لخّصلي

تزداد تعقيدات الحياة البشرية بسبب تطور المجتمعات وتنوعها الثقافي، مما يجعل التربية أكثر تعقيدًا أيضًا. لذا، يبرز البعد الاجتماعي في التربية، حيث تحدد صورة المجتمع أسس التربية، ومناهجها، ومحتوياتها، بهدف تنمية أفراد المجتمع وإعدادهم لأدوارهم الاجتماعية. لفهم دور المجتمع في التربية، نحتاج لمعرفة المؤسسات التربوية الاجتماعية الفعالة، التي تكمل دور الأسرة، أهمها:

1. الأسرة: أول بيئة اجتماعية للطفل، توفر الرعاية والحماية وتلبية احتياجاته وفقًا لقيمها ومبادئها. وظائفها التربوية تشمل: التربية الجسدية، الانفعالية، العقلية، الخلقية، الاجتماعية (الدينية)، والترويحية. يؤكد "بيستالوتزي" و"فريدريك هيربرت" على أهمية دور الأسرة في التربية.

2. المدرسة: مع تعقيد الحياة، أصبحت الأسرة وحدها غير قادرة على تربية الطفل، فظهرت المدارس لتساعدها في نقل التراث والقيم، وإعداد الأجيال. وظائفها تتضمن نقل التراث، تنمية المعارف والمهارات، صهر الاختلافات، تطوير المجتمع، غرس القيم، بناء أجيال متعايشة، وتصحيح أخطاء مؤسسات أخرى. يؤكد "بسمارك" و"جون ديوي" على دور المدرسة في تحديد مستقبل المجتمع.

3. أماكن العبادة: تختلف أدوارها باختلاف المجتمعات، إلا أنها مصدر لقيم وضوابط دينية تؤثر في حياة الأفراد. تتنوع العلاقات بين الدولة والمؤسسات الدينية في هذا المجال: سيطرة الدولة الكاملة، نظام تعليمي ثنائي (ديني ودنيوي)، أو تعاون بينهما.

4. وسائل الإعلام: مؤسسات رسمية وغير رسمية، تنشر الثقافة وتكيّف الفرد مع بيئته. لكنها سلاح ذو حدين، فيمكن استخدامها للتثقيف أو لنشر الزيف والفساد.

5. أماكن العمل: تبني عادات وقيمًا لدى الأفراد، مكملةً لدور المؤسسات الأخرى.

6. أماكن الترفيه والاستجمام: تنشر الثقافة، تغرس القيم، وتنمي المهارات. يُلخص "إميل دوركايم" أهمية هذه المؤسسات في قوله: (...النص ينقطع هنا).

لتطور المجتمعات وتنوع مظاهر الحياة االجتماعية وكثرة المؤثرات الحضارية وقوتها والتغيرات
السريعة والعميقة في كل المجاالت سواء على الصعيد المحلي أو العالمي ، أصبحت الحياة البشرية أكثر
تعقيدا وكذلك التربية كوظيفة تخدم البشرية وتنميها وتطورها وفي نفس الوقت كأداة لمساعدتها على
التكيف والتعايش مع هذه الحركة الديناميكية المتسارعة.
من هذا المنطلق تظهر أهمية البعد االجتماعي في التربية ألنه وفي ضوء المجتمع تتحدد صورة التربية
ومنه تستمد أسسها لتنطلق في تصميم مناهجها ومحتوياتها التي تنمي بها أفراد المجتمع وتعدهم ألدوارهم
االجتماعية ولعملية البناء االجتماعي والتكيف مع معطياته.
لفهم الكيفية التي يؤسس بها المجتمع للتربية ال بد من معرفة المؤسسات )التنظيمات( التربوية االجتماعية
الفاعلة في هذا اإلطار،والتي دعت الضرورة لتأسيسها لتكمل دور األسرة في التربية والتنشئة . أهم هذه
المؤسسات:
4ــ1ــ األسرة: هي أول بيئة اجتماعية حاضنة للطفل ، تتعهد ه بالرعاية والحماية وتلبية حاجاته المختلفة
وفقا للروح السائدة فيها والمتشبعة بالقيم والمبادئ التي تتبنها.يرى "بيستالوتزي" أن " األسرة هي مصدر
كل تربية صحيحة يتأثر بها الطفل". ويرى "فريدريك هيربرت" أن " التربية تبدأ في البيت و كل تربية
تعود للبيت". ففي البيت يقضي الطفل سنوات طفولته األولى وفيها يبني معالم شخصيته وينمي الكثير من
مهاراته ويتعلم أنماط السلوك المختلفة ويتشرب العديد من القيم .فاألسرة إذن مكان إلشباع حاجات الطفل
المختلفة كالحاجة لألمن والطمأنينة ،الثقة في النفس، التقدير ، الحب المتبادل واكتساب الخبرات
...وغيرها.
من هنا يمكن حصر الوظائف التربوية لألسرة في :
ــ التربية والرعاية الجسمية )المأكل والمشرب والرعاية الصحية....(
ــ التربية االنفعالية )إشباع الحاجات النفسية(
ــ التربية العقلية )التعرف على قدرات الطفل واستعداداته وتوفير البيئة الثرية والغنية المالئمة لتطويرها(
ــ التربية الخلقية ) غرس القيم األخالقية التي تتناسب مع قيم المجتمع(
ــ التربية االجتماعية )إكالدينية )غرس المعتقدات والتوجهات الدينية التي تتبناها األسرة وتعليم العبادات والطقوس
الشعائر المرتبطة بالدين(
ــ التربية الترويحية ) االهتمام بتوفير الفضاء واألنشطة الترويحية والتنفيسية سواء في البيت أوخارجه (.
4ــ2ــ المدرسة: إن تطور المجتمعات وتنوع مظاهر الحياة فيها جعلها معقدة،فأصبحت األسرة وحدها
غير قادرة على تربية الطفل وسد حاجاته المختلفة والمتزايدة ما فرض على المجتمع إيجاد مؤسسات
معينة تساعد األسرة في مهمة التنشئة ونقل التراث والمبادئ والقيم والعادات والتقاليد االجتماعية وإعداد
األجيال للتكيف مع معطيات العصر واالنسجام مع األدوار االجتماعية الكثيرة التي تنتظر الناشئة. من هنا
ظهرت المدارس بمختلف أشكالها وصورها وراحت تنتشر تدريجيا حتى أصبحت جزءا ال يتجزأ من
المجتمع وثقافته، وتلعب دورا حاسما في تحديد مصير المجتمعات البشرية. وفي هذا يقول " بسمارك" :
"إن الذي يدير المدرسة يدير مستقبل البالد"، وفي ذات الشأن يقول "جون ديوي" : "إن بإمكان المدرسة
أن تغير نظام المجتمع، وهذا ما تعجز عنه مؤسسات اجتماعية أخرى".ويمكننا أن نلخص وظائف
المدرسة فيما يلي:
ــ نقل التراث اإلنساني بكل مكوناته .
ــ تنمية المدارك والمعارف والمهارات لدى المتعلمين.
ــ صهر االختالفات والفوارق االجتماعية.
ــ تغيير وتطوير المجتمعات .
ــ إشباع األجيال بالروح السائدة في المجتمع وغرس القيم والثوابت .
ــ بناء أجيال متشبعة بقيمها وأصالتها ومتعايشة مع المجتمعات والثقافات األخرى.
ــ هي أداة مكملة للدور الذي تقوم به األسرة.
ــ هي أداة تصحيح لألخطاء التربوية الناتجة عن مؤسسات أخرى.
ــ هي أداة تنسيق بين كل الجهود المبذولة من طرف سائر المؤسسات المساهمة في التربية .......
4ــ 3ــ أماكن العبادة: تختلف أشكال دور العبادة وأدوارها من مجتمع آلخر على اختالف األديان
والتشريعات السماوية والمعتقدات غير السماوية التي تتبناها المجتمعات، ورغم ذلك تبقى هذه المؤسسات
مصدرا تستمد منها نظمها وأحكامها وقيمها وضوابطها الدينية التي لها تأثير بالغ في حياة األفراد ــ األولى: تضم البلدان التي تسيطر فيها الدولة على التربية وال أثر للهيئات الدينية في التربية، وال يسمح
للمؤسسة الدينية بالمشاركة فيذلك مثل االتحاد السوفياتي سابقا.
ــ الثانية:تظم البلدان التي تسير على مبدأ الثنائية التربوية أي هناك نظامين تعليميين أولها يتبع الدولة
وسياستها الثاني ديني خالص كما هو حال أمريكا.
ــ الثالثة: هي البلدان التي تعتمد على التعاون بين الدولة والمؤسسات الدينية في اإلشراف على التربية
وبهذا تسير الدولة حسب مل تراه المؤسسة الدينية كما هو الحال في إنجلترا والكثير من البلدان العربية
واإلسالمية.
4ــ4ــ وسائل اإلعالم:هي كل المؤسسات والهيئات الحكومية الرسمية وغير الرسمية ، الحكومية وغير
الحكومية المسؤولة عن نشر الثقافة وضخ اإلعالم إلى الجماهير ألجل تكييف الفرد مع بيئته المحلية
وانفتاحه على البيئة العالمية.وتزويده بكل المعلومات والمعطيات والطروحات واطالعه على األحداث
واألخبار والمستجدات ) مثل القنوات التلفزيونية ،الراديو،الصحف والمجالت ، فضاءات االنترنيت
ووسائط التواصل االجتماعي وغيرها من الوسائل التي تعتمد عل التقنيات والتكنولوجيات الحديثة(. تعتبر
هذه المؤسسات طرفا فاعال ومؤثرا قويا في المجتمعات وفي توجهات األفراد وأفكارهم ومعتقداتهم لسعة
انتشارها وسرعة االتصال ووفرة المعلومات وتدفقها السريع الشيء الذي جعل من العالم قرية صغيرة.
لكنها في نفس الوقت تعتبر سالحا ذو حدين فيمكن استعمالها لغرض التثقيف ونشر الوعي والتعليم
وتطوير المجتمعات كما يمكن استعمالها لنشر الزيف وتحريف الحقائق وبث الفساد األخالقي والديني
واالجتماعي وزرع الفتن والخوف لدى الشعوب الضعيفة....
4ــ5ــأماكن العمل: تعتبر هي األخرى من المؤسسات الفعالة في تأثيرها في الفعل التربوي لما لها من
دور في بناء الكثير من العادات وغرس العديد من القيم واالتجاهات في األفراد، ويعتبر دورها مكمل لدور
المؤسسات اآلنفة الذكر.
4ــ6ــ أماكن الترفيه واالستجمام: هي أماكن تقوم إلى جانب الترويح عن النفس بنشر الثقافة وغرس القيم
وتنمي المهارات والقدرات الجسمية ،االجتماعية ،النفسية ، األخالقية وغيرها... مثل النوادي الرياضية،
العلمية ، الثقافية والفكرية .
وخالصة هذا المحور كما يلخصها " اميل دوركايم " في قوله :
" اإلنسان الذي