لخّصلي

كورونا خطفت سعادتي
السعادة هي طيب النفس وصلاح الحال بعيد عن الشقاء. وكلما كنت راضا عن حال دنياك ينتابك شعور السعادة والسرور لأنك مقتنع بما قسم الله لك سواء من الصحة، أو وجود المال من عدمه، العيش وسط أسرة تحيط بك، وقد تكون الجيرة الطيبة والمسكن الواسع والأصدقاء الأوفياء سبب سعادة البعض.

بالنسبة لي أرى السعادة في الأمن من كل ما يخيفني وان كان لا يؤذيني. وأيضا سعادتي تكمن في تحقيق النجاح الذي اتمناه وأصابوا إليه. انا لست كاملاً وهناك الكثير من الأمور التي أتمنى من الله تعالى ان يوفقني للوصول إليها بسهولة ويسر ويعينني عليها بحوله وقوته.

حينما كنت صغير العمر وفي بداية ادراكي لما هو حولي كانت هناك علامات استفهام واسأله تجول في داخلي. ومن تلك التساؤلات التي تورقني كيف يقضي الطفل اليتيم يومه وهل هو سعيد في حياته. وهل بائع الورد أمام إشارة المرور يقضي وقته بسعادة. وعامل النظافه كبير السن الذي انهكه التعب تحت اشعة الشمس سعيد في حياته.

اتسعت في مخيلتي العلامات كلما انتقلت إلى مرحلة جديدة ومتقدمة وأصبحت أفكر في الفروق بين افراد معينين من المجتمع وكأن عجلة الحياة متوقفة عندهم بل لا تمر على محطاتهم. 

وبعد مرور الزمن وجدت أن هناك أشخاص سعادتهم في مبادرته ليكون في الصف الأول بين المصلين. وأشخاص سعادتهم بفعل الخير للمحتاجين. واخرين سعادتهم بتحقيق أحلامهم. واختلفت الموازين عندي في تحديد سبب السعادة بين الناس. 

كنت اعيش كل لحظة في حياتي بسعادة بالغة، يسعدني العب مع اخوتي وأصدقائي و يسعدني قراءة القصص وقتنائها او الوقوف تحت زخات المطر كثير من المواقف تسعدني ولم يكن لها وقت للنهاية.

حتى زيارة الطبيب في المستشفى كنت اتسابق لأكون الأول في دخول العيادة. 

ولكن بعد اجتياح وباء فايروس كورونا غير حياتي بأكملها. 

وادركت ان السعادة الحقيقية يشعر بها الشخص الذي يملأ قلبه الرضا والتسليم والامتثال لله عز وجل، وبتقربه لله يصبح صدره منشرحا مرتاحا ومبتهجا طوال الوقت. ولا يقنط من رحمة الله. 

تعاقبت السنين واخذت ما أخذت من اعمارنا إلى أن رست بنا السفينة على شاطئ لا شمس فيه ولا قمر. حياتنا تبدلت وتغيرت و تتطلب شروط وقوانين منا لنتمكن من العيش فيها. انفاسنا ناخذها بثمن وكلامنا نطلقه بلا ثمن. باتت الحياة بالنسبة لي كصندوق من خشب مغلق لا تتخلله الأضواء وتسكنه العتمة.

نعم حياتي كلها بكل ما مضى من ذكريات جميلة خطفت.

على اتساع هذا الكون العظيم وكل ما يسبح في فلكة بات عندي بمثابة أرض قاحلة لا زرع فيها ولا حصاد. وكل ذلك بسبب جرم صغير لا نراه ولا نعلم اين يختبئ، يفتك ويبطش ويخطف الأرواح بجنوده لا يفرق بين الكبير او الصغير ولا القوي والضعيف، ولم يهاب الغني او عفى عن الفقير.

فرق الجماعات وحجر العائلات وباعد المسافات. واقتطف احبابنا والقريبات. وبعد قطفه إياهم لم يكتفي إلا بقبرا موحشا حفرته ايادي خائفة متوجسة من حمل جسدا اصابه الوباء ففرق كل احبته حتى اهله لم يرفعوا نعشه ولا تجمعوا بالصلاةَ عليه ولا ودعوه. وخاتمته جثمانه يدحرجوه وإلى قبره يواروه ملفوف باكياس خشية جور بطشك المخفي عن العيون حتى تراب دفنه حين اهلوه عليه تصادم كموج البحر الهائج حين يصارع الريح.

وها أنا بعد فقدي أبناء عمومتي وأخي وجاري وصديقي وبعض اهله واخذت سعادتي قهراً وراحتي. إلى متى ستكتفي او ماذا اقدم لك غير السعادة وعن ديار احبتي ترحل ولا تعود للكون الجميل قبل التصدع والتهشم و يزول وبائك يا كورونا وتنتهي.