لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (61%)

فَصْلٌ فِي تَعَلُّمِ الْأَدَبِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَالسِّيرَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالِاقْتِصَادِ]
وَيُسَنُّ أَنْ يُتَعَلَّمَ الْأَدَبُ وَالسَّمْتُ وَالْفَضْلُ وَالْحَيَاءُ وَحُسْنُ السِّيرَةِ شَرْعًا وَعُرْفًا قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَابُوسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: " الْهَدْيُ السِّيرَةُ وَالْهَيْئَةُ وَالطَّرِيقَةُ " وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ مِنْ شَمَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْ جُمْلَةِ خِصَالِهِمْ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَفْعَالِهِمْ. وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ «الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ» وَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ قَوْلَ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَشَى كَأَنَّهُ يَتَوَكَّأُ، وَبِالضَّمِّ جَمْعُ صَبَبٍ أَيْ فِي مَوْضِعٍ مُنْحَدِرٍ، وَقِيلَ: الصَّبُّ وَالصَّبُوبُ تَصَوُّبُ نَهْرٍ أَوْ طَرِيقٍ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا إذَا أَتَوْا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ نَظَرُوا إلَى سَمْتِهِ وَإِلَى صَلَاتِهِ وَإِلَى حَالِهِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَمَاعَةٍ. وَإِيَّاكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ ذَلِكَ وَرَوَى اللَّفْظَ الْأَوَّلَ عَنْهُ جَعْفَرُ وَالثَّانِيَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَا تَقُولُوا لِلسَّائِلِ بُورِكَ فِيك فَإِنَّهُ قَدْ يَسْأَلُ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَلَكِنْ قُولُوا رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ذُكِرَ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الْأَدَبِ: كَتَبَ أَحْمَدُ مَعِي كِتَابًا إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَنِي الرَّجُلُ فَقَرَأْته فَكَانَ فِيهِ وَكَفَانَا وَإِيَّاكَ كُلَّ مُهِمٍّ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلَهُ «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى» إنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ نَفْسِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الْمُسْتَحَبَّ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ وَإِيثَارُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] قِيلَ طَالِبُ الْعِلْمِ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِهِ سَائِلُ الْبِرِّ وَالْمَعْنَى: لَا تَنْهَرْهُ إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْبَغَوِيُّ: يُقَالُ نَهَرَهُ يَنْتَهِرُهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ انْتَهَى كَلَامُهُمَا فَهَذَا الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَمَّا لَوْ رَدَّهُ بِلِينٍ فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَلَحَّ كَفِعْلِ بَعْضِ السُّؤَالِ سَقَطَ احْتِرَامُهُ وَيُؤَدَّبُ بِلُطْفٍ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَالْمَصْلَحَةُ ثُمَّ قَدْ يُقَالُ هُوَ أَوْلَى
مِنْ تَرْكِهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا إنْ قَالَ أَوْ فَعَلَ مَا لَا يَنْبَغِي لِمَا فِيهِ مِنْ زَجْرِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَتَقْوِيمِهِ فَهُوَ إحْسَانٌ إلَيْهِ مَعَ إقَامَةِ الشَّرْعِ فِي عُقُوبَةِ الْمُعْتَدِي وَقَدْ يُقَالُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. لَا يَدْخُلَنَّكَ ضَجْرَةٌ مِنْ سَائِلِ . فَلَخَيْرُ دَهْرِك أَنْ تُرَى مَسْئُولَا
لَا تَجْبَهَنْ بِالرَّدِّ وَجْهَ مُؤَمِّلِ . فَبَقَاءُ عِزِّك أَنْ تُرَى مَأْمُولَا
وَتَرَى الْعُبُوسَ عَلَى اللَّئِيمِ دَلِيلَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّك عَنْ قَلِيلٍ صَائِرُ . خَبَرًا فَكُنْ خَبَرًا يَرُوقُ جَمِيلَا
وَيَقُولُ لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا مُبَاحًا: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك وَزَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى. وَقَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ: الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِأَبِيهَا: اللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْك قَالَ لَوْ اسْتَوْدَعْته اللَّهَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ قَالَ «اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ: لَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِك فَقَالَ: كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا. » وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «أَشْرِكْنَا يَا أَخِي فِي دُعَائِك» . وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَزَادَ: " عَلَى وَلَدِهِ " وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ لِوَلَدِهِ وَأَبُو جَعْفَرٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَحْيَى. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ»
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعِنْدَهُ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ؟ قَالَ: " مِنْ الْمَاءِ ". وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أُوَدِّعُك كَمَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَجَرَى ذِكْرُ الدِّينِ مَعَ الْوَدَائِعِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ فَدَعَا لَهُ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ فِيهَا. ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ. «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي قَالَ: زَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى قَالَ: زِدْنِي قَالَ: وَغَفَرَ ذَنْبَكَ قَالَ: زِدْنِي قَالَ: وَيَسَّرَ لَك الْخَيْرَ حَيْثُ مَا كُنْت. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: إذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ إلَى سَفَرٍ فَلْيُوَدِّعْ إخْوَانَهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي دُعَائِهِمْ بَرَكَةً قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: السُّنَّةُ إذَا قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَأْتِيَهُ إخْوَانُهُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ فَيُوَدِّعُهُمْ وَيَغْنَمُ دُعَاءَهُمْ. وَقَدْ قِيلَ:
فِرَاقُك مِثْلُ فِرَاقِ الْحَيَاةِ . وَفَقْدُك مِثْلُ افْتِقَادِ الدِّيَمِ
وَقِيلَ:
عَلَيْك السَّلَامُ فَكَمْ مِنْ وَفَا . أُفَارِقُ مِنْك وَكَمْ مِنْ كَرَمْ
وَقِيلَ:
لَمْ أَنْسَ يَوْمَ الرَّحِيلِ مَوْقِفَهَا . وَطَرْفُهَا فِي دُمُوعِهَا غَرِقُ
وَقَوْلَهَا وَالرِّكَابُ وَاقِفَةٌ . تَتْرُكُنِي هَكَذَا وَتَنْطَلِقُ
لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ . يُرِيدُ الرُّجُوعَ مُنْصَرِفَا
وَقِيلَ:
وَكُلٌّ بِعَبْرَتِهِ مُفْلِسُ
لَئِنْ رَجَعَتْ عَنْك أَجْسَامُنَا . لَقَدْ سَافَرَتْ مَعَك الْأَنْفُسُ
وَقِيلَ:
يَا رَاحِلَ الْعِيسِ عَرِّجْ بِي أُوَدِّعْهُمْ . يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تَرْحَالِكَ الْأَجَلُ
يَا لَيْتَ شِعْرِي لِطُولِ الْعَهْدِ مَا فَعَلُوا
صَاحَ الْغُرَابُ بِوَشْكِ الْبَيْنِ فَارْتَحَلُوا . وَقَرَّبُوا الْعِيسَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَاحْتَمَلُوا
وَغَادَرُوا الْقَلْبَ مَا تَهْدَا لَوَاعِجُهُ . أَيْدِي النَّوَى بِزِنَادِ الشَّوْقِ إذْ رَحَلُوا
مِنْهُ وَظَلَّ مُفَكِّرًا مُتَحَيِّرَا
سَفَرٌ وَحُقَّ لَهُ بِأَنْ يَتَطَيَّرَا
وَدَّعَ أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا فَقَالَ: كَبَتَ اللَّهُ لَك كُلَّ عَدُوٍّ إلَّا نَفْسَك، وَجَعَلَ خَيْرَ عَمَلِك مَا وَلِيَ أَجَلَك قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتهَا . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] . اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ،


النص الأصلي

[فَصْلٌ فِي تَعَلُّمِ الْأَدَبِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَالسِّيرَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالِاقْتِصَادِ]


وَيُسَنُّ أَنْ يُتَعَلَّمَ الْأَدَبُ وَالسَّمْتُ وَالْفَضْلُ وَالْحَيَاءُ وَحُسْنُ السِّيرَةِ شَرْعًا وَعُرْفًا قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظَبْيَانَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَابُوسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.


وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ النُّفَيْلِيِّ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: " الْهَدْيُ السِّيرَةُ وَالْهَيْئَةُ وَالطَّرِيقَةُ " وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ مِنْ شَمَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْ جُمْلَةِ خِصَالِهِمْ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ مِنْ أَجْزَاءِ أَفْعَالِهِمْ.


وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ النُّبُوَّةَ تَتَجَزَّأُ وَلَا أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِلَالَ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ وَلَا مُجْتَلَبَةٍ بِالْأَسْبَابِ وَإِنَّمَا هِيَ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنُّبُوَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَتْ إلَيْهِ وَتَخْصِيصُ هَذَا الْعَدَدِ مِمَّا يَسْتَأْثِرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْرِفَتِهِ.


وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ «الْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ السَّمْتِ» وَذَكَرَهُ.


وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ «جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ قَوْلَ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَشَى كَأَنَّهُ يَتَوَكَّأُ، وَقَوْلَ أَبِي الطُّفَيْلِ كَانَ إذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَهْوِي فِي صَبُوبٍ (بَابٌ فِي هَدْيِ الرَّجُلِ) يُرْوَى صَبُوبٌ بِالْفَتْحِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُصَبُّ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ كَالطَّهُورِ وَالْغَسُولِ، وَبِالضَّمِّ جَمْعُ صَبَبٍ أَيْ فِي مَوْضِعٍ مُنْحَدِرٍ، وَقِيلَ: الصَّبُّ وَالصَّبُوبُ تَصَوُّبُ نَهْرٍ أَوْ طَرِيقٍ.


وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا إذَا أَتَوْا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ نَظَرُوا إلَى سَمْتِهِ وَإِلَى صَلَاتِهِ وَإِلَى حَالِهِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَمَاعَةٍ.


وَأَنْ يُحَسِّنَ خُلُقَهُ وَصُحْبَةَ وَالِدَيْهِ وَغَيْرِهِمَا وَأَنْ يَقُولَ مَا وَرَدَ إذَا رَكِبَ دَابَّةً أَوْ غَيْرَهَا أَوْ سَافَرَ أَوْ وَدَّعَ مُسَافِرًا أَوْ يَقُولَ لِلسَّائِلِ رَزَقَنَا اللَّهُ، وَإِيَّاكَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ ذَلِكَ وَرَوَى اللَّفْظَ الْأَوَّلَ عَنْهُ جَعْفَرُ وَالثَّانِيَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لَا تَقُولُوا لِلسَّائِلِ بُورِكَ فِيك فَإِنَّهُ قَدْ يَسْأَلُ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ وَلَكِنْ قُولُوا رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ.


وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ذُكِرَ أَحَدٌ عِنْدَهُ فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الْأَدَبِ: كَتَبَ أَحْمَدُ مَعِي كِتَابًا إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَنِي الرَّجُلُ فَقَرَأْته فَكَانَ فِيهِ وَكَفَانَا وَإِيَّاكَ كُلَّ مُهِمٍّ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلَهُ «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى» إنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ نَفْسِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا الْمُسْتَحَبَّ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ وَإِيثَارُهُ.


وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] قِيلَ طَالِبُ الْعِلْمِ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِهِ سَائِلُ الْبِرِّ وَالْمَعْنَى: لَا تَنْهَرْهُ إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْبَغَوِيُّ: يُقَالُ نَهَرَهُ يَنْتَهِرُهُ إذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ انْتَهَى كَلَامُهُمَا فَهَذَا الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


أَمَّا لَوْ رَدَّهُ بِلِينٍ فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَلَحَّ كَفِعْلِ بَعْضِ السُّؤَالِ سَقَطَ احْتِرَامُهُ وَيُؤَدَّبُ بِلُطْفٍ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَالْمَصْلَحَةُ ثُمَّ قَدْ يُقَالُ هُوَ أَوْلَى


مِنْ تَرْكِهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا إنْ قَالَ أَوْ فَعَلَ مَا لَا يَنْبَغِي لِمَا فِيهِ مِنْ زَجْرِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَتَقْوِيمِهِ فَهُوَ إحْسَانٌ إلَيْهِ مَعَ إقَامَةِ الشَّرْعِ فِي عُقُوبَةِ الْمُعْتَدِي وَقَدْ يُقَالُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


وَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263] .


إنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ قَصَدَ بَعْضَ الْوُزَرَاءِ فِي حَاجَةٍ لَمْ يَقْضِهَا فَظَهَرَ مِنْهُ ضَجَرٌ فَأَنْشَدَهُ:


لَا يَدْخُلَنَّكَ ضَجْرَةٌ مِنْ سَائِلِ ... فَلَخَيْرُ دَهْرِك أَنْ تُرَى مَسْئُولَا


لَا تَجْبَهَنْ بِالرَّدِّ وَجْهَ مُؤَمِّلِ ... فَبَقَاءُ عِزِّك أَنْ تُرَى مَأْمُولَا


تَلْقَى الْكَرِيمَ فَيَسْبِقَنَّكَ بِشْرُهُ ... وَتَرَى الْعُبُوسَ عَلَى اللَّئِيمِ دَلِيلَا


وَاعْلَمْ بِأَنَّك عَنْ قَلِيلٍ صَائِرُ ... خَبَرًا فَكُنْ خَبَرًا يَرُوقُ جَمِيلَا


وَيَقُولُ لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا مُبَاحًا: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك وَزَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى. وَقَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ: الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِأَبِيهَا: اللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْك قَالَ لَوْ اسْتَوْدَعْته اللَّهَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، فَأَمَّا خَلِيفَتِي فَمَا أَدْرِي. انْتَهَى كَلَامُهُ.


وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» . فِي حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى قَالَ عِيسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَدَّعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ حِينَ أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى بَابِلَ فَقَالَ: لَا جَعَلَهُ اللَّهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنَّا وَمِنْك.


وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ قَالَ «اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ: لَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِك فَقَالَ: كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا.» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «أَشْرِكْنَا يَا أَخِي فِي دُعَائِك» .


وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَزَادَ: " عَلَى وَلَدِهِ " وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ لِوَلَدِهِ وَأَبُو جَعْفَرٍ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَحْيَى.


وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ»


رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعِنْدَهُ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ؟ قَالَ: " مِنْ الْمَاءِ ".


وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي إذَا رَأَيْتُك طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ» إسْنَادٌ جَيِّدٌ.


وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أُوَدِّعُك كَمَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ: أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وَأَمَانَتَك وَخَوَاتِيمَ عَمَلِك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.


وَالْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ هَاهُنَا أَهْلُهُ وَمَنْ يَخْلُفُهُ مِنْهُمْ وَمَالُهُ الَّذِي يُودِعُهُ وَيَسْتَحْفِظُهُ أَمِينَهُ وَوَكِيلَهُ، وَجَرَى ذِكْرُ الدِّينِ مَعَ الْوَدَائِعِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ فَدَعَا لَهُ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ فِيهَا. ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ. «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي قَالَ: زَوَّدَك اللَّهُ التَّقْوَى قَالَ: زِدْنِي قَالَ: وَغَفَرَ ذَنْبَكَ قَالَ: زِدْنِي قَالَ: وَيَسَّرَ لَك الْخَيْرَ حَيْثُ مَا كُنْت.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ.


وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ: إذَا خَرَجَ أَحَدُكُمْ إلَى سَفَرٍ فَلْيُوَدِّعْ إخْوَانَهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي دُعَائِهِمْ بَرَكَةً قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: السُّنَّةُ إذَا قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَأْتِيَهُ إخْوَانُهُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ فَيُوَدِّعُهُمْ وَيَغْنَمُ دُعَاءَهُمْ.


وَقَدْ قِيلَ:


فِرَاقُك مِثْلُ فِرَاقِ الْحَيَاةِ ... وَفَقْدُك مِثْلُ افْتِقَادِ الدِّيَمِ


وَقِيلَ:


عَلَيْك السَّلَامُ فَكَمْ مِنْ وَفَا ... أُفَارِقُ مِنْك وَكَمْ مِنْ كَرَمْ


وَقِيلَ:


لَمْ أَنْسَ يَوْمَ الرَّحِيلِ مَوْقِفَهَا ... وَطَرْفُهَا فِي دُمُوعِهَا غَرِقُ


وَقَوْلَهَا وَالرِّكَابُ وَاقِفَةٌ ... تَتْرُكُنِي هَكَذَا وَتَنْطَلِقُ


وَقِيلَ:


لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ ... أَخُو الْوَجْدِ وَالِهًا كَلِفَا


أَحْرَقَ مِنْ وَقْفَةِ الْمُشَيِّعِ لِلْقَلْبِ ... يُرِيدُ الرُّجُوعَ مُنْصَرِفَا


وَقِيلَ:


أَقُولُ لَهُ حِينَ وَدَّعْته ... وَكُلٌّ بِعَبْرَتِهِ مُفْلِسُ


لَئِنْ رَجَعَتْ عَنْك أَجْسَامُنَا ... لَقَدْ سَافَرَتْ مَعَك الْأَنْفُسُ


وَقِيلَ:


يَا رَاحِلَ الْعِيسِ عَرِّجْ بِي أُوَدِّعْهُمْ ... يَا رَاحِلَ الْعِيسِ فِي تَرْحَالِكَ الْأَجَلُ


إنِّي عَلَى الْعَهْدِ لَمْ أَنْقُضْ مَوَدَّتَهُمْ ... يَا لَيْتَ شِعْرِي لِطُولِ الْعَهْدِ مَا فَعَلُوا


صَاحَ الْغُرَابُ بِوَشْكِ الْبَيْنِ فَارْتَحَلُوا ... وَقَرَّبُوا الْعِيسَ قَبْلَ الصُّبْحِ وَاحْتَمَلُوا


وَغَادَرُوا الْقَلْبَ مَا تَهْدَا لَوَاعِجُهُ ... كَأَنَّهُ بِضِرَامِ النَّارِ يَشْتَعِلُ


وَفِي الْجَوَانِحِ نَارُ الْحُبِّ تَقْدَحُهَا ... أَيْدِي النَّوَى بِزِنَادِ الشَّوْقِ إذْ رَحَلُوا


وَقِيلَ:


أُهْدِي إلَيْهِ سَفَرْجَلًا فَتَطَيَّرَا ... مِنْهُ وَظَلَّ مُفَكِّرًا مُتَحَيِّرَا


خَوْفَ الْفِرَاقِ لِأَنَّ شَطْرَ هِجَائِهِ ... سَفَرٌ وَحُقَّ لَهُ بِأَنْ يَتَطَيَّرَا


وَدَّعَ أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا فَقَالَ: كَبَتَ اللَّهُ لَك كُلَّ عَدُوٍّ إلَّا نَفْسَك، وَجَعَلَ خَيْرَ عَمَلِك مَا وَلِيَ أَجَلَك قَالَ الشَّاعِرُ:


وَكُلُّ مُصِيبَاتِ الزَّمَانِ وَجَدْتهَا ... سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةَ الْخَطْبِ


وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] . اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. مَعْنَى مُقْرِنِينَ (مُطِيقِينَ) .


وَاحْتَجَّ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَلَى كَرَاهَةِ أَوَّلِ اللَّيْلِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ «لَا تُرْسِلُوا مَوَاشِيَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ» وَقَالَ: (بَابٌ فِي أَيِّ يَوْمٍ يُسْتَحَبُّ السَّفَرُ؟) وَذَكَرَ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ» ، وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ» وَقَالَ: (بَابٌ فِي الِابْتِكَارِ فِي السَّفَرِ) وَذَكَرَ حَدِيثَ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» .


وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُمَا جَيِّدٌ، وَفِيهِمَا ابْنُ عَجْلَانَ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي أَحْكَامِهِ (بَابُ وُجُوبِ نَصْبِهِ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ وَغَيْرِهِمَا) وَذَكَرَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ.


وَقَالَ حَفِيدُ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ فَأَوْجَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.


وَوُجُوبُ هَذَا يُخَرَّجُ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا)


يَجِبُ.


وَقَالَ أَبُو دَاوُد (بَابٌ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْجُيُوشِ وَالرُّفَقَاءِ وَالسَّرَايَا) وَذَكَرَ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورَ خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ.


قَالَ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ طُرُوقًا قَالَ: نَعَمْ يُؤْذِنُهُمْ قِيلَ بِكِتَابٍ قَالَ: نَعَمْ» وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِي آخِرِهِ كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغَيَّبَةُ، وَفِي مُسْلِمٍ يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ.


. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ أَنْ يَجِيءَ أَهْلَهُ طُرُوقًا» .


وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ لَيْلًا، يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أَتَاك لَيْلًا طَارِقٌ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: 1] . أَيْ النَّجْمِ لِأَنَّهُ يَطْرُقُ بِطُلُوعِهِ لَيْلًا، وَقَوْلُهُ تَسْتَحِدَّ أَيْ تُصْلِحَ مِنْ شَأْنِ نَفْسِهَا، وَالِاسْتِحْدَادُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَدِيدِ وَمَعْنَاهُ الِاحْتِلَاقُ بِالْمُوسَى، يُقَالُ: اسْتَحَدَّ الرَّجُلُ إذَا احْتَلَقَ بِالْحَدِيدِ، وَاسْتَبَانَ مَعْنَاهُ إذَا حَلَقَ عَانَتَهُ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ مَنْ يَعْمَلُهُ طَلَبًا لِلْعَثَرَاتِ حَرُمَ لِأَنَّهُ مِنْ التَّجَسُّسِ، وَإِلَّا كَرُهَ. وَإِنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّيْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ يُؤْذِنُهُمْ بِكِتَابٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَإِلَّا لَقَالَ يَدْخُلُ نَهَارًا وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ ذَكَرْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ، فَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ أَنْ لَيْسَ زِيُّهُ زِيَّ النُّسَّاكِ.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

You should have...

You should have asked about this creature before you joked with him. I assure you, you will not do i...

As part of my c...

As part of my career, I would like to engage in applied research projects aimed at solving the compl...

تعريف الدولة ال...

تعريف الدولة الفاطمية ...

تشهد المجتمعات ...

تشهد المجتمعات الحالية ومنذ ظهور وانتشار العولمة فترات عصيبة نتيجة للمتغيرات الاجتماعية والثقافية ال...

في ليلة مظلمة و...

في ليلة مظلمة وعاصفة، كان هناك منزل قديم يقف وحيدًا على تلة مهجورة. كان الناس يتجنبون المرور بجانبه ...

Since the adven...

Since the advent of the industrial revolution, practitioners have strived to find innovative ways to...

Hope means that...

Hope means that we should never give up when we want to reach our goals and our ambitions. My story ...

Adam Smith sat ...

Adam Smith sat on the edge of the narrow beda looked through the bars of his cell. 1 no one believe ...

من خلال دراستنا...

من خلال دراستنا واطلاعنا على موضوع العلاقات الإنسانية وتأثيره على الرضا الوظيفي لدى العاملين بالإقام...

حماية البيانات ...

حماية البيانات الشخصية للمستهلكين، أدخلت إرشادات حماية البيانات من سامسونج وتعمل سياسات محلية تعكس ا...

1. ALLOWS FOR A...

1. ALLOWS FOR A COMPREHENSIVE EVALUATION Portfolio assessment allows for a comprehensive evaluation ...

. Incubate at 5...

. Incubate at 55-60 C for 10 minute. For long –term storage, store the purified RNA at -70C. Collect...