لخّصلي

أولاً : الدبلوماسية الحديثة تتصف الدبلوماسية بالحركة والتطور لكى تكون قادرة على التكيف وتلبية متطلبات واحتياجات العصر ومواكبة الظروف المتغيرة والمستجدة ، ولا شك انه كان للتطورات الكثيرة والمتتابعة التي حدثت منذ توقيع معاهدة فيينا عام ١٨١٥ أكبر الأثر على مسيرة الدبلوماسية وتطورها سواء من حيث الوظائف والاهتمامات أو من حيث الأساليب والمراسم والبروتوكول . وإذا كان هناك اختلاف بين المهتمين في دراسة الدبلوماسية من حيث تقسيمها إلى مراحل مختلفة فإنه يمكن القول أن مؤتمر فيينا عام ۱۸۱٥ يشكل بداية الدبلوماسية الحديثة ، وأن عام ١٩١٩ وهو نهاية الحرب العالمية الأولى وانعقاد مؤتمر الصلح في باريس يعتبر بداية الدبلوماسية المعاصرة وذلك لظهور الدبلوماسية العلنية والمفتوحة بقيام عصبة الأمم وتقدم وسائل الاتصال وازدياد أهمية الرأي العام ، وما تبع ذلك من أحداث وتطورات أدت إلى ظهور هيئة الأمم المتحدة بأجهزتها ووكالاتها المتخصصة (1) . ويمكن القول أن التطور نحو الدبلوماسية الحديثة اتخذ مظهرين رئيسين من ناحية الأسلوب ومن ناحية الممارسة ، فمن ناحية الأسلوب فإن أهم ما أثر على الدبلوماسية هو تقلص المسافات والحدود بين الدول والتقدم الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات وتداول المعلومات والأخبار خلال القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر ، فقد سهلت هذه الوسائل عملية اتصال المبعوثين الدبلوماسيين بالمسؤولين في بلادهم وإرسال التقارير والمعلومات بسرعة قد لا تتجاوز بضعة دقائق. كما أصبح بإمكان حكومات المبعوثين الاتصال بهم وتزويدهم بتعليماتها وتوجيهاتها بمجرد حصولها على المعلومات أولاً بأول عن طريق البرقيات والفاكس والبريد الإلكتروني. وأصبح بمقدور المبعوث الدبلوماسي السفر والتنقل إلى مكان عمله أو أي مكان أخر تقتضيه طبيعة العمل في وقت لا يتجاوز بضع ساعات بفضل وسائل النقل الحديثة وما أصابها من تقدم وتطور في العقود الأخيرة (٢) . كما أصبح من الممكن عقد مؤتمرات وحوارات عبر الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية وتيسر للمفاوضين وهم على طاولة المفاوضات إمكانية الاتصال بحكومات بلادهم والحصول على التوجيهات من صناع القرار في عواصمهم (۳) . أما من ناحية الممارسة فقد كان لظهور الديمقراطية وأنظمة الحكم الليبرالية وزوال أنظمة الحكم المطلق في كثير من الدول ، وتعزيز المشاركة الشعبية ومنح ممثلي الشعب في المجالس النيابية المنتخبة تأثير بارز على الدبلوماسية بعد أن كان المبعوث الدبلوماسي يمثل شخص الملك أو الحاكم ويسعى لتحقيق رغباته ومصالحة بكل سرية وكتمان . وكانت إدارة العلاقات الدولية بشكل عام تستند إلى نخبة مختارة تتفاوض وتقرر سياسات بلادها وعلاقاتها مع الدول الأخرى. ولكن بعد أن ظهرت الديمقراطية الحديثة أخذت الشعوب تتمتع بدور مؤثر في صنع السياسات والتأثير عليها عن طريق الممثلين والأحزاب خاصة ، وإن حزب الأغلبية في الدول الديمقراطية هو الذي يقوم عادة بتشكيل الحكومة أو الوزارة ومن بينها وزير الخارجية الذي يرأس الجهاز الدبلوماسي في بلاده ويكون مسؤولاً أمام البرلمان . وهكذا أصبح المبعوثون الدبلوماسيون يمثلون دولهم ومصالحها القومية وانتقلت الدبلوماسية من أسلوب الدبلوماسية الشخصية إلى دبلوماسية تمثيل السلطة القائمة على السيادة الفعلية بعد أن أصبحت الحكومة مسؤولة عن جميع تصرفاتها أمام البرلمان ، وذهب العصر الذي كان يسود فيه الخلط بين الدولة والملك أو الحاكم (٤) . ونتيجة لذلك أخذ دور الرأي العام يزداد في التأثير على الدبلوماسية وأدى ذلك إلى مقاومة السرية التي كانت صفة ملاصقة للدبلوماسية ، وكثر الحديث عن الدبلوماسية العلنية والمفتوحة وارتبط ذلك بظهور المنظمات الدولية إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى التي تركت انعكاسات ونتائج واضحة فتحت عهداً جديداً في تطور الدبلوماسية . ومع التطور الذي شهدته العلاقات الدولية ، ظهرت الدعوة إلى اعتماد أسلوب جديد في التفاوض من أجل العمل على توطيد دعائم السلم والأمنالدوليين ، والإقلاع عن سياسة المعاهدات والاتفاقات السرية ، وهكذا لم يكن من الغريب أن يدعو الرئيس الأمريكي ودرو ولسون في أوائل القرن العشرين إلى الدبلوماسية العلنية في برنامجه للسلام الدولي الدائم الذي يتكون من أربع عشرة نقطة ، بحيث يجب أن لا يشهد المستقبل إلا دبلوماسية علنية (٥) . وجاء كذلك في ديباجة عهد عصبة الأمم رغبتنا وإرادتنا في أن تكون إجراءات السلام علنية ، ولا نسمح بأي تفاهم سري من أي نوع ، وقد انتهى عهد الفتح والتوسع وعقد الاتفاقات السرية وقررت المادة ۱۸ من العهد ضرورة تسجيل كل معاهدة أو التزام دولي قامت بعقده أية دولة عضو في عصبة الأمم ، وأن تقوم أمانة العصبة بنشر هذا الالتزام الدولي وإلا أصبح الاحتجاج به غير ملزم . وأدى ذلك التوجه إلى انفتاح الدبلوماسية وخضوعها لتقدير الرأي العام والانتقال من الدبلوماسية السرية إلى الدبلوماسيةالعلنية وتجدر الإشارة إلى أن الدعوة إلى الدبلوماسية العلنية والمفتوحة ونبذ المعاهدات السرية لم تعن الإقلاع بشكل نهائي عن أسلوب المفاوضات السرية ، ويبرر ذلك على أنه من غير المعقول أن تدور جميع مراحل المفاوضات تحت سمع وبصر الرأي العام ، لأن ذلك لا يخدم العلاقات الدولية ، بل على العكس يمكن أن يحول دون تلاقي وجهات النظر بين الدول حول الكثير من قضايا العلاقات الدولية . وعلى أساس ذلك فإن سرية المفاوضات قد تكون ضرورية خلال المراحل التي تسبق الوصول إلى النتائج النهائية للمفاوضات الدبلوماسية ، ومن هنا فإن المقصود بالدبلوماسية العلنية ينصرف في جوهره إلى التخلص من المعاهدات السرية والإعلان عنها بعد أن . الاتفاق والتوقيع علية (٦) . بعد أن يتم الوصول إلى ومن هذا المنطلق فإن الدبلوماسية السرية لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي ، وقد حصلت اختراقات لمبدأ الدبلوماسية العلنية والمفتوحة واستمر أسلوب المفاوضات السري ، وهذا ما حصل في مؤتمر باريس للعام ۱۹۱۹ - ۱۹۲۰ ، إذ دخل ولسون في مؤتمر باريس مع حلفائه في مفاوضات سرية ، وكذلك حصل في مؤتمر لاهاي عام ١٩٢٢ أن استخدمت الدبلوماسية السرية ، كما يظهر ذلك أيضاً من إجراء الحكومة السوفييتية بعض المفاوضات السرية عام ۱۹۲۲ في مؤتمر جنوا ، حيث يقول عز الدين فوده بان مفاوضات السوفيات العقد معاهدة رابللو Rapallo في نيسان عام ۱۹۲۲ كانت تدور في غرفة نوم بأحد الفنادق زيادة في الحرص والحيطة في ذيوع أسرار المفاوضات (۷) .

أولاً : الدبلوماسية الحديثة

تتصف الدبلوماسية بالحركة والتطور لكى تكون قادرة على التكيف وتلبية متطلبات واحتياجات العصر ومواكبة الظروف المتغيرة والمستجدة ، ولا شك انه كان للتطورات الكثيرة والمتتابعة التي حدثت منذ توقيع معاهدة فيينا عام ١٨١٥ أكبر الأثر على مسيرة الدبلوماسية وتطورها سواء من حيث الوظائف والاهتمامات أو من حيث الأساليب والمراسم والبروتوكول . وإذا كان هناك اختلاف بين المهتمين في دراسة الدبلوماسية من حيث تقسيمها إلى مراحل مختلفة فإنه يمكن القول أن مؤتمر فيينا عام ۱۸۱٥ يشكل بداية الدبلوماسية الحديثة ، وأن عام ١٩١٩ وهو نهاية الحرب العالمية الأولى وانعقاد مؤتمر الصلح في باريس يعتبر بداية الدبلوماسية المعاصرة وذلك لظهور الدبلوماسية العلنية والمفتوحة بقيام عصبة الأمم وتقدم وسائل الاتصال وازدياد أهمية الرأي العام ، وما تبع ذلك من أحداث وتطورات أدت إلى ظهور هيئة الأمم المتحدة بأجهزتها ووكالاتها المتخصصة (1) .

ويمكن القول أن التطور نحو الدبلوماسية الحديثة اتخذ مظهرين رئيسين من ناحية الأسلوب ومن ناحية الممارسة ، فمن ناحية الأسلوب فإن أهم ما أثر على الدبلوماسية هو تقلص المسافات والحدود بين الدول والتقدم الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات وتداول المعلومات والأخبار خلال القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر ، فقد سهلت هذه الوسائل عملية اتصال المبعوثين الدبلوماسيين بالمسؤولين في بلادهم وإرسال التقارير والمعلومات بسرعة قد لا تتجاوز بضعة دقائق. كما أصبح بإمكان حكومات المبعوثين الاتصال بهم وتزويدهم بتعليماتها وتوجيهاتها بمجرد حصولها على المعلومات أولاً بأول عن طريق البرقيات والفاكس والبريد الإلكتروني. وأصبح بمقدور المبعوث الدبلوماسي السفر والتنقل إلى مكان عمله أو أي مكان أخر تقتضيه طبيعة العمل في وقت لا يتجاوز بضع ساعات بفضل وسائل
النقل الحديثة وما أصابها من تقدم وتطور في العقود الأخيرة (٢) . كما أصبح من الممكن عقد مؤتمرات وحوارات عبر الاتصالات السلكية واللاسلكية والأقمار الصناعية وتيسر للمفاوضين وهم على طاولة المفاوضات إمكانية الاتصال بحكومات بلادهم والحصول على التوجيهات من صناع القرار في عواصمهم (۳) .

أما من ناحية الممارسة فقد كان لظهور الديمقراطية وأنظمة الحكم الليبرالية وزوال أنظمة الحكم المطلق في كثير من الدول ، وتعزيز المشاركة الشعبية ومنح ممثلي الشعب في المجالس النيابية المنتخبة تأثير بارز على الدبلوماسية بعد أن كان المبعوث الدبلوماسي يمثل شخص الملك أو الحاكم ويسعى لتحقيق رغباته ومصالحة بكل سرية وكتمان . وكانت إدارة العلاقات الدولية بشكل عام تستند إلى نخبة مختارة تتفاوض وتقرر سياسات بلادها وعلاقاتها مع الدول الأخرى. ولكن بعد أن ظهرت الديمقراطية الحديثة أخذت الشعوب تتمتع بدور مؤثر في صنع السياسات والتأثير عليها عن طريق الممثلين والأحزاب خاصة ، وإن حزب الأغلبية في الدول الديمقراطية هو الذي يقوم عادة بتشكيل الحكومة أو الوزارة ومن بينها وزير الخارجية الذي يرأس الجهاز الدبلوماسي في بلاده ويكون مسؤولاً أمام البرلمان .

وهكذا أصبح المبعوثون الدبلوماسيون يمثلون دولهم ومصالحها القومية وانتقلت الدبلوماسية من أسلوب الدبلوماسية الشخصية إلى دبلوماسية تمثيل السلطة القائمة على السيادة الفعلية بعد أن أصبحت الحكومة مسؤولة عن جميع تصرفاتها أمام البرلمان ، وذهب العصر الذي كان يسود فيه الخلط بين الدولة والملك أو الحاكم (٤) ..

ونتيجة لذلك أخذ دور الرأي العام يزداد في التأثير على الدبلوماسية وأدى ذلك إلى مقاومة السرية التي كانت صفة ملاصقة للدبلوماسية ، وكثر الحديث عن الدبلوماسية العلنية والمفتوحة وارتبط ذلك بظهور المنظمات الدولية إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى التي تركت انعكاسات ونتائج واضحة فتحت عهداً جديداً في تطور الدبلوماسية . ومع التطور الذي شهدته العلاقات الدولية ، ظهرت الدعوة إلى اعتماد أسلوب جديد في التفاوض من أجل العمل على توطيد دعائم السلم والأمنالدوليين ، والإقلاع عن سياسة المعاهدات والاتفاقات السرية ، وهكذا لم يكن من الغريب أن يدعو الرئيس الأمريكي ودرو ولسون في أوائل القرن العشرين إلى الدبلوماسية العلنية في برنامجه للسلام الدولي الدائم الذي يتكون من أربع عشرة نقطة ، بحيث يجب أن لا يشهد المستقبل إلا دبلوماسية علنية (٥) . وجاء كذلك في ديباجة عهد عصبة الأمم رغبتنا وإرادتنا في أن تكون إجراءات السلام علنية ، ولا نسمح بأي تفاهم سري من أي نوع ، وقد انتهى عهد الفتح والتوسع وعقد الاتفاقات السرية وقررت المادة ۱۸ من العهد ضرورة تسجيل كل معاهدة أو التزام دولي قامت بعقده أية دولة عضو في عصبة الأمم ، وأن تقوم أمانة العصبة بنشر هذا الالتزام الدولي وإلا أصبح الاحتجاج به غير ملزم . وأدى ذلك التوجه إلى انفتاح الدبلوماسية وخضوعها لتقدير الرأي العام والانتقال من الدبلوماسية السرية إلى الدبلوماسيةالعلنية وتجدر الإشارة إلى أن الدعوة إلى الدبلوماسية العلنية والمفتوحة ونبذ المعاهدات السرية لم تعن الإقلاع بشكل نهائي عن أسلوب المفاوضات السرية ، ويبرر ذلك على أنه من غير المعقول أن تدور جميع مراحل المفاوضات تحت سمع وبصر الرأي العام ، لأن ذلك لا يخدم العلاقات الدولية ، بل على العكس يمكن أن يحول دون تلاقي وجهات النظر بين الدول حول الكثير من قضايا العلاقات الدولية . وعلى أساس ذلك فإن سرية المفاوضات قد تكون ضرورية خلال المراحل التي تسبق الوصول إلى النتائج النهائية للمفاوضات الدبلوماسية ، ومن هنا فإن المقصود بالدبلوماسية العلنية ينصرف في جوهره إلى التخلص من المعاهدات السرية والإعلان عنها بعد أن . الاتفاق والتوقيع علية (٦) . بعد أن يتم الوصول إلى

ومن هذا المنطلق فإن الدبلوماسية السرية لم يتم القضاء عليها بشكل نهائي ، وقد حصلت اختراقات لمبدأ الدبلوماسية العلنية والمفتوحة واستمر أسلوب المفاوضات السري ، وهذا ما حصل في مؤتمر باريس للعام ۱۹۱۹ - ۱۹۲۰ ، إذ دخل ولسون في مؤتمر باريس مع حلفائه في مفاوضات سرية ، وكذلك حصل في مؤتمر لاهاي عام ١٩٢٢ أن استخدمت الدبلوماسية السرية ، كما يظهر ذلك أيضاً من إجراء الحكومة السوفييتية بعض المفاوضات السرية عام ۱۹۲۲ في مؤتمر جنوا ، حيث يقول عز الدين فوده بان مفاوضات السوفيات العقد معاهدة رابللو Rapallo في نيسان عام ۱۹۲۲ كانت تدور في غرفة نوم بأحد الفنادق زيادة في الحرص والحيطة في ذيوع أسرار

المفاوضات (۷) .

ومهما يكن الحديث عن مدى استمرار الدبلوماسية السرية أو الإقلاع عنها ، فإن الدبلوماسية شهدت منذ نهاية الحرب العالمية الأولى تطوراً واضحاً ، وأصبحت بحكم ارتباطها بالسياسة الخارجية للدول تجري صياغتها والإشراف عليها ضمن الإطار الديمقراطي الذي اصبح متبعاً في الكثير من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبذلك تكون الدبلوماسية قد دخلت عهداً جديداً في سماته وخصائصه يختلف عن المراحل السابقة .