لخّصلي

مقّدمة: عوامل ازدهار الحياة الثقافية في الأردن
مع بداية القرن العشرين وتأسيس إمارة شرقي الأردّن، ظهرت بواكير الحياة الثقافّية في الأردّن، فأخذت
تحث ال ُخطى ُمنذ بزوغ طور التأسيس والبدايات المتواضعة إلى التجديد الذي تبعه النضوج في أواخر ذاك
القرن الٌمنصرم، وفيما يأتي تتبٌع زمكاني ُيظهر أبرز معالم الحركة الثقافية الأردنية، فبعد زوال الدولة
العثمانّية التي عانى العرب في أواخرها من ت ارجع على مستوى الحضارة والثقافة، شهدت البلاد العربّية
بوادر حركة يقظة وتنوير تسعى إلى النهوض بالعرب في مختلف البلاد العربّية؛ و بقدوم الأمير عبدالله بن
الحسين وتأسيس إمارة شرقي الأردن بدأت تتشّكل الحركة الثقافية في الأردن برعاية أميرية؛ إذ كان له – ّ ّّّ
رحمه الله- دور رئيس في النهوض بالحياة الثقافية وتطورها، وظهر ذلك جلًّيا في جوانب عدة؛ فمع وصوله ٌٌّّّ
إلى معان عام 1920 صدرت أول صحيفة أردنّية ُسّميت بـ(الحق يعلو)، وتكّونت آنذاك من عمودين ُكتبا
بخ ّط اليد، واشتملت على مقالات متنوعة تتناول الأوضاع السياسية وأخبار الحرب في المنطقة العربية، ّّّ
وكانت تصدر أسبوعًّيا، وقد صدر منها في معان ستة أعداد، ثّم انتقلت إلى عّمان.
ولما كان الأمير يتحّلى بهذه الشخصية الأدبية المثّقفة، فقد جعل البلاط الأميري يضم مجالس أدبية شّكلت ُّّّ
ُمناخا جاذبا للأدباء، مّما أسهم في حفز الكثير من المواهب على ال ّظهور، كما نجم عن ذلك -في ما بعُد-
بروز شخصية أدبية أردنية تتحرك في فضاء قومي عربي، ومن الجدير بالّذكر أن هذه المجالس أسهمت
ُّّّّ ُّ ّّ
على نحو فاعل في نشوء حركة أدبية وثقافية وفكرية، شهد معها عهد الإمارة توسعا في التعليم الرسمي
ّ
ّّّ ّ
وافتتاح المدارس الحكومّية لتحّل بالتدريج محّل الكتاتيب التي كانت منتشرة في المدن والقرى والبوادي الأردنيةفيالعهدالعثماني،التييقتصرالتعليمفيهاعلىتعّلمالقارءةوالكتابةوحفظبعضأجازءمن
القرآن، ومعرفة محدودة بعمليات الحساب الأولية. وكان أثر التوسع في إنشاء المدارس الأميرية وتضاعف ّّّ
عددالتلاميذواضحاوجلًّيافيالتحولمنثقافةالاستماعإلىالتعودعلىالقارءةالبصرية،التيساعد ّّّ
حضورهاعلىتازيدالاهتمامبالطباعةوقارءةالصحف،ومنثّمإيلاءالأعمالالمكتوبةقدارمنالوقت للاستمتاعبماتخبئهمنمغامارتوأحداثوسردللوقائعالمسّلية،التيتحملفيثناياهاكثيارمنالعبر
والدروس.
وهكذا، أخذ القارئ يعتاد على ارتياد الأعمال الأدبّية بمختلف ألوانها وأنواعها فيقبل عليها ويقتني بعضها، وهو ما ش ّجع ال ُكتّاب وفتح مساحات من التلقي والإبداع، فقد تركزت المضامين الفنية للأدب الأردني على الُهموم الوطنّية والقومّية بأسلوب التصوير والمبالغة في الّنقد، وبحماس رومنس ّي واضح؛ حيث
ُ
ّ
كانت النزعة الصحفية المفعمة بالوعظ والحكم تطفو على السطح، وتطغى على ذهن المؤلفين والكتاب،
ُّ
ّ
ُّّ ّ
2
ّ
ّ
وتحكم توجهاتهم ومنطقهم الفني، كما أّن أعمال مرحلة البواكير كانت تفتقر إلى عمق التحليل، ولامست ّ
أحداثُها ووقائُعها قشرة الواقع من غير الغوص في النفس الإنسانّية وتعّرف ما يجري في أعماقها..
بيد أّن مرحلة تالية أكثر نضجا بدأت تتبلور مع استقلال المملكة الأردنّية الهاشمّية عام 1946، وامتّدت
إلى بين حربي 1948 و1967. ولما ألقت هزيم ُة حرب 1948 بظلالها على الأردن في جميع النواحي ّ
سياسًّيا واجتماعًّيا وجغ ارفًّيا، حي ُث أصبحت الضفة الغربّية تحت السيادة الأردنّية، فقد أُعلنت في عام 1950 الوحدةُ بين المملكة الأردنية الهاشمية وال ّضفة الغربية، فأصبحت قضّي ُة فلسطين قضّية الأرد ّن الرئيسة. وفي تلك الأثناء هّزت فاجعة النكسة الوجدان الشعبي العربي، وأقلقت ضمائر الشع ارء والأدباء وهّيجتكوامنالمخزونالتارثيوالقوميلديهم،فأثمرتأدباحزيناضاًّجابالشكوىمنأوضاعالعرب
وحالتهم المتردّية.
وبالتساوق مع هذه الأحداث الأليمة والقاسية في التاريخ العربي المعاصر أخذت المسيرة الثقافية
الأدبية والفنية بالنهوض مع انتشار التعليم في الأردن وازدياد عدد الصحف اليومّية والأسبوعّية وظهور
المجلات والدوريات الجديدة، التي منها مجّلة (القلم الجديد) للمرحوم الناعوري، ومجّلة (ال اربطة الفكرية) ّ
التي أنشأها ارضي صّدوق، ومجّلة (صوت الجيل)، ومجّلة (الإثنين)، كما ظهرت مجّلة (الأُفق الجديد)
بعناية جمعة حّماد في أيلول 1961م. وفي الوقت نفسه ازدادت الجسور التي تصل أدباء الأردّن بغيرهم
من أدباء العرب، فكانت (الأديب)، و(الآداب)، فضلا عن (الّرسالة)، و(الثقافة)، و(الهلال) جسو ار للتواصل
بين الشع ارء وال ُكتّاب. وإلى ذلك، نشطت الحركات السياسية من قومية وإسلامية ويسارية، وكان لهذا النشاط ّّّّ
أثُرهُ في الّنتاج الثقاف ّي، وشّقت حركة الجديد مسارها الطبيعي، وبدأ أنصارها في البحث عن مسالك حديثة للتعبير عّما يقلقهم، ويحتاج إلى رؤية متجّددة ومعالجة أعمق وأشد جذبا، وأبلغ تعبي ار، فحّققوا بعض النجاح الظاهر في هذا ال ّصدد.