خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
أخذت المسيحية تنتشر انتشارا حثيثا بحيث لم يكد ينتهي القرن الأول إلا وكانت كل ولاية رومانية من الولايات المطلة على البحر المتوسط تضم بين جوانبها جالية مسيحية ، بل إن المسيحيين كونوا جالية ملحوظة في روما نفسها منذ وقد مبكر يرجع إلى سنة ٦٤م مما عرضهم لنقمة الإمبراطور نيرون واضطهاده، ولم يقتصر اعتناق المسيحية حينئذ على الطبقات الدنيا من المجتمع الروماني بل امتدت للطبقات العليا التي تمثل الجانب الأرستقراطي في المجتمع الروماني، وأن الطبقات العليا في المجتمع الروماني لم تقبل على اعتناق المسيحية في أعداد ضخمة إلا بعد أن تم الصلح بين الكنيسة والدولة بمقتضى مرسوم ميلان سنة ۳۱۳ م، وهنا نلاحظ أن ظروف الإمبراطورية الرومانية والأوضاع التي أحاطت بها كانت أكبر مساعد على سرعة انتشار المسيحية بين ربوعها . و نشاط التبادل التجاري بين مختلف أجزائها مدنها وأطرافها برباط وثيق ، فضلا عن الأمن والسلام الذين سادا ربوعها هذا كله عدا سيادة اللغة اللاتينية في الأجزاء الغربية من الإمبراطورية ، أجزائها الشرقية ، مما جعل من اليسير انتقال الآراء والأفكار والمعتقدات في سهولة بين مختلف أنحاء الإمبراطورية ، ووصولها إلى أقصى أطراف البلاد . أي أنه يجب على جميع الرعايا - مع اختلاف عقائدهم - أن يعترفوا بعبادة الإمبراطور القائم (وهو اجراء يشبه يمين الولاء للحاكم حاليا) ، ولم يعف من هذا التكليف الأخير داخل حدود الإمبراطورية الرومانية سوى اليهود ، في حين لم يتمتع المسيحيون بهذا القدر من الحرية الدينية ومن الثابت أن المسيحية لم تكن الديانة الأجنبية الوحيدة التي كان على الحكومة ولكن لم يكد ينتهي القرن الأول حتى اتضح الأمر وظهرت الفوارق واضحة بين الديانتين ، كما رفضوا الخدمة في الجيش الروماني ، وهكذا أخذت الحكومة الرومانية تغير نظرتها إلى المسيحيين وتعتبرهم فئة هدامة تهدد أوضاع الإمبراطورية وسلامتها ، فمنعت اجتماعات المسيحيين وأخذت تنظم حملات الاضطهاد ضدهم وكان الإمبراطور نيرون أشد اضطهادا لهم، اذ قدم مسيحى روما طعاما للنار العظيمة التي أشعلها سنة ٦٤ م ، إلى غير ذلك من الاجراءات المشددة التي جعلت المسيحيين يطلقون على الفترة الأخيرة من حكمه عصر الشهداء ، ويبدو أن هدف دقلديانوس من هذه السياسة كان محاولة ذلك أن قيام الكنيسة كهيئة مستقلة أو كدولة داخل الدولة ، أمر يتعارض مع المبدأ الأول الذي أقام عليه دقلديانوس نظامه الذي يقضي بخضوع جميع الرعايا لسيادة الدولة المطلقة. لاسيما بعد أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بسياسة الأمر الواقع وأصدر مرسوم ميلان الشهير عام ٣١٣م معترفا بالديانة المسيحية كإحدى الشرائع المصرح باعتناقها داخل الإمبراطورية ، بمعنى أن يتمتع المسيحيون في الإمبراطورية بكافة الحقوق التي تمتع بها غيرهم من أتباع الديانات الأخرى ويضمن للمسيحيين وكافة الطوائف الأخرى حرية اختيار وممارسة العقيدة التي يرتضونها وبذلك ضمن من وجهة نظره رضاء جميع الآلهة والقوى السماوية ، وأمر مرسوم ميلان برد جميع الحقوق الدينية إلى المسيحية التي حرموا منها ظلماً وعدواناً ، وأن تعاد للكنيسة جميع أماكن العبادة والأراضي العامة المصادرة دون جدل أو إبطاء أو تكلفة . واقترن هذا الانذار الصارم بوعد كريم قضي بأن يتم دفع تعويض من خزانة الإمبراطورية وهنا نتوقف قليلا لنتدبر أهمية هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها قسطنطين، فإذا تذكرنا أن الإمبراطورية الرومانية قامت على أساس وإذا تذكرنا ما نزل بالمسيحية في مختلف الولايات الرومانية من تعذيب واضطهاد ثم ما ترتب على اعتراف قسطنطين بالمسيحية من انتشار سريع لهذه الديانية الجديدة وازدياد نفوذ رجالها حتى أصبحت الكنيسة أقوي هيئة في تاريخ أوروبا العصور الوسطى ، لأدركنا أهمية هذه الخطوة التي أقدم عليها قسطنطين. وهل أصدره عن عقيدة صادقة وإيمان بالمسيحية أم كان مجرد تذكر أن قسطنطين لم يعمد إلا على فراش الموت حيث وضع الأسقف يده على رأسه وأتم اجراء الطقوس الدينية ، ولعل ما دفع المؤرخين إلى هذا الخلط وتعدد رواياتهم سلوك قسطنطين نفسه والواقع أن هناك تدرج بطيء غير محسوس انتهى بإعلان قسطنطين نفسه حامياً للمسيحية فلقد كان من الشاق على وأن يؤمن بالديانة المسيحية. كما توجد أدلة أخرى عديدة توضح استمرار اعتناقه الوثنية، بحيث أن آسيا الصغرى غدت من المراكز الرئيسة للمسيحية في القرن الرابع ، وبذلك دان لسلطانه الجزء الغربي من الإمبراطورية ولم يبق أمامه سوى اخضاع جزئها الشرقي ، حتى تتحقق له السيادة العامة على الإمبراطورية كلها وقيل أن قسطنطين رأى في منامه المسيح ومعه الصليب وأمره باتخاذ هذا الصليب شعارا له خلال الزحف على عدوه ، وكان انتصاره من الدوافع الأساسية لاعترافه بالمسيحية واعتناقها. وتعهد بحماية أرواح المسيحيين وممتلكاتهم أسوة ببقية رعايا الإمبراطورية ، ومن هذا يبدو أن سياسة قسطنطين الدينية تمثل حلقة انتقال ، أما بلاطه فقد أصبح يغص بالأساقفة والقساوسة من مختلف المذاهب المسيحية ، هذا في الوقت الذي صارت وظائف الدولة الكبيرة قسمة بين الوثنيين والمسيحيين ، وهكذا يمكن القول بأن قسطنطين ظل حتى أواخر وقد شهدت المسيحية منذ أوائل عهدها خلافات مذهبية خطيرة كان لها أثر عظيم في تاريخ الشرق والغرب جميعا ، قسمت المسيحيين وبالتالي العالم الروماني إلى معسكرين وأثارت البغضاء الدينية والسياسية بينهما لمدة قرنين من الزمان ، وهى مشكلة تحديد العلاقة بين المسيح الابن والاله الأب ، ذلك أنه حدث خلاف بين اثنين من رجال الكنيسة بالإسكندرية حول تحديد هذه العلاقة فقال أريوس وهو كاهن ولما كان المسيح الابن مخلوق للاله الأب فهو اذاً دونه ولا يمكن بأي حال أن يعادل الابن الإله الأب في المستوى، وبعبارة أخرى فان المسيح مخلوق لا إله أما أثناسيوس فقال بأن فكرة الثالوث المقدس تحتم بأن يكون الابن مساويا للإله الأب تماما في كل شيء بحكم أنهما من عنصر واحد بعينه ، هذا وإن كانا شخصين متميزين . وأن أي اتجاه نحو التقليل من مركزه يؤدي إلى اضعاف الدعوة المسيحية. في حين كان المذهب الأثناسيوسي يستقيم وتفكير عامة الناس من البسطاء الذين يحكمون عواطفهم قبل عقولهم ، في حين كانت معظم الطبقات الوسطى والدنيا التي انتمي اليها رجال الدين من الأثناسيوسيين. إذ حضره نحو ثلاثمائة من رجال الدين في الشرق والغرب ترأسه الإمبراطور قسطنطين نفسه ، وقد أدان مجمع نيقية أريوس ، وبالتالي تقرر نفيه إلى إليريا والتخلص من كتاباته وتحريم تداولها واضطهاد أتباعه من الأريوسيين. ومنها فاستدعى أريوس من منفاه سنة ٣٢٧م ونستطيع أن نعلل هذا التغيير الذي طرأ على مسلك قسطنطين بما كان يعتزمه الإمبراطور من نقل عاصمته إلى القسطنطينية ،
أخذت المسيحية تنتشر انتشارا حثيثا بحيث لم يكد ينتهي القرن الأول إلا وكانت كل ولاية رومانية من الولايات المطلة على البحر المتوسط تضم بين جوانبها جالية مسيحية ، بل إن المسيحيين كونوا جالية ملحوظة في روما نفسها منذ وقد مبكر يرجع إلى سنة ٦٤م مما عرضهم لنقمة الإمبراطور نيرون واضطهاده، ولم يقتصر اعتناق المسيحية حينئذ على الطبقات الدنيا من المجتمع الروماني بل امتدت للطبقات العليا التي تمثل الجانب الأرستقراطي في المجتمع الروماني، حقيقة أن الغالبية العظمى ممن اعتنقوا المسيحية في أوائل عهدها كانوا من الطبقة الدنيا ، وأن الطبقات العليا في المجتمع الروماني لم تقبل على اعتناق المسيحية في أعداد ضخمة إلا بعد أن تم الصلح بين الكنيسة والدولة بمقتضى مرسوم ميلان سنة ۳۱۳ م، ولكن ليس معنى ذلك أن المسيحية عدمت أنصارا لها من أفراد الطبقة الأرستقراطية خلال القرون الثلاثة الأولى من تاريخها .
وهنا نلاحظ أن ظروف الإمبراطورية الرومانية والأوضاع التي أحاطت بها كانت أكبر مساعد على سرعة انتشار المسيحية بين ربوعها . فهذه الإمبراطورية امتازت بشبكة واسعة من الطرق الضخمة التي ربطت ، و نشاط التبادل التجاري بين مختلف أجزائها مدنها وأطرافها برباط وثيق ، فضلا عن الأمن والسلام الذين سادا ربوعها هذا كله عدا سيادة اللغة اللاتينية في الأجزاء الغربية من الإمبراطورية ، واللغة اليونانية في
أجزائها الشرقية ، مما جعل من اليسير انتقال الآراء والأفكار والمعتقدات في سهولة بين مختلف أنحاء الإمبراطورية ، وبالتالي انتشار المسيحية
ووصولها إلى أقصى أطراف البلاد . وكان الوضع المعروف في النظم الرومانية أن فئة واحدة من كبار الموظفين كانت تمسك بزمام جميع الوظائف الكبرى في الدولة ، مع ترك حرية العقيدة لكل مواطن روماني طالما يعترف بآلهة الدولة الرسمية من جهة ، وطالما أن عقيدته لا تهدد سلام الإمبراطورية من جهة أخرى، أي أنه يجب على جميع الرعايا - مع اختلاف عقائدهم - أن يعترفوا بعبادة الإمبراطور القائم (وهو اجراء يشبه يمين الولاء للحاكم حاليا) ، ولم يعف من هذا التكليف الأخير داخل حدود الإمبراطورية الرومانية سوى اليهود ، في حين لم يتمتع المسيحيون بهذا القدر من الحرية الدينية ومن الثابت أن المسيحية لم تكن الديانة الأجنبية الوحيدة التي كان على الحكومة
الرومانية أن تحدد موقفها منها.
لذلك يبدو أن الأمر اختلط على الرومان في أول الأمر فظنوا أن المسيحية ليست إلا فرقة من الديانة الموسوية اليهودية لا سيما أن المسيحيين رفضوا - مثل اليهود - تأليه الإمبراطور وعبادته ، ولكن لم يكد ينتهي القرن الأول حتى اتضح الأمر وظهرت الفوارق واضحة بين الديانتين ، فأخذ المسيحيون يجتمعون سرا لمباشرة طقوسهم الدينية ، كما رفضوا الخدمة في الجيش الروماني ، واتخذوا الأحد أول أيام الأسبوع ليكون ذا صفة دينية بدلا من السبت عند اليهود، وهكذا أخذت الحكومة الرومانية تغير نظرتها إلى المسيحيين وتعتبرهم فئة هدامة تهدد أوضاع
الإمبراطورية وسلامتها ، ويبدو أن سبب حنق الحكومة الرومانية على المسيحية كان اجتماعيا لا دينيا ، لأن المسيحية بدت في صورة ثورة اجتماعية خطيرة تنادى بمبادىء من شأنها تقويض الدعائم التي قام
عليها المجتمع الروماني.
وكان أن بدأت الحكومة الرومانية تعتبر اعتناق المسيحية جرما في حق الدولة ، فمنعت اجتماعات المسيحيين وأخذت تنظم حملات الاضطهاد ضدهم وكان الإمبراطور نيرون أشد اضطهادا لهم، اذ قدم مسيحى روما طعاما للنار العظيمة التي أشعلها سنة ٦٤ م ، ويبدو أن هذا الاضطهاد أتي بنتيجة عكسية، لأن روح الشجاعة والصبر والإيمان التي واجه بها شهداء المسيحية مصيرهم أصبحت موضع اعجاب الكثيرين الذين أقبلوا هم الآخرون على اعتناق الديانة الجديدة، وهكذا لم يكد يحل القرن الثالث إلا وكانت المسيحية قد أصبحت قوة خطيرة نتيحة لازدياد عدد أتباعها ازديادا مطردا ، مما دفع الإمبراطور دقلديانوس إلى التطرف في قمعها في أوائل القرن الرابع ولاسيما بعد أن أدي ازدياد نفوذ المسيحية بين رجال الجيش إلى التهديد بالقضاء على ولاء الجند للإمبراطورية . وقد أصدر هذا الإمبراطور عدة مراسيم منع فيها صلاة المسيحيين وأمر بهدم كنائسهم، واحراق كتبهم، وحبس قساوستهم وطردهم نهائيا من الوظائف الحكومية ، إلى غير ذلك من الاجراءات المشددة التي جعلت المسيحيين يطلقون على الفترة الأخيرة من حكمه عصر الشهداء ، ويبدو أن هدف دقلديانوس من هذه السياسة كان محاولة
اجبار الكنيسة عن طريق الاضطهاد على الخضوع للدولة ، شأنها شأن بقية الهيئات والمنظمات الاجتماعية في الدولة الرومانية . ذلك أن قيام الكنيسة كهيئة مستقلة أو كدولة داخل الدولة ، أمر يتعارض مع المبدأ الأول الذي أقام عليه دقلديانوس نظامه الذي يقضي بخضوع
جميع الرعايا لسيادة الدولة المطلقة. ومهما يكن من أمر فان المسيحية خرجت من جميع المعارك ظافرة مرفوعة الرأس، لاسيما بعد أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بسياسة الأمر الواقع وأصدر مرسوم ميلان الشهير عام ٣١٣م معترفا بالديانة المسيحية كإحدى الشرائع المصرح باعتناقها داخل الإمبراطورية ، بمعنى أن يتمتع المسيحيون في الإمبراطورية بكافة الحقوق التي تمتع بها غيرهم من أتباع الديانات الأخرى ويضمن للمسيحيين وكافة الطوائف الأخرى حرية اختيار وممارسة العقيدة التي يرتضونها وبذلك ضمن من وجهة نظره رضاء جميع الآلهة والقوى السماوية ، كما ضمن رضاء جميع
الرعايا واستمرار تأييد الرب له.
وأمر مرسوم ميلان برد جميع الحقوق الدينية إلى المسيحية التي حرموا منها ظلماً وعدواناً ، وأن تعاد للكنيسة جميع أماكن العبادة والأراضي العامة المصادرة دون جدل أو إبطاء أو تكلفة . واقترن هذا الانذار الصارم بوعد كريم قضي بأن يتم دفع تعويض من خزانة الإمبراطورية
لمن قاموا بشراء أملاك الكنيسة ودفعوا مبالغ كبيرة فيها.
وهنا نتوقف قليلا لنتدبر أهمية هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها قسطنطين، فإذا تذكرنا أن الإمبراطورية الرومانية قامت على أساس
الوثنية وفكرة تأليه الأباطرة ، وإذا تذكرنا ما نزل بالمسيحية في مختلف الولايات الرومانية من تعذيب واضطهاد ثم ما ترتب على اعتراف قسطنطين بالمسيحية من انتشار سريع لهذه الديانية الجديدة وازدياد نفوذ رجالها حتى أصبحت الكنيسة أقوي هيئة في تاريخ أوروبا العصور الوسطى ، لأدركنا أهمية هذه الخطوة التي أقدم عليها قسطنطين. وقد اختلفت آراء الباحثين حول الدافع الذي جعل قسطنطين يصدر هذا المرسوم ، وهل أصدره عن عقيدة صادقة وإيمان بالمسيحية أم كان مجرد
اجراء سياسي اتخذه قسطنطين لتحقيق مآرب خاصة.
ولعل النصوص التي أوردها المؤرخون المعاصرون لعصر قسطنطين هي التي أوجدت جدلاً حول هذا الموضوع فنجد أحدهم يشير أن الإمبراطور اعتنق المسيحية منذ اللحظة الأولى من حكمه ، بينما يرى آخر أن إيمان قسطنطين مرجعه إلى شارة الصليب التي ظهرت في السماء عام ۳۱۳ م وموجز هذه الرواية أن قسطنطين عندما كان يعد العدة للقاء منافسه ماكسنتيوس Maxentius شهد في السماء راية الصليب فاتخذ الإمبراطور تلك الراية شعارا في حروبه . وهناك رواية أخرى تختلف عن هذه وتلك ، تذكر أن قسطنطين لم يعمد إلا على فراش الموت حيث وضع الأسقف يده على رأسه وأتم اجراء الطقوس الدينية ، ولعل ما دفع المؤرخين إلى هذا الخلط وتعدد رواياتهم سلوك قسطنطين نفسه والواقع أن هناك تدرج بطيء غير محسوس انتهى بإعلان قسطنطين نفسه حامياً للمسيحية فلقد كان من الشاق على
قسطنطين أن يمحو من ذهنه ما تلقاه من عادات ومعتقدات وثنية ، وأن
يؤمن بالديانة المسيحية.
والواقع أنه توجد أدلة كثيرة تثبت إيمان قسطنطين بالمسيحية ، كما توجد أدلة أخرى عديدة توضح استمرار اعتناقه الوثنية، ذلك أن عدد المسيحيين عندئذ لم يتجاوز عشر مجموع سكان الإمبراطورية ، الأمر الذي يؤيد الرأي الأول بأن قسطنطين اتخذ قراره عن شعور ديني لا بدافع المصلحة السياسية، وكانت المسيحية أوسع انتشارا وأشد تركيزا في الشرق منها في الغرب ، بحيث أن آسيا الصغرى غدت من المراكز الرئيسة للمسيحية في القرن الرابع ، هذا في الوقت الذي كان قسطنطين قد انتصر على خصمه ماكسنتيوس في موقعة جسر ملويان Milvian Bridge بإيطاليا سنة ۳۱۳ م ، وبذلك دان لسلطانه الجزء الغربي من الإمبراطورية ولم يبق أمامه سوى اخضاع جزئها الشرقي ، حتى تتحقق له السيادة العامة على الإمبراطورية كلها
. لذلك لا يستبعد أن يكون قسطنطين قد أصدر مرسوم ميلان غداة انتصاره على ماكستنيوس في الغرب ليفتح أمامه أبواب الشرق ، وقيل أن قسطنطين رأى في منامه المسيح ومعه الصليب وأمره باتخاذ هذا الصليب شعارا له خلال الزحف على عدوه ، وكان انتصاره من الدوافع الأساسية لاعترافه بالمسيحية واعتناقها. وتعهد بحماية أرواح المسيحيين
وممتلكاتهم أسوة ببقية رعايا الإمبراطورية ، ومن هذا يبدو أن سياسة قسطنطين الدينية تمثل حلقة انتقال ، حيث أنه تسامح مع المسيحيين في الوقت الذي لم يضطهد الوثنيين وبذا حقق نوعا من التوازن بين المسيحية والوثنية، حيث أبقى على الوثنية القديمة ورجالها و معابدها وطقوسها ، كما احتفظ مثل أسلافه من الأباطرة بلقب الكاهن الأعظم
Pontifex Maximus
أما بلاطه فقد أصبح يغص بالأساقفة والقساوسة من مختلف المذاهب المسيحية ، جنبا إلى جنب مع الكهنة والفلاسفة الوثنيين . هذا في الوقت الذي صارت وظائف الدولة الكبيرة قسمة بين الوثنيين والمسيحيين ، كما نقشت على نقوده شعارات المسيحية والوثنية، أما عن حياته الخاصة فان قتل قسطنطين لزوجته وولده يدل على أنه لم يتأثر اطلاقا بتعاليم المسيحية وأخلاقها. وهكذا يمكن القول بأن قسطنطين ظل حتى أواخر
حياته وثنيا مع الوثنيين. وقد شهدت المسيحية منذ أوائل عهدها خلافات مذهبية خطيرة كان لها أثر عظيم في تاريخ الشرق والغرب جميعا ، قسمت المسيحيين وبالتالي العالم الروماني إلى معسكرين وأثارت البغضاء الدينية والسياسية بينهما لمدة قرنين من الزمان ، وهى مشكلة تحديد العلاقة بين المسيح الابن والاله الأب ، ذلك أنه حدث خلاف بين اثنين من رجال الكنيسة بالإسكندرية حول تحديد هذه العلاقة فقال أريوس وهو كاهن
سکندری مثقف بأن المنطق يحتم وجود الأب قبل الابن، ولما كان المسيح الابن مخلوق للاله الأب فهو اذاً دونه ولا يمكن بأي حال أن يعادل الابن الإله الأب في المستوى، وبعبارة أخرى فان المسيح مخلوق لا إله أما أثناسيوس فقال بأن فكرة الثالوث المقدس تحتم بأن يكون الابن مساويا للإله الأب تماما في كل شيء بحكم أنهما من عنصر واحد بعينه ، هذا وإن كانا شخصين متميزين . ويبدو أن الأثناسيوسيين أدركوا أن المسيحية تعتمد في دعوتها على مكانة المسيح ، وأن أي اتجاه نحو
التقليل من مركزه يؤدي إلى اضعاف الدعوة المسيحية.
ومن الواضح أن المذهب الأريوسى كان يتفق ومنطق المثقفين لأنه أراد أن يقيم العقائد المسيحية على أساس من المنطق والتعقل ، في حين كان المذهب الأثناسيوسي يستقيم وتفكير عامة الناس من البسطاء الذين يحكمون عواطفهم قبل عقولهم ، وهنا نلمس أثر الفوارق الحضارية بين الشرق والغرب، إذ لم يلبث أن ساد المذهب الأثناسيوسي في بلاد الغرب اللاتيني في حين أصبحت الغلبة في الشرق الهلليني للمذهب الأريوسي ، هذا فضلا عما تلحظه من أن معظم المفكرين والفلاسفة والأدباء كانوا أريوسيين موحدين، في حين كانت معظم الطبقات الوسطى والدنيا التي
انتمي اليها رجال الدين من الأثناسيوسيين.
وعندما اشتد الجدل وتفاقم النزاع بين الطرفين خشي الإمبراطور قسطنطين أن يؤثر ذلك في وحدة الإمبراطورية فحاول أن يوفق بين المذهبين لذا دعا قسطنطين إلى عقد مجمع ديني في نيغية عام ٣٢٥ م
لحسم الخلاف ، وكان هذا المجمع أول مجمع مسكوني عالمي في تاريخ الكنيسة، إذ حضره نحو ثلاثمائة من رجال الدين في الشرق والغرب ترأسه الإمبراطور قسطنطين نفسه ، على الرغم من أنه لم يكن معمدا . وقد أدان مجمع نيقية أريوس ، وبالتالي تقرر نفيه إلى إليريا والتخلص من كتاباته وتحريم تداولها واضطهاد أتباعه من الأريوسيين. ومع ذلك فقد ظلت الأريوسية قائمة في الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية ، ومنها
انتقلت إلى الأمم الجرمانية بواسطة المبشرين ورجال الدين.
ولعل بقاء المذهب الأريوسي قويا في الشرق كان من العوامل التي أدت بالإمبراطور قسطنطين إلى تغيير رأيه ، فاستدعى أريوس من منفاه سنة ٣٢٧م ونستطيع أن نعلل هذا التغيير الذي طرأ على مسلك قسطنطين بما كان يعتزمه الإمبراطور من نقل عاصمته إلى القسطنطينية ، وهو الأمر الذي تم فعلا عام ۳۳۰ م مما استلزم استرضاء أهالي الجزء الشرقي من الإمبراطورية، وتؤكد هذه الخطوة من جانب قسطنطين الرأي القائل بأنه كان على استعداد لتغيير ميوله المذهبية - بل الدينية - وفق ما تتطلبه مصالحه السياسية حيث أنه ظل يؤيد المذهب الأثناسيوسي طالما كانت عاصمته في الغرب ، ولكنه عندما شرع في نقل عاصمته إلى الشرق وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الإمبراطورية ، لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أو ميوله نحو المذهب الأريوسي لذا تم عقد مجمع ديني جديد في صور سنة ٣٣٤م ألغي قرارات مجمع نيقية السابق ، وقرر العفو عن أريوس وأتباعه ، وعزل اثناسيوس
في العام التالي و نفي إلى غاليا حتى أطلق سراحه الإمبراطور جوليان ( ٣٦١ - ٣٦٣ م ) ، الذي كان بحكم وثنيته لا يهتم بأمر الأريوسيين أو الأثناسوسيين، ولم يلبث أريوس أن توفي فجأة في القسطنطينية عام ٣٣٦م . ولم يلبث أن لحق به الإمبراطور قسطنطين عام ٣٣٧م بعد أن
تم تعميده على فراش الموت وفق مبادىء المذهب الأريوسي.
وكان قسطنطين قد قسم الإمبراطورية قبل وفاته بين أبنائه الثلاثة ، فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وأخذ قسطنطينوس الشرق، في حين كانت إليريا والجزء الأوسط من شمال إفريقية من نصيب قنسطانز، وهنا نجد كل حاكم من هؤلاء الحكام الثلاثة يعمل على توطيد نفوذه عن طريق المذهب السائد في بلاده ، فاتجه قسطنطينوس نحو تشجيع الأريوسية ، في حين دأب أخواه على تأييد الأثناسيوسية، مما جعل الخلاف المذهبي يتطور إلى انقسام في الكنيسة بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني
أما عن موقف الوثنية المتداعية في هذه الحقبة فقد ظل قسطنطين الأول حتى وفاته سنة ۳۳۷ م يتخذ موقفا وسطا بين المسيحية بمذهبها من جهة والوثنية من جهة أخرى. ولكن حدث أن أبناء هذا الإمبراطور خالفوا أباهم واختاروا عدم الاستمرار في مجاملة الوثنية وأهلها ، بل شنوا عليها موجة عنيفة من الاضطهاد ، فصادروا ما لمعابدها من أراض وممتلكات ، حتى اذا ما حلت سنة ٣٤٠ م منع الأباطرة الثلاثة تقديم القرابين للآلهة الوثنية ، تم أغلقت معابدها بعد ذلك بعدة سنوات .
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
025 0 مباحث الكتاب والسنة1 تمهيد: مباحث الكتاب كالسنة، أك طرؽ استنباط الأحكاـ من النصوص الشرعية، أك...
النوم له دور أساسي في تحسين جودة حياة الإنسان وصحته البدنية والعقلية، حيث يسهم في تجديد الطاقة، تعزي...
ام مؤمنه عاقله حليمه حكيمه لقبها الناس بالصادقه الخاشعه لان النبي صلى الله عليه وسلم ما شهد لها بذلك...
ويحدد هذا الميثاق المبادئ الكونية التي تنظم العالقة بين المواطن والمرافق العمومية وفق ما تن� عليها ا...
في الختام 👈 وبالنسبة للناتج المحلي الإجمالي فان الزيادة في الاستثمار أفضل من الزيادة في الاستهلاك، ذ...
في رسالة يسعى بها إلى الطمأنة، وعلى وجاهة القرارات، أكد الرئيس التونسي في اتصال هاتفي أجراه يوم 31 ي...
تعلم هذه المهمه الطفل المشي باتجاه شخص اخر في الغرفه اذا كان هناك شخص او المشي باتجاه شيء موجود في ا...
أعلنت السفيرة ليندا توماس غرينفيلد مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة تدع...
تقنية XRF (X-Ray Fluorescence) تُستخدم بشكل واسع في مصانع الألمنيوم لمراقبة جودة الإنتاج وتحليل المو...
This line shows Napoleon's growing control and his desire to limit the animals' involvement in decis...
وَلَقَدِ ٱتَّفَقَتِ ٱلْأُمَمُ وَحُكَمَاؤُهَا عَلَى ٱلْعِنَايَةِ بِٱلنَّصَائِحِ، فَٱلْحَكِيمُ قِسُّ ب...
ان إعداد قانون المالية احدى مسؤوليات السلطة التنفيذية فوزير المالية هو الذي يقوم بإجراء الدراسات الم...