لخّصلي

أخوان یعیشان تحت سقف منزل واحد، مع والدیهما، في جو أسري واحد، یأكلان، ویشربان، ویلبسان دون تمییز بینهما في المعاملة منذ صغرهما، یسمعان الأحادیث نفسها، وتوجه لهما التوجیهات، والنصائح التي یستدعیها ظرف، أو موقف ما حدث لهما، أو أحدهما، یذهبان إلى المدرسة نفسها، ویؤدیان الصلاة في المسجد نفسه، إلا أن صداقاتهما تختلف بسبب الزمالة في المدرسة؛ لاختلاف العمر، رغم التقارب بینهما. لاحظ الأبوان اختلاف ابنیهما في میولهما، خاصة عند شراء احتیاجاتهما من ملابس، وألعاب، ومجلات، وكتب، وغیرها مما یقع في خانة الترفیه، أو الأشیاء الأساسیة، حیث إن أحدهما عند الذهاب إلى السوق یفحص ما یرغب في شرائه، مهما كان، فحصا دقیقا، ویقلبه، ویقرأ التعلیمات التي توجد علیه، فیتأكد من رقم مقاسه، ویعاینه من الجوانب كافة، ویقضي في ذلك وقتا طویلا، حتى وصفه والده بالأمر الممل، بالنسبة له، إلا أن هذا الأسلوب الدقیق في الاختیار نتیجته في الأغلب جیدة، حیث یكون الاختیار مناسبا، وفي مكانه الصحیح، ووفق الاحتیاج، في المقابل لاحظ الأبوان على الابن الآخر سرعة الاختیار لما یرید شراءه، ودون تر ٍّو، وتمعن، وتفحص للبضاعة، أي بعبارة أخرى كأنه یهمل مناسبتها له، وللظرف، والزمان، كما یهمل جودتها، ما یترتب علیه، إما إعادة البضاعة للمحل، أو استخدامها لأیام، ثم إهمالها، إما لصغرها إن كانت لباسا، أو عدم مناسبة لونها، أو شعوره بالملل منها إن كانت لعبة.
حسب روایة الأب لملاحظاته بشأن ابنیه یقول: إن الاختلاف بین الابنین بدأ یكبر بصورة قویة، كلما كبرا في السن، حتى تخرجا في الجامعة حین أعطى كل واحد منهما مبلغا من المال لیساعدهما لیشقا طریقیهما في الحیاة، فكانت الملاحظة اللافتة للانتباه أن الابن الحریص، والدقیق في تفحص الأشیاء اشترى بجزء من المال سیارة عادیة تعادل نصف المبلغ المعطى له، في حین أن الابن الثاني اشترى بكامل المبلغ سیارة غالیة الثمن، كل هذا حدث دون تدخل من الأب مع أي منهما، بل اكتفى بالملاحظة، والتوجیه بشكل عام، وغیر مباشر، وقد لاحظ كما یقول أن الابن الذي وفر نصف المال بدأ یتحدث عن نشاط اقتصادي، حیث یتحدث عن أنه اشترى، وباع، كذا، وكان ربحه كذا، ومع مرور وقت قصیر لا یتجاوز بضعة أعوام أصبح یسافر خارج المملكة بغرض جلب بضائع من مصادر الإنتاج مباشرة، لیتحول الابن فیما بعد إلى رجل أعمال بارز في المجال الذي یعمل فیه.
والحدیث للأب؛ أما الابن الثاني فلم یحقق النجاح الذي حققه أخوه؛ لاختلاف طریقة التفكیر بینهما، حیث إن أحدهما یفكر بطریقة مستقبلیة، لیست محدودة بحدود الوقت الذي یمر به، أما الآخر فكان اهتمامه منصبا على الظرف الذي یمر به دون تفكیر مستقبلي یتم من خلاله بناء الذات، والاستعداد للأیام المقبلة، وبسؤال الأب عن صداقات ابنیه أشار إلى أن الابن الثاني أصدقاؤه على شاكلته، حیث الاهتمام بنوع السیارة، وقیمتها، وكذلك ملابسه، لذا لم یحقق النجاح الذي وصل إلیه أخوه لاقتصار الاهتمامات بأمور غیر جوهریة.
هذه الحالة لیست مقتصرة على بیت، أو بیئة، بل تتكرر، حیث یذكر الآباء وجود الفروق بین أبنائهم في الاهتمامات، والرغبات، وقوة الهمة، والطموحات، ولذا یكون تحلیل الحالة من الأهمیة بمكان للتربویین، وعلماء النفس؛ لمعرفة الأسس.
والأسباب وراء تلك الفروق الفردیة أمر مسلم به، ولولا الفروق الفردیة لما وجد التكامل بین الناس؛ لبناء، وعمارة الحیاة، وقد عني علماء النفس بالفروق الفردیة؛ بهدف معرفة أسبابها، حیث أجریت دراسات على الأطفال التوائم؛ بهدف معرفة إن كان السبب وراثیا، أم بیئیا نتیجة التربیة المنزلیة، أو المدرسیة، أو أصدقاء الحي، والنادي.
في بعض دراسات المقارنة یؤخذ التوائم منذ الصغر؛ لیتربوا في بیئات مختلفة، ثم یقاس الذكاء، وبعض خصائص الشخصیة، كما أن من الدراسات ما قارن بین التوائم الذین تربوا تحت سقف واحد، وبیئة واحدة، وقد بینت الدراسات أهمیة عاملي البیئة، والوراثة في مستوى الذكاء، إذ البیئة بما توفره من أنشطة،
وفعالیات، ومناقشات لها دورها في شحذ الذكاء، وتقویة خصائص الشخصیة الجیدة، كعلو الهمة، والطموح، والدافعیة، وقوة الشخصیة، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب، وفي الوقت المناسب، والظرف المناسب، ومع أن بعض علماء النفس أمثال آیزنك، وجنسن یرون أن الوراثة تسهم بشكل أكبر في الذكاء، إلا أن فریقا من العلماء یؤكدون دور البیئة الذي لا یقل شأنا عن الدور الوراثي.
ا