لخّصلي

مـن مـظـاهـر هـذا الصـراع مثلاً، أن نرى فريقاً من شعراء ذلك العصر لا يزال يجـري عـلـى الـتـقـالـيـد الكلاسيكية لبناء القصيدة كما كانت الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي
[18/05, 8:13 pm] Mom: جوانه من ضرورة الاستهلال بذكرى الرحيل ووصف الأطلال والإبل ومشاهد الصحراء واتها، ثم التخلص الى الموضوع المقصود فجأة مهما كان الموضوع مدحاً أو فخراً أو رئاه، بل لو كان غزلاً أو نسيبا، وأن نرى هذا الفريق يحرص على أن تكون لغة القصيدة دائها من لغة أهل البادية، ومن غريب هذه اللغة بالأخص وبصياغتها العفوية وبأوزانها الطويلة الزنانة وتراكيبها المجلجلة وموسيقاها الخارجية، كما تحلحل الأجراس بأعناق الإبل في جوف الصحراء القفر الموحشة الساكنة وفي الوقت نفسه، وفي محيط بغداد أو البصرة أو الكوفة، ترى فريقاً من الشعراء يحاول التمرد على هذه التقاليد، ولكنها محاولة ثائرة حيناً وحذرة متحفظة وجلة أحياناً، وهذا الفريق الذي يحاول التمرد إنما يمثل روح الجديد الذي ينحزر وبهتر مع حركة التطور العامة. وهو يريد أن يعبر عن طبيعة هذه الحضارة الجديدة، بأسلوبها الناعم وترفها، وبأشياء الحياة اليومية المستجدة فيها، وبأفكارها ومعانيها ومشاهدها العمرانية وا من قصور وحدائق وملاء وعلمان وقيان وغناء ورقص وخمر..

هذه المعركة ذاتها وجدت ميداناً رحياً أيضاً في قضية الأوزان الشعرية، فإنه حين شاع الغناء في مدن العراق وفي بغداد بالأخص، وأصبح حاجة يومية من حاجات أهل القصور، وتهيات له العناصر البشرية من الجواري والقيان، والعناصر الأدبية من شعر الغناء الصوتية، هنا كان لا من معركة الحفاظ على أوزان الشعر الغنائي القديم، ومحاولة تحوير هذه الأوزان بحيث تتلاءم مع حاجة الغناء الجديد إلى قصر المسافة بين النبرة والنيرة، والنغمة والنعمة والفاصلة والفاصلة والوقفة والوقفة، والى قصر السلم الموسيقي نفسه بجملته، أي أن هذه الملاحة احتاجت إلى الأوزان الشعرية القصيرة بينما كان الغناء القديم يعتمد الأوزان الطويلة. ولكن يلاحظ أن المعركة في هذا الميدان لم تكن القوة فيها لتقديم، بل أن الجديد هنا كان على جانب من القوة استطاع به أن يفرض نفسه على القديم دون أن يعاديه، وذلك بفضل توزيعه الأوزان بين أغراض الشعر، فالطويلة للأغراض الكلاسيكية كالمدح والرثاء وأمثالهما، والقصيرة الشعر الغناء. وهذه موجودة فعلا ضمن الأوزان الكلاسيكية نفسها، ولم يستحدث العباسيون منها سوى اثنين، هما المقتضب والمضارع.عی أن معركة القديم والجديد هذه لم تستمر حدثها إلا ريثما أخذ الجديد مكانه نه في الحياة العباسية واكتمل نموه وتطوره وذلك منذ القرن الرابع الهجري عهد أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء والشريف الرضي، اذ نصحت الحركة العلمية و اختمرت الحياة الاجتماعية والفكرية في عقول الأدباء ووجداناتهم حتى صارت الصلة بينهم وبين هذه الحياة صلة عقلية وجدانية كيانية، وصار الإبداع الأدبي يصدر عن هذه الصـلـة تـلـقـائياً دون قصد وتعمد وتكلف، وحينذاك استقرت لأساليب الأدبية شكلاً ومضموناً على طابع وفق طابع العصر .