لخّصلي

"رَكبَ العالمُ عجلةَ التَّطوّر! لا يُمْكِنُنا أنْ نُنْكِرَ ذلكَ أوْ أنْ نَتَخَلّى عنْه. فرصةُ الرّجوعِ إلى الوراءِ وَلَّت. الأمورُ أشبهُ بشابٍّ على آلةِ المشي في النّادي الرّياضيّ، الآلةُ تَعْمَلُ وعلى الشّابِّ أنْ يُتابِعَ تحريكَ قدمَيْهِ بحسبِ سرعةِ الآلةِ وإلّا وَقَعَ أرضًا وتَأذّى! يا أستاذ، فَرَضَ التَّقدّمُ قواعدَ لعبتِه، إمّا نَسيرُ باللّعبةِ وإمّا نَقِفُ وَقْفَةَ المُتَفَرِّجين؛ وكلُّ منْ يُهاجِمُ التّكنولوجيا في هذهِ الأيّام، أَراهُ مُتَفَرِّجًا غاضِبًا لا يُقَدِّمُ ولا يُؤَخِّرُ في المعادلة! سَئِمْتُ الاعتراضاتِ العشوائيّةَ على التّكنولوجيا الّتي أَصْبَحَتْ جزءًا لا يَتَجَزَّأُ منْ حياتِنا اليوميّة".

رَأى "رامي" في هذهِ الكلماتِ وسيلةَ تعبيرٍ عنِ اعتراضِهِ على ما أَخْبَرَهُمْ إيّاهُ أستاذُهُمْ حينَ دَخَلَ الصَّفّ. في الواقعِ، دَخَلَ الأستاذُ الصَّفَّ وهوَ يَتَصَفَّحُ هاتفَهُ الذَّكيّ. نَظَرَ إلى تلاميذِهِ وخاطَبَهُمْ: "طلّابي الأعزّاء، لقدْ أَنْهَيْتُ منذُ قليلٍ قراءةَ مقالٍ يُظْهِرُ مخاطرَ التَّطبيقاتِ في عالمِنا اليوم. لا يُمْكِنُني أنْ أَسْتَخِفَّ بما قَرَأْت، فهناكَ مخاطرُ صحّيَّةٌ منْ ناحيةِ الانحناءِ في الجلوسِ لدى استخدامِ أيِّ تطبيق، مخاطرُ منْ ناحيةِ الإدمانِ الّذي يَسْمَحُ لأيِّ تطبيقٍ بأنْ يَسْتَعْبِدَ الإنسان، بأنْ يُخَفِّفَ منْ إنتاجيّتِه، بأنْ يُقَلِّصَ منْ ساعاتِ نومِهِ فَيَسْتَيْقِظُ مُتْعَبًا مُنْهَكًا. ناهيكُمْ عنِ المخاطرِ الأمنيّةِ على الصَّعيدِ الشَّخصيّ، إذْ إنَّ العديدَ منَ التَّطبيقات، بحسبِ ما ذُكِر، تَضَعُ المعلوماتِ الشَّخصيّةَ في متناولِ بعضِ الأشخاصِ إذا كانوا خبراءَ في هذا المجال. إنَّ منْ كَتَبَ هذا المقالَ يَرى في التَّطبيقاتِ عُنْصُرًا سَلْبيًّا مؤْذيًا، فَما رَأْيُكُمْ وأنتمْ تَسْتَخْدمونَها يوميًّا؟!"



بعدَ هذا السُّؤال، كانَ جوابُ "رامي"، لعلَّهُ انفَعَلَ بهذهِ الطّريقةِ ظنًّا منْهُ أنَّ أستاذَهُ يَقِفُ في صَفِّ كاتبِ المقال، فكانَ خطابُهُ كآليّةِ دفاعٍ استباقيّةٍ للموعظةِ الّتي يَتَرَقَّبُها منْ أستاذِهِ حولَ التّنبهِ منَ التَّطبيقاتِ وضرورةِ أخذِ الحَيْطةِ والحذر. غيرَ أنَّ الأستاذَ المُفَكِّر، المُعْتادَ على النَّظرِ إلى الأمورِ منْ مختلفِ الزّوايا، فاجأَ المعترضَ ورفاقَهُ بردِّه.



"تَرَيَّثْ يا "رامي"، أَفْهَمُ استياءَكَ نظرًا إلى تكرارِ العديدِ منَ الأشخاصِ جملَ "الوقايةِ" الاعتياديّةَ منْ زواريبِ التّكنولوجيا السَّوداء. غيرَ أنّني أُعارضُ أنا أيضًا كاتبَ المقال. فهوَ أوّلًا يُناقِضُ نَفسَهُ بكلِّ بساطة، فهوَ يُهاجِمُ التّطبيقاتِ فيما يَنْشُرُ مقالَهُ على تطبيقِ صحيفتِهِ الإلكترونيّةِ الّتي لمْ تَعُدْ تُصْدِرُ أعدادًا ورقيّة. بالتّالي، كما أنَّ هناكَ تطبيقاتٍ شبيهةً بصحيفتِه، وَلَها فوائدُها التّثقيفيّة، هناكَ تطبيقاتٌ منْ أنواعٍ أخرى سَهَّلَتِ الكثيرَ منَ الأمورِ على المواطنين؛ منْها ما يَسْمَحُ بإنجازِ المعاملاتِ الرَّسميّةِ إلكترونيًّا، ومنْها ما يُسْهِمُ في تسهيلِ عمليّةِ المواصلاتِ عبرَ حجزِ تاكسي، ومنْها ما يَخدمُ رسالةَ التَّبرّعِ بالدّم، ومنْها ما يُتيحُ لكلِّ مواطنٍ أنْ يُسَجِّلَ مصاريفَهُ الشَّهريّةَ ويَحصلَ على بياناتٍ تحليليّة، ومنْها ما يُسَهِّلُ عمليّةَ البيعِ والشِّراء؛ كما أنَّ بعضَ التَّطبيقاتِ الخاصَّةِ بمواقعِ التّواصلِ الاجتماعيِّ كـ"الفايسبوك" أوِ "الإنستغرام" سَهَّلَت، بشكلٍ لا يُوْصَف، عمليّةَ التَّسويق، فاسْتَفادَ بعضُ الأفرادِ لتأسيسِ متاجرِهِمْ الرَّقميّةِ وانطلاقِ مسيرةِ عملِهِمْ برأسمالٍ محدود، ممّا أَمَّنَ فرصَ عملٍ مهمَّة. لنْ أَنْتَهيَ منْ ذكرِ تنوّعِ التَّطبيقاتِ وفوائدِها. 



أمّا النّقطةُ الثّانيةُ الّتي أُعارِضُ الكاتبَ حولَها، وأُحَذِّرُكَ منْها يا "رامي" لأنَّكَ أوْشَكْتَ على الوقوعِ بها، هيَ وضعُ الأُمورِ كالتَّطبيقاتِ أوِ التِّكنولوجيا في خانةِ الفاعل، في حينِ أنَّني أَرى كلَّ أَمْرٍ بحدِّ ذاتِهِ ميتًا جامدًا لا معنى لهُ، وأنَّ الإنسانَ هوَ منْ يُعْطي المعنى والحياةَ للأُمورِ منْ خلالِ طرقِ استخدامِها. سَأُعْطيكَ مثلًا بسيطًا جدًّا: إنَّ كرةَ السَّلّةِ هيَ رمزٌ إيجابيٌّ لدى الأغلبيّة، إذْ توحي بالرّياضةِ والتَّسلية. لوْ حَملتُ يومًا الكرةَ وقَصَدْتُ أنْ أَرْميَها على أحدٍ مِنْكُمْ لأؤذيَه، هلْ تُصْبِحُ الكرةُ سلاحًا فتًّاكًا يُؤْذي المجتمع؟ كلّا! إنَّ الكرةَ كرة، واستخدامي لها هوَ ما يَجْعَلُها سلاحًا مؤذيًا أوْ أداةً لممارسةِ الرّياضةِ والمرح. أنا منْ أُعْطي الأمورَ معانيَها منْ خلالِ استخداماتي. لذلكَ، تَذَكَّروا، إنَّ التَّطبيقاتِ لَيْسَتْ إيجابيّةً ولا سلبيّة، إنَّ التَّطبيقاتِ تطبيقاتٌ، متنوّعةٌ بمحتواها وخدماتِها. أنتمْ منْ يَسْتَثْمِرُها، إمّا في حقلِها الأبيضِ أو في حقلِها الأسود، فاذْهَبوا واحْصُدوا ما تَزْرَعون!"



كلامٌ فاجَأَ "رامي"، وسَمَحَ لهُ بأنْ يَفْهَمَ الأمورَ أكثرَ فأكثر. كلامٌ جَعَلَهُ يُعيدُ التَّفكيرَ في علاقةِ الإنسانِ بالآلةِ، في دورِ التّطبيقاتِ في حياتِنا، في ضرورةِ التّزوُّدِ بالوعيِ الكافي لإدراكِ كيفيَّةِ استخدامِها للمصلحةِ الذّاتيّةِ الفرديّة، وللمصلحةِ الاجتماعيّة.