لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (41%)

(تلخيص بواسطة الذكاء الاصطناعي)

ملخص الفصل الثاني: الأنثروبولوجيا الاجتماعية

يبدأ الفصل بتعريف الأنثروبولوجيا على أنها دراسة الإنسان، بينما علم النفس يهتم بدراسة العقل. يُناقش الفصل الفروق بين المجتمعات، ويُقرر أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من علم الاجتماع.

ينتقد الفصل فكرة تفسير الفروق بين الشعوب بوصفها تعبيراً عن الطابع القومي، ويُشير إلى أن بيئتهم ومصارد رزقهم، وطريقة تنظيم المجتمع تلعب دوراً هاماً في ذلك.

ويُناقش الفصل مجالات اهتمام الأنثروبولوجيا الاجتماعية، مثل: قواعد السلوك، التنظيم الاجتماعي، الثقافة، البناء الاجتماعي، الأدوار، والجماعات.

ويُذكر الفصل أن الأنثروبولوجيا الاجتماعية تهتم بدراسة المجتمعات "غير الغربية"، وخاصة تلك التي لا تعتمد على التكنولوجيا الحديثة. ويُبرز أهمية الملاحظة المشاركة في البحث الأنثروبولوجي.

يناقش الفصل اختلافات الأنثروبولوجيا الاجتماعية عن علم الاجتماع، ويُسلط الضوء على الاختلاف في مجالات الدراسة والمنهج.

وختاماً، ينتقد الفصل استخدام بعض المصطلحات مثل "بدائى" و"قبلي" لوصف المجتمعات، ويُشرح مفهوم "الجماعة" و"الفئة" في علم الاجتماع.


النص الأصلي

الفصل الثانى
الأنثروبولوجيا الاجتماعية
الأنثروبولوجيا معناها "التحدث عن الإنسان" آمѧا أن علѧم الѧنفس هѧو "التحѧدث عѧن
العقل". إن العبارات السائرة على لسان البعض "إننى اهتم بالنѧاس" و"الأجانѧب أشѧخاص
غريبѧѧو الأطѧѧوار"هѧѧى عبѧѧارات رائجѧѧة بصѧѧورة أو أخѧѧرى منѧѧذ أن عѧѧرف الإنسѧѧان آيѧѧف
يسѧتخدم اللغѧة. فѧالجزء الأآبѧر مѧن حѧديث البشѧر يѧدور حѧول مѧا يفعلѧه النѧاس (أحيانѧاً عѧن
المتحدث والأغلب عن غيره). ويعجب آل من جѧاءت لѧه فرصѧة السѧفر بعيѧداً عѧن وطنѧـه
من الاختلاف بين ما اعتاد عليه هو وبين ما يفعله غيره من الناس فى الأماآن الأخرى.
فالأنثروبولوجيѧا ينظѧر إليهѧا أحيانѧاً علѧى أنهѧا الدراسѧة التѧى تعرفنѧا بكѧل "مѧا يمكѧن
معرفته عن الإنسان". فهى بالنسبة للذين ينظرون إليها هذه النظرة تشمل فى الواقع جميѧع
الموضوعات التى آانت مزدهرة حوالى منتصف القرن التاسع عشѧر أى عنѧدما بѧدأ "علѧم
الإنسان" (أو الثقافة) وعلѧم الآثѧار واللغويѧات. وهنѧاك رأى بѧديل وهѧو أن الأنثروبولوجيѧا
الاجتماعيѧة هѧى فѧرع مѧن علѧم الاجتمѧاع، وأن أقѧرب العلѧوم إليهѧا هѧى العلѧوم الاجتماعيѧة
الأخرى. وهذه هى وجهة النظر التى يتخذها هذا الكتاب.
الفروق بين المجتمعات
من ذلك نرى أن علم الاجتماع هو دراسѧة المجتمѧع وأن الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة
هى فرع من علم الاجتماع. والسѧؤال هѧو: لمѧاذا يطلѧب مѧن الѧبعض أو لمѧاذا يرغبѧون فѧى
دراسة المجتمع؟ إننا جميعاً أفراد فى المجتمع، والمفروض أننѧا نعرفѧه مѧن خѧلال تجربتنѧا
فيه. فمعظمنا ينشأ وهو يعرف آيف يتصرف تجاه الآخرين، وعندما يتم نموه، يصبح مѧن
البديهى لديه أن هناك طريقة واحدة للسلوك. وعندما يسѧافر إلѧى الخѧارج لقضѧاء إجѧازة أو
لقضاء مدة أطول، سرعان ما يكتشف أن قواعد السلوك مختلفة فى الدول المختلفة. ويظن
بعضѧنا أن هѧذا دليѧل علѧى حطѧة الѧدولى الأخѧرى، ولا يخطѧر ببالنѧا أننѧا فѧى نظѧر الѧدول
الأخرى التى تنتهج قواعد أخرى فى السلوك أقل مكانѧة مѧنهم. وقѧد قѧال ديكنѧز علѧى لسѧان
بودسناب أحد شخصيات رواياته: "لا توجد دولة أخرى محظوظة آهѧذه الدولѧة". وعنѧدما
سأله أحد ضيوفه الأجانب الجالسين إلى مائدة العشاء: "وماذا عѧن الѧدول الأخѧرى" أجابѧه
"إنهѧѧم للأسѧѧف يتصѧѧرفون ولكنѧѧى مضѧѧطر للأسѧѧف أن أقѧѧول، إنهѧѧم يتصѧѧرفون بطѧѧريقتهم
الخاصة".


٢٧
لقѧد ظѧل القسѧط الأعظѧم مѧن اهتمѧام علѧم الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة ينصѧب علѧى
أو غيرهѧا مѧن الѧدول الصѧناعية (*) الشعوب التѧى تختلѧف اختلافѧاً بعيѧداً عѧن "هѧذه الدولѧة"
التѧѧى يطلѧѧق عليهѧѧا اسѧѧم الѧѧدول الغربيѧѧة (بغѧѧض النظѧѧر عѧѧن المفهѧѧوم الجغرافѧѧى). أى أن
اهتمامهѧا آѧان ينصѧب علѧى الشѧعوب التѧى يطلѧق عليهѧا اسѧم "البدائيѧة" أو "الشѧعوب ذات
التكنولوجيѧѧا البسѧѧيطة"، وهѧѧى الشѧѧعوب المحرومѧѧة مѧѧن معѧѧداتنا وآلاتنѧѧا. ولا يقصѧѧد بѧѧذلك
الرادار ووسائل النقل الآلى فحسب، ولكنها الشعوب الفقيرة والجاهلѧة. فبѧدون هѧذه الآلات
وبدون المال والعلم لا يعرف هѧؤلاء النѧاس آيѧف يصѧرفون أمѧورهم. فيضѧطرون إلѧى أن
ينظمѧѧوا حيѧѧاتهم بطريقѧѧة تختلѧѧف عѧѧن طريقتنѧѧا أشѧѧد الاخѧѧتلاف. ولكѧѧن إذا درسѧѧنا نوعيѧѧة
المجتمعات التى يعيشون فيها وقارناها بمجتمعات الغرب، لوجدنا أن هناك مبادئ أساسѧية
مشѧترآة بيننѧا وبيѧنهم للحيѧاة فѧى المجتمѧع. ويمكѧن التعѧرف علѧى هѧذه المبѧادئ المشѧترآة
بمقارنة مختلف أنواع المجتمعات.
هذا وتختلف المجتمعات "البدائية" أو "البسيطة" بعضها عن بعض أآثر مما تختلف
المجتمعات الصѧناعية فيمѧا بينهѧا، فهѧل يمكننѧا تفسѧير هѧذه الاختلافѧات والفѧروق وتعليلهѧا؟
يظن البعض أنها ترجع إلى طبيعة الشعوب المختلفة – أى إلى الصفات التى توارثوها فѧى
دمهم من أسلافهم وآبائهم. أم هناك مؤثرات مصيرية فѧى بيئѧتهم ومصѧادر رزقهѧم؟ أو فѧى
طقس بلادهم؟
إن تفسير الفروق بين الشعوب – وأحيانѧاً بѧين الأفѧراد – بوصѧفها تعبيѧراً عѧن الطѧابع
القومى – موضوع شيق ومحبوب لدى الناس. فلكل منا صورة ذهنية عن الألمانى الأصل
أو الروسى أو الهنѧدى الغربѧى. وعنѧدما نسѧمع أن الحكومѧة الألمانيѧة أو الحѧزب الشѧيوعى
الروسى أو آمسارى أتوبيس ملون قѧد أتѧى بشѧىء لا نقѧره لѧو آنѧا فѧى مكѧانهم، (أو شѧئ لا
نرضاه) نفسر ذلك بالطابع الخاص الذى نربطه بتلك الصورة الذهنية.
وآثيراً ما نسѧمع النѧاس يقولѧون عѧن الأغѧراب الѧذين لا يحبѧونهم إن بعѧض الصѧفات
مثل "القسوة" أو "الكسل" هى فى دمائهم. وإذا حدث وآان رجل أو امѧرأة مميѧز فѧى شѧئ
ما، فيقال إن الموسيقى مثلاً أو حب البحر فى دمه (أو دمها). وفى الواقع إذا وجدت نابغѧة
فى الموسيقى قد تربى فى أسرة موسيقية فيرجع ذلѧك إلѧى أنѧه قѧد تعѧود علѧى المѧران علѧى
الموسيقى منذ آان فى الثالثة من عمره، وليس لأنه قد ورث هذه الموهبѧة. إن العلاقѧة بѧين
القѧѧدرات التѧѧى تولѧѧد بهѧѧا وبѧѧين نوعيѧѧة الشѧѧخص الѧѧذى سѧѧنكونه هѧѧى علاقѧѧة معقѧѧدة للغايѧѧة
وسنتناولها بالتفصيل فى فصل قادم. إلا أن أى دارس لعلم الأنثروبولوجيا يجب أن نحѧذره
منذ البداية من أمرين:
أولهما أن الصفات الطبيعية (الجسمية) التى نرثها لا تكѧون فѧى الѧدم، رغѧم افتѧراض


(*) المؤلفة تشير إلى بلدها بريطانيا.
٢٨
الناس لذلك لمدة طويلة، بحيث يصعب عليهم عدم استخدام العبѧارة الشѧائعة "قرابѧة الѧدم".
وثانيهما أن طريقة سلوك الشخص الفرد لا علاقѧة لهѧا إطلاقѧاً بطريقѧة تنظѧيم المجتمعѧات.
فلا يمكن تفسير الفروق الموجودة بين المجتمعات بقولنا أنها مكونة من أنمѧاط مختلفѧة مѧن
الناس فبعض هذه الفروق الموجودة بين المجتمعات تعكس اختلافات فى مدى التكنولوجيا
الموجودة بها. فهنѧاك فѧروق شاسѧعة بѧين المجتمعѧات الصѧناعية التѧى تسѧتخدم القѧوة الآليѧة
علѧى نطѧاق واسѧع، وتلѧك التѧى تضѧطر إلѧى عѧدم اسѧتخدام الآلات. ولكѧن هنѧاك اختلافѧات
آثيرة فى إطار آل من النوعين لا يمكن تفسيرها بالفروق التى يسببها تكوينها الوراثى.
وماذا عن التفسير الجغرافى؟ إن الذين يعيشѧون فѧى بѧلاد تقѧل فيهѧا الميѧاه يضѧطرون
إلѧى تكييѧف أنفسѧهم بحيѧث يسѧتغلون مѧا لѧديهم مѧن ميѧاه، أى الانتقѧال بماشѧيتهم إلѧى حيѧث
يجدون المرعى، أو بناء مساآنهم بالقرب من مصدر المياه الدائم، أو إرسال شѧبانهم بعيѧداً
مع ماشيتهم للرعى. والناس الذين يعيشون فى بلاد منكوبة بذبابѧة "التستيسѧى" يضѧطرون
إلى الاستغناء عن الماشية. أما الѧذين يعيشѧون فѧى الجѧزر فيتعلمѧون بنѧاء السѧفن ويعرفѧون
آيف يبحرون بواسطة النجوم. ولو أن هناك شعوباً فى حوض النيѧل لѧم يبنѧوا قاربѧاً واحѧداً
فى حياتهم. فالناس الѧذين يزرعѧون احتياجѧاتهم الغذائيѧة علѧى رقعѧة محѧدودة مѧن الأرض،
يضطرون إلى وضع قواعد تحدد من له أحقية استخدام الأرض.
إلا أننا لا نجد تشابهاً بين مجتمعات الرعاة أو سكان الجزر مثلا،ً آما لا يمكن إيجѧاد
علاقة بين هذه الفروق وبѧين البيئѧة. فالبيئѧة الصѧعبة تحѧد ممѧا يمكѧن لأهلهѧا أن يقومѧوا بѧه.
وأآبر مثال على ذلѧك قبائѧل "تورآانѧا" فѧى شѧمال آينيѧا. إذ تضѧطرهم أرضѧهم البѧور إلѧى
مداومة التنقѧل بماشѧيتهم بحثѧاً عѧن المرعѧى والمѧاء. ولا تقѧل المجموعѧة البدويѧة مѧنهم عѧن
ست أفراد ينتقلون معا.ً وحتى ما يعتبر سكان قريѧة صѧغيرة، أى مائѧة شѧخص تقريبѧاً – لا
يجدون قوتهم أو قوت ماشيتهم فى وقت واحد وفى مكان واحد، ولذا فليس لقبائل التورآانا
أى قرى أو رؤساء للقرى أو مجالس للقرى يعرض فيهѧا السѧكان مشѧاآلهم ويحلونهѧا. فهѧم
بѧذلك يكѧادون يفتقѧرون إلѧى أى تنظѧيم سياسѧى. إلا أن هنѧاك فѧى العѧالم شѧعوباً قليلѧة جѧداً
تضطر إلى مواجهة مثل هذه الصعاب الشديدة. فغالبية سكان العالم يستطيعون العѧيش فѧى
قѧرى مسѧتقرة، أو تجمعѧات أآبѧر مѧن القѧرى، حيѧث تتعاقѧب الأجيѧال فѧى العѧيش فѧى نفѧس
المكان. وليست آل هذه الشعوب متشابهة، آما لا يمكن تفسير الفروق بينها بسقوط المطر
أو درجة الحرارة أو نوع الزراعة التى تنتجها الأرض.
وربمѧѧѧا يتعѧѧѧين علينѧѧѧا عنѧѧѧد هѧѧѧذا الحѧѧѧد أن نتسѧѧѧاءل: أى هѧѧѧذه الفѧѧѧروق تهѧѧѧم دارسѧѧѧى
الأنثروبولوجيا الاجتماعية أآثѧر مѧن غيرهѧا؟ إذ يلاحѧظ المسѧافر مѧثلاً أن بعѧض الشѧعوب
تأآل الجبن مѧع الإفطѧار، والѧبعض يفضѧل استضѧافتك فѧى مطعѧم بѧدلاً مѧن استضѧافتك فѧى
منزله، والبعض يѧتكلم أفѧراده جميعѧاً فѧى وقѧت واحѧد بصѧوت مرتفѧع، بينمѧا آخѧرون يѧتكلم
٢٩
مѧنهم واحѧد والبѧاقون ينصѧتون دون أن تكѧون هنѧاك علاقѧة بѧين موضѧوع حѧديث الواحѧد
والآخѧر. إلا أن هѧذه الفѧروق هѧى فѧروق سѧطحية. فالѧذى يقضѧى فѧى بلѧد مѧدة أطѧول مѧن
الأسبوعين اللذين يقضيهما فى إجازتѧه سيكتشѧف صѧفات أآثѧر أهميѧة فѧى الأغѧراب الѧذين
يعيش بينهم. إذ سيلاحظ أن هناك قواعد معينة تحدد الطرف الذى يمكن أن يقترن به الفرد
بѧالزواج ومѧا يجѧب عملѧه ليصѧبح الѧزواج قانونيѧا،ً ومѧن لѧه الحѧق فѧى المطالبѧة بممتلكѧات
المتوفى، ومن له الحق فى إصدار الأوامر التى تطاع. وطريقѧة اختيѧار هѧذه القواعѧد. آمѧا
سيلاحظ أيضاً معتقدات هذه الشعوب عن طبيعة العالم والمخلوقات غير المرئية التى تهتم
بالشئون البشرية.
هѧذه هѧى الأمѧور التѧى يهѧتم بهѧا عѧالم الأنثروبولوجيѧا إذ لا يهمѧه مجѧرد مѧا يѧراه مѧن
سلوك الناس اليومى، وإنمѧا مѧا وراء السѧلوك اليѧومى، أى طريقѧة تنظѧيم ذلѧك السѧلوك بمѧا
يجعله مجتمعا،ً وليس مجرد مجموعة من الناس تصѧادف أنهѧا تعѧيش فѧى نفѧس البقعѧة مѧن
العالم.
إن قواعد السلوك التى يتكون منها هذا التنظيم، أى الحقѧائق أو الظѧواهر الاجتماعيѧة
هѧى موضѧوع اهتمѧام دارس المجتمѧع. فهѧل يمكѧن تفسѧيرها بشѧىء ممѧا وراء المجتمѧع أو
منفصل عنه؟ هل يمكن تفسيرها بأوعية تفكير الإنسان، أو بمدى طول موسم الأمطار فѧى
أنحاء مختلفة من العالم؟ إن دورآايم Durkhiem عالم الاجتماع الفرنسى المشهور، الѧذى
استلهمه آثيرون من الأنثروبولوجيين البريطانيين، يقول "لا" فكѧل مѧا هѧو اجتمѧاعى لابѧد
أن يفسر بظواهر اجتماعية أى من النوع نفسه. بعبارة أخرى، سنجد أن بعض الإجراءات
والأوضѧاع هѧى عبѧارة عѧن طѧابع مميѧز لѧبعض الشѧعوب ذات التكنولوجيѧا البسѧيطة أو أن
بعѧض قواعѧد الميѧراث مرتبطѧة بѧبعض قواعѧد الѧزواج وملازمѧة لهѧا. ولكѧن مѧن العبѧث
الخروج إلى خارج المجتمع للبحث عن تفسير لما يحدث فى داخله.
مجال الأنثروبولوجيا الاجتماعية
آان علماء الأنثروبولوجيا الأولون يقولون إن اهتمامهم منحصر فى "آل مѧا يخѧص
الإنسان". فلم يتنبأوا بأن مجال الدراسات التى تفسر تاريخ الإنسان، وسلوآه الاجتمѧاعى،
وصفاته البيولوجية والفيزيولوجية سيتسع بحيث لا يمكن للفرد الواحد أن يلم بهѧذا الميѧدان
الواسѧѧع آلѧѧه. فهنѧѧاك اليѧѧوم آراء مختلفѧѧة عѧѧن أفضѧѧل طريقѧѧة لتجميѧѧع هѧѧذه الموضѧѧوعات،
فالبعض يؤمن "بتكامل جميع الدراسات الأنثروبولوجية". وهذا معناه، من الناحية العمليѧة
والتطبيقية، الاحتفاظ (مع إضافة موضوع واحد آخر) بالمجموعة التى آانѧت تكѧون "علѧم
الإنسѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧان" عنѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧدما تأسѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧس المعهѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧد الأنثروبولѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧوجى الملكѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧѧى
. فبالنسѧبة لѧدعاة هѧذه المدرسѧة (١) Institute Anthropological Royal سѧنة ١٨١٣


(١) باسم الجمعية الإثنولوجية لبريطانيا العظمى.
٣٠
يجب ربط الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالأنثروبولوجيا الطبيعيѧة، أو تصѧنيف البشѧرية إلѧى
أجناس. وربطهѧا بعلѧم الآثѧار أى دراسѧة الآثѧار المدفونѧة للمجتمعѧات القديمѧة، وباللغويѧات
وهى دراسة أسس اللغة وقواعدها العامѧة. ولمѧا آانѧت آѧل هѧذه الدراسѧات قѧد تحولѧت إلѧى
تخصصات منفصلة مع ظهور فروع جديدة للعلѧوم الاجتماعيѧة، فقѧد فضѧل بعѧض العلمѧاء
ربѧѧѧط الأنثروبولوجيѧѧѧا الطبيعيѧѧѧة بالدراسѧѧѧات البيولوجيѧѧѧة. وعلѧѧѧى أيѧѧѧة حѧѧѧال، فѧѧѧإن مجѧѧѧال
الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧѧة قѧد اتسѧѧع بحيѧث يصѧѧعب علѧى آثيѧѧر مѧن النѧѧاس أن يصѧѧبحوا
أخصائيين فѧى وقѧت واحѧد فѧى الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة وفѧى أى فѧرع آخѧر مѧن فѧروع
الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة بѧالمعنى الواسѧع. فعلѧى آѧل عѧالم مѧن علمѧاء الأنثروبولوجيѧا
الاجتماعيѧة أن يѧتكلم لغѧة النѧاس الѧذين يعمѧل معهѧم، إلا أن القليلѧين هѧم الѧذين يسѧتطيعون
دراسة اللغويات دراسة وافية.
إن علѧѧم الإثولوجيѧѧا Ethology – وهѧѧو دراسѧѧة سѧѧلوك الحيوانѧѧات الحيѧѧة – يѧѧرتبط
ارتباطاً واضحاً بالأنثروبولوجيا الاجتماعية فى هذا المجال فهو ما نلاحظه من تشابه بѧين
سلوك الحيوانات وسلوآنا، وبذا نعѧرف أى ميѧل مѧن ميولنѧا آѧان فينѧا بفعѧل الوراثѧة. فمѧثلاً
هنѧاك أنѧواع مѧن الحيوانѧات نلاحѧظ فيهѧا علاقѧة بѧين السѧيطرة والخضѧوع، وهѧو نѧوع مѧن
الاعتѧراف بالسѧلطة التѧى هѧى أسѧاس لجميѧع الѧنظم السياسѧية. وفѧى الوقѧت الحѧالى يختلѧف
الإيثولوجيون (علماء السلوك الحيوانى) فى موضوع هام وهو: هل الحيوانات "عدوانية"
بطبيعتها؟ وينسى بعضهم أن الإنسان قد فاق الحيوانات فى قدرته على آبح زمѧام نزواتѧه.
ويحاولون تفسير سلوآنا آما لو آنѧا أآثѧر شѧبهاً بѧالقردة عمѧا نحѧن عليѧه فѧى الواقѧع. ولكѧن
آلما تقدمت هذه الدراسة سنلقى ضوءاً أآثر فأآثر على دوافع السلوك البشرى.
إن أقرب العلوم الاجتماعيѧة إلѧى الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة هѧو علѧم الاجتمѧاع آمѧا
سبق أن أوضحنا. إلا أن هناك آراء مختلفة ومتباينة عن العلاقة بينهمѧا. فكѧل منهمѧا يѧدعى
لنفسه دراسѧة "المجتمѧع" آلѧه ولѧيس جانبѧاً واحѧداً منѧه مثѧل الاقتصѧاد أو السياسѧة. إن علѧم
الاجتمѧاع أقѧدم آثيѧѧراً مѧن الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧѧة. فقѧد بѧدأ علѧѧى يѧد أوجسѧت آونѧѧت
Comte Auguste) ١٨٥٧-١٧٩٨ (فѧى فرنسѧا وهربѧرت سنبسѧر Spencer Horbert
(١٩٠٣-١٨٣٠) فى إنجلترا. أما الѧرجلين اللѧذين يعتبѧران مؤسسѧا التѧراث البريطѧانى فѧى
الأنثروبولوجيѧѧѧѧѧا الاجتماعيѧѧѧѧѧة وهمѧѧѧѧѧا مالينوفسѧѧѧѧѧكى Malinowski ورادآليѧѧѧѧѧف بѧѧѧѧѧراون
Brown-Radcliffe) وخاصѧѧة الأخيѧѧѧر منهمѧѧا) فقѧѧѧد نهѧѧلا مѧѧѧن أفكѧѧار علمѧѧѧاء الاجتمѧѧѧاع
الفرنسيين فى أواخر القرن التاسع عشر. وقد قال رادآليف براون فѧى الخطѧاب الافتتѧاحى
الذى ألقاه بصفته رئيساً للمعهد الأنثروبولوجى الملكى أنه "علѧى اسѧتعداد تѧام لتسѧمية هѧذه
المѧادة "بعلѧم الاجتمѧاع المقѧارن" إذا أراد أى فѧرد ذلѧك" فقѧد آѧان هѧو شخصѧياً ميѧالاً إلѧى
صياغة ما توصل إليه من قواعѧد عامѧة فѧى إطѧار المجتمѧع الإنسѧانى بصѧفة عامѧة، ولѧيس
حسب نوع معين من المجتمعات التى تنتمى فى الواقع إلى تخصص عѧالم الأنثروبولوجيѧا
٣١
الاجتماعيѧة. وقѧد قѧال أحѧد علمѧاء الاجتمѧاع المعاصѧرين وهѧو دونالѧد ماآريѧه Donald
Mcrae) وهو أحد القلائل فى مهنته الذين درسوا الأنثروبولوجيا الاجتماعية فى الجامعة:
. وقѧد ضѧمت آثيѧر (١) "لا يمكننى أن اعترف إلا بوجود طابع خѧاص وهويѧة فѧى نظريتنѧا"
مѧن الجامعѧات البريطانيѧة أقسѧام علѧم الاجتمѧاع مѧع علѧم الأنثروبولوجيѧا، ويسѧمى أحѧدهما
نفسه بفخر "قسم الأنثروبولوجيا" رغم وجود أستاذين لكل مادة (ويحمل آل منهمѧا درجѧة
علمية فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية).
إذن أين وجه التقسيم؟ تتضمن العبارة السابقة أحد أسس التقسيم وهو مѧنح الجامعѧات
درجات علمية منفصلة لكل من المادتين. ولكن لابد من وجѧود سѧبب لѧذلك. السѧبب بسѧيط،
لكنѧѧه يرجѧѧع إلѧѧى الممارسѧѧة، ولѧѧيس إلѧѧى مبѧѧدأ نظѧѧرى معѧѧين. ذلѧѧك أن آѧѧلاً منهمѧѧا يتنѧѧاول
موضوعاً مختلفا،ً آما أنهما يستخدمان مناهج متباينѧة إلѧى حѧد آبيѧر. ويمكѧن القѧول بأنهمѧا
فروع لدراسة المجتمع، آما أن علم النبات وعلم الحيوان هما من بين فروع علѧم الأحيѧاء.
فعلماء الاجتماع يدرسون المجتمعات الصناعية التى نشأت خلال القرن والنصف الأخير.
وهم فѧى ذلѧك لا يѧدعون أنهѧم ينظѧرون إلѧى هѧذه التنظيمѧات الكبѧرى آكيانѧات آليѧة، لكѧنهم
ينظѧѧرون إليهѧѧا مѧѧن نѧѧواح مختلفѧѧة فهѧѧم يدرسѧѧون الخلفيѧѧات مѧѧن السѧѧجلات التاريخيѧѧة منهѧѧا
والإحصѧѧائية. آمѧѧا يسѧѧتمدون البيانѧѧات المعاصѧѧرة أساسѧѧاً مѧѧن الاسѧѧتبيانات التѧѧى تعطѧѧى
معلومات عن عدد محدود من النقاط المستقاة من عدد آبير مـن الناس. فهѧم لا يبѧدأون آѧل
آتاب يؤلفونه بوصف المجتمѧع الѧذى يتناولونѧه، لأن ذلѧك المجتمѧع هѧو مѧن نمѧط المجتمѧع
الذى يعيش فيه قراؤهم.
إن الأنثروبولѧوجيين يعملѧون فѧى مجتمعѧات غريبѧة عѧنهم أى "ثقافѧات أخѧرى" آمѧا
سماها جون بيتى عالم الأنثروبولوجيا من أآسѧفورد فѧى آتابѧه الѧذى ألفѧه آمقدمѧة فѧى علѧم
الأنثروبولوجيا. وهى غالباً مجتمعات عاشت حتى وقت قريب بدون تكنولوجيا الآلѧة التѧى
تعتمد عليها المجتمعات الصناعية، وبدون وسائل الاتصال مثل الكتابѧة والعملѧة المعتѧرف
بها عامة. ولا يجد الأنثروبولوجيون فى المجتمعات السابقة لمعرفة القراءة والكتابة آل ما
يحتاجون إليѧه مѧن سѧجلات ومسѧتندات البحѧث، ثѧم إن علѧيهم رسѧم صѧورة عامѧة للمجتمѧع
بأآمله، قبل أن يبدأ القارئ فى فهم المشكلة الخاصѧة التѧى يدرسѧها الأنثروبولѧوجى. فѧرغم
أن اهتمѧѧام الأنثروبولѧѧوجيين الأصѧѧلى هѧѧو التعѧѧرف علѧѧى بنѧѧاء المجتمѧѧع – أى الحقѧѧوق
والواجبات التى تؤدى إلى ترابط المجتمѧع – إلا أن علѧيهم أيضѧاً تسѧجيل الثقافѧة وتѧدوينها،
أو آما عبر عنها الكتاب القدامى، عادات أفراد ذلك المجتمع وطريقة تصѧرفهم وسѧلوآهم.
وآثير من الأنثروبولوجيين يهتمون بالرمزية وطريقѧة تفسѧير النѧاس للعѧالم الѧذى يعيشѧون
فيه، وهما موضѧوعان ليسѧا فѧى مجѧال الاهتمѧام العѧادى لعلمѧاء الاجتمѧاع. وتسѧمى طريقѧة


(١) D.G. Mcrae, Ideology and Society, ١٩٦١, P. ٤٨.
٣٢
البحث التى يستخدمها الأنثروبولوجى "بالملاحظة المشارآة"، فهѧو يعѧيش فѧى القريѧة (أو
فى حى "جيѧرة" فѧى إحѧدى المѧدن)، ويѧتكلم اللغѧة المحليѧة، ويرقѧب الأنشѧطة المحيطѧة بѧه
ويشѧارك فيهѧѧا، ويتتبѧع حѧѧوادث الشѧجار أو الأزمѧѧات. وهѧذه الطريقѧѧة فѧى البحѧѧث تناسѧѧب
المجتمعات ذات العدد القليل من السكان، فإن من أحسن ما قام به الأنثروبولوجيون بحوثѧاً
تمت فى قرية ذات بضعة عشر آوخا.ً
ولاشك أن هناك باحثين فرادى يتعدون الحدود، ولاشك أيضاً أن الحدود ليست دائماً
واضحة فى الحياة الواقعية آما صورتها فى آتابى هذا. فاليابان مѧن أهѧم الѧدول الصѧناعية
وأآبرها، إلا أنها تبدو غريبѧة فѧى أطوارهѧا بالنسѧبة لأهѧالى الѧبلاد الأنجلѧو سكسѧونية. وقѧد
قال أحد مشاهير علماء الاجتماع الذى عمل فى عنبر بمستشفى فى طوآيو أنك لا تستطيع
أن تحكم على مجتمعك وتفسره إلا إذا شاهدت مجتمعاً آخراً مختلفاً عنه تمامѧا،ً وهѧو نفѧس
ما يردده علماء الأنثروبولوجيا عندما يريدون التدليل على أهمية موضوعهم. ومѧن ناحيѧة
أخѧرى نجѧد أن هنѧاك أنثروبولѧوجيين قѧد عملѧوا فѧى مؤسسѧات مثѧل مستشѧفيات الأمѧراض
العقلية والمصانع واعتبروها "مجتمعات آلية متكاملة" بالنسبة للغرض من دراستهم، فѧى
حين أن غيرهم فضلوا تطبيق خبرتهم فى تحليل نظام القرابة عند سكان لندن.
وتختلف الأنثروبولوجيѧا الاجتماعيѧة حسѧب التقليѧد البريطѧانى عѧن الإثنولوجيѧا التѧى
تهتم أساساً بالتاريخ القديم للشعوب التى ليس لها سجل مكتوب ومѧدون. وبѧذا تكѧون أقѧرب
وأقوى ارتباطاً بعلѧم الآثѧار. وهنѧاك مصѧطلح فنѧى آخѧر هѧو الإثنوجرافيѧا الѧذى يشيѧـر إلѧى
عملية جمع البيانات عن طريق السؤال المباشر والملاحظѧة المباشѧرة بصѧرف النظѧر عѧن
الفѧرض النظѧرى للبحѧث، آمѧا يشѧير هѧذا المصѧطلح إلѧى الكتѧب التѧى ترآѧز علѧى وصѧف
المجتمع الذى تجرى دراسته وليس على المشكلات أو الموضوعات النظرية العامة.
بعض المصطلحات الأساسية
يسمى نفر قليل من الأنثروبولوجيين فى بريطانيѧا وعѧدد آبيѧر مѧن الأنثروبولѧوجيين
فѧى أمريكѧا أنفسѧهم بѧالأنثروبولوجيين الثقѧافيين، ويقولѧون إن محѧور اهتمѧامهم الأآبѧر هѧو
الثقافة. وآل هؤلاء ينحدرون مباشرة من تايلور Tylor وبواس Boas. أمѧا الѧذين يسѧمون
. (١) أنفسهم بدارسى المجتمع فهم الأتباع الفكريون لدورآايم، ورادآليف براون
وقد آتب تايلور فى آتابه الذى نشر عام ١٨٧١ فى تعريѧف الثقافѧة يقѧول "إنهѧا ذلѧك
الكل المرآب الذى يشمل المعرفة والمعتقدات والفѧن والأخلاقيѧات والقѧانون والتقاليѧد وأى
. فهذا التعريف – (٢) قدرات أخرى وعادات يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً فى المجتمع"


(١) انظر صفحات .٢٨-٢٦
(٢) Primitive Culture, ٥th (edn.,) ١٩١٣, Vol. ١, P. ١.
٣٣
الذى يعتبر فى الواقع حصراً – قد ضغط أحياناً فى عبارة واحѧدة تقѧول إن الثقافѧة تتضѧمن
جميع أنواع السلوك المكتسب. ومن الناحية العمليѧة نجѧد أن الطѧابع المميѧز لدراسѧة الثقافѧة
هѧو أنهѧا تهѧتم "بالتقاليѧد" و"الأسѧاليب"... أمѧا الفѧن فيقصѧد بѧه تѧايلور Tylor" الأسѧاليب
الفنية". ولما آان بعض آبار دارسى الثقافة – مثѧل بѧواس Boas فѧى أمريكѧا – قѧد اهتمѧوا
بجمѧع العينѧات للمتѧاحف، لѧذا فѧإن الأشѧياء التѧى تبѧدعها الأسѧاليب الفنيѧة تسѧمى "بالثقافѧة
المادية". والثقافة هى الملكية المشترآة لمجموعѧة مѧن النѧاس يشѧترآون فѧى نفѧس التقاليѧد.
وهѧذه المجموعѧة مѧن النѧاس بѧالتعبير الاجتمѧاعى، هѧى مѧا يطلѧق عليѧه اسѧم المجتمѧع. ففѧى
الوقت الѧذى آѧان تلاميѧذ مالينوفسѧكى Malinowski يبѧدأون فيѧه أول دراسѧاتهم الميدانيѧة،
اختاروا المجتمع الذى يذهبون إليه وأعدوا أنفسهم لدراسة "ثقافته".
لكѧنهم لѧم يتصѧوروا أن آѧل مѧا علѧيهم عملѧه هѧو حصѧر العناصѧر التѧى تكѧون منهѧا
الثقافѧة، وهѧو اتجѧاه يѧؤدى إلѧى المحѧال والعبѧث: مثѧل اعتبѧار بعѧض التقاليѧد ذات الѧدلالات
المتباينة أشد التباين مجرد "طرق" للتصرف ومعالجتها على نفѧس المسѧتوى (مثѧال ذلѧك:
الحكومѧѧѧة البرلمانيѧѧѧѧة والأآѧѧѧل بالعصѧѧѧѧى فѧѧѧى اليابѧѧѧѧان). هѧѧѧذا ولѧѧѧѧم يسѧѧѧمح مالينوفسѧѧѧѧكى
Malinowski لتلاميذه أن يرتكبوا مثل هذا الخطأ، فقد أصر على تحليѧل الثقافѧة لѧيس إلѧى
عناصر Traits بل إلѧى نظѧم Institutions. فالحكومѧة البرلمانيѧة فѧى رأيѧه عنصѧر ثقѧافى
أساسى، أما العصى المستعملة فى الأآل فهى جزء بسيط من مرآب النظم الذى يواجه بѧه
الناس حاجاتهم إلى التغذية.
فإذا نظرنا إلى النѧاس علѧى أنهѧم مجѧرد حملѧة للثقافѧة فمѧن التبسѧيط الخطѧر أن نعتبѧر
الثقافة مجموعة من القواعد والأساليب التى لها وجѧود مسѧتقل. وهѧذا هѧو مѧا يسѧمى أحيانѧاً
بتجسѧيد الثقافѧة. أمѧا فѧى أمريكѧا فقѧد انتهجѧت إحѧدى مѧدارس الأنثروبولوجيѧا منهجѧاً يضѧع
الناس فى الصورة، أى يأخذ وجودهم فѧى الاعتبѧار، وهѧو دراسѧة الثقافѧة الشخصѧية. وهѧو
ببساطة شديدة منهج يفترض أن الثقافة تعكس وتخلق نمطاً معيناً من الشخصѧية فѧى النѧاس
الذين يشترآون فى هذه الثقافة. وهو منهج لم يجد له مؤيدين آثيرين فى بريطانيا.
وعندما يقول الأنثروبولوجيون البريطانيون إنهم يهتمون بالحقѧائق الاجتماعيѧة أآثѧر
من اهتمامهم بالحقائق الثقافية، فإنهم يقصدون أنهѧم يهتمѧون بتفاعѧل النѧاس الѧذين يعيشѧون
فѧى المجتمѧع. ولѧيس بالسѧمات الشخصѧية للأفѧراد. حتѧى لѧو آانѧت هѧذه السѧمات هѧى فѧى
نظѧرهم عبѧارة عѧن نتѧاج ثقѧافتهم. فمازلنѧا نميѧل إلѧى الاعتقѧاد بѧأن الدراسѧة الميدانيѧة تهѧتم
بمجتمع معين، ويجدر بنا أن نسأل عما نعنيه بذلك.
لقد قال رادآليف براون Brown-Radcliffe إن مجال دراسة الأنثروبولوجيا يمكѧن
، وأنه بعد اختيار "مجتمعه" بهذه الطريقة عليه (١) أن يكون أى مكان ملائم بحجم مناسب"


(١) Structure & Function in Primitive Society, ١٩٥٢, P. ١٩٣.
٣٤
أن يدرس بناءه. و"البناء" هو الآن المفهوم الأساسى فى الجزء مѧن البحѧوث التѧى تѧتم فѧى
مجال الأنثروبولوجيا الاجتماعية. وهو يعنى أننا نفكر فى "المجتمع"، وليس فى "الثقافة"
آتكوين منظم لأجزاء متعددة، وأن واجبنا هѧو اآتشѧاف هѧذا النظѧام وتفسѧيره. وهѧو يتكѧون
من العلاقات القائمة بين الأفراد، وهى علاقات ينظمهѧا مجموعѧة مѧن الحقѧوق والواجبѧات
المعترف بها.
وفى مجال الحديث عن البنѧاء الاجتمѧاعى نجѧد مفهѧومين انتشѧر اسѧتعمالهما بأمريكѧا
بفضل لينتون Linton: وهمѧا "المكانѧة" و"الѧدور" فالمكانѧة هѧى مرآѧز الشѧخص بالنسѧبة
لمرآز غيره ممن له معهم علاقات اجتماعية. فالألفѧاظ التѧى تѧتم عѧن المكانѧة تحمѧل دائمѧـاً
معنى العلاقة مع شخص آخѧر مثѧل الابѧن والنѧاظر والѧزوج والبѧائع فѧى متجѧر. وقѧد يكѧون
للإنسان عدة مكانات. آما تѧدل علѧى ذلѧك تلѧك الأمثلѧة التѧى ذآرناهѧا. وقѧد يكѧون لѧه مكانѧة
آلية، وهى إما مرتفعة أو منخفضة نسѧبياً بالنسѧبة لغيѧره مѧن أعضѧاء المجتمѧع. إلا أن لفѧظ
المكانة بهذه الصورة هو لفظ محايد، ولذلك فإن استخدامه لوصف شئ يسعى الإنسان إلѧى
الوصѧѧول إليѧѧه، يكѧѧون اسѧѧتخداماً "خاطئѧѧاً". فالمكانѧѧة قѧѧد تكѧѧون موروثѧѧة Ascribed مثѧѧل
القانون الذى ينص على اعتلاء الملكة اليزابيث الثانية عرش إنجلتѧرا لأنهѧا الابنѧة الكبѧرى
للملك جورج السادس، وقد تكون المكانة مكتسبة Achieved، مثـل العمѧل السياسѧى الѧذى
أوصѧل جѧون آنيѧدى إلѧى مرآѧز رئѧيس الولايѧات المتحѧدة. ولكѧل مكانѧة دور مناسѧب لهѧا.
فالمنتظر مثلاً أن يتصرف الناس آما لو آانوا يحبون زوجاتهم ويحترمون نظارهم، مهما
آانت مشاعرهم الحقيقية. وفى الوقت الذى يهتم فيه العالم النفسѧى بمعرفѧة أسѧباب آراهيѧة
بعض الناس للزواج أو للمدرسة، يهѧتم الأنثروبولѧوجى بالطريقѧة التѧى يحѧدد بهѧا المجتمѧع
الأدوار التѧى يقѧوم بهѧا النѧاس، ونتيجѧة عѧدم أدائهѧا علѧى الوجѧه الأآمѧل. وتتضѧمن الأدوار
مسѧѧئوليات القيѧѧادة والأمѧѧر والحمايѧѧة والطاعѧѧة والتعѧѧاون وتقѧѧديم الهѧѧدايا والمكافѧѧآت فѧѧى
المناسبات... إلخ. إن "الدور" فى المعنى اللغوى العادى هو الجѧزء الѧذى يقѧوم بѧه الممثѧل
فѧى روايتѧه، وهѧذا المعنѧى هѧو مѧا يجعѧل لفѧظ "الѧدور" مناسѧباً فѧى هѧذا المجѧال. فѧالحوار
مكتوب للمثل لكنه يمكن أن يلقيه بطريقة جيدة أو رديئة أو قد ينسѧى الحѧوار أو قѧد يهѧرج،
آما قد يقدم للجمهور مفهوماً جديداً عѧن الشخصѧية التѧى يمثلهѧا أو يقѧدم صѧورة بعيѧدة عمѧا
يتوقعه الناس منها، بحيث يقابلونه بصيحات الاستهجان بدلاً من التصفيق. وبنفس الطريقة
نبذل جميعاً ما فى وسعنا لنقوم بدورنا المتواضع، وعندما تتكون لѧدى النѧاس أفكѧار جديѧدة
عن أداء أدوارهم يتحقق التغير الاجتماعى. والقواعѧد التѧى تحѧدد الأدوار تسѧمى "توقعѧات
الدور" أما الضبط الاجتماعى فيشمل جميع درجات الضѧغط الاجتمѧاعى الѧذى يهѧدف إلѧى
حمل الناس على القيام بأدوارهم وفقاً لهذه التوقعات.
وعلى الممثل أن يلتزم بالحوار المكتوب له، آذلك لكѧل مجتمѧع طريقتѧه المقبولѧة فѧى
التعبيѧر عѧن العلاقѧات التѧى يѧؤدى الѧدور مѧن خلالهѧا. ولنأخѧذ مѧثلاً بسѧيطا:ً طريقѧة التحيѧة
٣٥
المهذبة بالنسبة للهندوس هى وضع اليدين معاً بنفس الطريقة التى يصلى بهѧا المسѧيحيون.
وبالنسѧبة للصѧينيين تكѧون التحيѧة بالانحنѧاء مѧع إخفѧاء اليѧدين فѧى آѧم الѧرداء الواسѧع. أمѧا
الأوروبيون الغربيون فيحيون بالمصافحة بالأيدى. وهѧذه آلهѧا فѧروق ثقافيѧة. فالثقافѧة هѧى
الطريقѧѧة التѧѧى نعبѧѧر بهѧѧا ونرمѧѧز إلѧѧى العلاقѧѧات الاجتماعيѧѧة، وهѧѧى الأشѧѧياء التѧѧى يراهѧѧا
الأنثروبولوجى أول ما يرى فى ميدان عمله والتى تكون أآبر جزء مѧن وصѧفه لمѧا يѧرى.
وقѧѧد قѧѧال نѧѧادل Nadel أن الثقافѧѧة والمجتمѧѧع همѧѧا البعѧѧدان لكѧѧل الحيѧѧاة الاجتماعيѧѧة. إلا أن
رادآليѧف بѧراون قѧال بحѧق أن التعѧريفين اللѧذين وضѧعا للأنثروبولوجيѧا بوصѧفها تѧدرس
الثقافة أو تدرس المجتمع (أى البناء الاجتماعى) يؤديان إلى نوعين مختلفين مѧـن الدراسѧة
. (١) يصعب معهما الوصول إلى اتفاق فى تحديد المشكلات
هѧذا وقѧد سѧبق أن ذآرنѧا شѧيئاً عѧن نوعيѧة المجتمѧع الѧذى يدرسѧه الأنثروبولوجيѧون،
فطالما يعتبرون أن مجال دراستهم هѧو نѧوع معѧين مѧن المجتمعѧات، فѧإن علѧيهم أن يجѧدوا
الكلمѧѧات المناسѧѧبة لوصѧѧف وتشѧѧخيص هѧѧذه النوعيѧѧة مѧѧن المجتمعѧѧات. وهѧѧو أمѧѧر صѧѧعب
ومحرج، لأن الشعوب التى نستهدف دراستها أصبحت تستنكر أى وصف لها يضѧعها فѧى
مكانة وضيعة. ومن الألفاظ التى شاع اسѧتخدامها لوصѧف تلѧك المجتمعѧات لفѧظ "بѧدائى"،
وهو لفظ استخدمه آتاب القرن التاسع عشر لوصѧف حالѧة البشѧرية التѧى اعتبروهѧا بمثابѧة
الطفولѧѧة بالنسѧѧبة لمسѧѧتوى إدراآهѧѧم وتطѧѧورهم البѧѧالغ. فѧѧلا عجѧѧب إذن أن تسѧѧتنكر الѧѧدول
الجديدة النامية هѧذا التعبيѧر. وقѧد اسѧتعمله دورآѧايم Durkhiem للتعبيѧر عѧن أقѧدم الصѧور
الأولى التى يبدو بها أى نظام من النظم فى الواقع. وهكذا نجده فى آتابه عن الѧدين يعطѧى
أسباباً يعلل بها خطأ اعتبار عبادة الأسلاف شيئاً بدائيا.ً
وإذا استخدمنا هذا اللفظ اليوم فلا نقصد به الصفات العقلية أو الأخلاقية، لكننا نقصѧد
به الافتقار إلى التطور فى التقنية. فبعض الأنثروبولوجيين يكتبѧون عѧن "المجتمعѧات ذات
التكنولوجيѧا البسѧيطة" لكنهѧا عبѧارة غيѧر سلسѧة إذا آѧان يتحѧتم أن تتكѧرر آثيѧرا.ً أمѧا لفѧظ
"بسѧѧيطة" فѧѧيمكن اسѧѧتعماله إذا تأآѧѧدنا مѧѧن مدلولѧѧه. وهنѧѧاك تعبيѧѧر آخѧѧر لا يثيѧѧر السѧѧخط
والغضѧѧب وهѧѧو المجتمعѧѧات المحѧѧدودة scale-Small وهѧѧو تعبيѧѧر عѧѧن النطѧѧاق الضѧѧيق
للعلاقѧات الاجتماعيѧة التѧى تنحصѧر فيهѧا المجتمعѧات ذات التكنولوجيѧا البسѧيطة. وأحيانѧاً
يتحѧدث النѧاس عѧن مجتمعѧات المواجهѧة أو مجتمعѧات العلاقѧات المباشѧرة Face to Face
وهѧѧو تعبيѧѧر يѧѧدل علѧѧى أن جميѧѧع أفѧѧراد المجتمѧѧع علѧѧى اتصѧѧال دائѧѧم، أو أنهѧѧم علѧѧى الأقѧѧل
معروفون بعضهم البعض. وهو وضع لا ينطبق إلا على أصغر الوحدات الاجتماعية التى
. (٢) يهتم الأنثروبولوجيون بها


(١) المرجع السابق، ص .١٨٩
(٢) يجѧب ألا يخشѧى الطلبѧة الѧذين يفكѧرون فѧى الامتحѧان مѧن اسѧتخدام هѧذه الألفѧاظ والتعبيѧرات
٣٦
من الواضح أن المجتمعѧات التѧى دخلѧت حѧديثاً عصѧر الآلѧة، ليسѧت آلهѧا علѧى نفѧس
المستوى التكنولوجى. آما لا يستطيع أحد أن يطلق لفظ "بدائى" علѧى حضѧارات الشѧـرق
الأقصѧѧى القديمѧѧة. إلا أن لهѧѧذه الحضѧѧارات بعѧѧض سѧѧمات المجتمعѧѧات المحѧѧدودة أو ذات
النطاق الضيق، وذلك إلى حد أن بعض الأنثروبولوجيين وجد فيهѧا مѧادة ملائمѧة للدراسѧة.
لѧѧذا يفѧѧرق بعѧѧض الكتѧѧاب بѧѧين المجتمعѧѧات البدائيѧѧة والريفيѧѧة. فالبدائيѧѧة فѧѧى رأيهѧѧم هѧѧى
المجتمعات المنطوية على نفسها والمكتفية بذاتها، حيث يقوم الناس بإنتاج طعامهم وغيѧره
من الاحتياجات الضرورية. أما المجتمعات الريفية فهى التѧى يعѧيش فيهѧا المزارعѧون فѧى
مجتمعѧات محليѧة صѧغيرة ذات اآتفѧاء ذاتѧى إلѧى حѧد آبيѧر، لكѧن لهѧم بعѧض العلاقѧات مѧع
مجتمع آبير حيث يبيعون الفائض من إنتاجهم فى السѧوق، آمѧا يخضѧعون لسѧلطة سياسѧية
خارجية عنهم ويتقبلونها، والبعض يفرقون نفس التفرقة بѧين المجتمعѧات القبليѧة والريفيѧة.
فكثير من المجتمعات التى تسمى بالمجتمعات الريفية تتحول الآن بسرعة إلѧى مجموعѧات
من السكان الريفيين الذين يعملون بأجر.
إلا أن لفظ "قبلى" قد اسѧتخدم أيضѧاً للتفرقѧة بѧين سѧكان الريѧف وسѧكان الحضѧر آمѧا
فعѧل ذلѧك فيليѧب مѧاير فѧى آتابѧه "حضѧريون أم قبليѧون" Tribesmen or Townsmen
(١٩٦١) إذ درس بعض قبائل البانتو Bantu فى جنوب أفريقيѧا الѧذين يѧذهبون للعمѧل فѧى
مناطق حضرية لكنهم يحاولون ما استطاعوا أن يبقوا فيها على عѧاداتهم الخاصѧة. آمѧا أن
لفظ "تهدم النظام القبلى" أى فقدان الصѧفات القبليѧة فيسѧتخدم أحيانѧاً علѧى أنѧه مفهѧوم يعبѧر
عن شئ طيب وأحياناً على أنه مفهوم يعبر عن شئ سئ. لكن عبارة "تهدم النظام القبلѧى"
تستخدم اليوم للإشارة إلѧى اتخѧاذ طѧرق المعيشѧة الحضѧرية فѧى المѧدن ولѧيس للدلالѧة علѧى
التخلى عن الأساليب التقليدية فى الريف.
وحتى إذا آانت هناك فكرة عامة عن هويѧة المجتمѧع القبلѧى، إلا أنѧه لا يوجѧد إجمѧاع
فى الرأى حول تعريف "القبيلة". وهى آلمة اسѧتخدمها أنثروبولوجيѧان معاصѧران بمعنѧى
محدد ولكنه للأسف لѧيس بمعنѧى واحѧد، ففѧى آتابѧه عѧن قبائѧل النѧوير فѧى جنѧوب السѧودان
يلاحظ إيفѧانز بريتشѧارد Pritichard Evans أن هѧؤلاء السѧكان البѧالغ عѧددهم مѧائتى ألѧف
مواطن، والذين لهم اسم مشترك ولغة مشترآة ينقسمون إلى وحدات سياسية واضحة وهو
يطلق على هذه الوحدات اسم قبائل. فإذا استخدمنا هذه الكلمة بهѧذا المعنѧى فѧيمكن تعريفهѧا
بѧأن القبيلѧة هѧى فѧرع (أو جѧزء مѧنظم سياسѧياً مѧن وحѧدة إثنيѧة أو ثقافيѧة أآبѧر. وهѧذا طبقѧاً
للاستعمال الذى يقضى بتقسيم شعب تسѧوانا Tswana فѧى بتسѧوانا إلѧى ثمѧانى قبائѧل، لكѧل
منها زعيمها الخاص. آما يمكن تطبيق الاسѧم علѧى فѧروع (أو أجѧزاء) شѧعب الإيبѧو الѧذى
يبلغ عدده ستة ملايين فى نيجيريا وغيرها من الحالات الكثيرة.
ـــــــــــــــــــ
المختلفة آبدائل، إذ أنها جميعاً تشير إلى نفس نوعية المجتمع.
٣٧
إلا أن بيلى Bailey، فى آتابته عن الهند، يستخدم مصطلح قبيلة بمعنى آخر، ويأخذ
فى الاعتبار الاستخدام والعرف السائد بتقسيم سكان الهند إلѧى شѧعوب قبليѧة وإلѧى طوائѧف
حسب النظѧام الطѧائفى الهنѧدى. وهنѧاك قائمѧة رسѧمية بالشѧعوب القبليѧة التѧى تتمتѧع بحمايѧة
خاصة من نواح متعѧددة. ولكѧن عنѧدما يحѧاول الإنسѧان أن يѧذآر الصѧفات المشѧترآة بينهѧا
فى هѧذه النقطѧة أن "الطائفѧة" (١) والتى تفتقر إليها الطوائف يستحيل عليه ذلك. ويرى بيلى
و"القبيلة" لا تعبران عن نوعية من المجتمعات مختلفين تمام الاخѧتلاف، لكنهمѧا طريقتѧان
لتنظѧيم النѧاس بغѧرض التعѧاون بيѧنهم. فمѧن أجѧل تنظѧيم حيѧاة اقتصѧادية يجѧب علѧى سѧكان
المجتمعات الريفية أو مجتمعات الإعاشة أن تكون لهم أرض. أما فѧى التنظѧيم القبلѧى فلكѧل
فѧرد الحѧق فѧى الأرض بفضѧل آѧونهم أفѧراداً فѧى القبيلѧة، وجميѧع بطѧون القبيلѧة فѧى مكانѧة
"بالتضامن الآلѧى" للمجتمѧع الѧذى تتشѧابه فيѧه جميѧع (٢) واحدة. وهذا هو ما قصده دورآايم
الأجزاء. ففى النظام الطائفى تملك الطائفة الرئيسية الأرض، بينما تنظم الحياة الاقتصادية
على أساس قيام الطوائف الأخرى بخدمات فѧى مقابѧل حصѧولها علѧى حѧق فلاحѧة الأرض
أو أخѧذ نصѧيب مѧن الحصѧاد. وهѧو مѧا سѧماه دورآѧايم "بالتضѧامن العضѧوى" القѧائم علѧى
توزيع العمل وتقسيمه. والمجتمعات القبلية تتخذ من المساواة مثلاً أعلى لها، على حين أن
المجتمعات الطائفية تقѧوم علѧى التѧدرج الهرمѧى إلѧى مسѧتويات بعضѧها فѧوق بعѧض، وأمѧا
المجتمعات العادية القائمة فعلاً فتجمع بين هѧذين الأساسѧين مѧن أسѧس التنظѧيم. إلا أن هѧذه
الظاهرة لا تعطى تعريفاً يمكن تطبيقه بشكل عام لكلمتى "القبيلة" و"القبلى".
إن آلمѧة جماعѧة لهѧا مѧدلول خѧاص فѧى لغѧة الأنثروبولѧوجيين الاجتمѧاعيين. فهѧى لا
تعنى أى مجموعة من الناس آما نستعملها فى لغتنѧا اليوميѧة. بѧل تعنѧى مجموعѧة مشѧترآة
لهѧا وجѧود دائѧم. أى مجموعѧة مѧن النѧاس تجمعѧوا معѧاً حسѧب مبѧادئ معتѧرف بهѧا، ولهѧم
مصالح وقواعد مشترآة تسمى بالمعايير، وهى تحدد حقوق أفراد هذه الجماعة وواجباتهم
بالنسѧبة إلѧى بعضѧهم الѧبعض وبالنسѧبة لهѧذه المصѧالح. ويمكѧن تسѧمية المصѧالح المشѧترآة
مصالح ملكية، إذا أخѧذنا الملكيѧة بمعناهѧا الواسѧع. وهѧى مصѧالح قѧال عنهѧا ليتѧـش Leach
إنهѧѧا تشѧѧمل "لѧѧيس فقѧѧط المتѧѧاع المѧѧادى والحقѧѧوق فѧѧى الأرض ولكѧѧن الحقѧѧوق أيضѧѧاً فѧѧى
الأشѧخاص والألقѧاب والمراآѧز والأسѧماء والطقѧوس وأشѧكال السѧحر والتقنيѧة والأغѧانى
. ففѧѧى آثيѧѧر مѧن المجتمعѧѧات البسѧѧيطة نجѧѧد أن أهѧѧم الجماعѧѧات (٣) والرقصѧات.. إلѧѧخ.. إلѧѧخ
. (٤) المشترآة والمتماسكة هى التى تتكون من أشخاص تربطهم علاقة النسب


(١) “Tribe” and “Caste” in India, Contribution to Indian Sociology,
(٢) انظر ص ٢٧ من المرجع السابق. ٧-١٩. .PP ١٩٦١, October
(١) E.R. Leach, “On Certain Unconsidered Aspects of Double Descent”,
Man, LXII, ١٩٦٢. P. ١٣١. .٨٠ ،٧١ صفحات انظر) ٤(
٣٨
وليس من الصعب التعرف على تماسك الجماعات التѧى تربطهѧا علاقѧات النسѧب، إذ
يمكن التأآد منها بالمعايير التى ذآرها ليتش Leach لكن هناك تجمعѧات مѧن النѧاس تجمѧع
بينها عناصر مشترآة، لكنها لا تكفى لأن تجعلنا نقول إنها جماعات متماسكة. فالذى نعنيه
هنѧا هѧو نѧوع مѧن الشѧعور الموحѧد أو المصѧلحة، أى شѧئ أآثѧر مѧن مجѧرد صѧفة مشѧترآة
يراها الذين هم خارج الجماعة. فالأشخاص الذين هاجروا من نفس البلد إلى بلد آخر واحد
– أى الإيطاليون فى استراليا مѧثلاً – يمكѧن تمييѧزهم عѧن السѧكان الأصѧليين وهѧم يحسѧون
بذلك. وأحياناً يشار إليهم على أنهم جماعات إثنية، مع أنهم قطعѧاً ليسѧوا جماعѧة متماسѧكة.
ومѧن الصѧعوبة بمكѧان أن نتفѧادى اسѧتخدام لفѧظ "جماعѧة" للدلالѧة علѧى مجموعѧات النѧاس
الذين لا يكونѧون جماعѧات متماسѧكة. فѧالمهم أن نكѧون واضѧحين عنѧد اسѧتخدام الكلمѧة فѧى
المعنى الضيق والدقيق.
وهناك غلطة يجب تفاديها وهى الافتراض بأن أى تجمѧع مѧن النѧاس ولѧيس جماعѧة،
يجب أن يكون "فئة" Category فالفئة ليست شѧيئاً موجѧوداً بѧل اسѧم يطلѧق علѧى نѧوع مѧن
الأشياء التى يراها الإنسان على أن لها صفات مشѧترآة. وتصѧنيف الأشѧياء فѧى فئѧات هѧو
طريقة لتنظيم خبرة الشخص وأحياناً يسѧتنبط المفكѧرون فئѧات جديѧدة، ولكѧن معظمنѧا يقنѧع
بالفئات التى يجدها فى اللغة التى تعود عليها منذ طفولته. وهى تشѧمل الفئѧات التѧى نصѧف
بها الناس المتصلين بنا بطرق مختلفة عن طرق القرابة. وبعض هذه الفئات مثѧل "الأخ"،
تصف أشخاصاً يكونون جماعة. فكل من ينطبق عليه وصف فئة من الفئات، سواء آونѧوا
جماعة أم لا، هم أعضѧاء فѧى الفئѧة التѧى يشѧير إليهѧا اللفѧظ. وترجѧع الطريقѧة العجيبѧة التѧى
يسѧتخدم بهѧا بعѧض الأنثروبولѧوجيين لفѧظ "فئѧة" إلѧى فѧورتس Fortes وهѧو يتحѧدث عѧن
القرابѧة لѧدى قبائѧل الأشѧانتى Ashanti إذ آيѧف يقѧول أن الأشѧانتى يسѧتخدمون عѧدداً مѧن
الفئات اسمها Ntoro تتألف من أشخاص يرتبطون بصلة القرابѧة عѧن طريѧق الأب. ولعلѧه
آѧان أدق آثيѧراً القѧول أن فئѧة النѧوترو عنѧد الأشѧانتى تشѧير إلѧى مجموعѧة مѧن الأشѧخاص
الѧذين يرتبطѧون بصѧلة الانتسѧاب إلѧى الأب. وأن هنѧاك عѧدداً مѧن النѧوترو، ولѧيس نѧوترو
واحد. ويقول فѧورتس أن أفѧراد النѧوترو لا يكونѧون جماعѧات متماسѧكة. ومنѧذ ذلѧك الوقѧت
أخذ الأنثروبولوجيون يكتبون آما لو آان هناك نوعان فقط من التجمعات هما: الجماعѧات
والفئات. ويستخدم للبعض لفظ "جماعات وفئات" آتعبير يشمل آل شئ حتѧى يتأآѧدوا مѧن
أنهم لم يترآوا أو ينسوا أحدا.ً ولكن إذا قلنا إن الفرد يجب أن ينتمى إما إلى جماعѧة أو فئѧة
فكأننا نقول إنه يجب أن يعيش إما فى "لندن" أو "يوم الأربعاء" وهѧو مѧا يعتبѧره الفلاسѧفة
تخبطا فى الفئات وهو تخبط يثير الضحك إذا جاء فى أى فرع آخر من فروع العلم.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

Traffic Padding...

Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...

السلام عليكم ور...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...

يجمع نظام التكا...

يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...

نطاق البحث يركز...

نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...

نفيد بموجب هذا ...

نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...

العدل والمساواة...

العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...

آملين تحقيق تطل...

آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...

Network archite...

Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...

السيد وزير التر...

السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...

قصة “سأتُعشى ال...

قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...