لخّصلي

تأسست يثرب على يد يثرب بن قائد، وقد ذكر المسعودي أن الحجاز كان غنياً بالماء والأشجار قبل أن يغزو بنو إسرائيل العمالقة ويستوطنوا الحجاز، تبعهم يهود خيبر وبنو قريظة، وبنوا قلاعاً ومنازلاً، وانضمت إليهم قبائل عربية. بعد ذلك، هاجر حارثة بن ثعلبة إلى يثرب، وأقام مع يهود خيبر. يذكر أبو الفرج الأصبهاني أن بني قريظة وبني النضير من أحفاد هارون، وقد سكنوا يثرب قبل هجرة الأزد من اليمن. استوطن اليهود يثرب، وبنوا قلاعاً ومزارع، إلا أن الروم غلبوا بني إسرائيل في الشام، فهاجر بعض اليهود إلى الحجاز. استقرّت قبائل يهودية مختلفة في يثرب، بينها بنو النضير، وبنو قريظة، وبنو يهدل. بعد سيل العرم، نزلت الأوس والخزرج يثرب، وسكنوا مع اليهود الذين يملكون معظم الأراضي والموارد. واجهت الأوس والخزرج ضائقة معيشية، فاستنجد مالك بن عجلان بأبي جبيلة ملك غسان، الذي وعده بالنصر، لكنه غدر بالأوس والخزرج وقتل الكثير منهم، ثم غدر مالك بن عجلان بقيادات منهم أيضاً. بعد ذلك، استمرّت العداوة بين الأوس والخزرج واليهود. يُذكر أن الأوس والخزرج هما ابنا حارثة بن ثعلبة. ازدهرت هاتان القبيلتان، لكنّ الخلاف نشب بينهما، وتصاعدت الحروب فيما بينهما حتى حدث يوم بعاث، الذي اعتبرته عائشة مقدمة للإسلام، إذ سعى الناس إلى رئيس يُحكم بينهم بالعدل.

الأوس والخزرج

ذكرنا سابقاً أن مدينة يثرب بناها يثرب بن قائد بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عمليق بن لاوذ بن ارم .

وقال المسعودي : إن الحجاز كان أشجر بلاد الله ، وأكثرها ماء ، فغزا بنو إسرائيل العمالقة من جاسم وتغلبوا عليهم وسكنوا الحجاز ثم تبعتهم يهود خيبر وبنو قريظة ، فنزلوا بلاد يثرب ، واتخذوا بها الأموال ، وبنوا القلاع والمنازل في كل موطن ، وملكوا أمر أنفسهم ، وانضافت إليهم قبائل من العرب نزلوا معهم ، واتخذوا البيوت ، وأمرهم راجع إلى ملوك المقدس من عقب سليمان (ع) .

فلما خرج مزيقيا من اليمن ، وملك غسان بالشام ، ثم هلك وملك ابنه ثعلية العنقاء ، ثم ملك ابن أخيه جفنة مكانه ، سخط ابنه ۱۲۱

MMM

www.alkottob.com

حارثة ، فأجمع على الرحلة إلى يثرب ، وأقام بنو جفنة بن عمرو ومن انضاف إليهم بالشام، ونزل حارثة يثرب على يهود خيبر ، وسألهم الحلف والجوار على الأمان والمنعة ، فأعطوه من ذلك ما سأل

шо

نعيف وقال أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني : بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان من ولد الكوهن بن هارون (ع) ، كانوا بنواحي يثرب بعد موسى وقبل تفرق الأزد من اليمن بسيل العرم ، ونزول الأوس والخزرج بيشرب ، وذلك بعد الفجار، وكان بالمدينة منهم بنو وبنو سعد .. وبنو الأزرق .. وبنو نظرون. وملك الحجاز منهم الأرقم ، ما بين تيما إلى فدك ، وكان ملوك المدينة لهم بها نخل وزرع، وكان موسى (ع) قد بعث إلى الجبابرة يغزونهم ، وبعث إلى العمالقة جيشاً من بني إسرائيل وأمرهم أن لا يستبقوا أحداً فأبقوا ابناً الأرقم ضنوا به على القتل .

فلما رجعوا بعد وفاة موسى (ع) وأخبروا بني إسرائيل بشأنه ، فقالوا هذه معصية لا تدخلوا علينا الشام ، فرجعوا إلى بلاد العمالقة ونزلوا المدينة ، وكان هذا أولية سكنى اليهود بيشرب ، وانتشروا في نواحيها ، واتخذوا بها القلاع والأموال والمزارع ، ولبثوا زماناً . وظهر الروم على بني إسرائيل بالشام وقتلوهم وسبوا ، فخرج بنو النضير .. وبنو قريظة .. وبنو يهدل .. هاربين إلى الحجاز ، وتبعهم الروم فهلكوا عطشاً في المفازة بين الشام والحجاز .

ونزل بنو النضير مما يلي البهجان .. وبنو قريظة وبنو يهدل على نهروز ، وكان ممن سكن المدينة من اليهود حين نزلها الأوس والخزرج بنو الشقمة وبنو ثعلبة وبنو زرعة .. وبنو قينقاع ...

وينو يزيد .. وبنو النضير وبنو قريظة وينو يهدل . فلما كان سيل العرم وخرجت الأزد ، نزلت أزد شنوءة الشام بالسراة ، وخزاعة بطوى ، ونزلت غشان بصرى وأرض الشام ، ونزلت أزد عمان الطائف ، ونزلت الأوس والخزرج يثرب - نزلوا في ضرار بعضهم بالضاحية وبعضهم بالقرى مع أهلها ، ولم يكونوا أهل نعم وشاء ، لأن المدينة ليست بلاد مرعى ، ولا نخل لهم ولا زرع ، والأموال لليهود فلبثوا حيناً .

ثم وفد مالك بن عجلان إلى أبي جبيلة الغشاني - وهو يومئذ ملك غسان - فسأله ، فأخبره عن ضيق معاشهم ، فقال : ما بالكم لم تغلبوهم حين غلبنا أهل بلدنا ؟ ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم. ترجع مالك ، وأخبرهم أن أبا جبيلة يزورهم ، فأعدوا له نزلاً ، فأقبل ونزل بذي حرض ، وبعث إلى الأوس والخزرج بقدومه ، وخشي أن يتحصن منه اليهود في القلاع ، فاتخذ حائراً ، وبعث إليهم ، فجاؤوا في خواصهم وحشمهم، وأذن لهم في دخول الحائر ، وأمر جنوده فقتلوهم رجلاً رجلاً إلى أن أتوا عليهم . وقال للأوس والخزرج : إن لم تغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فالأحرقتكم ، ورجع إلى الشام ، فأقاموا في عداوة مع اليهود .

ثم أجمع مالك بن العجلان وصنع لهم طعاماً ودعاهم ، فامتنعوا
لغدرة أبي جبيلة ، فاعتذر لهم مالك عنها وأنه لا يقصد ذلك ، فأجابوه ، وجاؤوا إليه ، فغدرهم وقتل منهم سبعة وثمانين من رؤسائهم . وفطن الباقون ، فرجعوا ، وصوّرت اليهود بالحجاز مالك بن العجلان في كنائسهم وبيعهم ، وكانوا يلعنونه كلما دخلوا

ولما قتلهم مالك ذلوا وخافوا ، وتركوا الفتن على بعضهم البعض كما كانوا يفعلون من قبل .. وكان كل قوم من اليهود لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يستنصرون به ويكونون لهم أحلاقاً .

وقال العلامة ابن خلدون : وكان الحارثة بن ثعلبة ولدان أحدهما أوس والآخر خزرج ، وأمهما : قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة فأقاموا كذلك زمناً حتى أثروا وامتنعوا في جانبهم ، وكثر نسلهم وشعوبهم . فكان بنو الأوس كلهم لمالك بن الأوس ، ومن بطونهم : بنو ظفر ، وبنو الأشهل ، وبنو سعد ، وأسلم وواقف بنو امرىء القيس بن مالك . ومن بطون الخزرج : بنو ساعدة . وبنو النجار .

فلما انتشر بيثرب هذان الحيان من الأوس والخزرج ، خاف اليهود على أنفسهم ، فنقضوا الحلف الذي عقدوه لهم ، وكانت العزة يومئذ بيثرب لليهود ، حتى نبغ مالك بن العجلان واتصل بأبي جبيلة ، كما مر .

ثم إنه دب الخلاف بين الخزرج والأوس ، واتصلت الحروب بينهم ، ومن أشهر الوقائع التي كانت بينهم يوم بعاث قبل المبعث . قالت عائشة : كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله . وذلك لأنه لما كثر القتل بينهم وفقدوا الأمان أرادوا أن يكون لهم رئيس يقضي بينهم بالعدل وينشر الأمن والطمأنينة فكان الإسلام ، وكان رسول الله ، فآمنوا به ونصروه .