لخّصلي

إن الحديث عن المستقبل غالبًا ما يكون مرتبطًاً بالحلم والأمل، ولعل هذا ما دفع بعض الأدباء إلى أن يقولوا عن الإنسان الحالم إن نصف عقله يعيش في المستقبل؛ لأنه يريد أن يرى حلمه في أسرع وقت يكبر ويزدهر. إن هذا الشعور الحالم يزداد فينا حينما نتابع ما يكتب في صحافتنا المحلية عن مشاريع الطاقة الشمسية، فكلنا نريد طاقة نظيفة ورخيصة ومتوافرة طوال العام، وإذا ما أحسنا استثمارها -كما يجب- فبإمكاننا تقليل الاعتماد على المشتقات النفطية، وبالتالي زيادة التصدير والربحية.

وحقيقة الأمر أن الاستثمار في الطاقة الشمسية في بلادنا ليس سهلاً، كما هو متصور؛ فالتحديات كبيرة جدا ومتنوعة، فتكلفة تركيب الألواح الشمسية التي تعد أكفأ وسيلة لإنتاج الطاقة مرتفعة، إذا ما قورنت بالطرق التقليدية في إنتاج الطاقة في بلد نفطي كالبحرين. وعلى سبيل المثال فإن باحثاً من جامعة البحرين درس تكلفة تركيب الألواح الشمسية في مبنى بمنطقة عوالي، وتوصل إلى أنه في ظل أسعار الكهرباء الحالية، فإنه بالإمكان استرجاع تكلفة التركيب بعد ستمائة سنة تقريباً.

بالإضافة إلى أن الاستثمار في هذه التكنولوجيا لإنشاء محطة توليد كهرباء يحتاج إلى مساحات كبيرة، وهو الأمر الذي لا يتوافر عندنا، فنحن جزيرة صغيرة وتكلفة الأراضي عندنا -نسبياً- مرتفعة.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأمور الفنية، فإن توصيل الألواح الشمسية بالشبكة الكهربائية له تأثيرات سلبية على استقرار الشبكة، وقد يضطر مشغلو الكهرباء في بعض الأحيان إلى أن ينتجوا كهرباء أكثر مما هو مطلوب؛ ليحافظوا على هامش الأمان، وبالأخص في حالة تغير الطقس، والتي هي بالتالي لها تأثير كبير على كفاءة وإنتاجية هذه الألواح. ولذلك فقد تكون حصيلة تركيب هذه الألواح زيادة مؤقتة في إنتاج الكهرباء بالطرق التقليدية لا تقليلها. أضف إلى ذلك أن توصيل هذه الألواح مع شبكة نقل الكهرباء سيكون له اشتراطات معقدة، فما بالك إذا كان التوصيل يشمل شبكتي النقل والتوزيع معاً؛ فالتحديات تتضاعف وتتعقد، وهذا ما سيكون عليه الحال عندنا بحسب تصريح الجهات المختصة.

لكن برغم كل هذه الصعوبات والتحديات لا يجب أبداً أن نتوقف عن التحول الجزئي إلى الطاقة الشمسية، فأهمية هذا التحول تنبع من أنه خيار استراتيجي لحكوماتنا بالخليج العربي، في ظل التطور المعرفي الهائل في هذا المجال، وبالأخص أننا ملتزمون أخلاقياً بتقليل الاحتباس الحراري، وكذلك دولياً؛ فالبحرين من الدول الموقعة على اتفاقية باريس للمناخ. ولذلك فإن السبيل الأمثل قد يكون هو الاستثمار الواقعي والبعيد المدى الذي يراعي خصوصيتنا من جميع النواحي، والذي يسعى إلى تخطي العقبات المتعلقة بهذه التكنولوجيا، إذ نحن بحاجة إلى أن تكون لنا تجربتنا الخاصة في هذا القطاع، والتي قد لا تتماثل مع التجارب في البلدان الأخرى، ولا يكون هذا ممكناً إلا إذا استطعنا أن نربط قطاعاتنا الأكاديمية والبحثية بالقطاعات الصناعية المحلية والدولية؛ حتى نطور من إمكانياتنا البشرية والعملية، ونذلل التحديات المقلقة في هذا المجال بما يتواكب مع حاجاتنا. والأهم من ذلك أنه يجعلنا نستبق المرحلة التي لن يكون فيها التحول إلى الطاقة المتجددة خياراً متاحاً؛ بل واقعاً مفروضاً.