لخّصلي

يعتبر موضوع حرية الرأي من الموضوعات التي إسترعت إهتمـام البـاحثين وإنشـغالاتهم، وسـاعد على ذلك تعدد منافذ الإتصال وتنوع وسائله وكثيرا، خاصة مع التطور التكنولوجي الحاصل في مجال الإتصالات، وهكذا أصبح للرأي المسموع أو المكتوب الأثر الكبير في حياة الناس، فالواحد منا يُصبح ويمسي على مضامين الرأي حتى غدا جزء من حياتنا.
وتعد حريـة الرأي المـدخل الحقيقـي لممارسة الكثير من الحريات الحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، كما تعتبر من أهم الحريات الإنسانية على الإطلاق، لأنها تمثل الجانب المعنوي أو الروحي للفـرد، وتسـمح بتكـوين آرائـه وأفكـاره في شتى القضايا، وبالشكل الذي يمليه عليـه ضـميره أو وجدانـه وغـدت مـن الأصـول الدسـتورية الثابتـة في كل بلد ديمقراطي متحضر. كما تعد من الدعامات الأساسية والعمود الفقري التي تقوم عليه النظم الديمقراطية وأحد الشروط الأساسية لتقدم المجتمع وتطوره .
ويقصد بها قدرة الفرد على التعبير عن آرائه وأفكاره بحرية تامة بغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها سواء هي الصحف، أو المجلات، أو الكلام المباشـر كالخطـب، أو عـن طريـق الإذاعـة أو التلفزيون، أو السينما أو الأنترنت ونظرا للدور الأساسي الذي تلعبه حرية الرأي بصفة خاصة كإحدى صور الحريات الفكرية في تكوين الشخصية الإنسانية وإبراز ملامحها وخصائصها، كما تعتبر المرآة الحقيقية العاكسة لشخصية الإنسان التي تميزه عن غيره من الكائنات الحية، حيث لا يمكن الفصل بين شخص الإنسان وحقه في التعبير عن آرائه كما يريـد، كمـا تعتـبر معيـارا لقيـاس الديمقراطيـة السائدة في ذلك المجتمع، فلا يمكن إعتبار مجتمع ما بأنه ديمقراطي دون أن يؤمن درجة عالية من الحماية للتعبير عن الفكر، بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في ذلك التعبير .

تمثل حـرية الـرأي ركيـزة أساسـية مـن ركـائز الديمقراطيـة، وهـي ضـمانة أساسـية للديمقراطيـة وأحدى مظاهرها الأكثر بروزا، نتيجة لتحقيقها للعديد من الفوائد العملية التي تعود علـى المجتمـع بأسـره بإعتبارها وسيلة لرقابة الشعب على حكامه، حرية الرأي آداة المجتمع لتحقيق آماله وأهدافه، بالإضافة إلى أنها وسيلة لرد الطغيان ومقاومـة الظلـم . لـذلك أقرت ـبها كافـة الإعلانـات العالميـة والإقليميـة لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية والدساتير والتشريعات الوضعية، إذ بدون حرية الرأي مـن الممكـن أن تنتهك الحريات الأخرى وتضيع، ولا يستطيع الفـرد الـدفاع عنهـا. وحيـث أن الـدين الإسـلامي هـو دين حياة وخاتمة الشرائع السماوية وأكملها فقد بدأ كاملا منذ عصر المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أهتم بحرية الرأي وصاغها في أفضل نظام وأكمله.
وتستمد قوانين المنظمة لصور مظاهر حرية الرأي أساسها من الدستور والإتفاقيات الدولية، وبناء على ذلك لا تستطيع مصادرة الحريات العامة، من دون مخالفة الدستور والقانون الدولي. والواقع أن مفاهيم مثل حرية الإعلام والإتصال والوصول إلى المعلومة وحرية الصحافة، جاءت ثمارا طبيعية للمبدأ الأساسي الخاص بحرية الرأي إذ أصـبح هـذا المبـدأ بـديهيا، لا ينـازع فيـه أحد، في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وإتفاقيات دولية وعالمية وإقليمية أخرى. ونادرا ما يوجد دستور من دساتير دول العالم ينكر حرية الرأي صراحة .
تأخذ الحريات الأساسية في النظام القانوني موقع الصدارة، بل تعتبر محورا لكل نشاط قانوني، باعتبار أن وظيفة القانون على اختلاف فروعه في نهاية الأمر هي في ضمان إشباع حقوق الأفراد وحرياتهم وفي تنظيم العلاقة بين الحقوق والحريات في توازن وتجانس كاملين.
أولا : أهمية الدراسة
يعتبر موضوع ضمانات حرية الرأي في التشريع الجزائري واحدا من المواضيع التي تستحق البحث والدراسة ذلك لأن :
- كونه من الموضوعات ذات صلة وثيقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، تلك الحقوق التي داومت البشرية جميعها على صيانتها وأولتها مزيدا من الإهتمام.
- وتبرز بشكل واضح إذا علمنا أن الحماية القضائية والدستورية هي التعبير الحي عن قوة النظام في مقاومة إنحراف وتعسف السلطات القائمة على تطبيق القوانين.
ثانيا : دوافع الموضوع
أدت مجموعة من الدوافع لإختيار هذا الموضوع منها ماهو ذاتي ومنها ما هو موضوعي:
الدوافع الذاتية: لم يكن الموضوع في بادئ الأمر من إختياري الشخصي، وذلك بعد رفض العديد من العناوين من طرف الجهة المخول لها ذلك، وبعد عدة تغييرات جاء الإختيار على هذا الموضوع بالذات، وحينما وقعت عيني عليه تحركت بداخلي دوافع أولها أنه محل نقاش بين الأوساط الأكاديمية وكذلك لدى صناع القرار، وذلك مازاد تعلقي به والبحث فيه بكل رغبة وإقبال وشغف .
و السبب أيضا يتعلق بمدى الإهمال الذي تعرضت له حرية الرأي مع أنها تمثل أم الحريات، وبالنظر لما لها من دور جبَّار في ترقية الفرد والمجتمع وبث روح المنافسة التي تفرز الكفاءة، حيث لـم ترى هذه الحرية النكر إلا في ظل دستور 1989 .
الدوافع الموضوعية: تجسدت من خلال محاولة إظهار جوانب خفية من الموضوع يسعى الجميع لمعرفتها،حتى وإن كانت متداولة من باب التداول والتعميم لا غير، وذلك بأسلوب أكاديمي موضوعي.
وأيضا فيعود إلى ما تحتويهيو حرية الرأي من قيمة، فهي كما سبقت الإشارة إليها بمثابة أـم الحريات الأساسية، إذ في غيابها لا يمكن الحديث عن حرية الفكر لأنها ستبقى حبيسة العقل إذا لـم نعبر عنها، ولا مجال لذكر حرية الرأي إذا قيدت أدواتها وآليات الإفصاح عنها، كما يجب التنويه أن المجال الخصب لممارسة هذه الحريات السابقة وغيرها يكون عبر وسائط وهي الجمعيات، والأحزاب السياسية والنقابات، ووسائل الإعلامـ المرئية منها والمسموعة وكذا المكتوبة، وسواء من حيث الفكر أو النشاط أو الممارسة أو منها جميعا، وفي مختلف المجالات الاقتصادية الثقافية والعلمية والدينية،...
ثالثا : إشكالية الدراسة
تبرز إشكالية موضوع "ضمانات حرية الرأي في القانون الجزائري' في البداية من خلال البحث عن الضمانات المقدمة من طرف سلطات التشريع الجزائري المقررة لحرية الرأي، ومن هذا المنطلق يمكن طرح الإشكالية التالية:
"إلى أي مدى وُفق التشريع الجزائري في القوانين التي تسمح بممارسة حرية الرأي؟ وما مدى توازن ضوابط ممارستها؟ وما مدى كفاية الضمانات القضائية الدستورية لحمايتها؟
كما يمكننا أننطرح جملة من الإشكاليات الفرعية كما يلي:
• كيف تطورت حرية الرأي في الدساتير الجزائرية؟
• ماهي ضمانات حرية الرأي الممنوحة من طرف القانون والدساتير وأيضا السلطة القضائية؟

رابعا : صعوبات البحث
قد لا تكمن الصعوبات في قلة المراجع، وإنما تكون وفرتها وتعددها من أحد الصعوبات التي واجهت البحث، ذلك لأننا وجدنا أنفسنا مجبرين على وضع نسق واضح في إستغلال هذه المراجع، إنطلاقا من تنوعها بين الكتب والرسائل الجامعية والمقالات، وغيرها.
خامسا : المنهج المعتمد :
ولدراسة هذا الموضوع إنتهجنا المنهج التحليلي في تحليل نصوص التشريع الجزائري، والمنهج المقارن فتم العمل به في إجراء مقارنة الضمانات الممنوحة لممارسة حرية الرأي بين مختلف السلطات التشريعية.
سادسا : الخطة المعتمدة
وللإجابة على الإشـكالية المذكورة سابقا تم تقسيم البحث إلى فصلين تناولنا في الفصل الأول الضمانات القانونية حيث تم التطرق في المبحث الأول إلى الضمانات الدستورية والمبحث الثـاني تم التطرق فيه إلى الضمانات التشريعية.
أما الفصل الثاني فتناولنا فيه الضمانات القضائية حيث تم التطرق في المبحث الأول للهيئات الإدارية والعمومية أما المبحث الثاني فقد خصصناه للتحدث عن الرقابة القضائية.