لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (25%)

عِنْدَما يَحْفِرُ بُيوتَهُ في جُذوعِ أَشْجارِ الغابَة. وَنُخَبِّئْهُ وَنَخْتَبِئْ مَعَهُ في الكُهوف!"
في لَحْظَتِها، في النّاحيَةِ الشَّرْقيَّةِ مِنْ واديهِم، إِلى جانِبِ نَباتاتٍ كَثيرَةٍ أُخْرى يَقْتاتونَ بِها، لا أَحَدَ في القَرْيَةِ يَعْرِفُ بِدِقَّةٍ التّاريخَ الَّذي حُفِرَتْ فيهِ الكُهوفُ وَنُحِتَت، وَالأَدَواتِ الحَجَريَّةَ الَّتي لا يَزالُ بَعْضُها في مَتاهاتِها، وَعَلى مَدارِ الزَّمَن، ظَلَّتْ هَذِهِ الكُهوفُ مَلاذًا آمِنًا لِلْأَهالي مِنْ أَخْطارِ فَيَضانِ النَّهْر، اِجْتَمَعَتِ القَرْيَةُ بِصِغارِها وَكِبارِها داخِلَ أَكْبَرِ الكُهوف، بَعْدَ أَنْ أَخْفَوْا مَحاصيلَهُمْ في كُهوفٍ مُجاوِرَة. وَبِخاصَّةٍ الأَطْفال. في هَذِهِ الأَثْناء، حَجَبَ الرّؤْيَةَ لِثَوانٍ واشْتَدَّ سُطوعُهُ بِشَكْلٍ مُتَزامِنٍ مَعَ ذاكَ الصَّوْتِ المُخيفِ للعاصِفَة. خَفَتَتْ بَعْدَها شِدَّةُ الضَّوْءِ وَبَهَتَ سُطوعُه، وَسَطَ ذُهولِ الجَميعِ وَصَدْمَةِ الجَدَّةِ الكَبيرَة…
ماذا حَصَلَ بَعْدَها؟ فَلْنَتَعرَّفْ إِلى تَفاصيلِ القِصَّةِ في الجُزْءِ الثّاني مِنَ النَّصّ: "طَواحينُ الرّيحِ وَالعَصا (2)". وَأَنا عَجوزٌ سَأَدْخُلُ العَقْدَ التّاسِعَ مِنْ عُمْري". في هَذِهِ اللَّحَظات، اِلْتَفَّ الجَميْعُ حَوْلَ الجَدَّةِ وَ"ناي"، مُرْتَسِمَةً عَلى وُجوهِهِمْ مَلامِحَ الحَيْرَة، ما هَذا التَّكْوين؟ إِنَّهُ أَشْبَهُ بِدولابٍ في داخِلِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَة، يَدورُ كَمِرْوَحَةٍ طائِرَة. وَما هوَ الرّابِطُ بَيْنَ العاصِفَةِ وَالرُّسومِ وَالعَصا؟ ثُمَّ هَلْ كانَ لِقَرْيَتِنا في الماضي شَكْلُ النُّقوشِ المَوْجودَةِ عَلى العَصا؟". رَبَّتَتِ الجَدَّةُ عَلى كَتِفِ حَفيدِها، عَبْرَ التَّيّاراتِ الهَوائيَّةِ الصّادِرَةِ عَنْ دَوَرانِها، مِمّا ساهَمَ في امْتِصاصِ الأَرْضِ كَمّيّاتٍ كَبيرَةً مِنَ المياهِ وَتَخْزينِها في جَوْفِها. كانَ ذَلِكَ في يَوْمٍ عَاصِفٍ يُشْبِهُ طَقْسَ اليَوْم، فَالوادي بِطَبيعَتِهِ نُقْطَةٌ مُنْخَفِضَة، فَقَدْ هَجَّرْنا الكائِناتِ الحَيَّةَ مِنْ مَوْطِنِها الطَّبيعيّ، لِذا، وَأَمْسَكَ "نايُ" بيَدِ جَدَّتِه، فَنَظَرَ كُلٌّ مِنْهُما بِامْتِنانٍ شَديدٍ صَوْبَ الرّيح، وَفي تِلْكَ اللَّحْظَةِ الْتَمَعَتِ العَصا بِوَمْضَةٍ سَريعَة، وَسَمِعَ الجَميعُ صَفيرَ الرّيحِ يَمْلَأُ الواديَ كَأَنَّهُ أُغْنيَةٌ عَذْبَة. تَوَجَّهَ "نايُ" إِلى الكَهْفِ وَوَقَفَ أَمامَ الجِدارِ ذي الرُّسومات،


النص الأصلي

ذاتَ صَباح، اِسْتَفاقَ أَهْلُ القَرْيَةِ عَلى أَصْواتِ زَخّاتِ البَرَدِ القَويَّة، وَهيَ تَضْرِبُ زُجاجَ النَّوافِذِ كَحَبّاتِ لُؤْلُؤٍ مُتَثاقِلَة. فانْدَفَعَتْ بِغَزارَةٍ لِتُغَطّيَ سَطْحَ الوادي الأَخْضَر، وَكانَ لِارْتِطامِها وَقْعٌ شَديدٌ يُشْبِهُ الصَّوْتَ الَّذي يُحْدِثُهُ طائِرُ "نَقّارِ الخَشَب"، عِنْدَما يَحْفِرُ بُيوتَهُ في جُذوعِ أَشْجارِ الغابَة.


 عِنْدَها، تَسَلَّلَ مِنْ بَيْنِ الكُراتِ البَيْضاءِ المُتَساقِطَةِ صَوْتٌ صَارِخ، آتٍ مِنْ جِهَةِ البُرْجِ الأَثَريِّ الشّاهِق، يُنادي: "اِنْتِباه! اِنْتِباه! إِنَّني أَرى رياحًا شَديدَةً مِثْلَ إِعْصارٍ هادِرٍ في طَريقِها إِلَيْنا، فَلْنُعَجِّلْ إِنْقاذَ مَخْزونِنا مِنَ المَحاصيلِ قَبْلَ أَنْ تُبَدِّدَهُ العاصِفَة، وَنُخَبِّئْهُ وَنَخْتَبِئْ مَعَهُ في الكُهوف!"



دَبَّ الهَلَعُ في قُلوبِ الأَهالي، وَبِثيابِهِمِ المُمَرَّغَةِ بِالوَحْلِ وَالطّين، وَالمَنْسوجَةِ مِنَ الصّوفِ وَالفَرْوِ الدّافِئ، هَرَعوا راكِضينَ نَحْوَ صَوامِعِ الحُبوبِ لِحَمْلِ مَحاصيلِهِم، مِنْ قَمْحٍ وَشَعيرٍ وَأَصْنافٍ عَديدَةٍ مِنَ البُقوليّاتِ وَغَيْرِها. في لَحْظَتِها، سَمِعوا صَوْتَ الجَّدَةِ الحَكيمَةِ في ساحَةِ القَرْيَة، وَهيَ تَصْرُخُ بِأَعْلى صَوْتِها: "فَلْيَبْقَ بَعْضُ الرِّجالِ هُنا مِنْ أَجْلِ نَقْلِ الأَطْفالِ وَالمَرْضى! وَلْتَهُمَّ بَعْضُ النِّساءِ بِجَلْبِ الحَيَواناتِ وَالدَّجاجِ وَالطُّيورِ مِنْ زَرائِبِها، فَكَأَنَّني أَرى إِعْصارًا قَدْ يُدَمِّرُ القَرْيَةَ كُلَّها!" وَهَكَذا بَدَأَ العَمَلُ بِانْتِظام.



تَقَعُ الكُهوفُ في بَطْنِ الجَبَلِ الأَخْضَرِ، في النّاحيَةِ الشَّرْقيَّةِ مِنْ واديهِم، حَيْثُ تَنْتَشِرُ بُيوتُهُمُ الدّائِريَّةُ بِوَداعَةٍ عَلى ضِفَّتَيِ النَّهْر، وَقَدْ بُنيَتْ عَلى شَكْلِ حَبّاتِ الفِطْرِ المُفَلْطَحَةِ ذَاتِ القُبَّعَةِ الحَمْراء. اِسْتَوْحى سُكّانُها المُزارِعونَ هَنْدَسَةَ بِنائِها مِنْ طَبيعَةِ مِنْطَقَتِهِمْ ذاتِ الأَمْطارِ الوَفيرَة، حَيْثُ يَكْثُرُ نَباتُ الفِطْر، إِلى جانِبِ نَباتاتٍ كَثيرَةٍ أُخْرى يَقْتاتونَ بِها، وَيَتَداوَوْنَ بِبعْضِها عِنْدَ المَرَض.



لا أَحَدَ في القَرْيَةِ يَعْرِفُ بِدِقَّةٍ التّاريخَ الَّذي حُفِرَتْ فيهِ الكُهوفُ وَنُحِتَت، إِلّا أَنَّ الرُّسوماتِ البِدائيَّةَ المَنْقوشَةَ عَلى جُدْرانِها، وَالأَدَواتِ الحَجَريَّةَ الَّتي لا يَزالُ بَعْضُها في مَتاهاتِها، تَدُلُّ عَلى أَنَّها مِنْ صُنْعِ إِنْسانٍ قَديم. وَعَلى مَدارِ الزَّمَن، ظَلَّتْ هَذِهِ الكُهوفُ مَلاذًا آمِنًا لِلْأَهالي مِنْ أَخْطارِ فَيَضانِ النَّهْر، لَكِنَّها بِالنِّسْبَةِ إِلى "ناي"، الفَتى ذو السِّتَّةَ عَشَرَ عامًا، كانَتْ مَكانًا يَقْضي فيهِ ساعاتٍ طَويلَة، مُتَأَمِّلًا جُدْرانَ الكَهْفِ وَرُموزَهُ الغامِضَة؛ الأَمْرُ الَّذي جَعَلَ مِنْهَا مَكانًا مُزَوَّدًا بِالحاجاتِ الضَّروريَّة، مِنْ حَصائِرَ وَبُسُطٍ قَديمَةٍ وَأَغْطيَةٍ للنَّوْم، وَأَدَواتٍ للطَّبْخِ وَالطَّعام، وَبَعْضِ المَصابيحِ الكَهْرَبائيَّة.



في ذَلِكَ الصَّباحِ العاصِف، اِجْتَمَعَتِ القَرْيَةُ بِصِغارِها وَكِبارِها داخِلَ أَكْبَرِ الكُهوف، بَعْدَ أَنْ أَخْفَوْا مَحاصيلَهُمْ في كُهوفٍ مُجاوِرَة. كانَ التَّعَبُ قَدْ نالَ مِنْهُمْ جَميعًا وَشَعَروا بِالنُّعاس، وَبِخاصَّةٍ الأَطْفال. لَكِنَّهُمْ ما إِنْ شاهَدوا الجَدَّةَ الحَكيمَةَ تَرْفَعُ عَصاها إِلى الأَعْلى، وَتُحَدِّقُ فيها بِاسْتِغْراب، حَتّى طارَ النُّعاسُ مِنْ أَجْفانِهِم. فَتِلْكَ العَصا القَديمَةُ يَتَوارَثُها الحُكَماءُ مِنْ أَبْناءِ القَرْيَةِ وَبَناتِها، جيلًا بَعْدَ جيل، وَهيَ تَحْمِلُ في مُنْتَصَفِها نَقْشًا يُجَسِّدُ جَبَلَ القَرْيَةِ وَنَهْرَها، بِحُلَّتِهِما القَديمَة.



لَمْ تَسْتَطِعِ الجَدَّةُ الجُلوسَ وَلا حَتّى لِدَقيقَةٍ واحِدَة، فَالعَصا كانَتْ تَتَحَرَّكُ في يَدِها مِنْ دونِ أَنْ تَعْرِفَ السَّبَب، فَلاحَظَ "نايُ" انْفِعالَها وَقَلَقَها الواضِحَيْن، ثُمَّ سَأَلَها: "جَدَّتي، هَلْ هُناكَ أَمْرٌ تَخْشَيْنَه؟"، فَأَجابَتِ الجَدَّةُ:" لا يا بُنَيّ، يَبْدو أَنَّني كَبُرْتُ وَيَدايَ تَرْتَجِفانِ لِشِدَّةِ البَرْدِ وَالأَصْواتِ في الخارِج". اِطْمَأَنَّتِ الأُمَّهاتُ لِسَماعِ هَذا، وَرَجِعْنَ لِاحْتِضانِ أَبْنائِهِنَّ وَرَوْيِ الحِكاياتِ الَّتي مِنْ شَأْنِها أَنْ تُغْرِقَهُمْ في نَوْمٍ عَميق، في حِينِ عادَ الرِّجالُ إِلى مَواقِعِهِمْ لِحِراسَةِ الكَهْفِ تَحَسُّبًا لِأَيِّ خَطَرٍ قَدْ يَقَع.



في هَذِهِ الأَثْناء، سُحِبَتِ العَصا بِقوَّةٍ مِنْ يَدِ الجَدَّةِ وَبَدَأَتْ بِالِارْتِفاعِ التَّدْريجيِّ وَالِاقْتِرابِ مِنْ رُسوماتِ الجِدار. رافَقَ ذَلِكَ ضَوْءٌ مُبْهِر، اِنْبَثَقَ مِنْ أَسْفَلِها حَتّى أَعْلاها، حَجَبَ الرّؤْيَةَ لِثَوانٍ واشْتَدَّ سُطوعُهُ بِشَكْلٍ مُتَزامِنٍ مَعَ ذاكَ الصَّوْتِ المُخيفِ للعاصِفَة. خَفَتَتْ بَعْدَها شِدَّةُ الضَّوْءِ وَبَهَتَ سُطوعُه، وَبَدَأَتِ العَصا تَهْبُطُ روَيْدًا روَيْدًا إِلى يَدِ الجَدَّة، وَسَطَ ذُهولِ الجَميعِ وَصَدْمَةِ الجَدَّةِ الكَبيرَة…



ماذا حَصَلَ بَعْدَها؟ فَلْنَتَعرَّفْ إِلى تَفاصيلِ القِصَّةِ في الجُزْءِ الثّاني مِنَ النَّصّ: "طَواحينُ الرّيحِ وَالعَصا (2)".

بَعْدَ هُبوطِ العَصا إِلى يَدِ الجَدَّة، تَسارَعَتْ أَنْفاسُها وَتَقَدَّمَتْ بِرَويَّةٍ نَحْوَ الجِدارِ مُسْتَنِدَةً إِلى كَتِفِ "ناي"، وَبِتَلَعْثُمٍ واضِحٍ صَاحَتْ: "الرُّسومات! الرُّسوماتُ المُبَعْثَرَةُ عَلى الجِدار! شَيْءٌ ما غَيَّرَ أَماكِنَها، هَلْ هوَ إِقْبالُ الرّيح؟ بَلْ لا بُدَّ أَنَّهُ بَرْقٌ صَعَقَ المَكانَ بِقوَّة، ما الَّذي جَرى هُنا؟ لَقَدْ رُتِّبَتِ الرُّموزُ بِشَكْلٍ مُماثِلٍ للنُّقوشِ المَوْجودَةِ عَلى العَصا، مِمّا سَهَّلَ فَكَّ الأَلْغازِ الَّتي لَمْ أَسْتَطِعْ فَهْمَها يَوْمًا، وَأَنا عَجوزٌ سَأَدْخُلُ العَقْدَ التّاسِعَ مِنْ عُمْري".


 في هَذِهِ اللَّحَظات، اِلْتَفَّ الجَميْعُ حَوْلَ الجَدَّةِ وَ"ناي"، مُرْتَسِمَةً عَلى وُجوهِهِمْ مَلامِحَ الحَيْرَة، ثُمَّ عَلَتْ أَصْواتُهُمْ مُثْقِلينَ كاهِلَ الجَدَّةِ بِوابِلِ أَسْئِلَتِهِم. تَأَمَّلَ "نايُ" الجِدارَ بِإِسْهابٍ كَبير، مُسْتَعيدًا ما انْطَبَعَ سابِقًا في رَأْسِهِ مِنْ أَشْكالِ الرُّسوماتِ وَأَلْوانِها الَّتي حَفِظَها عَنْ ظَهْرِ قَلْب، ثُمَّ صاح: "اُنْظُري هُنا يا جَدَّتي (مُشيرًا إِلى الجِدار)، ما هَذا التَّكْوين؟ إِنَّهُ أَشْبَهُ بِدولابٍ في داخِلِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَة، يَدورُ كَمِرْوَحَةٍ طائِرَة. وَما هوَ الرّابِطُ بَيْنَ العاصِفَةِ وَالرُّسومِ وَالعَصا؟ ثُمَّ هَلْ كانَ لِقَرْيَتِنا في الماضي شَكْلُ النُّقوشِ المَوْجودَةِ عَلى العَصا؟".



رَبَّتَتِ الجَدَّةُ عَلى كَتِفِ حَفيدِها، وَطَلَبَتْ إِلى الجَميعِ أَنْ يَهْدَأوا فَأَنْصَتوا لَها، ثُمَّ قالَتْ: "لَقَدْ أَعادَتْ إِلَيَّ هَذِهِ الرُّسوماتُ صورَةَ قَرْيَتِنا عِنْدَما كُنْتُ طِفْلَةً، الآنَ أَسْتَطيعُ رؤْيَةَ مَعالِمِها بِشَكْلٍ أَوْضَحَ مِمّا هوَ مَنْقوشٌ عَلى العَصا، اُنْظُروا إِلى هَذا الجُزْءِ الَّذي يَظْهَرُ فيهِ ماءُ النَّهْرِ وَقَدِ ارْتَفَعَ عَنْ حَدِّهِ الطَّبيعيّ، وَإِلى الجُزْءِ الَّذي يَليهِ حَيْثُ تَرْتَسِمُ الأَرْضُ وَهيَ تَغْرَقُ إِثْرَ فَيَضانٍ كَبير، أَتَرَوْنَ التَّسَلْسُلَ الزَّمَنيَّ المُرافِقَ للرَّسْم؟"



يُقاطِعُها أَحَدُ الأَطْفالِ مُتَسائِلًا: "جَدَّتي، ما هَذِهِ الخُيوطُ الَّتي تُحيطُ بِرَسْمِ الجَبَلِ هُناكَ؟"، فَأَجابَتْهُ: "إِنَّها الرّيحُ الَّتي حَدَّثَنا عَنْها أَجْدادُنا، فَقَدْ أَوْحَتْ إِلَيْهِمْ بِفِكْرَةِ إِنْشاءِ طاحونَةِ الهَواء، وَهوَ ما شَبَّهْتَهُ يا "نايُ" بِمِرْوَحَةِ الطّائِرَة. لَقَدْ لَعِبَتِ الطَّواحينُ دَوْرًا كَبيرًا في تَجْفيفِ الأَراضي المُعَرَّضَةِ لِلطّوْفانِ، عَبْرَ التَّيّاراتِ الهَوائيَّةِ الصّادِرَةِ عَنْ دَوَرانِها، مِمّا ساهَمَ في امْتِصاصِ الأَرْضِ كَمّيّاتٍ كَبيرَةً مِنَ المياهِ وَتَخْزينِها في جَوْفِها. كانَ ذَلِكَ في يَوْمٍ عَاصِفٍ يُشْبِهُ طَقْسَ اليَوْم، كَادَتْ فيهِ مياهُ النَّهْرِ الجارِفَةُ أَنْ تَبْتَلِعَ القَرْيَةَ بِمَنْ فيها، حينَذاكَ الْتَفَّتِ الرّيحُ كَدولابٍ سَريعِ الدَّوَرانِ فَما كانَ مِنْ مياهِ النَّهْرِ إِلّا أَنْ خَفَّ غَضَبُها وَعادَتْ لِجَرَيانِها الطَّبيعيّ. فَحاوَلَ لاحِقًا أَجْدادُنا تَقْليدَ ما قامَتْ بِهِ الرّيحُ حَتّى تَوَصَّلوا إِلى هَذِهِ الطَّواحين. فَالوادي بِطَبيعَتِهِ نُقْطَةٌ مُنْخَفِضَة، وَهَذا ما يَجْعَلُنا فَريسَةً سَهْلَةً لِلْمياه.



يا أَبْنائي، لَطالَما اعْتَنى أَجْدادُنا بِالوادي وَحَرَصوا عَلى عَدَمِ إِقْحامِهِ بِالمُلَوِّثاتِ وَكُلِّ ما يُعَجِّلُ مِنْ قَتْلِه. وَما هَذا الِانْقِطاعُ في ذَلِكَ الجُزْءِ مِنَ الرَّسْمِ (مُشيرَةً إِلى الجِدار)، إِلّا لِأَنَّنا أَنْكَرْنا جُهْدَهُمْ وَتَناسَيْنا أَنَّهُمْ احْتَرَموا الطَّبيعَةَ وَعَناصِرَها، الَّتي كانَتْ سَنَدًا لَهُمْ عِنْدَ الشَّدائِد. فَقَدْ هَجَّرْنا الكائِناتِ الحَيَّةَ مِنْ مَوْطِنِها الطَّبيعيّ، واصْطَدْنا الطُّيورَ واقْتَطَعْنا الأَشْجارَ بِشَكْلٍ جائِر، فَقَطْ لِأَنَّنا أَعْطَيْنا لِأَنْفُسِنا الحَقَّ بِذَلِك".



بَعْدَ إِنْهاءِ الجَدَّةِ كَلامَها، عَلا صَوْتُ "رَبابَ" قائِلَة: "لَقَدْ أَعْطَتْنا الرّيحُ لِلْمَرَّةِ الثّانيَةِ مِفْتاحَ الحَلّ، وَما كانَ إِقْبالُها إِلَيْنا اليَوْمَ إِلّا لِتُعيدَ إِلى أَذْهانِنا ضَرورَةَ الِانْتِماءِ إِلى الطَّبيعَةِ وَعَدَمِ العَبَثِ بِمَوْجوداتِها. لِذا، عَلَيْنا إِعادَةُ بِناءِ كُلِّ ما كُنّا قَدْ أَهْمَلْناه، وَإِنْشاءُ طَواحينَ لِلْهَواءِ دَرْءًا لِلْفَيَضانات، وَأُخْرى لِتَوْليدِ الطّاقَةِ الكَهْرَبائيَّة، عِوَضًا عَنِ الموَلِّداتِ المُسْتَهْلِكَةِ للوُقودِ وَالمُلَوِّثَةِ للطَّبيعَة". أَثْنى الجَميعُ عَلى ما اقْتَرَحَتْهُ "رَباب"، وَقَرَّروا المُباشَرَةَ بِالعَمَلِ بِأَسْرَعِ وَقْتٍ مُمْكِن.



بَعْدَ انْتِهاءِ العاصِفَة، تَوَجَّهَ الجَميعُ نَحْوَ الخارِج، وَأَمْسَكَ "نايُ" بيَدِ جَدَّتِه، فَنَظَرَ كُلٌّ مِنْهُما بِامْتِنانٍ شَديدٍ صَوْبَ الرّيح، وَفي تِلْكَ اللَّحْظَةِ الْتَمَعَتِ العَصا بِوَمْضَةٍ سَريعَة، وَسَمِعَ الجَميعُ صَفيرَ الرّيحِ يَمْلَأُ الواديَ كَأَنَّهُ أُغْنيَةٌ عَذْبَة. وَبَعْدَ أُسْبوعٍ مِنَ العَمَلِ الشّاقّ، تَوَجَّهَ "نايُ" إِلى الكَهْفِ وَوَقَفَ أَمامَ الجِدارِ ذي الرُّسومات، حامِلًا بيَدَيْهِ أَلْوانًا راحَ يَرْسُمُ بِها تَمَوْضُعاتِ الطَّواحينِ الجَديدَة، وَالكَثيرَ مِنَ الِابْتِكاراتِ المُنْعِشَةِ لِطَبيعَةِ الوادي. أَنْهى "نايُ" الرَّسْمَ وَخَرَجَ مِنَ الكَهْفِ مُبْتَسِمًا يُرَدِّدُ لَحْنَ الرّيحِ الشَّجيّ.

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الحد من الهدر ه...

الحد من الهدر هو مكون أساسي في إدارة العمليات، وتساعد إدارة العمليات الفعالة في القضاء على الهدر وتق...

التزام سلطات ال...

التزام سلطات الدولة المضيفة بحماية المباني الدبلوماسية، وهذا الالتزام- في جوهره- التزام إيجابي "التز...

يعتبر الطلاق حد...

يعتبر الطلاق حدثا اسريا مهماً في المجتمع ، و تتغير الأوضاع الأسرة منها ووظائفهم و ادوارهم فيها سواء ...

إحدى العلامات ا...

إحدى العلامات الأكثر شيوعًا التي تشير إلى أن شخصًا ما يرسل لك رسائل تخاطرية هي أن صمته يقول ألف كلمة...

الاستعداد للمست...

الاستعداد للمستقبل تعتبر الاستعداد للمستقبل أمرًا بالغ الأهمية للأجيال القادمة. يجب أن تكون لديهم قد...

القراءة الاسقاط...

القراءة الاسقاطية وهي نوع من القراءة عتيق وتقليد لاتركز على النص ولكنها تمر من خلاله ومن فوقه متجهة ...

أن الانسان كان ...

أن الانسان كان محور جميع الاديان والشرائع السماوية ، بل أنه غايتها ، فهي جاءت لتأمين مصالح الناس بجل...

تعمل إداره رعاي...

تعمل إداره رعاية المسنين التابعة لقطاع الرعاية الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية على تنفيذ توجهات ...

1 Introduction ...

1 Introduction The increasing universal demand for food calls for growing agricultural productivity,...

أنواع أعواد ثقا...

أنواع أعواد ثقاب : أما أعواد الثقاب الورقية فهي نوع من أعواد الثقاب الآمنة. صناعة أعواد الثقاب : يتم...

إن السؤال عن ال...

إن السؤال عن المستقبل لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين والظن والشطح ...

"من الأفضل مهاج...

"من الأفضل مهاجمة تفكير العدو، بدلا من البدء بشن الهجوم على مدنه المحصّنة" -صن تزو عند كتابتي لهذا ...