لخّصلي

ي ي ولعلهم يعودون بذلك إلى الأصول التي عاشها آباؤهم في الجزيرة العربية قبل أن ينتقلوا إلى المدن، وكأنهم بهذا الحنين إلى الموطن

الأول يخلقون نوعا من الوصال مع جذورهم، يقول الطرماح

أهاجك بالمَلا دِمَنْ عَوافِي كَخَط الكف بالآي العجاف تعاورَهُنَّ بَعْدَ مُضِي حَول مصايف جُلها برد وسافي فعيناه الصرم جبال سلمى وطول فراقها بعد ائتلاف لغربي شنةٍ خَلَقَينِ مَجا غريض الماء من حرز الأشافي

تحليل الأبيات:

ا - يخلق الشاعر من ذاته ذاتا أخرى يسائلها بالأداة الحمزة ( وقد انزاحت إلى التقرير) التي توحي بالقرب والحميمية، لكأنه يهمس مسائلا ذاته عن نوع المشاعر التي هيجتها هذه الدمن، فهذه الدمن لم تكن ساكنة جامدة، بل حية متحركة ومؤثرة في ذات الشاعر، ويأتي بصورة تشبيهية لهذه الدمن الرفيعة، إذ يشبهها بالخط الذي تكتب فيه آيات القرآن الكريم، والكتابة فيها حضارة ورقي، هي عملية بناء ضد ما قامت به الطبيعة من هدم، والكتابة تخلد الأحداث التي تستحق التخليد. لقد شهد هذا الطلل الذكريات والشخصيات والأحداث الجديرة بالكتابة لما تحمله من معاني سامية، وهذا الطلل المادي بعث الحياة اندثرت، وإحياء

الزمن لرحل أو ذكرى تلاشت هذه البقايا الدقيقة يقرأ فيها الأيام الماضية فتهيج لواعج قلبه. تعاورَهُنَّ بَعدَ مُضِي حول مصايف جُلَّها برد وسافي

٢- لا شيء في الكون يبقى على حاله، فالتغيير سمة كونية، كانت الرياح الصيفية الجافة المحملة بالتراب تهب على هذه الدمن تارة من جهة وتارة من الجهة الأخرى فتحركها، وتغير شكلها. وبعد مضي عام من هبوب الرياح يتغطى المكان بالتراب وتكاد

لمحى معالمه القديمة إلا بقايا خط رفيع يذكر الشاعر بها مضى ويهيج لواعج قلبه.

فعيناه لصرم جبال سلمى وطول فراقها بعد التلاف

إن تساؤل الشاعر في البيت أهاجك...؟) يأتي الجواب هنا، ينتقل الشاعر من وصف الطلل إلى تذكر المحبوبة، ما الذي يعنيه هذا؟ هو أراد أن يقدم مقدمة تراجيدية تخلق عنده حالة من التواجد لكي يبكي على فراق المحبوبة، لكي يقول لنا: إن هذا الأثر الذي عفاه الزمن وبقي شيء منه لكي تتذكر وتستدل هو نفسه الأثر الذي يقي من فراق تلك المحبوبة لأن هذه الآثار لا يمكن لها أن تنمحي، فبذلك أيضا يكون تذكر المحبوبة أو حبها في قلبه لا ينمحي، قد يغيره الزمن قليلا ولكن آثاره تبقى دائما

تثير الشحن والتذكر بعد أن كانوا مجتمعين.

استفساراتكم وارائكم التواصل على ٠٩٣٣٧١٤٤٤٦

66

كان

الفرقان دائما معكم

تم مسحها باستخدام الماسح الضوئي ACE‏

الأوراق الذهبية لمادة الأدب الأموي (قسم التحليل)

السنة الثانية

صرم حبال: هذه صورة تشبهية حسية لوصف شيء معنوي هو الهجر، فالحب هو حبل أثيري يربط بين قلبي المحبين يجمعهما في حقل

أثيري واحد، فإذا افترقا انقطع هذا الحبل. لكن الشاعر هنا يتحدث عن زمن ماضي بعيد جمع بين قلبيهما، وهو زمن ودود آلف بينهما، ثم جاء بعده

زمن ماضي قريب قاس فرق بينهما وطالت تلك الفرقة، ثم جاء زمن الحاضر الذي يشهد الآن كلا الزمنين، الود ثم الهجر.

مغربي شَنَّةٍ خَلقَينِ مَجا غريض الماءِ مِن خُرَزِ الأَشافي

• الشئة هي الدلو، أراد الشاعر أن يقول: إنه يبكي بغزارة ودموعه تتسكب كما يخرج الماء من الفتحات التي تظهر عند مكان خرز قربة الماء التي قد بليت من كثرة الاستعمال. وقد استحضر الشاعر هذا الدلو البالي ليسقطه على الدمن البالية، والماء رمز الحياة لكأن الشاعر يريد أن يسقي هذا الدمن دموعه على الحياة تدب فيها، فتعود زاهية مشرقة تنبض بالحب كما كانت مع ما في

البكاء من راحة للمتألم الحزين، لأن الدموع تظهر الروح وتحرر الجسم من آلامه، آلام الشوق والحنين. وقد أراد الشاعر أن يخلق لنفسه جوا يدعو إلى البكاء، فصور المكان وأراد أن يصوّر داخله المعذب، أراد أن يسقط المكان على الزمان.

الشاعر في هذا الموقف يريد أن يعبر عن حزنه، ولكي يستطيع أن يعبر عن ذلك الحزن لا بد من موقف حزين، لا بد أن يخلق حالة من الوجد لكي يتواجد عليها، فيقف على الأطلال ويبكي آثارها في معظم قصائده، ونحن نعلم بأنه قد عاش حياته في الكوفة ومات فيها، ولم يكن وحده يبكي الأطلال، بل يشترك معظم شعراء العصر الأموي بهذه الظاهرة، والعرب يريدون بها العودة إلى القصور التي عاشها آباؤهم في الجزيرة العربية قبل أن ينتقلوا إلى المدن، وكأنهم بهذا الحنين إلى الموطن الأول يخلقون

نوعا من الاتصال مع جذورهم.

ثانيا: وثمة ملاحظة أخرى في وقوفهم على الأطلال، وهي أنهم حولوا ظاهرة المكان إلى حالات مجردة، إذ لم بعد الوقوف

على الأطلال حقيقيا كما كان في الشعر الجاهلي، بل أصبح الشاعر يتصور أطلالا ليبكي عليها ويحن من خلالها إلى عوالق قد تعلق

بها في حياته، ومن ذلك قول ذي الرمة: