لخّصلي

أحدثت المعرفة الاستشراقية عن الفن الإسلامي بعامة، ونظريته الجمالية بخاصة، تأثيراً واضحاً في الثقافة العربية والإسلامية الحديثة والمعاصرة، تمثلت مظاهره في العناية بالواقع التاريخي والحضاري لهذا الفن، ودراسته من النواحي الفلسفية والوظيفية وغيرها من المجالات المعرفية المتعلقة بهذا الفن، بما أدى إلى تعلق نظرية الفن الإسلامي على مستويات: المفهوم والمصطلح، والرؤية والمنهج، ً فضلا عن بنيتها المعرفية، التي تراوحت نقديا بين آفاق الإبداع الفني المفتوحة، وحدود التصنيف العلمجمالي شبه مصيري معرفيا لأنماط هذا الإبداع وأجناسه التشكيلية، تعلقا بالواقع الغربي الحديث لعل الجمال وفلسفة الفن؛ إذ يمكن القول لذلك إن نظرية الفن الإسلامي تكاد تكون إلى حد كبير من بنات هذه المعرفة الاستشراقية، أو يمكن القول على الأقل بشأن هذا الصنيع المعرفي الغربي لنظرية الفن الإسلامي، وكأنه كان وربما لنظرية هذا الفن شبه الغائبة في فضاء مفترضا صار ً بديلا معرفيا
التراث الفكري والمعرفي الإسلامي، كما هو الاعتقاد الاستشراقي عند بعض مؤرخي هذا الفن والباحثين فيه، من الذين توسع هذاالاعتقاد عندهم وتمدد إلى غياب النظرية الجمالية الإسلامية أصلا، أو تهافت المفهوم الإسلامي لعلم الجمال وفلسفة الفن على أقل تقدير. وما يمكن أن يقال بشأن ذلك كله كذلك، هو أنه ربما كانت له أنتج رد فعل مساويا قويا فعليا تلك المعرفة الاستشراقية دافعا في القوة ومعاكساً له في اتجاه تأكيد وجود علم الجمال الإسلامي أساساً ومنطلقاً لنظرية الفن الإسلامي؛ إذ حاول بعض الباحثين العرب والمسلمين المعاصرين استكشاف معالم هذا العلم وصناعة هذه النظرية بمواد التراث الفكري والفلسفي العربي والإسلامي، ونصوصه المستلة من متون اللغة والأدب والتاريخ، ً فضلا عن القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، من خلال قراءة الجمالي والفني في هذا التراث بعين غير استشراقية، تعمل على تأصيل نظرية الفن الإسلامي في ضوء علم الجمال الإسلامي الواسع المفهوم عن المجال المعرفي لعلم والدلالة والموضوعات، البعيدة نسبيا بما يعرف بالجمال الجمال الفلسفي Aesthetics المحدد منهجيا الفني، المتمثل في أعمال الفنانين الإبداعية؛ إذ إن رؤية الجماليين ما- بالنظر «إلى الجمال على أنه الهدفالوحيد للفن»(البصري التشكيلي، الذي يتمثل بشكل رئيس في
العمارة والتصوير، وما شاكلهما من أجناس الإبداع الإنساني. لقد قامت المحاولات المعاصرة لبناء الجمالية الإسلامية على المعنى الواسع والدلالة المفتوحة للجمال في كل شيء من الكون والطبيعة والحياة والإنسان، والعمل والسلوك والإبداع والصورة، وغير ذلك مما في التراث الفكري الإسلامي، وتقدم بعضها بتعريف من تخصصات عام لها يتمثل في أنها يمكن أن تكون «تخصصا العلوم الإنسانية التي تعنى بدراسة الجمال من حيث هو مفهوم في
الوجود، ومن حيث هو تجربة فنية في الحياة الإنسانية. فالجمالية إذن علم يبحث في معنى الجمال من حيث مفهومه وماهيته ومقاييسه ومقاصده. والجمالية في الشيء تعني أن الجمال فيه حقيقة جوهرية وغاية مقصدية، فما وجد إلا ليكون جميلاً.» هذا المفهوم العام للجمالية يقوم على دراسة الجمال في الأشياء، بالمفهوم المطلق للشيء؛ كل شيء؛ مادي أو معنوي، طبيعي أو صناعي، تقليدي أو إبداعي، أدبي أو فني. ويتضح في رفقة هذا المفهوم العام للجمالية وفي سياقه الدلالي، ٌ مفهوم خاص لجمالية كل شيء من تلكم الأشياء، وبالتالي تعدد جمالياتها بعدد ذه الأشياء، ّ خاصة وأن هذا المفهوم العام للجمالية يبدو توفيقيا بين مفاهيم (الجمالية التشكيلية:الإستطيقا) أو ازدواجيا أو تلفيقياو (الجمالية الأدبية: البويطيقا)وتمظهراتهما الطبيعية في الكون والإنسان، وتطبيقاتهما الصناعية، بخاصة في مجالي الفن والأدب، كون مصطلح الجمالية هذا قد استعمل في النقد الأدبي الحديث،
للدلالة على أن «الجمال هو القيمة الأولى للنص، وإنه لا عبرة [ فنية] بن [من النصوص] على ذلك؛ إذ الوظيفة الأولى للنص هي بما لم يأن يكون جميلاً.»
لقد ظل مفهوم (الجمالية الإسلامية) إشكالية معرفية واضحة في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، بسبب ازدواجية دلالته على دراسة كل من الأدب والفن، وبسبب» ما تثيره هذه العبارة من مشكلات منشؤها تشعب مفهوم (الجمالية) في ذاته، وتنوع مظاهر التفكير الجمالي وتعدد النظريات الجمالية وتفرع تطبيقاتها. ومما يزيد الأمر تعقيداً إلحاق صفة (الإسلامية) باصطلاح ينتمي إلى ُّعد ظهوره متأخراً حتى بالنسبة إلى ذلك المجال الثقافي الغربي، المجال كله.»ولا تزال هذه الإشكالية تلازم القراءات العربية والإسلامية، الهادفة من الناحية المنهجية -على الأقل- إلى التمييز بين المستوياتأو المجالات المعرفية، الأدبية والفنية، وغيرهما لعلم الجمال الإسلامي، خاصة وأن العودة التأصيلية إلى المتن الإسلامي لهذا الموضوع وتراثه الفكري تبدو -في الغالب- كأنها تتجه، معرفيا، نحو الجمالية الأدبية أكثر من اتجاهها نحو الجمالية ونقديا ومنهجيا الفنية. وعلى الرغم من الوحدة أو التكامل المعرفي للمصطلح الجمالي الإسلامي بين هذين الحقلين، تبرز الحاجة الأدبية إلى البحث عن متن عربي إسلامي مناسب لأن يمثل النظريات الفلسفية والفنية
والنقدية، وربما غيرها من النظريات المكونة للجمالية الإسلامية ببعدها الإستاطيقي الفني، وذلك عبر قراءة موضوعية هادئة وهادفة إلى استكشاف واستجلاء واستنباط الرؤية أو النظرية الجمالية كانت الإسلامية المستقلة عن الرؤية أو النظرية الجمالية الغربية، أيا طبيعتها الفلسفية. وقد تكون هذه المحاولات حاجةلسد الفراغ المعرفي،مثلما هي ضرورة فكرية وعلمية ومنهجية قائمة في السياق المعرفي الإسلامي للجمال، بوصفه إحدى القيم العليا في الوجود وفي المعرفة وفي، أن تنأى محاولات التأصيل الإبداع الإنساني. ومن الأنسب معرفيا هذه، وكذلك قراءاته العربية الإسلامية المعاصرة بنفسها عن الاتجاه العام والشمولي في بحث الظاهرة الجمالية الإسلامية، ومن الأنسب أن تتجه إلى بناء مفهوم أكثر دقة ومناسبة لنظرية الفن منهجيا الإسلامي داخل الإطار المعرفي العام لعلم الجمال بوصفه ً مجالا معرفيا, فلسفياً ونقدياً, عاما ةإنسانيا, يتعامل مع الظاهرة الجمالية حيثما كانت في المكان والزمان، ولكنه يمكن أن يتخصص بدراستها في فضاء معرفي واجتماعي معين من التطبيق والخصوصية؛ إذ إنعمومية علم الجمال الوارفة في المعرفة الإنسانية هي الوجه الآخر لخصوصيات النظريات والتطبيقات الجمالية في مختلف المجالات المعرفية والفضاءات الاجتماعية والبنى الثقافية للوعي الإنساني، في مجال معرفي معين، أو في فضاء اجتماعي
الذي قد يتحرك تطبيقا خاص، أو في بنية ثقافية مستقلة عن سواها في الموضوع الجمالي، الذي تتحدد خصوصيته النظرية والتطبيقية في الرؤية والمنهج مثلما تتحدد في المفهوم والمصطلح. إن ًكلا من الرؤية والموضوع، والمفهوم والمصطلح، ً فضلاعن المنهج الإستاطيقي، تكاد تكون هي المحاور المعرفية الأساسية لأية عملية تأصيل معرفية لنظرية الفن الإسلامي بوصفها «الجمالية التطبيقية أو الخاصة، فنستعمل عبارة الجمالية الإسلامية في دراسة مختلف الأشكال الفنية التي شهدتها حضارة الإسلام؛ كظواهر خاصة في المكان والزمان.» إن البحث التأصيلي لنظرية الفن الإسلامي ينبغي أن يجري داخل المعرفة الجمالية الإسلامية، وبنيتها العلمية الخاصة، وأن بدراسة قوانينها يتمثل بتطبيقاتها الفنية الخالصة، ويعنى نقديا الإبداعية المتميزة، في إطار الوعي الفلسفي والحضاري الإسلامي.