لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (100%)

الإسلام والمسلمين وما حفظ من ثغورهم بجلادهم، وما صب () على الفرنج من العذاب بأيديهم (۲) واستنقذه من ممالكهم بجهادهم ، وأخلد محاسن أعمالهم على ممر الدهور ، وتعاقب السنين والشهور ، جزاء الإحسانهم المستمر ، وطولهم الثابت المستقر ، وكانت ( ٣ - أ ) الأعذار تحول بيني وبين ما أؤمله من هذا الغرض، والعوائق تحيل جواهر إمكانى إلى العرض . ولما استأثر الله تعالى بالمولى السعيد نور الدين - تغمده الله الكريم برضوانه ، وأسكنه فسيح جنانه - وقام بالملك بعده ولده المولى المالك الملك القاهر العادل العالم المؤيد المنصور ، ، أبو الفتح مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنگی بن آقسنقر ناصر أمير المؤمنين - نسب كأن عليه من شمس الضحى نورا، ومن فلق الصباح غمورا (۳) ، لازالت الأقدار جارية على وفق اختياره ، ولا برحت الحوادث عن جنابه الشريف مصروفة، وأعين الكوراث عن دولته القاهرة مطروفة - وملأ ذلك الدست، وشرف ذلك الصدر ، وظهرت هذه الشمس بعد أقول ذلك البدر ، ولاغر و إذا أشبه الوالد الولد ، وقام الشبل (۳) - ب) في عزيمة (4) الأسد :
وأنت من القوم الذين هم هم
إذا زال منهم سيد قام صاحبه
نجوم سماء كلما غاب كوكب
بدا كوكب يأوى إليه كواكبه
دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه تسير المنايا حيث سارت كتابيه
وحيث كانت الحال هذه ، تجدد ذلك العزم ، وأحببت أن أجلو مناقب الموالى الملوك السعداء من آبائه عليه ، وأزف عقيلة محاسنهم إليه ، وأذكر من مشاهدهم (٦) في نصرة الدين
وذبهم عن حوزة المسلمين ، وأثبته قلمي : شعر
أخيار قوم بنوا (۷) وما نقضوا (۸) فالذكر يحيا (٩) وإن هم قبضوا
وانتهزوا فرصة التمكن إذ
تصوروا أن مكنها عرض
أ) (٤- في دولة القاهر الملك عز الـ دين عن كل من مضى عوض قال . ليعلم قدر الله نعمة الله تعالى عنده أولا وآخراً،وليتيقنن (١) أنه لم يكن لأحد من الملوك المتقدمين والخلفاء الراشدين ، إلا وفى بيته الشريف - ثبت الله تعالى قواعده ، وشد من عزه معاقده - ما يضاهيها ، وظهر عنهم ما يماثلها ويناويها ، . لا بل والله من قاس غيرهم بهم قاس الثمد إلى البحر، والمخشلب(٥) إلى الدر، والهشيم بخضرة الربيع، والأرض الجرز (1) بنضرة الروض المريع ،ولا أظلتها السماوات العلى
إذا أتى ديارهم ألقى العصى
لا ينطق العوراء في ناديهم
ولا يحلون إلى الجهل الحي
ويصطلى بنارهم عند (۷) القرى
هم الجبال امتنعت أن ترتقى
هم البحور ليس يعلوها القذى
لم يغدروا أو ذكروا (١٠) طاب الثنا
ونقلت أكثره عن والدى رحمه الله تعالى، فإنه كان راوية (١١) حسناتهم ، وعين الخبر بحركاتهم وسكناتهم ، وقد فاتني كثير مما سمعته منه ، لأننى جمعت هذا القدر من حفظى بعد وفاته ، ولم أثبته بقلمي في حياته ، ومع هذا فإننى تعمدت ترك الإكثار ، وابتدأت بذكر المولى الشهيد الكبير قسيم الدولة آفسنقر رضى الله عنه ، لأنه أول من ملك منهم فيما علمناه ، وذكرت ما حضره من الحروب قبل ملكه وبعده ، ولم أذكر أحداً غير ملوك هذا البيت الشريف ، إلا وفاة (١٢) خليفة واستخلاف آخر ، وموت سلطان سلجقى وولاية غيره ، إذا الضرورة تدعو إليه ، وبالله التوفيق وهو المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل
صاحب التاريخ . كان قسيم الدولة (۱) تركيا (۲) من أصحاب (۳) السلطان جلال الدولة ركن الدين (٤) ملكشاه بن ألب أرسلان وأترابه، وممن ربى معه في صغره وصحبه إلى حين كبره ، حلما أفضت السلطنة بعد أبيه إليه، وأفاضت تاجها عليه ، رعى لقسيم الدولة صحبته ، فجعله من أعيان أمرائه، وأخص أوليائه ، فصادف الإحسان أهله ، فرفع قدره وأعلى محله ، وأفضى إليه بأسراره في خلواته وجلواته ، ووثق به وثوقا حسده عليه سائر أمرائه ه - ب) وأجناده ، لما رأى من شجاعته وحزمه وسداده ، وتقدم عنده تقدما فاق فيه سائر الناس ، واختصه السلطان للقرب والإيناس (٥) ، وزاد قدره علوا إلى أن صار يتقيه مثل نظام الملك مع تحكمه على السلطان ، وتمكنه من المملكة بعلو المنصب وكثرة الأعوان ، فأشار : على السلطان بأن يوليه مدينة حلب وأعمالها ، ويحكمه في عساكرها وأموالها ، ويضيف إلى حكمه غيرها من البلاد الشامية ، وكان قصده أن يتخذ عند قسيم الدولة يدا ، ويبعده عن خدمة السلطان أعظم الدلائل على علو منزلته وسمو مرتبته لقبه ، وهو قسيم الدولة ، وكانت الألقاب حينئذ مصونة [ لا تعطى إلا لمستحقيها (1)] حتى إن السلطان - مع جلالة قدره - لم يكن يعرف إلا بجلال الدولة ولم يكن لقبه في الدين مشهورا . وكان قسيم الدولة أيضاً يقف إلى جانب ( ٦ - أ ) تخت السلطنة عن يمينه ولا يتقدمه أحد ، وصار ذلك أيضاً لعقبه من بعده وهكذا كان سيف الدین غازی بن عماد الدين زنكى رضى الله عنهما يقف عند السلطان غياث الدين مسعود ، ولما توجه المولى السعيد شرف الدين بن المولى المعظم قطب الدين قدس الله روحهما إلى همذان وبها حينئذ السلطان ألب أرسلان [ بن ] طغرل بن محمد وأتابكه البهلوان ، وهو أخو السلطان لأمه والبلاد له وبحكمه ليس للسلطان معه غير اسمه وكان الهلوان يقف عن يمين التخت، فلما حضر شرف الدين انتقل البهلوان عن مقامه ، سير السلطان ملكشاه الوزير فخر الدولة ابن جهير وزير الخليفة (۲) إلى ديار بكر ليتملكها ويحلى عنها بني مروان (۳) على ما ذكرناه في المستقصى في التاريخ (1) ، وسير عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير - وكان زوج ابنة نظام الملك - إلى الموصل ، وكانت لشرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران العقيلي ، وسير معه جيشا عظيما ، وجعل المقدم على الجيش قسيم الدولة أقسنقر ، لمعرفته بتدبير الجيوش وحصر البلاد وشجاعته في حروبه كلها ، فساروا نحو الموصل ، فلقيهم فى الطريق الأمير أرتق بن أكسب التركماني - جد ملوك وكان الحصن (٥) وماردين يومنا هذا ومعه خلق كثير من التركمان فاستصحبوه معهم مشهورا بالعقل والدين - فلما وصلوا إلى الموصل حصروها وضيقوا على من بها ( ٧ - أ ) وأرسل أرتق إلى من بها يشير عليهم بالدخول في طاعة السلطان وترك العصيان عليه ، وخوفهم عاقبة فعلهم إن امتنعوا وأصروا على الخلاف ، فقبلوا نصحه وأذعنوا له وأطاعوا وسلموا البلد (7) ، فأتاه الخبر بخروج أخيه تكش عن طاعته بخراسان واجتماع العساكر عليه ، فأرسل مؤيد الملك بن نظام ! الملك إلى شرف الدولة فطيب قلبه ، وذكر له أن أباه نظام الملك قد شفع فيه إلى السلطان فأجاب شفاعته ، وأمره بالمسير معه إلى خدمة السلطان ، فسار صحبته ولقى السلطان بالبوازيج (۲) ، وسار السلطان نحو خراسان فظفر بأخيه
كانت حلب لشرف الدولة مسلم وكانت أنطاكية للروم قد ملكوها سنة ثمان (۱) وخمسين و ثلاثمائة ، ولم يزالوا بها إلى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وكان صاحبها حينئذ روميا يسمى الفردروس (٢) ، فسار عنها إلى بلاد الروم ، وراسلوه ليحضر عندهم ليسلموا إليه أنطاكية ، فسار إليهم وتسلم البلد وملكه ، وقتل من أهله خلقا كثيرا ، وأخذ منهم مالا عظيما . وكان لشرف الدولة على صاحب أنطاكية الرومى جزية يأخذها منه كل سنة ، أرسل إليه شرف الدولة يطلب منه ما كان يأخذه من الروم ، وتهدده وخوفه عاقبة ( ۸ – أ ) معصية السلطان ، والخطبة والسكة له فيه ، ولست بكافر حتى أعطيك ما كنت تأخذه من الروم، فأعاد شرف الدولة الجواب يتهدده ويلزمه بالمال ، فأخذت سلمان الحمية فسار إلى بلد شرف الدولة ونهبه ، فقال لهم : صاحبكم أحوجنى إلى ما فعلته ، وإلا فليس من عادتي أخذ مال مسلم ، ورد عليهم ما أخذ منهم ، فجمع شرف الدولة العرب والتركمان عن بكرة أبيهم وسار نحو أنطاكية ، فلقيه سليمان في أول أعمالها مما يلى حلب في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، فاقتتلوا أشد قتال فانهزمت العرب والتركمان عن شرف الدولة (٥) ، فاضطر إلى الهزيمة فقتل منهزماً وذاق عاقبة بغيه . وكان ملكه ( ۸ - ب ) من السندية (٦) بالعراق على نهر عيسى الى منبج (۱) وما بينهما من البلاد الفراتية : كهيت (۲) ، والأنبار (۳) وغيرها ، وملك الموصل (٤)، والجزيرة (٦) بأسرها ، وملك مدينة حلب . وكان تاج الدولة له مدينة دمشق ونواحيها قد أ قطعه (۸) إياها أخوه السلطان ملکشاه (۹) ، وقد سار نحو حلب بعد قتل شرف الدولة ليملكها ، وكان معه أرتق بن أكسب - وقد أقطعه تاج الدولة البيت المقدس (١٠) - فلما أرسل أهل حلب إلى سليمان ما ذكرناه ، سار نحو تاج الدولة فالتقوا و اقتتلوا قتالا شديدا صبر فيه الفريقان ، وانجلت الحرب عن هزيمة ( ٩ - أ ) عسكر سليمان ، وثبت هو فقتل . وسار تاج الدولة إلى حلب فحصرها فملك المدينة وحصر القلعة، وكان سبب مسيره إليها ، أن ابن عطير الخيرى كان قد باعها من الروم بعشرين ألف دينار وسلمها إليهم ، فدخلوها وأخربوا المساجد وأجلوا المسلمين عنها (١٢) ، فسار ملكشاه إليها هذه السنة (۱۳) فحصرها وفتحها وأقطعها الأمير يزان ، فلما أتاه رسل أهل حلب بالتسليم إليه، سار إليهم. فلما بلغ خبر مسيره إلى تاج الدولة رحل عن حلب إلى دمشق . ووصل السلطان إلى حلب ، وبالقلعة سالم بن مالك بن بدران العقيلي - وهو ابن عم شرف الدولة - فسلمها إلى السلطان بعد قتال ، وأعطاه السلطان عوضا عنها قلعة جعير ، وكان قد ملكها هذه السفرة من صاحبها جعبر النميرى ، وكان شيخا كبيراً أعمى ، فبقيت ) ٩ - ب ) بيد سالم وأولاده إلى أن أخذها منهم الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكى رضى الله عنهما ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . فلما ملك السلطان حلب، أرسل إليه الأمير نصر بن على بن المقلد بن منقذ الكناني (۱) صاحب شيزر ودخل في طاعته وسلم إليه لاذقية (٢) ، وفامية (٣) ، وكفر طاب (٤) فأجابه ملكشاه إلى الصلح وترك قصده. ثم إن نظام الملك أشار على السلطان بتسليم حلب وأعمالها ، وحماة ، ومنبج ، ولاذقية ، وما معها إلى قسيم الدولة أقسنقر فأقطعه الجميع ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . وأقطع السلطان مدينة أنطاكية للأمير ياغي سيان ، ظهرت كفايته وحمايته وهيبته في جميع بلاده و أن السلطان استدعاه إلى العراق (۷) فقدم إليه فى تجمل عظيم لم يكن في عسكر السلطان من يقاربه ،ملكشاه سير قسيم الدولة جيشاً إلى تكريت فملكها
معرفة حسنة
غير عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد . فإن عبد الله قتله الحجاج ، والزبير رضى الله عنه
قتل يوم الجمل ، وقتل العوام وخويلد في الجاهلية . وليس من مشهورى الترك من هو هكذا ، غير (۹)
قليج أرسلان [ فقد قتله جاولى سقاووا بالخابور غريقا . وهذا سليمان قتله تاج الدولة تتش كما ذكرناه . وأما أبوه قتلمش بن أرسلان بيغو (۱۰) - (ب) بن سلجق (۱۰) فقتله صاحب مدينة
أستوا (۱) لأنه جمع خلقا كثيرا من الأتراك وخرج على السلطان ألب أرسلان (۲) ، فلقيه صاحب أستوا(۳) فقاتله، فانهزم قتلمش وسقط عن فرسه فمات . وأما أبوه أرسلان بيغو بن سلجق، فإن صاحب غزنة من أولاد محمود (٤) بن سبكتكين أخذه فقتله ،نظام الملك وزير السلطان ملكشاه ذكر قتل رحمه الله
قتل الوزير نظام الملك أبو على الحسن بن إسحاق ، قتله صبي ديلمي بعد الإفطار، وقد تفرق عن طعامه الفقهاء والأمراء والفقراء وغيرهم من أصناف الناس ، وقتل الصبي أيضاً ، فعدمت الدنيا واحدها الذى لم تر مثله . وكان تلك الليلة قد حكى له بعض الصالحين، إنه رأى النبي صلى الله عليه و المنام كأنه أتاه وسلم فى المنام وأخذه من محفته ، فاستبشر نظام الملك بذلك ، أطلب .وكان عالما ، فقيها ، دينا ، خيرا، متواضعا ، عادلا يحب أهل الدين ويكرمهم ويجزل صلاتهم . وكان أقرب الناس منه وأحبهم إليه العلماء ، وكان يناظرهم في المحافل، ويبحث عن غوامض
المسائل ، وأما صدقاته ووقوفه فلا حد لها ، ومدارسه فى العالم مشهورة ، لم يخل بلد من شيء منها ، حتى
جزيرة ابن عمر (0) - التى هى فى زاوية من الأرض لا يؤبه لها - بني فيها مدرسة كبيرة حسنة ، وهي الآن تعرف بمدرسة رضى الدين .وأعماله ( ١١ ب ) الحسنة ، وصنائعه الجميلة مذكورة فى التواريخ ، لم يسبقه من كان قبله
رحمه الله ورضى عنه وكان من جملة عباداته أنه لم يحدث إلا توضأ ،حفظا ، ويحافظ على أوقات (۷) الصلوات محافظة لا يتقدمه فيها المتفرغون للعبادة ، حتى إنه كان إذا أغفل المؤذن أمره بالأذان، وإذا سمع الأذان أمسك عن كل ما هو فيه ، واشتغل ياجابته ثم بالصلاة. وأما ابتداء أمره ، فإنه كان يحب التصرف ، فاتصل بأمير كان صاحب بلخ يعرف بالأمير ياخر
وكان مقدم عسكر الملك جغرى بك داود جد السلطان ملكشاه - وكان ياخر لا يعطيه إلا ما يقوم به حسب ، وفي آخر كل سنة يصادره بما يفضل معه، فضجر من هذه الحال، وأخفى أولاده. وكان له فخر الملك ومؤيد الملك - وركب فرسه وهرب . فدعا الله تعالى أن يرزقه فرسا يخلصه عليه ، فلم يسر إلا قليلا حتى لقيه تركماني تحته فرس جيد فسلمه إليه وأخذ فرسه عوضه ، وقال له : ياحسن أذكر هذه . قال نظام الملك : فلما ركبت الفرس قويت نفسي، وعلمت أن السعادة قد جاءت ، ووصلت إلى مرو ، ودخلت على الملك داود فأخذ بيدى وسلمني إلى ولده الملك عضد الدولة ألب أرسلان وقال: تسلمه واتخده والدا لا تخالفه . ثم إن الأمير ياخر سأل عنى فلم يجدني وأخبر بهربى ، وقال : إنه أخذ ما لى و هرب ، فقال له داود : حديثك مع ولدى ألب أرسلان ، فلما توفى طغرلبك سعى نظام ( ۱۲ - ب ) الملك فى أخذ السلطنة لصاحبه ألب أرسلان ، وقام المقام الذي تعجز عنه الجيوش والكثرة ، واستقرت السلطنة له ، وبقى معه إلى أن توفى . ثم وزر بعده لابنه السطان ملكشاه إلى أن قتل . وكان قد تحكم عليه إلى حد لا يقدر السلطان على خلافه لكثرة مما ليكه ومحبة الأمراء والعساكر له ، وميل عامة الناس وخاصتهم إليه بحسن سيرته وعدله .في منتصف شوال سنة خمس (۲) وثمانين [ وأربعمائة ] تو فى السلطان ركن الدين ملكشاه رضى الله
عنه . وسبب وفاته أنه أكل لحم صيد فأكثر منه ، فأخذته حمى حادة فتوفى منها . وكان مولده [في ] جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، وكان ملكه نحو عشرين سنة . نظام الملك ، وكانت سعادتهما متقارنة (٤) . وقال له في جملة عتبه : إن كنت شريكي في الملك فعرفني ، وإن كنت وزيرى فاسلك ما يسلكه الوزراء وإلا أطبقت دواتك وعزلتك . فقال للرسول : قل للسلطان عنى، إن كنت ما تعلم أننى شريكك فاعلم ، واذكر ما فعلت معك حين خرج عليك أعمامك وإخوتك ونازعوك فى الملك وكادوا يقهرونك ، فتوليت ردهم بنفسى ، وقمت المقام الذي تعلمه حتى صفا لك الملك والسلطنة ، وذكر له عدة مواقف جزع فيها ملكشاه وخاف ، فردها نظام
الملك بالرأي والحرب، فأين كان هذا من ] كلامه ذلك الوقت. وأما قوله إنه يطبق (۱۳ – ب) الوقت دواتى (١)، فقل له : إعلم أن هذه الدواة متعلقة بزر قلنسوته التي على رأسه ، فمتى أطبق هذه سقطت تلك . فيقال إن هذا كان سبب قتل نظام الملك، وصح قول نظام الملك، لما طبقت دواته لم يعش السلطان غير خمسة وثلاثين يوماً ومات. وكان هذا كالكرامة لنظام الملك . وكانت (۲) مملكة السلطان ملکشاه قد (۳) اتسعت [ اتساعا ] عظيما ، أطاعته (٤) البلاد جميعها وملكها ، وخطب له من حدود الصين إلى الداروم من أرض الشام ، وأطاعه اليمين والحجاز ، وأسبيجاب(٦) ، وكاشغر (۷) ، وبلا ساغون (۸) وغيرها من الممالك البعيدة ، وملك (۹) سمر قند (۱۰) وجميع ما وراء النهر (۱۱) . ثم إن صاحب كاشغر عصى عليه فسار السلطان إليه ، فلما قارب كاشغر (١٤ - أ ) هرب صاحبها منه فسار في طلبه ، وعمل السلطان من الخيرات وأبواب البركثيرا ، منها ما أصلحه وعمله من المصانع (١٢) بطريق مكة ، وحفر من الأنهار ، وبنى مدرسة عند قبر الإمام أبي حنيفة رضى الله عنه ، وبنى الجامع الذي بظاهر بغداد عند دار السلطنة . وهو الذي بنى منارة القرون (۱۳) في طرف البر مما يلي الكوفة بمكان يعرف بالسبيع (١٤)، وبنى مثلها بسمر قند أيضاً . ولما مات ضبطت زوجته [ ترکان (۱۰)] خاتون العسكر ، يلطم أحد وجها ، ولم يشق عليه ثوب ، ولم يسمع بسلطان مثله توفى فلم يصل أحد ولم يجلس أصحابه للغزاء سواه . وأرضت زوجته العسكر وحلفتهم عليه
لولدهما محمود ، وعمره أربع سنين ، وسارت إلى أصفهان
وظهر الملك بركياروق بن ملكشاه - وهو الأكبر - فطلب السلطنة فأخذها (١٤-ب) و توفى محمود. ثم ظهر السلطان محمد بن ملكشاه ، فنازع أخاه بركياروق، وجرت بينهما حروب كثيرة دامت
وتاج الدولة تتش بن ألب أرسلان وما شهده من الحروب معه (۳)
كطبرية والبيت المقدس وغيرها ، فلما توفى ملكشاه واختلف أولاده وهم صغار ، ولم يكن له طاقة بتاج الدولة فصالحه وخطب له بحلب ، وراسل نور الدين [ بوزان (٤) ] صاحب حران و یاغی سیان صاحب أنطاكية يشير عليهما بطاعة تاج الدولة حتى ينظروا ما يكون من أولاد ملكشاه ، ففعلوا ذلك ، وساروا معه نحو الرحبة فملكها ، فسبه أهلها ففتحها عنوة وقهراً ، وقتل بها خلقاً كثيراً ،وراسل ناصر الدولة إبراهيم بن قريش بن بدران - وهو صاحب الموصل حينئذ - يأمره بالخطبة له وأن يعطيه طريقاً إلى بغداد ، فامتنع عليه ، وسار كل واحد منهما إلى صاحبه، فالتقيا بالمضيع من بلد الموصل ، وأسر إبراهيم
وسار في ربيع الآخر من هذه السنة إلى ميافارقين (ه) فملكها وسائر بلاد ديار بكر
ثم سار منها إلى أذربيجان (۱) فقصده الملك ركن الدين بركياروق - وكان قد ملك كثيراً من البلاد منها : الرى وهمدان وما بينهما - فلما تقارب العسكران ، والآن فقد ظهر بركياروق ، والرأى والمروءة تقتضى بأننا نقصده ونكون معه ، ففارقا (۳) تاج الدولة وسارا إلى بركياروق وصارا معه ، فلما رأى تاج الدولة ذلك ، رجع إلى الشام ، وأقام قسيم الدولة عند بركياروق ، فخرج عليه خاله إسماعيل بن ياقوتى ثم أطاعه ، فخلا به قسيم الدولة وبوزان وبسطوه في الحديث (١٦) - (أ) فأعلمهم أنه يريد السلطنة وقتل بركيا روق ، فوثبا عليه فقتلاه محافظة على صاحبهما ، ثم أمر هما ركن الدين بالعود إلى الشام ليمنعا (٤) تاج الدولة عن البلاد إن قصدها فعادا .ذكر وفاة أمير المؤمنين المقتدى بأمر الله وولاية ابنه المستظهر بالله
في المحرم (٥) من سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، توفى الإمام المقتدى بأمر الله أمير المؤمنين رضى الله عنه فجأة . واسمه أبو القاسم عبد الله بن الأمير محمد بن القائم بأمر الله . وعمره تسع (٦)
وأنشأ ببغداد عدة محال ، منها : البصلية ، والحلبة ، والمقتدية ، وخرابة ابن جردة ، والخاتونية (۸).وهو أستوزر فخر الدولة أبا نصر محمد بن محمد بن جهير ، وهو من الموصل وكانت (۹) خلافته بعهد من جده القائم بأمر الله ( ١٦ - ب ) أمير المؤمنين ، وأمه تركية .وكان لين الجانب ، كثير الحلم . وعاش وادعا مرفها و توفى وتد علم على منشور السلطان بركياروق بالسلطنة (١٠) . وأحضرت الوزير وأعيان الدولة وجددت البيعة لولده أبى العباس أحمد المستظهر بالله أمير المؤمنين،فلما بايعوا أظهرت وفاة المقتدى
ولما بويع المستظهر بالله أرسل إلى السلطان بركياروق لأخذ البيعة - وكان ببغداد – فأنفذ بركيا روق وزيره عز الملك (۱۱) بن نظام الملك والأمير برسق (۱۲) وكو هرائين شحنة بغداد، فبايعوا ،ثم بايع هو ، فلما تمت بيعة السلطان أحضر الغزالى (۱) والشاشى (٢) وغيرهما من العلماء فبايعوا . ثم أرسل إلى غزنة ، والشام لأخذ البيعة ولما استخلف (۳) أقر عميد الدولة بن جهير على وزارته
ذكر نسب المستظهر بالله (٤)
هو المستظهر بالله (۱۷) - أ ) أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم أبي إسحاق بن محمد الرشيد أبي جعفر هارون بن المهدى أبى عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهم ، بينه وبين العباس عشر خلفاء ووليا عهد ، وأربعة لم
فأما الخلفاء : فالمقتدى ، والقائم، والمقتدر ، والمعتضد ، والمتوكل ، والمعتصم ، والمهدى ، والمنصور
وأما وليا (ه) العهد : فالذخيرة محمد بن القائم – وهو والد المقتدى بأمر الله (۱۷-ب)
والموفق الناصر لدين الله أبو أحمد بن المتوكل وهو جد المقتدر بالله . وأما الذين لم يلوا يلوا الخلافة ! والد ولا ولاية العهد : فإسحاق - والد القادر بالله - ، ومحمد
المنصور - ، وأبوه على ، وعبد الله بن العباس
وقد ولى الخلافة من بني العباس من غير آباء المستظهر سبعة عشر (٦) خليفة ، والهادى موسى بن المهدى ، والأمين محمد والمأمون عبد الله ابنا الرشيد ، والواثق - وهو أخو المتوكل - . ثم المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم - وهو أبن أخى المتوكل . . ثم المهتدى محمد بن الوائق ابن المعتصم . وولى المكتفى علي بن المعتضد بالله وأخوه القاهر بالله . ثم ولى الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله، وأخوه المتقى بالله أبو إسحاق إبراهيم . ثم ولى المستكفى بالله عبد الله ( ۱۸ - أ ) ابن المكتفى بالله بن المعتضد بالله . ثم ولى المطيع الله أبو القاسم الفضل ، وولده
الطائع الله أبو بكر عبد الله .ذكر قتل قسيم الدولة آفسنقر رضى الله عنه
جمعه، وعظم . حشده ، وسار : في جمادى الأولى من سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قتل قسيم الدولة آفسنقر وبوزان صاحب حران . وكان سبب قتلهما ، أن تاج الدولة تنش لم يزل يجمع العساكر بعد عوده من أذربيجان إلى الآن، فكثر . عن دمشق نحو حلب ، فاجتمع قسيم الدولة و بوزان وأمدهما السلطان ركن الدين بركياروق بالأميركر بوغا (۱) ـ وهو الذي صار فيما بعد صاحب الموصل - فلما أجتمعوا وبلغهم مسير تاج الدولة عن دمشق ، تقدموا نحوه والتقوا برویان [على] نهر سبعين (۲) بالقرب من تل السلطان ، بينه و بين حلب نحو ستة فراسخ ، واقتتلوا واشتد القتال ، فخامر بعض عسكر قسيم الدولة وانهزموا ( ۱۸ - ب ) وتبعهم الباقون، فقال له : لو ظفرت بي ما كنت صنعت . قال : كنت أقتلك . قال : فأنا أحكم عليك بما كنت تحكم على فقتله صبرا . وسار نحو حلب ، وكان قد دخل إليها الأمير كربوقا وبوزان تحفظاها (۳) منه ، ولج في قتالها حتى ملكها وأخذهما (٤) أسيرين ، وأرسل إلى حران والرها ليملكهما - وكانتا لبزان - فامتنع من بهما من التسليم إليه ، فقتل بوزان وأنفذ رأسه وتسلم البلدين . وأما كربوقا فإنه أرسله إلى حمص فسجنه بها إلى أن
أخرجه الملك رضوان بعد قتل أبيه تاج الدولة . وكان قسيم الدولة أحسن الأمراء سياسة لرعيته وحفظا لهم . وكانت بلاده بين عدل عام ،ورخص شامل ، وكان قد شرط على أهل كل قرية في بلاده ، متى أخذ عند أحدهم قفل أو أحد من الناس ، غرم أهلها جميع ( ۱۹ - أ ) ما يؤخذ من الأموال من قليل وكثير ، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده ألقوا رحالهم وناموا ، وقام أهل القرية يحرسونهم إلى أن يرحلوا ، فأمنت الطرق ، وتحدث الركبان بحسن سيرته
وأما وفاؤه وحسن عهده فكفاه (1) فخرا أنه قتل في حفظ بيت صاحبه وولي نعمته . ذكر حال عماد الدين (۷) زنكى بعد قتل والده رضى الله عنهما
لما قتل قسيم الدولة أقسنقر ، لم يخلف من الأولاد غير ولد واحد، وكان حينئذ صبيا له من العمر نحو عشر سنين ، فاجتمع عليه مماليك والده وأصحابه ، وفيهم زين الدين على ، وهو صبي أيضا . و توجه إلى حران - وقد أجتمع معه عسكر صالح - فملكها . ثم صار إلى نصيبين فملكها أيضا .ثم إلى الموصل فملكها (۱) وأزال عنها على بن شرف الدولة العقيلى،وسار نحو ماردين فملكها أيضا . وعظم شأنه وهو في طاعة ركن الدين بركياروق ، فلما مالك البلاد أحضر مماليك (٢) قسيم الدولة آقسنقر، وأمرهم بإحضار عماد الدين زنكي . وقال : هو ابن أخي وأنا أولى الناس بتربيته ، فأحضروه عنده ، فأقطعهم الإقطاعات السنية وجمعهم على عماد الدين زنكي ، واستعان بهم في
وكانوا من الشجاعة في أعلى درجاتها ، فلم يزالوا معه . ثم أن كر بوقا (۳) توجه إلى آمد وصاحبها من أمراء التركمان ، فاستنجد صاحبها بمعين الدولة سقمان بن أرتق (٤) جد صاحب الحصن يومنا هذا (ه) ، فجمع من التركمان خلقا كثيرا وسار نحو آمد وتصاف هو وقوام الدولة كربوقا ، فأخذ عماد الدين زنكي وألقاه بين مماليك والده ، وقال لهم : قاتلوا عن ابن صاحبكم، فحينئذ اشتد قتالهم وحمى الوطيس (٦) فهزموا سقمان وأسروا ياقوتى ( ۲۰ - أ ) ابن أخيه ، ولم يزل عماد الدين
فلم تطل أيامه وقتل .وملك الموصل شمس الدولة جكر مش (١٠) -- وهو أيضا من مماليك السلطان ملكشاه . وأخذ الشهيد عماد الدين وقربه وأحبه ، واتخذه ولدا المعرفته بمكانة والده ، فبقى معه إلى أن قتل سنة خمسمائة . رعى هذا الجكر مش (۱۱) لما ملك الموصل وغيرها من البلاد ، فأكرمه وقدمه وأقطعه إقطاعا
كثيرا ، ثم ملك الموصل بعد جكر مش، جاولی سقاووا (۱۳) فاتصل به عماد الدین زنگی، و قد كبر فظهرت عليه أمارات السعادة ) ۲۰ - ب ) والشهامة ، ولم يزل معه حتى عصى على السلطان محمد ، فأرسل السلطان إلى الموصل الأمير مودود بن التونتكين (۱)] وأقطعه إياها سنة ثنتين (٢) وخمسمائة ، فلما اتصل الخبر بحاولى فارقه الشهيد وغيره من الأمراء ، وفيهم الأمير التونتاش الأبرى ، وهذا كان سبب المعرفة بينه وبين الشهيد ، فلما ملك أكرمه وأعظمه وأكثر إقطاعه . فحكى لى والدى قال : كنت أراه إلى جانب المولى الشهيد لا يتقدم عليه أحد من الأمراء ، وله عقب بالموصل إلى الآن في خدمة الدولة القاهرة(۳). فلما استقر الأمير مودود بالموصل ، واتصل به الشهيد عماد الدين عرف له ذلك ، مضافاً إلى منزلة أبيه ، ولما رأى منه من العقل والشجاعة ، فزاد في إقطاعه وشهد معه حروبه . أن الأمير مودوداً سار إلى الغزاة بالشام (٤) ففتح فى طريقه قلاعاً من شبختان(ه) كانت للفرنج ( ۲۱ - أ ) وقتل من بها منهم ، ثم سار إلى الرها فحصرها ولم يقدر على فتحها ، وكانت
عقيلة ومكرمة وفضيلة قد أدحرها الله سبحانه وتعالى للمولى الشهيد .الملوك إلى أعلاهم حسبا
فاستوضحت سبل الآمال حايدة
عن
أخرهم (۸) [ أبدأ ] فعلا ومنتسبا
أبهر هم (1) فضلا، أغمر هم (۷) بذلا
على الممالك مرخى (۱۱) دونها الحجبا
مظفر العزم ، والآراء منتخبا
ممتنع (۱۲) العز ، معمور الفناء [ به ]
من معشر طالما شبوا (۱۳) بكل وغى
ناراً يظل (١٤) أعاديهم لها حطبا
ثم إن الأمير مودودا رحل عنها وعبر الفرات (١٥) إلى الشام ، فحصر تل باشر (١٦) خمسة
وأربعين يوماً ولم يبلغ منها غرضاً . ثم سار عنها إلى معرة النعمان (۱۷) فحصرها ، وجاء إليه الأمير
طغدكين (۱۸) صاحب دمشق ، فلما رأى كثرة عسكره خاف أن يأخذ منه دمشق (١٩) ، فشرع في
وكانوا قد ضعفوا (۲۱) - ب) عن قتال المسلمين لكثرتهم فإن السلطان محمداً ، كان قد أمد الأمير مودوداً بعسكر مقدمهم الأمير سكمان القطبي صاحب تبريز وغيرها ، فمرض سكمان واشتد مرضه فعاد ، فأدركه الموت بيالس(۱)، فأخذ أصحابه تابوته وقصدوا بلاده ، فصافوه(۳) وجعلوا تابوت سكمان في
القلب كما كان حياً ، وانهزم إيلغازي وعادوا إلى بلادهم . فلما رأى مودود تفرق العساكر ، ولم يكن في عسكره من ظهر اسمه غير الشهيد ، وأذن لعسكره في العود والإستراحة ثم الإجتماع لقتال الفرنج فتفرقوا .وراسل (٤) [ مودود ] طغدكين وأصلحه وجمع العساكر وعاد إلى الشام ، وحضر عنده أتابك طغدكين وساروا جميعاً إلى طبرية (٥) وحصروها وقاتلوها قتالا شديداً (٦) . وظهر (۷) من أتابك (۸) الشهيد رضى الله عنه شجاعة لم يسمع بمثلها ( ۲۲ - أ ) فمنها : أنه كان في نفر وقد خرج الفرنج من البلد ، فحمل عليهم هو ومن معه ، وقد انهزم من بظاهر البلد من الفرنج فدخلوا البلد ، ووصل رمحه إلى الباب فأثر فيه وقاتلهم عليه ، وهو ينتظر وصول من كان معه ليقاتلوا الفرنج ويتقدم باقي العسكر فيملكون البلد ، فعجب الناس من إقدامه أولا ومن سلامته آخراً ، وهذه
الحادثة مشهورة بالشام لاسيما عند الفرنج .وجمع الفرنج فرسانهم ورجالتهم وملوكهم وقمامصتهم ، فيهم الملك بردويل (۹) صاحب القدس، وجوسلين صاحب تل باشر والرها وغيرها ، فتصافوا ثالث
عشر (١) ] محرم [ سنة ٥٠٧(١) ] عند بحيرة طبرية ، فظفر المسلمون وانهزم الفرنج لعنهم الله ، ووصلوا إلى مضيق دون طبرية فاجتمعوا به ولم يكن فيه سعة ، فتبعهم (۲) (۲۲- ب) المسلمون . فقويت نفوسهم واحتموا، وحصرهم المسلمون وهم على رأس جبل [ غرب طبرية (۳) ] والمسلمون في الغور ، وصابروهم ستة وعشرين يوماً ، وأشتد الحر على المسلمين لمقامهم في الغور ، فرحلوا نحو بيسان (٤) ، فنزل ، فعادوا إلى إليهم الفرنج وتواقفوا خمسة أيام ، ، وانقطعت المادة عن المسلمين لبعدهم عن بلادهم : مرج الصفر ، وأذن الأمير مودود للعسكر فى الرجوع إلى بلادهم والاجتماع إليه في الربيع ، فلما تفرقوا دخل دمشق(٥) ، وأقام بها ، فخرج يوماً يصلى الجمعة ، فلما صلاها وخرج إلى صحن الجامع ويده بيد طغدكين ، وثب عليه إنسان فضربه بسكين معه فجرحه أربع جراحات (٦)، وكان صائماً فحمل إلى دار طغدكين واجتهد به ليفطر فلم يفعل ، وقال : لا لقيت الله إلا صائماً ، فإنني (۲۳) (۷) ميت لا محالة سواء أفطرت أو صمت .الباطنية بالشام خافوه فقتلوه ، وقيل بل خافه طغدكين فوضع عليه من يقتله . فحدثنى والدى رحمه الله تعالى قال : كتب ملك الفرنج إلى طغدكين يقول له : إن أمة قتلت عميدها يوم عيدها في بيت معبودها ، الحقيق (۸) على الله أن يبيدها (٩). فلما اجتمعت العساكر على البرسقي ، فحصرها (۱۱) وقاتل من بها من الفرنج ( ۲۳ – ب ) والأرمن ، وأبلى عماد الدين زنكي في هذه المواقف كلها بلاء حسناً، وعادت العساكر تتحدث بما فعله عماد الدين وما ظهر له من الشجاعة ، وعاد البرستي إلى بغداد ، وأقام عماد الدين بالموصل مع الملك مسعود والأمير جيوش بك إلى سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وقد علا قدره وظهر اسمه . ومن أعجب ما يحكى أن السيل (٥) حمل مهداً فيه طفل ، فعلق المهد فى شجرة ونقص الماء ، فسلم ذلك الطفل وغرق غيره من
الماهرين بالسباحة .وفيها أيضاً زلزلت إربل (٦) وغيرها من البلاد المجاورة لها زلزلة عظيمة . ٢٤ - أ ) ذكر وفاة السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه
وجلوس ولده مغيث الدين محمود في السلطنة
في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى عشرة (٧) وخمسمائة ، توفى السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه . وكانت الأراجيف (۸) قد كثرت عليه ، وأكل الناس الطعام بحضرته ثم ضعف بعد ذلك . فلما كان في اليوم الثالث والعشرين من ذى الحجة أيس من نفسه ، فأحضر ولده الملك محمودا - وكان عمره حينئذ أربع عشرة سنة - فلما رآه قبله وبكى، فبكى ولده ، فقال : إنه يوم غير مبارك – يعنى من فقال : صدقت ، ولكن على أبيك ، فخرج وجلس على التخت ، ولبس التاج . وتوفى السلطان محمد من ليلته ، وأظهرت وفاته من الغد ، وقرئت وصيته على ولده يأمره بالعدل والإحسان. وكان مولد السلطان محمد
فضاقت الميرة عن العسكر ، فرحل إلى سميساط (۱۲) ، وهى أيضاً للفرنج ، فأخرب بلدها وبلد
ثامن عشر شعبان سنة أربع وسبعين وأربعمائة. وكان عمره سبعا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وستة أيام. وأول ما خطب له بالسلطنة ببغداد فى ذى الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وقطعت خطبته عدة مرار، ولقى من المشاق والأخطار مالم يلقه أحد ، إلى أن توفى أخوه السلطان ركن الدين بر كيارق (۱) ، فحينئذ استقرت له السلطنة وصفت له ، ودانت البلاد وأصحاب الأطراف لطاعته ،وكان اجتمع الناس عليه بعد موت أخيه إثنتى (٢) عشرة سنة وستة أشهر . وكان عادلا حسن السيرة ، ومن عدله أنه ٢٥ اشترى عدة مماليك . من بعض التجار ( - - أ) وأمر أن يوفى الثمن من عامل خوزستان ، فأوصل البعض ومطل بالباقي ، وأخذ غلام الحاكم ووقف بطريق السلطان واستغاث إليه ، فأمر من يستعلم حاله ، فلما سأله عن حاجته ذكرها له ، وأخذ غلام الحاكم ووقف بطريق السلطان ليطالب بماله ، فعظم عليه وضاق صدره ، وأمر في الحال أن يحضر عامل خوزستان ، ويلزم بمال التاجر ، وألزمه مصادرة على ذلك لئلا يمطل هو ولا غيره بمال يحال عليهم . ثم إنه ندم على تأخره عن مجلس الحكم، وكان يقول كثيراً : لقد ندمت على تركى الحضور بمجلس الحكم، ولو فعلته لاقتدى (٤) بي غيرى ، ولم يمتنع أحد عن أداء الحق . وهذه الفضيلة أيضاً مما دخرها الله تعالى لهذا البيت الشريف الأتابكي ، فإن الملك العادل نور الدين (٢٥) - (ب) محمود بن زنگی ، فعل ما ندم السلطان محمد على تركه . ولما علم الأمراء وغيرهم [ أن ] من خلق السلطان محبة العدل وأداء الحق وكراهة الظلم ومعاقبة من يفعله ، إقتدوا (٥) [ به ] . وأمن (٦) الناس ،ثم إن السلطان محمودا أقام بالسلطنة ، وجرى بينه وبين عمه السلطان سنجر (۷) حرب ، انهزم . فيها السلطان محمو د وعاد إلى عمه بغير عهد ، فأكرمه وأقطعه من البلاد من حد خراسان إلى الداروم بأقصى الشام، وهي من الممالك : همدان، وأصفهان ، وبلد الجبال جميعه ، وبلادكرمان، وفارس ، والعراق ،


النص الأصلي

الإسلام والمسلمين وما حفظ من ثغورهم بجلادهم، وما صب () على الفرنج من العذاب بأيديهم (۲) واستنقذه من ممالكهم بجهادهم ، وأخلد محاسن أعمالهم على ممر الدهور ، وتعاقب السنين والشهور ، جزاء الإحسانهم المستمر ، وطولهم الثابت المستقر ، وكانت ( ٣ - أ ) الأعذار تحول بيني وبين ما أؤمله من هذا الغرض، والعوائق تحيل جواهر إمكانى إلى العرض . ولما استأثر الله تعالى بالمولى السعيد نور الدين - تغمده الله الكريم برضوانه ، وأسكنه فسيح جنانه - وقام بالملك بعده ولده المولى المالك الملك القاهر العادل العالم المؤيد المنصور ، عز الدنيا والدين ، سلطان الإسلام والمسلمين ) ، ، أبو الفتح مسعود بن أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنگی بن آقسنقر ناصر أمير المؤمنين - نسب كأن عليه من شمس الضحى نورا، ومن فلق الصباح غمورا (۳) ، لازالت الأقدار جارية على وفق اختياره ، ومقتضى إيثاره ، ولا برحت الحوادث عن جنابه الشريف مصروفة، وأعين الكوراث عن دولته القاهرة مطروفة - وملأ ذلك الدست، وشرف ذلك الصدر ، وظهرت هذه الشمس بعد أقول ذلك البدر ، ولاغر و إذا أشبه الوالد الولد ، وقام الشبل (۳) - ب) في عزيمة (4) الأسد :


وأنت من القوم الذين هم هم


إذا زال منهم سيد قام صاحبه


نجوم سماء كلما غاب كوكب


بدا كوكب يأوى إليه كواكبه


أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم وما زال منهم حيث كانت مهالك (ه)


دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه تسير المنايا حيث سارت كتابيه


وحيث كانت الحال هذه ، تجدد ذلك العزم ، وأحببت أن أجلو مناقب الموالى الملوك السعداء من آبائه عليه ، وأزف عقيلة محاسنهم إليه ، وأذكر من مشاهدهم (٦) في نصرة الدين


وذبهم عن حوزة المسلمين ، ما انتهى إليه علمي ، وأثبته قلمي : شعر


أخيار قوم بنوا (۷) وما نقضوا (۸) فالذكر يحيا (٩) وإن هم قبضوا


جادوا فما قصرت أكفهم (١٠)


عن غرض في الندى ولا عرضوا


وانتهزوا فرصة التمكن إذ


تصوروا أن مكنها عرض


أ) (٤- في دولة القاهر الملك عز الـ دين عن كل من مضى عوض قال . ليعلم قدر الله نعمة الله تعالى عنده أولا وآخراً، ويقتدى بافعالهم وارداً وصادراً
وليتيقنن (١) أنه لم يكن لأحد من الملوك المتقدمين والخلفاء الراشدين ، منقبة دينية ودنيوية (٢) وتجربة في حفظ (۳) الممالك والرعايا شرعية وسياسية ، إلا وفى بيته الشريف - ثبت الله تعالى قواعده ، وشد من عزه معاقده - ما يضاهيها ، وظهر عنهم ما يماثلها ويناويها ، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (٤) . . لا بل والله من قاس غيرهم بهم قاس الثمد إلى البحر، والمخشلب(٥) إلى الدر، والهشيم بخضرة الربيع، والأرض الجرز (1) بنضرة الروض المريع ، ولكأن القائل إياهم أراد بقوله :


لم تحمل الأرض ملوكا مثلهم


ولا أظلتها السماوات العلى


معاد كل راغب وراهب


إذا أتى ديارهم ألقى العصى


لا ينطق العوراء في ناديهم


ولا يحلون إلى الجهل الحي


( ٤ - ب ) لا يصطلى بنارهم عند اللقا


ويصطلى بنارهم عند (۷) القرى


هم النجوم طالع وآفل


يعلو لهم غرس (۸) إذا غرس (1) ذوى


هم الجبال امتنعت أن ترتقى


هم البحور ليس يعلوها القذى


إن سئلوا لم يبخلوا أو عاهدوا


لم يغدروا أو ذكروا (١٠) طاب الثنا


ونقلت أكثره عن والدى رحمه الله تعالى، فإنه كان راوية (١١) حسناتهم ، وعين الخبر بحركاتهم وسكناتهم ، وقد فاتني كثير مما سمعته منه ، لأننى جمعت هذا القدر من حفظى بعد وفاته ، ولم أثبته بقلمي في حياته ، ومع هذا فإننى تعمدت ترك الإكثار ، لميل الناس في زماننا إلى الاختصار ، وابتدأت بذكر المولى الشهيد الكبير قسيم الدولة آفسنقر رضى الله عنه ، لأنه أول من ملك منهم فيما علمناه ، وذكرت ما حضره من الحروب قبل ملكه وبعده ، وكذلك ولده المولى الشهيد عماد الدين ( ه - أ ) زنكى قدس الله روحه . ولم أذكر أحداً غير ملوك هذا البيت الشريف ، إلا وفاة (١٢) خليفة واستخلاف آخر ، وموت سلطان سلجقى وولاية غيره ، إذا الضرورة تدعو إليه ، وبالله التوفيق وهو المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل
صاحب التاريخ . كان قسيم الدولة (۱) تركيا (۲) من أصحاب (۳) السلطان جلال الدولة ركن الدين (٤) ملكشاه بن ألب أرسلان وأترابه، وممن ربى معه في صغره وصحبه إلى حين كبره ، حلما أفضت السلطنة بعد أبيه إليه، وأفاضت تاجها عليه ، رعى لقسيم الدولة صحبته ، فجعله من أعيان أمرائه، وأخص أوليائه ، فصادف الإحسان أهله ، فرفع قدره وأعلى محله ، واعتمد عليه السلطان في مهماته ، وأفضى إليه بأسراره في خلواته وجلواته ، ووثق به وثوقا حسده عليه سائر أمرائه ه - ب) وأجناده ، لما رأى من شجاعته وحزمه وسداده ، وتقدم عنده تقدما فاق فيه سائر الناس ، واختصه السلطان للقرب والإيناس (٥) ، وزاد قدره علوا إلى أن صار يتقيه مثل نظام الملك مع تحكمه على السلطان ، وتمكنه من المملكة بعلو المنصب وكثرة الأعوان ، فأشار : على السلطان بأن يوليه مدينة حلب وأعمالها ، ويحكمه في عساكرها وأموالها ، ويضيف إلى حكمه غيرها من البلاد الشامية ، وكان قصده أن يتخذ عند قسيم الدولة يدا ، ويبعده عن خدمة السلطان أعظم الدلائل على علو منزلته وسمو مرتبته لقبه ، وهو قسيم الدولة ، وكانت الألقاب حينئذ مصونة [ لا تعطى إلا لمستحقيها (1)] حتى إن السلطان - مع جلالة قدره - لم يكن يعرف إلا بجلال الدولة ولم يكن لقبه في الدين مشهورا . وكان قسيم الدولة أيضاً يقف إلى جانب ( ٦ - أ ) تخت السلطنة عن يمينه ولا يتقدمه أحد ، وصار ذلك أيضاً لعقبه من بعده وهكذا كان سيف الدین غازی بن عماد الدين زنكى رضى الله عنهما يقف عند السلطان غياث الدين مسعود ، ولما توجه المولى السعيد شرف الدين بن المولى المعظم قطب الدين قدس الله روحهما إلى همذان وبها حينئذ السلطان ألب أرسلان [ بن ] طغرل بن محمد وأتابكه البهلوان ، وهو أخو السلطان لأمه والبلاد له وبحكمه ليس للسلطان معه غير اسمه وكان الهلوان يقف عن يمين التخت، فلما حضر شرف الدين انتقل البهلوان عن مقامه ، وقال لشرف الدين : هذا لكم
( ٦ - ب ) في سنة سبع (۱) وسبعين وأربعمائة ، سير السلطان ملكشاه الوزير فخر الدولة ابن جهير وزير الخليفة (۲) إلى ديار بكر ليتملكها ويحلى عنها بني مروان (۳) على ما ذكرناه في المستقصى في التاريخ (1) ، وسير عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير - وكان زوج ابنة نظام الملك - إلى الموصل ، وكانت لشرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران العقيلي ، وسير معه جيشا عظيما ، وجعل المقدم على الجيش قسيم الدولة أقسنقر ، وتقدم إلى عميد الدولة ليكون فعله في حروبه وحصاره برأى قسيم الدولة، لمعرفته بتدبير الجيوش وحصر البلاد وشجاعته في حروبه كلها ، فساروا نحو الموصل ، فلقيهم فى الطريق الأمير أرتق بن أكسب التركماني - جد ملوك وكان الحصن (٥) وماردين يومنا هذا ومعه خلق كثير من التركمان فاستصحبوه معهم مشهورا بالعقل والدين - فلما وصلوا إلى الموصل حصروها وضيقوا على من بها ( ٧ - أ ) وأرسل أرتق إلى من بها يشير عليهم بالدخول في طاعة السلطان وترك العصيان عليه ، وخوفهم عاقبة فعلهم إن امتنعوا وأصروا على الخلاف ، فقبلوا نصحه وأذعنوا له وأطاعوا وسلموا البلد (7) ، فأخذ عميد الدولة ما كان به من مال شرف الدولة وأهله وذخائره . وكان السلطان عازما على أخذ جميع البلاد التي لشرف الدولة واستئصال ملك العرب، فأتاه الخبر بخروج أخيه تكش عن طاعته بخراسان واجتماع العساكر عليه ، فأرسل مؤيد الملك بن نظام ! الملك إلى شرف الدولة فطيب قلبه ، وذكر له أن أباه نظام الملك قد شفع فيه إلى السلطان فأجاب شفاعته ، وأمره بالمسير معه إلى خدمة السلطان ، فسار صحبته ولقى السلطان بالبوازيج (۲) ، يخلع عليه ورد عليه الموصل :


وجميع ما أخذ له من أهل ومال ، وسار السلطان نحو خراسان فظفر بأخيه
كانت حلب لشرف الدولة مسلم وكانت أنطاكية للروم قد ملكوها سنة ثمان (۱) وخمسين و ثلاثمائة ، ولم يزالوا بها إلى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وكان صاحبها حينئذ روميا يسمى الفردروس (٢) ، فسار عنها إلى بلاد الروم ، فكتب أهلها (۳) إلى سليمان بن قتلمش وهو جد هذا الملك غياث الدين كيخسرو (٤) صاحب قونية وغيرها .. وراسلوه ليحضر عندهم ليسلموا إليه أنطاكية ، فسار إليهم وتسلم البلد وملكه ، وقتل من أهله خلقا كثيرا ، وأخذ منهم مالا عظيما . وكان لشرف الدولة على صاحب أنطاكية الرومى جزية يأخذها منه كل سنة ، فلما ملك البلد سليمان ، أرسل إليه شرف الدولة يطلب منه ما كان يأخذه من الروم ، وتهدده وخوفه عاقبة ( ۸ – أ ) معصية السلطان ، فأعاد الجواب : إننى فى طاعة السلطان وهذا الفتح بسعادته ، والخطبة والسكة له فيه ، ولست بكافر حتى أعطيك ما كنت تأخذه من الروم، فأعاد شرف الدولة الجواب يتهدده ويلزمه بالمال ، فأخذت سلمان الحمية فسار إلى بلد شرف الدولة ونهبه ، فقصده الذين نهبهم واستغاثوا إليه ، فقال لهم : صاحبكم أحوجنى إلى ما فعلته ، وإلا فليس من عادتي أخذ مال مسلم ، ورد عليهم ما أخذ منهم ، فجمع شرف الدولة العرب والتركمان عن بكرة أبيهم وسار نحو أنطاكية ، فلقيه سليمان في أول أعمالها مما يلى حلب في صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، فاقتتلوا أشد قتال فانهزمت العرب والتركمان عن شرف الدولة (٥) ، فاضطر إلى الهزيمة فقتل منهزماً وذاق عاقبة بغيه . وكان ملكه ( ۸ - ب ) من السندية (٦) بالعراق على نهر عيسى الى منبج (۱) وما بينهما من البلاد الفراتية : كهيت (۲) ، والأنبار (۳) وغيرها ، وملك الموصل (٤)، وديار ربيعة (٥) ، والجزيرة (٦) بأسرها ، وملك مدينة حلب . وكان عادلا حسن السيرة عظيم السياسة . ولما قتل شرف الدولة قصد سليمان مدينة حلب فحصرها (۷) فأرسل إليه أهلها : إذا انفصل الأمر بينك وبين تاج الدولة تنش، سلمنا إليك البلد. وكان تاج الدولة له مدينة دمشق ونواحيها قد أ قطعه (۸) إياها أخوه السلطان ملکشاه (۹) ، وقد سار نحو حلب بعد قتل شرف الدولة ليملكها ، وكان معه أرتق بن أكسب - وقد أقطعه تاج الدولة البيت المقدس (١٠) - فلما أرسل أهل حلب إلى سليمان ما ذكرناه ، سار نحو تاج الدولة فالتقوا و اقتتلوا قتالا شديدا صبر فيه الفريقان ، وانجلت الحرب عن هزيمة ( ٩ - أ ) عسكر سليمان ، وثبت هو فقتل . وسار تاج الدولة إلى حلب فحصرها فملك المدينة وحصر القلعة، فكاتب أهلها السلطان ملكشاه ليسلموها إليه وهو بالرها (١١). وكان سبب مسيره إليها ، أن ابن عطير الخيرى كان قد باعها من الروم بعشرين ألف دينار وسلمها إليهم ، فدخلوها وأخربوا المساجد وأجلوا المسلمين عنها (١٢) ، فسار ملكشاه إليها هذه السنة (۱۳) فحصرها وفتحها وأقطعها الأمير يزان ، فلما أتاه رسل أهل حلب بالتسليم إليه، سار إليهم. فلما بلغ خبر مسيره إلى تاج الدولة رحل عن حلب إلى دمشق . ووصل السلطان إلى حلب ، وبالقلعة سالم بن مالك بن بدران العقيلي - وهو ابن عم شرف الدولة - فسلمها إلى السلطان بعد قتال ، وأعطاه السلطان عوضا عنها قلعة جعير ، وكان قد ملكها هذه السفرة من صاحبها جعبر النميرى ، وكان شيخا كبيراً أعمى ، فبقيت ) ٩ - ب ) بيد سالم وأولاده إلى أن أخذها منهم الملك العادل نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكى رضى الله عنهما ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . فلما ملك السلطان حلب، أرسل إليه الأمير نصر بن على بن المقلد بن منقذ الكناني (۱) صاحب شيزر ودخل في طاعته وسلم إليه لاذقية (٢) ، وفامية (٣) ، وكفر طاب (٤) فأجابه ملكشاه إلى الصلح وترك قصده. ثم إن نظام الملك أشار على السلطان بتسليم حلب وأعمالها ، وحماة ، ومنبج ، ولاذقية ، وما معها إلى قسيم الدولة أقسنقر فأقطعه الجميع ، فبقيت بيده إلى أن قتل سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . وأقطع السلطان مدينة أنطاكية للأمير ياغي سيان ، وهو صاحب صلاح الدين محمد الياغيسيانى (٥) الذي صار (1) أمير حاجب المولى الشهيد عماد الدين زنكي ولما استقر ( ١٠ - أ ) قسيم الدولة في الشام ، ظهرت كفايته وحمايته وهيبته في جميع بلاده و أن السلطان استدعاه إلى العراق (۷) فقدم إليه فى تجمل عظيم لم يكن في عسكر السلطان من يقاربه ، فاستحسن ذلك منه ، وعظم محله عنده، ثم أمره بالعود إلى حلب فعاد إليها ، ولما مات السلطان


ملكشاه سير قسيم الدولة جيشاً إلى تكريت فملكها


معرفة حسنة


يذكر أهل التواريخ أنه ليس من مشهورى (۸) العرب من قتل هو وأبوه وجده وجد أبيه ،


غير عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد . فإن عبد الله قتله الحجاج ، والزبير رضى الله عنه


قتل يوم الجمل ، وقتل العوام وخويلد في الجاهلية . وليس من مشهورى الترك من هو هكذا ، غير (۹)


قليج أرسلان [ فقد قتله جاولى سقاووا بالخابور غريقا . وهذا سليمان قتله تاج الدولة تتش كما ذكرناه . وأما أبوه قتلمش بن أرسلان بيغو (۱۰) - (ب) بن سلجق (۱۰) فقتله صاحب مدينة
أستوا (۱) لأنه جمع خلقا كثيرا من الأتراك وخرج على السلطان ألب أرسلان (۲) ، فلقيه صاحب أستوا(۳) فقاتله، فانهزم قتلمش وسقط عن فرسه فمات . وأما أبوه أرسلان بيغو بن سلجق، فإن صاحب غزنة من أولاد محمود (٤) بن سبكتكين أخذه فقتله ، وأخذ ابنه قتلش حتى خلصه الملك داود والد السلطان ألب أرسلان لما ملك خراسان


نظام الملك وزير السلطان ملكشاه ذكر قتل رحمه الله


في عاشر رمضان سنة خمس وثمانين وأربعائة ، قتل الوزير نظام الملك أبو على الحسن بن إسحاق ، قتله صبي ديلمي بعد الإفطار، وقد تفرق عن طعامه الفقهاء والأمراء والفقراء وغيرهم من أصناف الناس ، وحمل في محفة لنقرس كان به إلى خيمة الحرم ، فلقيه صبی دیلمی مستغيثا به فقر به ( ١١ - أ ) منه ليسمع شكواه فقتله ، وقتل الصبي أيضاً ، فعدمت الدنيا واحدها الذى لم تر مثله . وكان تلك الليلة قد حكى له بعض الصالحين، إنه رأى النبي صلى الله عليه و المنام كأنه أتاه وسلم فى المنام وأخذه من محفته ، فاستبشر نظام الملك بذلك ، أطلب . وبلغ من الدنيا مبلغا عظيما لم ينله غيره وأظهر السرور به وقال : هذا أبغى وإياه


وكان عالما ، فقيها ، دينا ، خيرا، متواضعا ، عادلا يحب أهل الدين ويكرمهم ويجزل صلاتهم . وكان أقرب الناس منه وأحبهم إليه العلماء ، وكان يناظرهم في المحافل، ويبحث عن غوامض


المسائل ، لأنه اشتغل بالفقه في حداثته مدة . وأما صدقاته ووقوفه فلا حد لها ، ومدارسه فى العالم مشهورة ، لم يخل بلد من شيء منها ، حتى


جزيرة ابن عمر (0) - التى هى فى زاوية من الأرض لا يؤبه لها - بني فيها مدرسة كبيرة حسنة ، وهي الآن تعرف بمدرسة رضى الدين .


وأعماله ( ١١ ب ) الحسنة ، وصنائعه الجميلة مذكورة فى التواريخ ، لم يسبقه من كان قبله


ولا أدركه من كان بعده ، رحمه الله ورضى عنه وكان من جملة عباداته أنه لم يحدث إلا توضأ ، ولا توضأ (٦) إلا وصلى . وكان يقرأ القرآن


حفظا ، ويحافظ على أوقات (۷) الصلوات محافظة لا يتقدمه فيها المتفرغون للعبادة ، حتى إنه كان إذا أغفل المؤذن أمره بالأذان، وإذا سمع الأذان أمسك عن كل ما هو فيه ، واشتغل ياجابته ثم بالصلاة. وأما ابتداء أمره ، فإنه كان يحب التصرف ، فاتصل بأمير كان صاحب بلخ يعرف بالأمير ياخر


وكان مقدم عسكر الملك جغرى بك داود جد السلطان ملكشاه - وكان ياخر لا يعطيه إلا ما يقوم به حسب ، وفي آخر كل سنة يصادره بما يفضل معه، فضجر من هذه الحال، وأخفى أولاده. وكان له فخر الملك ومؤيد الملك - وركب فرسه وهرب . وكان فرسه ( ۱۲ - أ ) بطيئا ، فدعا الله تعالى أن يرزقه فرسا يخلصه عليه ، فلم يسر إلا قليلا حتى لقيه تركماني تحته فرس جيد فسلمه إليه وأخذ فرسه عوضه ، وقال له : ياحسن أذكر هذه . قال نظام الملك : فلما ركبت الفرس قويت نفسي، وعلمت أن السعادة قد جاءت ، ووصلت إلى مرو ، ودخلت على الملك داود فأخذ بيدى وسلمني إلى ولده الملك عضد الدولة ألب أرسلان وقال: تسلمه واتخده والدا لا تخالفه . ثم إن الأمير ياخر سأل عنى فلم يجدني وأخبر بهربى ، فسار بنفسه في طلبي حتى دخل على الملك داود فطلبني منه ، وقال : إنه أخذ ما لى و هرب ، فقال له داود : حديثك مع ولدى ألب أرسلان ، فلم يجسر يخاطبه فيه . ووزر (۱) نظام الملك للسلطان ألب أرسلان قبل أن يلى السلطنة في حياة عمه السلطان طغرلبك . فلما توفى طغرلبك سعى نظام ( ۱۲ - ب ) الملك فى أخذ السلطنة لصاحبه ألب أرسلان ، وقام المقام الذي تعجز عنه الجيوش والكثرة ، واستقرت السلطنة له ، وبقى معه إلى أن توفى . ثم وزر بعده لابنه السطان ملكشاه إلى أن قتل . وكان قد تحكم عليه إلى حد لا يقدر السلطان على خلافه لكثرة مما ليكه ومحبة الأمراء والعساكر له ، وميل عامة الناس وخاصتهم إليه بحسن سيرته وعدله .


ذكر وفاة السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان رضى الله عنه


في منتصف شوال سنة خمس (۲) وثمانين [ وأربعمائة ] تو فى السلطان ركن الدين ملكشاه رضى الله


عنه . وسبب وفاته أنه أكل لحم صيد فأكثر منه ، فأخذته حمى حادة فتوفى منها . وكان مولده [في ] جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، فكان عمره ثمانياً (۳) وثلاثين سنة وستة أشهر . وكان ملكه نحو عشرين سنة .


وكان أحسن الناس صورة ومعنى ( ۱۳ - (أ) ويكفيه أن من جملة حسناته ، نظام الملك ، وكانت سعادتهما متقارنة (٤) . حكى لى والدى رحمه الله تعالى ـ ثم إنى (ه) رأيت ما حكاه بعد ذلك مذكوراً في كتب التواريخ (٦) - قال : إن السلطان ملكشاه عتب على نظام الملك في شيء فعله بعض أولاده، وقال له في جملة عتبه : إن كنت شريكي في الملك فعرفني ، وإن كنت وزيرى فاسلك ما يسلكه الوزراء وإلا أطبقت دواتك وعزلتك . فقال للرسول : قل للسلطان عنى، إن كنت ما تعلم أننى شريكك فاعلم ، واذكر ما فعلت معك حين خرج عليك أعمامك وإخوتك ونازعوك فى الملك وكادوا يقهرونك ، فتوليت ردهم بنفسى ، وقمت المقام الذي تعلمه حتى صفا لك الملك والسلطنة ، وذكر له عدة مواقف جزع فيها ملكشاه وخاف ، فردها نظام
الملك بالرأي والحرب، فأين كان هذا من ] كلامه ذلك الوقت. وأما قوله إنه يطبق (۱۳ – ب) الوقت دواتى (١)، فقل له : إعلم أن هذه الدواة متعلقة بزر قلنسوته التي على رأسه ، فمتى أطبق هذه سقطت تلك . فيقال إن هذا كان سبب قتل نظام الملك، وأن السطان وضع ذلك الديلمي حتى قتله ، وصح قول نظام الملك، لما طبقت دواته لم يعش السلطان غير خمسة وثلاثين يوماً ومات. وكان هذا كالكرامة لنظام الملك . وكانت (۲) مملكة السلطان ملکشاه قد (۳) اتسعت [ اتساعا ] عظيما ، أطاعته (٤) البلاد جميعها وملكها ، وخطب له من حدود الصين إلى الداروم من أرض الشام ، وأطاعه اليمين والحجاز ، وكان يأخذ خراج ملك القسطنطينية كل سنة ، وأطاعه صاحب طراز (ه)، وأسبيجاب(٦) ، وكاشغر (۷) ، وبلا ساغون (۸) وغيرها من الممالك البعيدة ، وملك (۹) سمر قند (۱۰) وجميع ما وراء النهر (۱۱) . ثم إن صاحب كاشغر عصى عليه فسار السلطان إليه ، فلما قارب كاشغر (١٤ - أ ) هرب صاحبها منه فسار في طلبه ، ولم يزل حتى ظفر به وأحسن إليه واستصحبه معه إلى أصفهان . وعمل السلطان من الخيرات وأبواب البركثيرا ، منها ما أصلحه وعمله من المصانع (١٢) بطريق مكة ، وحفر من الأنهار ، وبنى مدرسة عند قبر الإمام أبي حنيفة رضى الله عنه ، وبنى الجامع الذي بظاهر بغداد عند دار السلطنة . وهو الذي بنى منارة القرون (۱۳) في طرف البر مما يلي الكوفة بمكان يعرف بالسبيع (١٤)، وبنى مثلها بسمر قند أيضاً . ولما مات ضبطت زوجته [ ترکان (۱۰)] خاتون العسكر ، وكتمت مو ته فلم . يلطم أحد وجها ، ولم يشق عليه ثوب ، ولم يسمع بسلطان مثله توفى فلم يصل أحد ولم يجلس أصحابه للغزاء سواه . وأرضت زوجته العسكر وحلفتهم عليه


لولدهما محمود ، وعمره أربع سنين ، وسارت إلى أصفهان


وظهر الملك بركياروق بن ملكشاه - وهو الأكبر - فطلب السلطنة فأخذها (١٤-ب) و توفى محمود. ثم ظهر السلطان محمد بن ملكشاه ، فنازع أخاه بركياروق، وجرت بينهما حروب كثيرة دامت


نحو اثنتي عشرة سنة ، إلى أن توفى بركياروق واستقرت السلطنة لمحمد (۱) .


وفي مدة تلك الحروب ظهر الفرنج إلى الساحل، وملكوا أنطاكية (٢) أولا ثم غيرها من البلاد ،


وقد استوفينا ذلك في المستقصى في التاريخ .


ذكر صلح قسيم الدولة أقسنقر


وتاج الدولة تتش بن ألب أرسلان وما شهده من الحروب معه (۳)


قد ذكرنا أن السلطان ملكشاه كان قد أقطع أخاه تاج الدولة مدينة دمشق وأعمالها وما جاورها


كطبرية والبيت المقدس وغيرها ، فلما توفى ملكشاه واختلف أولاده وهم صغار ، جمع تاج الدولة العساكر وسار نحو حلب وبها قسيم الدولة آفسنقر ، فعلم قسيم الدولة أن أولاد صاحبه صغار ، وأن الملك لا يستقيم لهم لصغرهم ( ١٥ - أ ) وللخلف الواقع بينهم ، ولم يكن له طاقة بتاج الدولة فصالحه وخطب له بحلب ، وراسل نور الدين [ بوزان (٤) ] صاحب حران و یاغی سیان صاحب أنطاكية يشير عليهما بطاعة تاج الدولة حتى ينظروا ما يكون من أولاد ملكشاه ، ففعلوا ذلك ، وساروا معه نحو الرحبة فملكها ، وخطب لنفسه بالسلطنة في محرم سنة ست وثمانين وأربعمائة . ثم سار إلى نصيبين فحصرها ، فسبه أهلها ففتحها عنوة وقهراً ، وقتل بها خلقاً كثيراً ، واستناب


بها ] محمد بن شرف الدولة العقيلي .


وراسل ناصر الدولة إبراهيم بن قريش بن بدران - وهو صاحب الموصل حينئذ - يأمره بالخطبة له وأن يعطيه طريقاً إلى بغداد ، فامتنع عليه ، وسار كل واحد منهما إلى صاحبه، فالتقيا بالمضيع من بلد الموصل ، وكان على ميمنة تاج الدولة ، قسيم الدولة آقسنقر ، وعلى ميسرته بوزان ، فحملت وجماعة من أمراء العرب ، فقتلهم تاج الدولة صبراً وملك بلادهم جميعها ، الموصل وغيرها .


العرب على بزان فانهزم ، وحمل قسيم الدولة (١٥ - ب) على العرب مما يليه فهزمهم ، وأسر إبراهيم


وسار في ربيع الآخر من هذه السنة إلى ميافارقين (ه) فملكها وسائر بلاد ديار بكر


ثم سار منها إلى أذربيجان (۱) فقصده الملك ركن الدين بركياروق - وكان قد ملك كثيراً من البلاد منها : الرى وهمدان وما بينهما - فلما تقارب العسكران ، قال قسيم الدولة لبوزان : إنما أطعنا هذا الرجل لننظر ما يكون من أولاد (۲) صاحبنا ، والآن فقد ظهر بركياروق ، والرأى والمروءة تقتضى بأننا نقصده ونكون معه ، ففارقا (۳) تاج الدولة وسارا إلى بركياروق وصارا معه ، فلما رأى تاج الدولة ذلك ، رجع إلى الشام ، وأقام قسيم الدولة عند بركياروق ، فخرج عليه خاله إسماعيل بن ياقوتى ثم أطاعه ، فخلا به قسيم الدولة وبوزان وبسطوه في الحديث (١٦) - (أ) فأعلمهم أنه يريد السلطنة وقتل بركيا روق ، فوثبا عليه فقتلاه محافظة على صاحبهما ، ثم أمر هما ركن الدين بالعود إلى الشام ليمنعا (٤) تاج الدولة عن البلاد إن قصدها فعادا .


ذكر وفاة أمير المؤمنين المقتدى بأمر الله وولاية ابنه المستظهر بالله


في المحرم (٥) من سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، توفى الإمام المقتدى بأمر الله أمير المؤمنين رضى الله عنه فجأة . واسمه أبو القاسم عبد الله بن الأمير محمد بن القائم بأمر الله . وعمره تسع (٦)


وثلاثون سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام . وكانت خلافته تسع عشرة سنة وخمسة (1) أشهر.


وأنشأ ببغداد عدة محال ، منها : البصلية ، والبساتين التي كانت بباب الأزج ، والحلبة ، والأجمة ، ودرب القيار ، والمقتدية ، وخرابة ابن جردة ، والخاتونية (۸).


وهو أستوزر فخر الدولة أبا نصر محمد بن محمد بن جهير ، وهو من الموصل وكانت (۹) خلافته بعهد من جده القائم بأمر الله ( ١٦ - ب ) أمير المؤمنين ، وأمه تركية .


وكان لين الجانب ، كثير الحلم . وعاش وادعا مرفها و توفى وتد علم على منشور السلطان بركياروق بالسلطنة (١٠) . وكتمت القهر مانة شمس النهار موته ، وأحضرت الوزير وأعيان الدولة وجددت البيعة لولده أبى العباس أحمد المستظهر بالله أمير المؤمنين،


فلما بايعوا أظهرت وفاة المقتدى


ولما بويع المستظهر بالله أرسل إلى السلطان بركياروق لأخذ البيعة - وكان ببغداد – فأنفذ بركيا روق وزيره عز الملك (۱۱) بن نظام الملك والأمير برسق (۱۲) وكو هرائين شحنة بغداد، فبايعوا ،


ثم بايع هو ، فلما تمت بيعة السلطان أحضر الغزالى (۱) والشاشى (٢) وغيرهما من العلماء فبايعوا . ثم أرسل إلى غزنة ، وما وراء النهر ، وكرمان ، والشام لأخذ البيعة ولما استخلف (۳) أقر عميد الدولة بن جهير على وزارته


ذكر نسب المستظهر بالله (٤)


هو المستظهر بالله (۱۷) - أ ) أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير الذخيرة محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم أبي إسحاق بن محمد الرشيد أبي جعفر هارون بن المهدى أبى عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله ابن العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهم ، بينه وبين العباس عشر خلفاء ووليا عهد ، وأربعة لم


يلوا الخلافة ولا ولاية العهد .


فأما الخلفاء : فالمقتدى ، والقائم، والقادر ، والمقتدر ، والمعتضد ، والمتوكل ، والمعتصم ، والرشيد ، والمهدى ، والمنصور


وأما وليا (ه) العهد : فالذخيرة محمد بن القائم – وهو والد المقتدى بأمر الله (۱۷-ب)


والموفق الناصر لدين الله أبو أحمد بن المتوكل وهو جد المقتدر بالله . وأما الذين لم يلوا يلوا الخلافة ! والد ولا ولاية العهد : فإسحاق - والد القادر بالله - ، ومحمد


المنصور - ، وأبوه على ، وعبد الله بن العباس


وقد ولى الخلافة من بني العباس من غير آباء المستظهر سبعة عشر (٦) خليفة ، وهم : أبو العباس عبد الله بن محمد السفاح (۷) ـ أول خلفاء بني العباس ، والهادى موسى بن المهدى ، والأمين محمد والمأمون عبد الله ابنا الرشيد ، والواثق - وهو أخو المتوكل - . ثم المنتصر والمعتز والمعتمد أولاد المتوكل . ثم المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم - وهو أبن أخى المتوكل . . ثم المهتدى محمد بن الوائق ابن المعتصم . وولى المكتفى علي بن المعتضد بالله وأخوه القاهر بالله . ثم ولى الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله، وأخوه المتقى بالله أبو إسحاق إبراهيم . ثم ولى المستكفى بالله عبد الله ( ۱۸ - أ ) ابن المكتفى بالله بن المعتضد بالله . ثم ولى المطيع الله أبو القاسم الفضل ، وولده


الطائع الله أبو بكر عبد الله .
ذكر قتل قسيم الدولة آفسنقر رضى الله عنه


جمعه، وعظم . حشده ، وسار : في جمادى الأولى من سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، قتل قسيم الدولة آفسنقر وبوزان صاحب حران . وكان سبب قتلهما ، أن تاج الدولة تنش لم يزل يجمع العساكر بعد عوده من أذربيجان إلى الآن، فكثر . عن دمشق نحو حلب ، فاجتمع قسيم الدولة و بوزان وأمدهما السلطان ركن الدين بركياروق بالأميركر بوغا (۱) ـ وهو الذي صار فيما بعد صاحب الموصل - فلما أجتمعوا وبلغهم مسير تاج الدولة عن دمشق ، تقدموا نحوه والتقوا برویان [على] نهر سبعين (۲) بالقرب من تل السلطان ، بينه و بين حلب نحو ستة فراسخ ، واقتتلوا واشتد القتال ، فخامر بعض عسكر قسيم الدولة وانهزموا ( ۱۸ - ب ) وتبعهم الباقون، وثبت قسيم الدولة فأخذ أسيرا وأحضر عند تاج الدولة ، فقال له : لو ظفرت بي ما كنت صنعت . قال : كنت أقتلك . قال : فأنا أحكم عليك بما كنت تحكم على فقتله صبرا . وسار نحو حلب ، وكان قد دخل إليها الأمير كربوقا وبوزان تحفظاها (۳) منه ، ولج في قتالها حتى ملكها وأخذهما (٤) أسيرين ، وأرسل إلى حران والرها ليملكهما - وكانتا لبزان - فامتنع من بهما من التسليم إليه ، فقتل بوزان وأنفذ رأسه وتسلم البلدين . وأما كربوقا فإنه أرسله إلى حمص فسجنه بها إلى أن


أخرجه الملك رضوان بعد قتل أبيه تاج الدولة . وكان قسيم الدولة أحسن الأمراء سياسة لرعيته وحفظا لهم . وكانت بلاده بين عدل عام ،


ورخص شامل ، وأمن (٥) واسع ، وكان قد شرط على أهل كل قرية في بلاده ، متى أخذ عند أحدهم قفل أو أحد من الناس ، غرم أهلها جميع ( ۱۹ - أ ) ما يؤخذ من الأموال من قليل وكثير ، فكانت السيارة إذا بلغوا قرية من بلاده ألقوا رحالهم وناموا ، وقام أهل القرية يحرسونهم إلى أن يرحلوا ، فأمنت الطرق ، وتحدث الركبان بحسن سيرته


وأما وفاؤه وحسن عهده فكفاه (1) فخرا أنه قتل في حفظ بيت صاحبه وولي نعمته . ذكر حال عماد الدين (۷) زنكى بعد قتل والده رضى الله عنهما


لما قتل قسيم الدولة أقسنقر ، لم يخلف من الأولاد غير ولد واحد، وهو المولى الشهيد عماد الدين زنكي ، وكان حينئذ صبيا له من العمر نحو عشر سنين ، فاجتمع عليه مماليك والده وأصحابه ، وفيهم زين الدين على ، وهو صبي أيضا .


ثم إن الأمير كر بو قا خلص من السجن بحمص بعد قتل تاج الدولة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، و توجه إلى حران - وقد أجتمع معه عسكر صالح - فملكها . ثم صار إلى نصيبين فملكها أيضا .
ثم إلى الموصل فملكها (۱) وأزال عنها على بن شرف الدولة العقيلى، (۱۹ - ب) فإنه كان مالكالها.


وسار نحو ماردين فملكها أيضا . وعظم شأنه وهو في طاعة ركن الدين بركياروق ، فلما مالك البلاد أحضر مماليك (٢) قسيم الدولة آقسنقر، وأمرهم بإحضار عماد الدين زنكي . وقال : هو ابن أخي وأنا أولى الناس بتربيته ، فأحضروه عنده ، فأقطعهم الإقطاعات السنية وجمعهم على عماد الدين زنكي ، واستعان بهم في


حروبه ، وكانوا من الشجاعة في أعلى درجاتها ، فلم يزالوا معه . ثم أن كر بوقا (۳) توجه إلى آمد وصاحبها من أمراء التركمان ، فاستنجد صاحبها بمعين الدولة سقمان بن أرتق (٤) جد صاحب الحصن يومنا هذا (ه) ، فجمع من التركمان خلقا كثيرا وسار نحو آمد وتصاف هو وقوام الدولة كربوقا ، فرأى كثرة التركمان فخافهم ، فأخذ عماد الدين زنكي وألقاه بين مماليك والده ، وقال لهم : قاتلوا عن ابن صاحبكم، فحينئذ اشتد قتالهم وحمى الوطيس (٦) فهزموا سقمان وأسروا ياقوتى ( ۲۰ - أ ) ابن أخيه ، فحبسه كربو قائم أطلقه . وكان هذا أول مصاف حضره الشهيد عماد الدين بعد قتل والده . ولم يزل عماد الدين


[ مع ] كربوقا إلى أن توفى (٧) سنة أربع وتسعين وأربعمائة (۸) وملك بعده موسى التركمانى (۹) من أصحابه ، فلم تطل أيامه وقتل .


وملك الموصل شمس الدولة جكر مش (١٠) -- وهو أيضا من مماليك السلطان ملكشاه . وأخذ الشهيد عماد الدين وقربه وأحبه ، واتخذه ولدا المعرفته بمكانة والده ، فبقى معه إلى أن قتل سنة خمسمائة . ولا جرم أن الشهيد قدس الله روحه ، رعى هذا الجكر مش (۱۱) لما ملك الموصل وغيرها من البلاد ، فانه أخذ ولده ناصر الدين كورى (۱۲) ، فأكرمه وقدمه وأقطعه إقطاعا


كثيرا ، وجعل منزلته أعلى المنازل عنده واتخذه صهرا . ثم ملك الموصل بعد جكر مش، جاولی سقاووا (۱۳) فاتصل به عماد الدین زنگی، و قد كبر فظهرت عليه أمارات السعادة ) ۲۰ - ب ) والشهامة ، ولم يزل معه حتى عصى على السلطان محمد ، وكان
جاولى قد عبر إلى الشام ليملكه من الملك رضوان . فأرسل السلطان إلى الموصل الأمير مودود بن التونتكين (۱)] وأقطعه إياها سنة ثنتين (٢) وخمسمائة ، فلما اتصل الخبر بحاولى فارقه الشهيد وغيره من الأمراء ، وفيهم الأمير التونتاش الأبرى ، وهذا كان سبب المعرفة بينه وبين الشهيد ، فلما ملك أكرمه وأعظمه وأكثر إقطاعه . فحكى لى والدى قال : كنت أراه إلى جانب المولى الشهيد لا يتقدم عليه أحد من الأمراء ، وله عقب بالموصل إلى الآن في خدمة الدولة القاهرة(۳). فلما استقر الأمير مودود بالموصل ، واتصل به الشهيد عماد الدين عرف له ذلك ، مضافاً إلى منزلة أبيه ، ولما رأى منه من العقل والشجاعة ، فزاد في إقطاعه وشهد معه حروبه . فما بلغنى منها ، أن الأمير مودوداً سار إلى الغزاة بالشام (٤) ففتح فى طريقه قلاعاً من شبختان(ه) كانت للفرنج ( ۲۱ - أ ) وقتل من بها منهم ، ثم سار إلى الرها فحصرها ولم يقدر على فتحها ، وكانت


عقيلة ومكرمة وفضيلة قد أدحرها الله سبحانه وتعالى للمولى الشهيد .


الملوك إلى أعلاهم حسبا


فاستوضحت سبل الآمال حايدة


عن


أخرهم (۸) [ أبدأ ] فعلا ومنتسبا


أبهر هم (1) فضلا، أغمر هم (۷) بذلا


على الممالك مرخى (۱۱) دونها الحجبا


(1) أشوس مضروباً (١٠) سرادقه أشم


مظفر العزم ، والآراء منتخبا


ممتنع (۱۲) العز ، معمور الفناء [ به ]


من معشر طالما شبوا (۱۳) بكل وغى


ناراً يظل (١٤) أعاديهم لها حطبا


ثم إن الأمير مودودا رحل عنها وعبر الفرات (١٥) إلى الشام ، فحصر تل باشر (١٦) خمسة


وأربعين يوماً ولم يبلغ منها غرضاً . ثم سار عنها إلى معرة النعمان (۱۷) فحصرها ، وجاء إليه الأمير


طغدكين (۱۸) صاحب دمشق ، فلما رأى كثرة عسكره خاف أن يأخذ منه دمشق (١٩) ، فشرع في
صلح الفرنج سراً من مودود فصالحوه ، وكانوا قد ضعفوا (۲۱) - ب) عن قتال المسلمين لكثرتهم فإن السلطان محمداً ، كان قد أمد الأمير مودوداً بعسكر مقدمهم الأمير سكمان القطبي صاحب تبريز وغيرها ، فمرض سكمان واشتد مرضه فعاد ، فأدركه الموت بيالس(۱)، فأخذ أصحابه تابوته وقصدوا بلاده ، فاعترضهم إيلغازي (۲) بن أرتق ليأخذهم ، فصافوه(۳) وجعلوا تابوت سكمان في


القلب كما كان حياً ، وقاتلوا فظفروا ، وانهزم إيلغازي وعادوا إلى بلادهم . فلما رأى مودود تفرق العساكر ، وصلح طغدكين [ للفرنج ] ضعفت نفسه وعاد عن الفرنج ، ولم يكن في عسكره من ظهر اسمه غير الشهيد ، وأذن لعسكره في العود والإستراحة ثم الإجتماع لقتال الفرنج فتفرقوا .


وراسل (٤) [ مودود ] طغدكين وأصلحه وجمع العساكر وعاد إلى الشام ، وحضر عنده أتابك طغدكين وساروا جميعاً إلى طبرية (٥) وحصروها وقاتلوها قتالا شديداً (٦) . وظهر (۷) من أتابك (۸) الشهيد رضى الله عنه شجاعة لم يسمع بمثلها ( ۲۲ - أ ) فمنها : أنه كان في نفر وقد خرج الفرنج من البلد ، فحمل عليهم هو ومن معه ، وهو يظن أنهم يتبعونه فتخلفوا عنه وتقدم وحده ، وقد انهزم من بظاهر البلد من الفرنج فدخلوا البلد ، ووصل رمحه إلى الباب فأثر فيه وقاتلهم عليه ، وهو ينتظر وصول من كان معه ليقاتلوا الفرنج ويتقدم باقي العسكر فيملكون البلد ، فحيث لم ير أحداً حمى نفسه وعاد سالما ، فعجب الناس من إقدامه أولا ومن سلامته آخراً ، وهذه


الحادثة مشهورة بالشام لاسيما عند الفرنج .


وجمع الفرنج فرسانهم ورجالتهم وملوكهم وقمامصتهم ، فيهم الملك بردويل (۹) صاحب القدس، وعكا (۱۰) ، وصور (۱۱) وغيرها ، وجوسلين صاحب تل باشر والرها وغيرها ، فتصافوا ثالث
عشر (١) ] محرم [ سنة ٥٠٧(١) ] عند بحيرة طبرية ، فظفر المسلمون وانهزم الفرنج لعنهم الله ، ووصلوا إلى مضيق دون طبرية فاجتمعوا به ولم يكن فيه سعة ، فتبعهم (۲) (۲۲- ب) المسلمون . فلما كان من الغد وصل إلى الفرنج عسكر قوى من أنطاكية وغيرها ، فقويت نفوسهم واحتموا، وحصرهم المسلمون وهم على رأس جبل [ غرب طبرية (۳) ] والمسلمون في الغور ، وصابروهم ستة وعشرين يوماً ، وأشتد الحر على المسلمين لمقامهم في الغور ، فرحلوا نحو بيسان (٤) ، فنزل ، فعادوا إلى إليهم الفرنج وتواقفوا خمسة أيام ، ، وانقطعت المادة عن المسلمين لبعدهم عن بلادهم : مرج الصفر ، وأذن الأمير مودود للعسكر فى الرجوع إلى بلادهم والاجتماع إليه في الربيع ، فلما تفرقوا دخل دمشق(٥) ، وأقام بها ، فخرج يوماً يصلى الجمعة ، فلما صلاها وخرج إلى صحن الجامع ويده بيد طغدكين ، وثب عليه إنسان فضربه بسكين معه فجرحه أربع جراحات (٦)، وكان صائماً فحمل إلى دار طغدكين واجتهد به ليفطر فلم يفعل ، وقال : لا لقيت الله إلا صائماً ، فإنني (۲۳) (۷) ميت لا محالة سواء أفطرت أو صمت . وتوفى في بقية - أ ) يومه رحمه ) الله . فقيل إن


الباطنية بالشام خافوه فقتلوه ، وقيل بل خافه طغدكين فوضع عليه من يقتله . وكان خيراً عادلا حسن السيرة . فحدثنى والدى رحمه الله تعالى قال : كتب ملك الفرنج إلى طغدكين يقول له : إن أمة قتلت عميدها يوم عيدها في بيت معبودها ، الحقيق (۸) على الله أن يبيدها (٩).


فلما قتل الأمير مودود ، د ، أقطع السلطان محمد الموصل وغيرها للأمير جيوش بك ، وسير معه ولده الملك مسعوداً إلى الموصل ، ثم إنه جهز آقسنقر البرسقى فى العساكر وسيره إلى قتال الفرنج . وكتب [ إلى ] عساكر الموصل وغيرها يأمرهم بالمسير معه ، فساروا وفيهم الشهيد عماد الدين زنكي ، وكان يعرف في عساكر العجم بزنكى الشامى (١٠) ، وكان قد ظهر عنه من الشجاعة ما لا يوصف ، لاسيما بعد ما فعله بطبرية ، فلما اجتمعت العساكر على البرسقي ، سار إلى الرها في خمسة عشر ألف فارس ، فحصرها (۱۱) وقاتل من بها من الفرنج ( ۲۳ – ب ) والأرمن ،
سروج (۱) ، وعاد إلى شبختان فأخرب ما فيه للفرنج، وأبلى عماد الدين زنكي في هذه المواقف كلها بلاء حسناً، وعادت العساكر تتحدث بما فعله عماد الدين وما ظهر له من الشجاعة ، وعاد البرستي إلى بغداد ، وأقام عماد الدين بالموصل مع الملك مسعود والأمير جيوش بك إلى سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وقد علا قدره وظهر اسمه . وفى سنة إحدى عشرة وخمسمائة [ ولد الملك العادل نور الدين محمود بن زنگی رحمه الله (۲)] قال : وفيها غرقت سنجار (۳) من سيل (٤) المطر وهلك منها خلق كثير . ومن أعجب ما يحكى أن السيل (٥) حمل مهداً فيه طفل ، فعلق المهد فى شجرة ونقص الماء ، فسلم ذلك الطفل وغرق غيره من


الماهرين بالسباحة .


وفيها أيضاً زلزلت إربل (٦) وغيرها من البلاد المجاورة لها زلزلة عظيمة .


( ٢٤ - أ ) ذكر وفاة السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه


وجلوس ولده مغيث الدين محمود في السلطنة


في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى عشرة (٧) وخمسمائة ، توفى السلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه . وكان مرضه فى شعبان من هذه السنة ، وكان مرضه السل . فلما كان يوم النحر جلس للناس تجلدا ، وكانت الأراجيف (۸) قد كثرت عليه ، وأكل الناس الطعام بحضرته ثم ضعف بعد ذلك . فلما كان في اليوم الثالث والعشرين من ذى الحجة أيس من نفسه ، فأحضر ولده الملك محمودا - وكان عمره حينئذ أربع عشرة سنة - فلما رآه قبله وبكى، فبكى ولده ، فأمره أن يجلس على تحت السلطنة وينظر في أمور الناس ، فقال : إنه يوم غير مبارك – يعنى من فقال : صدقت ، ولكن على أبيك ، وأما عليك فمبارك هو ( ٢٤ - ب ) بالسلطنة . فخرج وجلس على التخت ، ولبس التاج . وتوفى السلطان محمد من ليلته ، وأظهرت وفاته من الغد ، وقرئت وصيته على ولده يأمره بالعدل والإحسان. وكان مولد السلطان محمد
فضاقت الميرة عن العسكر ، فرحل إلى سميساط (۱۲) ، وهى أيضاً للفرنج ، فأخرب بلدها وبلد
ثامن عشر شعبان سنة أربع وسبعين وأربعمائة. وكان عمره سبعا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وستة أيام. وأول ما خطب له بالسلطنة ببغداد فى ذى الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وقطعت خطبته عدة مرار، ولقى من المشاق والأخطار مالم يلقه أحد ، إلى أن توفى أخوه السلطان ركن الدين بر كيارق (۱) ، فحينئذ استقرت له السلطنة وصفت له ، ودانت البلاد وأصحاب الأطراف لطاعته ،


وكان اجتمع الناس عليه بعد موت أخيه إثنتى (٢) عشرة سنة وستة أشهر . وكان عادلا حسن السيرة ، شجاعا . وأطلق المكوس والضرائب في جميع البلاد . ومن عدله أنه ٢٥ اشترى عدة مماليك . من بعض التجار ( - - أ) وأمر أن يوفى الثمن من عامل خوزستان ، فأوصل البعض ومطل بالباقي ، فحضر التاجر مجلس الحكم ، وأخذ غلام الحاكم ووقف بطريق السلطان واستغاث إليه ، فأمر من يستعلم حاله ، فلما سأله عن حاجته ذكرها له ، وأعلمه أنه قد حضر مجلس الحكم (۳) ، وأخذ غلام الحاكم ووقف بطريق السلطان ليطالب بماله ، فعاد الحاجب وأعلم السلطان حاله ، فعظم عليه وضاق صدره ، وأمر في الحال أن يحضر عامل خوزستان ، ويلزم بمال التاجر ، وألزمه مصادرة على ذلك لئلا يمطل هو ولا غيره بمال يحال عليهم . ثم إنه ندم على تأخره عن مجلس الحكم، وكان يقول كثيراً : لقد ندمت على تركى الحضور بمجلس الحكم، ولو فعلته لاقتدى (٤) بي غيرى ، ولم يمتنع أحد عن أداء الحق . وهذه الفضيلة أيضاً مما دخرها الله تعالى لهذا البيت الشريف الأتابكي ، فإن الملك العادل نور الدين (٢٥) - (ب) محمود بن زنگی ، فعل ما ندم السلطان محمد على تركه . ولما علم الأمراء وغيرهم [ أن ] من خلق السلطان محبة العدل وأداء الحق وكراهة الظلم ومعاقبة من يفعله ، إقتدوا (٥) [ به ] . وأمن (٦) الناس ، وظهر العدل .


ثم إن السلطان محمودا أقام بالسلطنة ، وجرى بينه وبين عمه السلطان سنجر (۷) حرب ، انهزم . فيها السلطان محمو د وعاد إلى عمه بغير عهد ، فأكرمه وأقطعه من البلاد من حد خراسان إلى الداروم بأقصى الشام، وهي من الممالك : همدان، وأصفهان ، وبلد الجبال جميعه ، وبلادكرمان، وفارس ، و خوزستان ، والعراق ، وأذربيجان ، وأرمينية ، وديار بكر ، وبلاد الموصل ، والجزيرة ، وديار مضر (۸) ، وديار ربيعة ، والشام ، وبلد الروم الذى بيد أولاد قلج أرسلان، وما بين هذه الممالك


من البلاد، ورأيت منشوره بذلك . ولم يكن لعماد الدين في هذه الحرب أثر، ولا شهدها ليستقصى ذكرها (٢٦ - أ) فلهذا أعرضنا


عن شرحها وأشرنا إليها لتعرف .


قال . وفي سادس عشر شهر ربيع الآخر من سنة اثنتى عشرة وخمسمائة ، توفى الإمام المستظهر بالله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد بن المقتدى بأمر الله من تراقی (۱) ظهرت به . وكان عمره إحدى (٢) وأربعين سنة وستة أشهر وستة أيام . وخلافته أربعا (۳) وعشرين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً . ومضى في أيامه ثلاثة سلاطين من السلجوقية (٤) ] خطب لهم ببغداد ، وهم : تاج الدولة تتش ، وركن الدين بركيارق بن ملكشاه ، وأخوه غياث الدين محمد بن ملكشاه . وكان رضي الله عنه كريم الأخلاق ، لين الجانب ، مشكور المساعي ، يحب العلم والعلماء .


وصنفت له التصانيف الكثيرة في الفقه والأصول وغيرهما . . وكان يسارع إلى أعمال البر والمثوبات ، لا يرد مكرمة تطلب منه ، كثير الوثوق إلى من يوليه الأعمال ، لا يصغى إلى ( ٢٦ - ب ) سعاية ساع .


وكانت أيامه أيام سرور وأمن للرعية ، وكان إذا بلغه ذلك فرح به وسره، وإذا تعرض سلطان


أو غيره إلى أذى أحدهم بالغ في إنكار ذلك والزجر (ه) عنه . وكان حسن الخط ، جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد ، تدل : على فضل غزير (٦) وعلم واسع .


ولما توفى صلى عليه ابنه المسترشد بالله ، ودفن في حجرة كانت له يألفها . ولما فرغ من الصلاة عليه ودفنه جلس للبيعة ، فبايعه أولاد الخلفاء والأمراء والفقهاء والقضاة ومشايخ الصوفية.


وكان المتولى لأخذ البيعة قاضي القضاة على بن محمد الدامغانى، وممن بايعه الشيخ أبو النجيب


السهروردي ، ووعظه موعظة بليغة تتضمن العدل والإحسان


ذكر الحرب بين السلطان محمود وأخيه الملك مسعود وما أثر [ عن ] عماد الدين فيها


قال . لما ولى السلطان محمود السلطنة، أقر أخاه الملك مسعودا على (۲۷- أ) الموصل مع أتابكه جيوش بك ، فبقى مطيعاً لأخيه إلى سنة أربع عشرة وخمسمائة ، فحينئذ خرج عن طاعته . وكان سبب ذلك أن دبيس بن صدقة الأسدى كان في عسكر السلطان محمد ، وقد أخذ بلد الحلة (٧) منه . فلما ملك السلطان محمود أقطعه الحلة وأعاده إليها ، فلما وصل إلى الحلة ، كاتب الأمير جيوش بك
وحسن له العصيان على السلطان محمود ، ووعده المساعدة على طلب السلطنة للملك مسعود ، وكان غرضه أن يختلفوا ، فينال من التمكن والجاه، ما ناله أبوه سيف الدولة صدقة باختلاف السلطانين بركيارق ومحمد - وقد ذكرناه في المستقصى - . وكان الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن على (1) الطغرائي (۲) الأصفهاني قد اتصل بالملك مسعود فاستوزره وأشار بذلك أيضاً. وكان الجيوش بك مع الموصل ، ولاية أذربيجان ، فلما شرع فى جمع الجيوش بلغ ذلك إلى السلطان محمود، فأرسل إليه وإلى أخيه مسعود يرغبهما ويعدهما الإحسان ( ۲۷ - ب ) إن عاودا الطاعة ، ويتهددهما إن أصرا على المعصية ، فلم يرجعا ، وقوى طمعهما لما بلغهما تفرق العساكر عن السلطان محمود، وأظهرا العصيان ، وخطب للملك مسعود بالسلطنة . وكان عماد الدين زنكي يشير بطاعة السلطان وترك الخلاف عليه، ويحذرهم عاقبة العصيان ، فلم يرجعا إلى قوله ، وبلغ قوله إلى السلطان فعرفه له .


ثم إن الملك مسعودا (۳) وجيوش بك سارا فى العساكر نحو السلطان ، ينتهزان الفرصة بقلة عسكره وتفرقهم ، فجمع من قرب إليه من عساكره فبلغت عدتهم نحو خمسة عشر ألف فارس ، والتقوا عند عقبة أسد آباد (٤) في ربيع الأول ، قدام القتال بينهم إلى الليل ، ثم انهزم الملك مسعود وجيوش بك ومن معهما ، وأسر جماعة من أمراء عسكرهما و الأعيان ، منهم الأستاذ أبو اسماعيل الطغرائي وزير مسعود ، فقتله السلطان وقال : قد صح عندى ( ۲۸ - أ) فساد اعتقاده ودينه ، وكان قد جاوز ستين سنة . وكان حسن الكتابة جيد الشعر ، فمن شعره :


تمنيت أن ألقاك فى الدهر مرة فلم أك في هذا التمني بمرزوق


سوى ساعة التوديع دامت فكم منى أنالت وما قامت بها آملا سوقى (ه)


فياليت أن الدهر كل زمانه وداع ولكن لا يكون بتفريق


فأما الملك مسعود ، فإنه سار منهزما إلى مكان (٦) بينه وبين الوقعة اثنى عشر (۷) فرسخا فاختفى فيه ، وأرسل ركابيا كان معه إلى أخيه يطلب الأمان . فأرسل إليه البرسقى بأمانه و تطييب (۸) قلبه فأحضره معه عند السلطان ، فأمر الناس كلهم بلقائه وأكرمه وأحسن إليه ، ولما لقيه بكى (٩) كل واحد منهما إلى صاحبه ، واعتذر مسعود فقبل عذره وخلطه بنفسه في كل أموره .


وأما جيوش بك فإنه ساز وانتظر الملك مسعودا فلم يره ، فسار إلى الموصل وجمع الغلات والعساكر ليمتنع بها ( ۲۸ – ب ) فلما بلغه خبر اتصال مسعود بأخيه السلطان محمود علم أنه لا مقام له ، م له ، فسار جريدة إلى السلطان فأمنه وأكرمه ، وأخذ الموصل منه وأقره على أذربيجان


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

تبدأ الرواية من...

تبدأ الرواية من لدى البطلة التي تدعى ” جيروشها أبوت “ , لكنها كانت تكره اسمها وت فضل ان تتم مناداتها...

ينبغي عليه التع...

ينبغي عليه التعلم من هذه الأخطاء وعدم الاستسلام لها مهما كانت، والتعامل معها بشكل إيجابي، واعتبارها ...

1.Enhancing Eff...

1.Enhancing Efficiency: Streamlining the process of accessing and utilizing electronic health record...

مفهوم التجهيز و...

مفهوم التجهيز والتكييف السمعي عند الصم يشير إلى مجموعة من اإلجراءات والتقنيات التي تهدف إلى تحسين ا...

Il n'est connu ...

Il n'est connu in situ que dans quelques forages où il consiste en une série gréseuse à la base suiv...

االسم: سامية ال...

االسم: سامية اللقب :العايب الوظيفة :أستاذة جامعية الرتبة العلمية :أستاذ محاضر ب مجال البحث :المؤسسات...

344 كوتل تفاقم ...

344 كوتل تفاقم التركيز والتكتل (ماكيسني ، 1999). إنه في هذا السياق الذي تسعى فيه الشركات عبر الوطنية...

يشمل أداء المعل...

يشمل أداء المعلّم في حصّة التّواصل الشّفوي العديد من الأدوار. فهو المنظّم لهذا النّشاط ونتبيّن ذلك م...

مرصد ومدونات عم...

مرصد ومدونات عمران الرئيسية > مرصد ومدونات عمران > التجارب الرائدة في مجال التعليم: أسرار تفوق بعض ...

منهج البحث : اس...

منهج البحث : استخدمتُ المنهج الوصفي التحليلي، وانتقيت أكثـر الترجيحـات شـيوعاً وأعمقها تأثيراً، أو ...

0:00هذه الصفقه ...

0:00هذه الصفقه انا ما انساها ما انساها العيش حقيقة يعني الطاقه تعرف يوم عندك طاقه وتستنزف طاقتك في ا...

على سبيل المثال...

على سبيل المثال، في أنظمة الاستشعار، يمكن لتكنولوجيا إنترنت الأشياء توثيق تفاصيل محددة مثل فترة الإن...