُمه َّماته، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلَّمه إياه، منه لجميع خلقه ُسنَّةً يستَنُّون بها ، وسبيلا يتَّبعونه عليها، فبه افتتاح أوائل منطقهم ، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل: "بسم الله"، على من بطن من مراده الذي هو محذوف.
وذلك أن الباء من "بسم الله" مقتضية فعلا يكون لها جال ًبا، ولا فع َل معهْا ظاه ٌر، فأغنت سام َع القائل"بسمالله"معرفتُهبمرادقائله،عنإظهارقائلذلك ُمراَدهقولاإذكانكلناطقبهعند افتتاحه أم ًرا، قد أحض َر منطقُه به -إ ّما معه، وإ ّما قبله بلا ف ْصل- ما قد أغنى سا ِم َعه عن دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح ِقيلَه به . فصار استغنا ُء سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه، نظي َر استغنائه - إذا سمع قائلا قيل له: ما أكلت اليوم؟ فقال: "طعا ًما" - عن أن يك ّرر المسئُو ُل مع قوله "طعا ًما"، أكلت، لما قد ظهر لديه من الدلالة على أن ذلك معناه ، بتقدُّم مسألة السائل إياه عما أكل. فمعقول إذًا أ ّن قول القائل إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم" ثم افتتح تال ًيا سورةً، أن إتباعه "بسم الله الرحمن الرحيم" تلاوةَ السورة، ُينبئ عن معنى قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم" ومفهو ٌم به أنه مريد بذلك: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وكذلك قوله: "بسم الله" عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله، ينبئ عن معنى مراده بقوله "بسم الله"، وأنه أراد ب ِقي ِله "بسم الله"، أقوم باسم الله، وأقعد باسم الله. وكذلك سائر الأفعال.
وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك، هو معنى قول ابن عباس الذي:-
١٣٨ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بش ُر بن ُع َمارة، قال: حدثنا

أبو َرْوق،عنالض ّحاك،عنعبداللهبنعباس،قال:إ َّنأولمانزلبهجبري ُلعلىمحمد،قال: "يا محمد، قُل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم قال: "قل بسم الله الرحمن الرحيم". قال: قال له جبريل: قل بسم الله يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فإن كان تأوي ُل قوله "بسم الله" ما وصف َت، والجال ُب البا َء في "بسمالله"ماذكر َت،فكيفقيل"بسمالله"،بمعنىأقرأباسمالله"،أوأقومأوأقعدباسمالله؟وقد علم َت أن ك َّل قارئ كتا َب الله، فب َع ْون الله وتوفيقه قراءتُه، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلا فبالله قيا ُمه وقعودُه وفعلُه. و َهلا - إذْ كان ذلك كذلك - قيل "بسم الله الرحمن الرحيم" ولم َيقُل "بسم الله"؟ فإن قول القائل: أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم، أو أقرأ بالله - أوض ُح معنى لسامعه من قوله "بسم الله"، إذ كان قوله أقوم "أقوم أو أقعد باسم الله"، يوهم سام َعه أن قيامه وقعوده بمعنى غ ي ِر الله .
قيل له، وبالله التوفيق: إن المقصو َد إليه من معنى ذلك غي ُر ما توهَّمته في نفسك. وإنما معنى قوله "بسم الله": أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء، أو أقرأ بتسميتي َالله، أو أقوم وأقعد بتسميتي َالله وذك ِره - لا أنه يعني ب ِقي ِله "بسم الله": أقوم بالله، أو أقرأ بالله، فيكو َن قو ُل القائل: أقرأ بالله، أو أقوم أو أقعد بالله - أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله "بسم الله".
فإنقال:فإنكانالأمرفيذلكعلىماوصف َت،فكيفقيل:"بسمالله"وقدعلم َتأ ّنالاسماس ٌم، وأن التسمية مصد ٌر من قولك َس َّميت؟
قيل:إنالعر َبقدتخرجالمصادَرمبهمةًعلىأسماءمختلفة،كقولهم:أكرم ُتفلانًاكرامةً،وإنما بنا ُء مصدر "أفعل ُت" - إذا أخرج على فعله - "الإفعا ُل". وكقولهم: أهنت فلانًا َهوانًا، وكلّمته كلا ًما. وبناء مصدر: "ف َّعلت" التفعيل. ومن ذلك قول الشاعر:
أَكُْفًرابعد َرِدّالَمْو ِت َعِنّي...وبعد َع َطاِئ َكالِمئَةَالِّرتَا َعا(
يريد: إعطائك. ومنه قول الآخر:
َوإنكا َنهذاالُب ْخ ُلمْنك َسجيةً...لقدكُْن ُتفي َطوِلي َر َجاء َكأَ ْش َعَبا
يريد: في إطالتي رجاءك. ومنه قول الآخر: أَظُلَْيُمإنُم َصاَبكمَرُجلا...أَْهَدىالّسلاَمتحيَّةًظُْلُم
ْ يريد: إصابتكم. والشواهد في هذا المعنى تكثُ ُر، وفيما ذكرنا كفاية، لمن ُو ِفّق لفهمه.
فإذ كان الأمر - على ما وصفنا، من إخراج العرب مصاد َر الأفعال على غير بناء أفعالها -
كثي ًرا، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودًا فاش ًيا ، فبيّ ٌن بذلك صوا ُب ما قلنا من ِ
التأويل في قول القائل "بسم الله"، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول: أبدأ بتسمية الله، قبل فعلي، أو قبل قولي.
وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن: "بسم الله الرحمن الرحيم"، إنما معناه: أقرأ مبتدئًا بتسمية الله، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله. ف ُج ِعل "الاس ُم" مكان التسمية، كما ُجعل الكلا ُم مكان التكليم، والعطا ُء مكان الإعطاء. وبمثلالذيقلنامنالتأويلفيذلك، ُرِويالخبرعنعبداللهبنعباس.
١٣٩ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن ُع َمارة، قال: حدثنا أبو َر ْوق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: أ ّول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم"، ثم قال: "قل: بسم الله الرحمن الرحيم". قال ابن عباس: "بسم الله"، يقول له جبري ُل: يا محمد، اقرأ بذكر الله ربّك، وقم واقعد بذكر الله.
ِ
وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا - من أنه يراد بقول القائل مفتت ًحا قراءته: "بسم
الله الرحمن الرحيم": أقرأ بتسمية الله وذكره، وأفتتح القراءة بتسمية الله، بأسمائه الحسنى وصفاته ال ُعلَى - ويوضح فُسا َد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله: بالله الرحمن الرحيم أ ّو ِل ك ِّل شيء ، مع أن العباد إنما أ ِمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمو ِرهم بتسمية الله، لا بالخبر عن عظمته وصفاته، كالذي أ ِمروا به من التسمية على الذبائح وال َّصيد، وعند ال َمطعم وال َمشرب، وسائر أفعالهم. وكذلك الذي أ ِمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله، وصدور رسائلهم وكتبهم.

ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمة، أن قائلا لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام) "بالله"، ولم يقل "بسم الله"، أنه مخالف - بتركه ِقي َل: "بسم الله" ما ُس َّن له عند التذكية من القول. وقد ُعلم بذلك أنه لم ُي ِردْ بقوله "بسم الله" "بالله"، كما قال الزاعم أن اس َم الله في قول الله: "بسم الله الرحمن الرحيم" هو الله. لأن ذلك لو كان كما زعم، لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحتَه "بالله"، قائلا ما ُس َّن له من القول على الذبيحة. وفي إجماع الجميع على أ ّن قائ َل ذلك تارك ما ُس َّن له من القول على ذبيحته - إذْ لم يقل "بسم الله" - دلي ٌل واضح على فساد ما ادَّعى من التأويل في قول القائل: "بسم الله"، أنه مراد به "بالله"، وأن اسم الله هو الله.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم: أهُ َو المسمى، أ ْم غي ُره، أم هو صفة له؟ فنطيل الكتاب به، وإنما هذا موضع من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى الله: أهو اس ٌم، أم مصدر بمعنى التسمية ؟ فإن قال قائل: فما أنت قائ ٌل في بيت لبيد بن ربيعة:
إلَىال َحْو ِل،ثما ْس ُمال َّسلامعليكُ َما،...ومن َيْب ِك َحْولاكاملافَقَداعتَذَ ْر فقدتأوله ُمقدَّمفيالعلمبلغةالعرب،أنهمعنيبه:ثمالسلامعليكما،وأناسَمالسلامهوالسلام؟ قيلله:لوجازذلكوصحتأويلهفيهعلىماتأّول،لجازأنيقال:رأي ُتاسمزيد،وأكل ُتاسَم الطعام، وشرب ُت اس َم الشراب؛ وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأول قول لبيد: "ث ّم اسم السلام عليكما"، أنه أرْاد: ثم السلام عليكما، وا ِدّعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافتَه إلى السلام إنما جاز، إذ كان اسم المس َّمى هو المس َّمى بعينه.
و ُيسأل القائلون قو َل من حكينا قولَه هذا، فيقال لهم: أتستجيزون في العربية أن يقال: "أكل ُت اس َم العسل"، يعني بذلك: أكلت العسل، كما جاز عندكم: اسم السلام عليك، وأنتم تريدون: السلا ُم
عليك؟ ّ
فإن قالوا: نعم! خرجوا من لسان العرب، وأجازوا في لغتها ما تخ ِطئُه جميع العرب في لغتها.
وإن قالوا: لا سئلوا الفر َق بينهما: فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله. فإن قال لنا قائل: فما معنى قول لبيد هذا عندك؟
قيل له: يحتمل ذلك وجهين، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله.
أحدُهما: أن "السلام" اس ٌم من أسماء الله، فجائز أن يكون لبيد عنَى بقوله: "ثم اسم السلام
عليكما"،ْ ثم الزما اس َم الله وذك َره بعد ذلك، َو َد َعا ذكري والبكا َء عل ّي؛ على وجه الإغراء. فرف َع الاسم، إذ أ ّخر الحر َف الذي يأتي بمعنى الإغراء.(١٧) وقد تف َع ُل العرب ذلك، إذا أ ّخرت الإغراء وقدمت ال ُم ْغ َ َرى به، وإن كانت قد تنص ُب به وهو مؤ َّخر. ومن ذلك قول الشاعر: َيا أيُّها المائ ُح َدل ِوي دُونَكا! ... إني رأي ُت النَّاس َي ْحمدُونَكا!(١٨)
فأغ َرى ب "دونك"، وهي مؤخرة، وإنما معناه: دونَك دلوي. فذلك قول لبيد: * إلى الح ْو ِل، ث هم اسُمال هسلاُم َعلَْیكَُما*
يعني: عليكما اس َم السلام، أي: الزما ذكر الله ودعا ذكري والوج َد بي، لأن من بكى َح ْولا على امرئ ميّت فقد اعتذر. فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر منهما: ثم تسميتي َالله عليكما، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه: "اسم الله عليك" يعوذه بذلك من السوء، فكأنه قال: ثم اسم الله عليكما من السوء، وكأ ّن الوجه الأول أشبه المعنيين
ِّ ُ بقول لبيد.(١٩)
ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أ ّن معناه: ثم السلام عليكما، أت َرى ما قلنا - من هذين الوجهين -
جائ ًزا، أو أحدهما، أو غي َر ما قل َت فيه؟ فإنقال:لا!أبانمقداَرهمنالعلمبتصاريف ُوجوهَكلامالعرب،وأغنىخصمهعنمناظرته.
وإنقال: َبلى! ُ
قيلله:فمابرهانكعلىصحةماادَّعيتمنالتأويلأنهالصوا ُب،دونالذيذكر َتأنهمحتمله



  • من الوجه الذي يلزمنا تسلميه لك؟ ولا سبيل إلى ذلك.
    وأما الخبر الذي:-
    ١٤٠ - حدثنا به إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك [وهو يلقب

    بزبريق]قال:حدثناإسماعيلبنعياش،عنإسماعيلبنيحيى،عنابنأبي ُمليكة،عمنحدثه، عن ابن مسعود - و ِم ْس َع ِر بن ِك َدام، عن عطية، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عيسى ابن مريم أسلمته أ ُّمه إلى الكتَّاب ليع ِلّمه، فقال له المعلم: اكتب "بسم" فقال له عيسى: وما "بسم"؟ فقال له المعلم: ما أدري! فقال عيسى: الباء بها ُء الله، والسين: سناؤه، والميم: مملكته.(٢٠) ف أ خ ش ى أ ْن ي ك و ن غ ل ًط ا م ن ا ل م ح ِد ّ ث ، و أ ن ي ك و ن أ ر ا د [ ب س م ] ، ع ل ى س ب ي ل م ا ي ع ل َّ م ا ل م ب ت د ئ م ن الصبيان في الكتّاب حروف أبي جاد، فغلط بذلك، فو َصله، فقال: "بسم"، لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تُلي "بسم الله الرحمن الرحيم"، على ما يتلوه القارئ في كتاب الله، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها، إذا ُح ِمل تأويله على ذلك.
    .القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿ َّاللَّ﴾ ِ
    قال أبو جعفر: وأما تأويل قول الله تعالى ذكره "الله"، فإنه على معنى ما ُروي لنا عن عبد الله بن عباس-: هو الذي َيألَهه كل شيء، ويعبده كل خ ْلق.
    ١٤١ - وذلك أ ّن أبا كريب حدثنا، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن ُع َمارة، قال: حدثنا أبو َر ْوق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: "الله" ذو الألوهية وال َم ْعبودية على خلقه أجمعين.(٢١)
    فإن قال لنا قائل: فهل لذلك في "فعل ويفعل" أصل كان منه بنا ُء هذا الاسم؟
    قيل: أ ّما سما ًعا من العرب فلا ولكن استدلالا.
    فإن قال: وما د ّل على أن الألوهية هي العبادة، وأ ّن الإله هو المعبود، وأ ّن له أصلا في "فعل ويفعل".
    قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل(٢٢) - يصف رجلا بعبادة، وبطلب مما عند الله جل ذكره: "تألَّه فلان" - بالصحة ولا خلاف. ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج:
    ِلله َد ُّر الغا ِنيات ال ُمدَّ ِه(٢٣) َسبَّ ْح َن وا ْستَ ْر َج ْع َن ِمن تَأَلُّ ِهي
    يعني: من تعبدي وطلبي َالله بعملي.
    ولا شك أ ّن "التألُّه"، التف ُّعل من: "ألَه يأله"، وأن معنى "أله" - إذا نُطق به:- َع َب َد َالله. وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل" يغير زيادة.
    ١٤٢ - وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع، قال حدثنا أبي، عن نافع بن ُعمر، عن َعمرو بن دينار، عن ابن عباس: أنه قرأ ﴿ َو َيذَ َر َك وإلا َهتَ َك﴾ [سورة الأعراف: ١٢٧] قال: عبادتَك، ويقال: إنه كان ُيع َبد ولا َيع ُبد.
    ١٤٣ - حدثنا سفيان، قال: حدثنا ابن ُعيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن ابن عباس: ﴿ َو َيذَ َر َك َوإلا َهتَك﴾ ، قال: إنما كان فرعو ُن ُيع َبد ولا َيع ُبد(٢٤)
    وكذلك كان عبدُ الله يقرؤها ومجاهد.
    ١٤٤ - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: أخبرني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: قوله "ويذ َر َك وإلاهتك" قال: وعبادتَك(٢٥) ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصد ٌر من قول القائل: ألَه َالله فلا ٌن إلاهةً، كما يقال: َع َبد الله فلا ٌن عبادةً، و َع َب َر الرؤيا عبارةً. فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا: أ ّن "أله" َعبد، وأن "الإلاهة" مصد ُره.
    فإن قال: فإن كان جائ ًزا أن يقال لمن عبد الله: ألهه - على تأويل قول ابن عباس ومجاهد - فكيف الواج ُب في ذلك أن يقال، إذا أراد المخبر الخب َر عن استيجاب الله ذلك على َع ْبده؟ قيل: أما الروايةُ فلا رواية فيه عندنا، ولكن الواجب - على قياس ما جاء به الخب ُر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:- ١٤٥ - حدثنا به إسماعيل بن الفضل، حدثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ُمليكة، عمن حدثه عن ابن مسعود - و ِم ْس َعر بن ِك َدام، عن عطية ال َع ْوفي، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إ ّن عيسى أسل َمتْه أمه إلى الكتّاب ليعلّمه
    ."فقال له المعلم اكتب "الله" فقال له عيسى: "أتدري ما الله؟ الله إلهُ الآلهة(٢٦)

  • أن يقال(٢٧) ، الله جل جلاله ألَ َه العب َد، والعبدُ ألَ َهه. وأ ْن يكون قو ُل القائل "الله" - من كلام العرب أصله "الإله".

    فإن قال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، مع اختلاف لفظيهما؟
    قيل: كما جاز أن يكون قوله: ﴿ل ِك َّن هُو اللهُ ربّي﴾ [سورة الكهف: ٣٨] أصله: لكن أنا، هو الله
    ربي، كما قال الشاعر:
    َوتَ ْر ِمينَ ِني بال َّط ْرف، أَ ْي أَن َت ُمذْن ٌب ... وتَ ْقلينَني، ل ِك َّن إيا ِك لا أَ ْق ِلي(٢٨)
    يريد: لكن أنا إياك لا أقلي، فحذَف الهمزة من "أنا" فالتقت نون "أنا" "ونون "لك ْن" وهي ساكنة، فأدغمت في نون "أنا" فصارتا نونًا مشددة. فكذلك "الله" أصله "الإله"، أسقطت الهمزةُ التي هي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين الاسم، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة، فأدغمت في الأخرى التي هي عين الاسم، فصارتا في اللفظ لا ًما واحدة مشددة، كما
    .وصفنا من قول الله ﴿لك َّن ه َو الله َربي﴾
    .القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿ال َّر ْح َم ِن ال َّر ِحي ِم﴾ قالأبوجعفر:وأما"الرحمن"،فهوفَعلان،من َرحم،و"الرحيم"فعيلمنه.والعربكثيًراما
    تبني الأسماء من "فَ ِعل ي ْف َعل" على "فعلان"، كقولهم من َغ ِضب: َغضبان، ومن َسكر: سكران، ومن َعطش: عطشان. فكذلك قولهم " َرحمن" من َر ِح َم، لأن "ف ِع َل" منه: َرحم ي ْرحم. وقيل "رحيم"، وإن كانت َعين "ف ِعل" منها مكسورة، لأنه مدح. ومن شأن العرب أن يحملوا أبنية
    الأسماء - إذا كان فيها مدح أو ذم - على "فعيل"، وإن كانت عين "فعل" منها مكسورةً أو مفتوحةً، كما قالوا من "علم" عالم وعليم، ومن "ق َدر" قادر وقدير. وليس ذلك منها بناء على أفعالها، لأن البناء من "فَ ِعل ي ْف َعل" و "ف َعل يف ِعل" فاع ٌل. فلو كان "الرحمن والرحيم" خارجين عن بناء أفعالهما لكانت صورتهما "الراحم".
    فإن قال قائل: فإذا كان الرحمن والرحيم اسمين مشتقين من الرحمة، فما وجهُ تكرير ذلك، وأحدهما مؤدّ عن معنى الآخر؟ قيلله:ليسالأمرفيذلكعلىماظنن َت،بللكلكلمةمنهمامعنىلاتؤديالأخرىمنهما عنها.
    فإن قال: وما المعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما، فصارت إحداهما غير مؤدية المعنى عن الأخرى؟
    قيل: أما من جهة العربية، فلا تَمانُع(٢٩) بين أهل المعرفة بلغات العرب، أ ّن قول القائل:
    "الرحمن" - عن أبنية الأسماء من "فَ ِعل يف َعل" - أشدُّ عدولا من قوله "ال ّرحيم". ولا خلاف مع ذلكبينهم،أ ّنكلاسمكانلهأصلفي"فَِع َليف َعل"-ثمكانعنأصلهمن"فَِعليف َع ُل"أشد عدولا - أ ّن الموصوف به مف َّضل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من "فَ ِعل يف َعل"، إذا كانت التسمية به مد ًحا أو ذ ًّما. فهذا ما في قول القائل "الرحمن"، من زيادة المعنى على قوله "الرحيم" في اللغة.
    وأما من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التأويل اختلاف:-
    ١٤٦ - فحدثني السري بن يحيى التميمي، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت ال َع ْر َزمي يقول: "الرحمن الرحيم"، قال: الرحمن بجميع الخلق، ال ّرحيم، قال: بالمؤمنين.(٣٠) ١٤٧ - حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي ُمليكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام، عن عطية ال َعوفي، عن أبي سعيد - يعني الخدر ّي - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إ ّن عيسى ابن مريم قال: الرحمن َرحم ُن الآخرة والدنيا، والرحيم رحي ُم الآخرة".(٣١)
    فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو "رحمن"، وتسميته باسمه الذي هو "رحيم"، واختلاف معنى الكلمتين - وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فد ّل أحدهما على أ ّن ذلك في الدنيا، ود ّل الآخر على أنه في الآخرة.
    فإن قال: فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة؟ قيل: لجميعهما عندنا في الصحة مخرج، فلا وجه لقول قائل: أيُّهما أولى بالصحة؟ وذلك أ ّن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن، دون الذي في تسميته بالرحيم: هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جمي َع خلقه، وأنه بالتسمية
    ََِ

    بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بع َض خلقه، إما في كل الأحوال، وإما في بعض الأحوال.
    فلا شك - إذا كان ذلك كذلك - أ ّن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه،
    في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جمي ًعا.
    فإذا كان صحي ًحا ما قلنا من ذلك - وكان الله جل ثناؤه قد خ ّص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما
    لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته، والإيمان به وبرسله، واتباع أمره واجتناب معاصيه، مما ُخ ِذل
    عنه من أشرك به، وكفر وخالف ما أمره به، وركب معاص َيه؛ وكان مع ذلك قد جع َل، َج َّل ثناؤه،
    ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين، لمن آمن به، وصدّق رسله،
    وعمل بطاعته، خال ًصا، دون من أشرك وكفر به -(٣٢) كان بيّنًا إن الله قد خص المؤمنين من ِ
    رحمته في الدنيا والآخرة، مع ما قد ع َّمهم به والكفا َر في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم، في ال َب ْسط في الرزق، وتسخير السحاب بالغَ ْي ِث، وإخراج النبات من الأرض، وصحة الأجسام والعقول، وسائر النعم التي لا تُحصى، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون. فربُّنا جل ثناؤه رحم ُن جميع خلقه في الدنيا والآخرة، ورحي ُم المؤمنين خاصةً في الدنيا والآخرة. فأما الذي ع ّم جمي َعهم به في الدنيا من رحمته فكان َرحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه، كما قال جل ثناؤه: ﴿ َو ِإ ْن تَ ُعدُّوا ِن ْع َمةَ الله لا تُ ْح ُصو َها﴾ [سورة إبراهيم: ٣٤، وسورة النحل: ١٨] .
    وأما في الآخرة، فالذي ع ّم جميعهم به فيها من رحمته، فكان لهم رحمانًا، تسويته بين جميعهم جل ذك ُره في َعدله وقضائه، فلا يظلم أحدًا منهم ِمثْقال ذَ ّرة، وإن تَ ُك حسنةً ُيضاعفها و ُيؤ ِت من لَدُ ْنهُ أج ًرا عظيما، وتُوفَّى كُ ُّل نَ ْفس ما َك َس َب ْت. فذلك معنى عمومه في الآخرة جمي َعهم برحمته، الذي كان به رحمانًا في الآخرة.
    وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته، الذي كان به رحيما لهم فيها، كما قال جل ذكره: ﴿ َو َكا َن ِبا ْل ُم ْؤ ِم ِني َن َر ِحي ًما﴾ [سورة الأحزاب: ٤٣] فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم، فخ ّصهم به، دو َن من خذَله من أهل الكفر به.
    وأ َّما ما خ ّصهم به في الآخرة، فكان به رحيما لهم دون الكافرين، فما وصفنا آنفًا مما أعدَّ لهم دون غيرهم من النعيم، والكرامة التي تقص ُر عنها الأمان ّي.
    وأما القول الآخر في تأويله فهو ما:-
    ١٤٨ - حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو َر ْوق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: الرحمن، الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب. قال: ال ّرحمن الرحيم: الرقي ُق الرفي ُق بمن أح َّب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنُف عليه.(٣٣) وكذلك أسماؤه كلها.
    وهذا التأويل من ابن عباس، يدل على أن الذي به ربُّنا رحمن، هو الذي به رحيم، وإن كان لقوله "الرحمن" من المعنى، ما ليس لقوله "الرحيم". لأنه جعل معنى "الرحمن" بمعنى الرقيق على من ر َّق عليه، ومعنى "الرحيم" بمعنى الرفيق بمن رفق به.
    والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن الع ْر َزمي(٣٤) ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي رويناه عن ابن عباس. وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم، وأن للرحيم تأويلا غي َر تأويل الرحمن.
    والقول الثالث في تأويل ذلك ما:-
    ١٤٩ - حدثني به عمران بن َب َّكار الكلاعي، قال: حدثنا يحيى بن صالح، قال: حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللَّخمي من أه ِل فلَ ْسطين، قال: سمعت عطاء الخراساني يقول: كان الرحمن، فلما اختز َل الرحمن من اسمه كان الرحم َن الرحي َم.(٣٥)
    والذي أراد، إن شاء الله، عطا ٌء بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتس َّمى بها أحد من َخ ْل ِقه، فلما تس َّمى به الكذا ُب مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله ج ّل ثناؤه أن اسمه "الرحم ُن الرحي ُم" ليف ِصل بذلك لعباده اس َمهُ من اسم من قد تس َّمى بأسمائه، إذ كان لا يس َّمى أحد "الرحمن الرحيم"، فيجمع له هذان الاسمان، غيره ج ّل ذكره. وإنما

    ي ت س َّ م ى ب ع ُض َ خ ْ ل ق ه إ م ا ر ح ي م ا ، أ و ي ت س َّ م ى َ ر ح م ن . ف أ م ا " ر ح م ن ر ح ي م " ، ف ل م ي ج ت م ع ا ق ّ ط لأ ح د س و ا ُ ه ، ولا يجمعان لأحد غيره. فكأ ّن معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَ َصل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خل ِقه، اختلف معناهما أو اتفقا.
    والذي قال عطا ٌء من ذلًك غي ُر فاسد المعنى، بل جائز أن يكون ج ّل ثناؤه خ ّص نفسه بالتسمية بهما م ًعا مجتمعين، إبانة لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعي ِن أنه المقصود بذكرهما دون َم ْن سواه من خلقه، مع َما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما. وقد زعم بع ُض أهل الغَباء أ ّن العرب كانت لا تعرف "الرحمن"، ولم يكن ذلك في لغتها(٣٦) ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ َو َما ال َّر ْح َم ُن أَنَ ْس ُجدُ ِل َما تَأْ ُم ُرنَا﴾ [سورة الفرقان: ٦٠] ، إنكا ًرا منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أ ْو: لا وكأنه لم يتْ ُل من كتاب الله قول الله ﴿الَّ ِذي َن آتَ ْينَاهُ ُم ا ْل ِكتَا َب َي ْع ِرفُونَهُ﴾ - يعني محمدًا - ﴿ َك َما َي ْع ِرفُو َن
    أَ ْبنَا َءهُ ْم﴾ [سورة البقرة: ١٤٦] وهم مع ذلك به مك ِذّبون، ولنبوته جاحدون! ف َيعل َم بذلك أنهم قد كانوايدافعونحقيقةَماقدثبتعندهمصحتُه،واستحكم ْتلديهممعرفتُه.وقدأنشدلبعض
    َ الجاهلية َالجهلاء:
    ألا ضرب ْت تل َك الفتاةُ َهجينَها ... ألا قَضب الر ْحم ُن ربّي ي ِمينَها(٣٧) ََََََََِِ
    وقال سلامة بن َجندل ال َّس ْعدي:(٣٨)
    َع ِج ْل ت ُ ْم َع ل َ ْي ن َ ا َع ْج ل َ ت َ ْي ن َ ا َع ل َ ْي ك ُ ُم . . . َو َم ا َي َش إ ا ل ر ْح َم ُن َي ْع َّ ِق د ْ َو ُي ْط ِل ِق ( ٩ ٣ )
    وقد زعم أي ًضا بع ُض من ض ُعفت معرفتُه بتأويل أهل التأويل، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير، أ ّن "الرحمن" مجازه: ذو الرحمة، و "الرحيم" مجازه: ال ّراحم(٤٠) ، ثم قال: قد يق ِدّرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد، وذلك لاتساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونَديم، ثم استشهد ببي ِت ُب ْرج بن ُم ْس ِهر الطائي:
    َونَدْ َمان يزيدُ الكأ َس ِطي ًبا، ... َسقَ ْي ُت َوقَدْ تَغَ َّو َر ِت النُّ ُجو ُم(٤١)
    واستشهد بأبيات نظائره في النَّديم والنَّدمان، ففرق بين معنى الرحمن والرحيم في التأويل لقوله: الرحمن َّذو الرحمة، والرحيم الراحم، وإن كان قد ترك بيان تأويل معن َي ْيهما على صحته. ثم مثّل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين، فجعله مثال ما هو بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ.
    ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثَبت أن له الرحمة، وص َّح أنها له صفة؛ وأن الراحم هو
    الموصوف بأنه سيرحم، أو قد رحم فانقضى ذلك منه، أو هو فيه.
    ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة، كالدلالة على أنها له صفة، إذا ُو ِصف بأنه ذو الرحمة. فأين معنى "الرحمن الرحيم" على تأويله، من معنى الكلمتين يأتيان مقدَّرتين من لفظ واحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني؟ ولكن القول إذا كان غير أصل معتمد عليه، كان واض ًحا عوا ُره. وإن قال لنا قائل: ولم قدّم اس َم الله الذي هو "الله"، على اسمه الذي هو "الرحمن"، واسمه الذي هو "الرحمن"، على اسمه الذي هو "الرحيم"؟ قيل:لأنمنشأنالعرب،إذاأرادواالخبرعن ُمخَبرعنه،أنيقِدّموااسمه،ثميتبعوهصفاِته ونعوتَه. وهذا هو الواجب في ال ُحكم: أن يكون الاسم مقدَّ ًما قبل نعته و ِصفَته، ليعلم السامع الخب َر، ع َّم ن ا ل خ ب ُر . ف إ ذ ا ك ا ن ذ ل ك ك ذ ل ك - و ك ا َن لله ج َّل ذ ك ر ه أ س م ا ٌء ق د ح َّر م ع ل ى خ ل ق ه أ ن ي ت س َّم و ا ب ه ا ، َخ َّص بها نفسه دونهم، وذلك مث ُل "الله" و "الرحمن" و "الخالق"؛ وأسما ٌء أبا َح لهم أن ُيس ِّم َي بعضهم بع ًضا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدَّم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه، ليعرف السام ُع ذلك َم ْن تَو َّجه إليه الحمد والتمجيدُ، ثم ُيتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره، بعد علم المخاطب أو السامع من تو َّجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني. فبدأ الله جل ذكره باسمه الذي هو "الله"، لأن الألوهية ليست لغيره ج ّل ثناؤه من وجه من الوجوه، لا من جهة التس ِّمي به، ولا من جهة المعنى. وذلك أنا قد بينَّا أن معنى "الله" تعالى ذكره المعبود(٤٢) ، ولا معبو َد غي ُره جل جلاله، وأن التس ِّمي به قد ح ّرمه الله ج ل ث ن ا ؤ ه ، و إ ن ق ص د ا ل م ت س ِ ّم ي ب ه م ا ي ق ص د ُ ا ل م ت س ِ ّم ي ب س ع ي د و ه و ش ق ي ، و ب ح َس ن و ه و ق ب ي ح .

    أَولاتَرىأ ّناللهج ّلجلالهقالفيغيرآيةمنكتابه:﴿أَِإلَهٌ َم َع ِالله﴾فاستكبرذلكمنالمقِّربه، وقال تعالى في ُخصوصه نَفسه بالله وبالرحمن: ﴿قُل ادْ ُعوا َّاللَّ أَو ادْ ُعوا ال َّر ْحم َن أَيًّا ما تَدْ ُعوا فَلَهُ
    َََََِِْ الأ ْس َما ُء ال ُح ْسنَى﴾ [سورة الإسراء: ١١٠] . ثم ثنَّى باسمه، الذي هو الرحمن، إذ كان قد َمنع أي ًضا
    خلقه التسمي به، وإن كان من خ ْلقه من قد يستحق تسميته ببعض معانيه. وذلك أنه قد يجوز و ْصف كثير م ّمن هو دون الله من خلقه، ببعض صفات الرحمة. وغير جائز أن يستحق بع َض الألوهية أحد دونه. فلذلك جاء الرحمن ثان ًيا لاسمه الذي هو "الله".
    وأما اسمه الذي هو"الرحيم" فقد ذكرنا أنه مما هو جائز و ْصف غيره به. والرحمة من صفاته جل ذكره، فكان - إذ كان الأم ُر على ما وصفنا - واق ًعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي ه ّن تواب ُعها، بعد تقدم الأسماء عليها. فهذا وجه تقديم اسم الله الذي هو "الله"، على اسمه الذي هو "الرحمن"، واسمه الذي هو "الرحمن" على اسمه الذي هو "الرحيم".(٤٣)
    وقد كان الحس ُن البصر ّي يقول في "الرحمن" مثل ما قلنا، أنه من أسماء الله التي َمنَ َع التسم َي بها العبا َد.(٤٤)
    ١٥٠ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، عن عوف، عن الحسن، قال: "الرحمن" اس ٌم ممنوع.(٤٥)
    مع أن في إجماع الأمة من منع التس ِّمي به جمي َع الناس، ما ُيغني عن الاستشهاد على صحة ما قلنا
    في ذلك بقول الحسن وغيره


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

You should have...

You should have asked about this creature before you joked with him. I assure you, you will not do i...

As part of my c...

As part of my career, I would like to engage in applied research projects aimed at solving the compl...

تعريف الخلافة ا...

تعريف الخلافة الفاطمية الخلافة الفاطمية أو الإمبراطورية الفاطمية ( ) fetimid / : العربية : الْخِلَا...

تشهد المجتمعات ...

تشهد المجتمعات الحالية ومنذ ظهور وانتشار العولمة فترات عصيبة نتيجة للمتغيرات الاجتماعية والثقافية ال...

في ليلة مظلمة و...

في ليلة مظلمة وعاصفة، كان هناك منزل قديم يقف وحيدًا على تلة مهجورة. كان الناس يتجنبون المرور بجانبه ...

Since the adven...

Since the advent of the industrial revolution, practitioners have strived to find innovative ways to...

Hope means that...

Hope means that we should never give up when we want to reach our goals and our ambitions. My story ...

Adam Smith sat ...

Adam Smith sat on the edge of the narrow beda looked through the bars of his cell. 1 no one believe ...

من خلال دراستنا...

من خلال دراستنا واطلاعنا على موضوع العلاقات الإنسانية وتأثيره على الرضا الوظيفي لدى العاملين بالإقام...

حماية البيانات ...

حماية البيانات الشخصية للمستهلكين، أدخلت إرشادات حماية البيانات من سامسونج وتعمل سياسات محلية تعكس ا...

1. ALLOWS FOR A...

1. ALLOWS FOR A COMPREHENSIVE EVALUATION Portfolio assessment allows for a comprehensive evaluation ...

. Incubate at 5...

. Incubate at 55-60 C for 10 minute. For long –term storage, store the purified RNA at -70C. Collect...