لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (38%)

ولقد ركزت على التطور الفيزيولوجي للبشر من جهة وتطور المجتمعات الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية من جهة أخرى. وبعدها حاولوا ان يصيغوا تفسيرات لارتقاء المجتمعات من مستوى معين إلى ما هو أعلى منه. ومن ثم يمكن تصنيف جميع المجتمعات الإنسانية بموجب هذا السلم التطوري. في ذات الوقت، الذي اعتبر فيه علماء التطور الاجتماعي ان المجتمع الغربي يمثل قمة الحضارة الإنسانية، من الممكن اعتبارهم تقدميين في زمنهم لأنهم ابتعدوا عن قبول تعليمات الكنيسة التي تدعي أن هذا الموقع كان طبيعيا وجزءا ثابتا ونتيجة للإرادة الالهية. ولقد أدركوا ان تنظيم علاقات النوع الاجتماعي كانت مختلفة جدا في الماضي (أي في المجتمع البدائي)، وكان السبب الرئيس لذلك هو قضية القرابة. لم يقم هؤلاء العلماء في حقل علم الإنسان بدراسات ميدانية – بل استخدموا مصادر ثانوية كتبها المبشرون وضباط الاستعمار الذين كانوا منحازين للمجتمعات التي كتبوا عنها. ويبقى علم الإنسان حتى يومنا هذا معروفا بشكل رئيسي بمنهجيته – أي البحث الميداني الذي يعتمد على "الملاحظة بالمشاركة" أي فكرة تعايش عالم الإنسان في بيئة المجتمعات "البدائية" لفترات طويلة حتى يستطيع دراستها لأنها في أكثر الأحيان لم يكن لديها لغة مكتوبة، بدأت محاولة فهم التنظيم الداخلي وهيكلية المجتمعات البدائية بحد ذاتها. 2- المفهوم الأنثروبولوجي للثقافة – ويقضي هذا المفهوم بأن جميع جوانب الحياة الإنسانية، ما عدا الجوانب البيولوجية، فالثقافة هي العامل الرئيسي الذي يفسر تنوع المجتمعات الإنسانية – فكلنا نحمل سمات مشتركة من الناحية البيولوجية الأساسية ولدينا احتياجات بيولوجية ولكننا نختلف في الطريقة التي تنظم فيها أساليب تلبية هذه الاحتياجات. الانحيازات القديمة/ والمنطلقات الجديدة في دراسة المرأة
ولذلك كان الكم الأكبر من الدراسات في علم الإنسان الوصفي من إنتاج الباحثين الذكور. بغض النظر عن مدى اختلاف الظواهر السطحية. ولم تتخذ دراسة النساء في المجتمعات البدائية شكلها المميز والخاص إلا في الستينات من القرن الماضي – أي مع دخول نساء حقل علم الإنسان اللواتي بدأن بالتساؤل حول الكثير من الأعمال الوصفية لعلماء الإنسان من الذكور. وأشرن إلى الطرق المختلفة التي حصلت بها النساء على السلطة السياسية أو النفوذ في المجتمعات المختلفة. وظهرت النساء كمنتجات وتاجرات وأخصائيات في الأمور الدينية ومتخذات للقرار. وفي المقابل حاولت هذه الموجة الأولى من عالمات الإنسان ان تفسر موقع النساء في المجتمعات المختلفة حسب اعتبارات غير منحصرة بالفروق البيولوجية. ركز الاتجاه الأول على اعتبار الثقافة بأنها العامل المقرر الرئيسي لموقع النساء، فقد بحثت المجموعة الأولى في مجال المباديء الثقافية العالمية، على افتراض انه بالرغم من تنوع علاقات النوع الاجتماعي في المجتمعات البدائية، فقد مالوا اكثر إلى اعتبار النظرة التاريخية واعتبروا ان علاقات النوع الاجتماعي متأصلة في الأسلوب الإنتاجي للمجتمع. فكان وضع المرأة يُعرف عبر النظام الاقتصادي ودور النساء فيه. كانت علاقات النوع الاجتماعي والنظم الاجتماعية اكثر مساواة. التشابه والتنوع
وان إحدى الطرق المعتمدة في تفسير إشكال التشابه هي تصنيف المجتمعات على أساس تكنولوجي- اقتصادي (أو حسب موارد رزقها). 1- مجتمعات الصيد والجمع
2- مجتمعات البستنة
3- المجتمعات الزراعية
4- المجتمعات الرعوية
5- المجتمعات الصناعية
السؤال هو ما هي علاقة هذه التصنيفات ببعضها البعض؟
من الناحية التاريخية، والحقيقة هي ان اكثر مجتمعات الصيد والجمع كانت تعرف الزراعة ولكنها كانت تفضل عدم ممارسة العمل الزراعي وقد تحولت معظم هذه المجتمعات ضد إرادتها وذلك إما بسبب فقدانها لبيئتها نظرا للمنافسة أو بفرض من قبل المزارعين أو بسبب سيطرة المستعمرين. عليها ( نموذج مجتمع الكونج أو الفيلم بقايا شعوب الكويفا). ولقد أبيدت الكثير من مجتمعات الصيد والجمع بشكل كامل ولكن بقي بعضها حتى هذا القرن مثل الكونج والاسكيمو والابوريجينين (السكان الأصليين في استراليا). وقبل ظهور الإمبريالية كان للزراعة وقع مدمر على تنوع المجتمعات الانسانية. 1- مجتمعات الصيد والجمع (أمثلة من القراءات: نساء الكونج والمرأة الصيادة- الأغتا)
كانت هذه المجتمعات تعيش على تجميع النباتات وعلى صيد الحيوانات البرية. وهي تسمى في كثير من الأحيان "مجتمعات الفرق" لأنها كانت تعتمد على العيش في مجموعات صغيرة- مكونة من 15-60 شخص، ويعني عدم وجود الملكية الخاصة عدم وجود مشكلة الحدود الجغرافية (ولذلك لا تشتبك مجتمعات الصيد والجمع بأي من أنواع القتال أو النزاعات أو الحروب) وبسبب عدم وجود أية حاجة لتقسيم الملكية أو الفائض فبقيت هذه المجتمعات صغيرة ومرنة لم تطور مكاتب أو سلطات سياسية رسمية أو تشكيلات طبقية اجتماعية هرمية. والاهم من ذلك نجد انه في جميع الحالات (ما عدا الاسكيمو) بأن نسبة الطعام الذي كانت تجمعه النساء يشكل 60-80% من احتياجات البقاء أو الكفاف – أي ان النساء كن يُنتجن اكثر الطعام. ولقد أشار علماء الإنسان بأن أهمية المكانة المتساوية للنساء بالرجال في مجتمعات الصيد والجمع لم تحقق بسبب مساهمتهن في إيجاد الرزق فقط بل بسبب مدى تحكمهن بتوزيعه أيضا، قلة الخصوبة والتباعد ما بين الولادات: فبعكس المجتمعات الزراعية لم تحتاج مجتمعات الصيد والجمع إلى الكثير من طاقة العمل البشرية (لذا كانت كثرة الأطفال تشكل عبأ على الحركة وعلى توفر الغذاء). وكانت هناك فترة بين الولادة والأخرى تصل إلى أربع سنوات. ولم تستغرق عملية حمل وتربية الأطفال الكثير من وقتهن
عدم التخصص، أي أن مجتمع الصيد والجمع يعتمد بدرجة قليلة على تحديد المهام حسب الجنس – وعلى الجميع معرفة القيام بمختلف الأعمال وأن يساهموا في جميع الأعمال الضرورية. لا وجود للفصل بين الخاص والعام بسبب الحاجة للحركة المتواصلة وقلة الحاجة إلى الملكية الخاصة بالإضافة إلى الطبيعة المرنة للمجموعات، فلا يوجد المجال للتمييز بين المجالات الخاصة أو المجالات العامة. 2- مجتمعات البستنة (البمبا في زامبيا)
تستعمل مجتمعات البستنة القوة البشرية (الفأس) وليس القوة الحيوانية (أي الدابة الجارة للمحراث) من اجل الإنتاج الزراعي. وهي مجتمعات شبه مستقرة إذ تمارس زراعة القطع والحرق عبر قطع الأشجار وحرقها في منطقة معينة من الأحراش، اعتمدت مجتمعات البستنة في الأساس على محاصيل الجذور ولكنها كانت تتعامل أيضا مع الصيد والجمع والتجارة. وبشكل عام، وتنظيم اكثر تعقيدا من الناحية الاجتماعية من اجل تنظيم التوزيع والإنتاج (من الأرض ومنتوجها) ومن اجل الحصول على البضائع والقدرة على توفير الفائض. بينما يقمن النساء بجميع الأعمال الأخرى المتعلقة بالإنتاج الزراعي للمحاصيل الرئيسية المطلوبة للحياة. وفي بعض الحالات قد ينتج الرجال والنساء سوية محاصيل "خاصة" من اجل التجارة بها – ولكننا لن نجد وضعا ينتج فيه الرجال محاصيل للمعيشة فقط بينما ينتجن النساء المحاصيل "الخاصة" فقط. وحسب نظام الطبقية، وحالة الصراع يمكن ان يشارك الرجال في الحروب والقتال. فان النساء ينتجن بشكل مباشر لاستهلاك أسرهن، أي يقدم دورهن الانتاجي على دورهن الإنجابي وتأخذ قوتهن الإنتاجية مكانة أعلى من توفير القوى العاملة المستقبلية. القرابة: بشكل عام يسود مجتمعات البستنة نظم خط النسب الأمومي (matri-lineal) ونظم خط النسب الأبوي (patri-lineal) ولكن هناك نسبة أعلى من النظم الأمومية بالإضافة للإقامة عند أهل الزوجة. والمنطق وراء ذلك هو إبقاء المنتجين الرئيسيين للطعام (أي النساء) سوية لأنهن يشكلن محور العائلة. وبالإضافة إلى ذلك، نجد الكثير من النشاطات التي يقوم بها كل جنس على حدا في مجتمعات البستنة، تتفاوت مجتمعات البستنة من التدرج الطبقي البسيط إلى التدرج الطبقي العالي الشبيه بالدولة. ومع اننا نجد ان النساء يتبوأن مناصب سياسية عالية عن طريق الوراثة في المجتمعات التي يوجد فيها طبقية عالية (لأنهن زوجات أو أخوات أو أمهات الزعيم) فان النتيجة العامة للطبقية هي سلبية بالنسبة للنساء ككل، وبالإضافة إلى ذلك فمن الأرجح ان يضطر الرجال إلى المشاركة في الحروب ويؤدي ذلك عادة إلى إقامة نظم تزود الذكور فيها سيطرة على النساء وتؤدي المنافسة ضمن الهيكلية الهرمية إلى اتخاذ الرجال مواقع مسيطرة على عمل المرأة الإنتاجي والانجابي. فتحضير الطعام ونشاطات بيتية أخرى باتت تتطلب الكثير من الوقت. 3- المجتمعات الزراعية (مثل مجتمع البلقان الزراعي)
ومرة أخرى نجد الكثير من التنوع وفيما يلي بعض النقاط المتعلقة بمكانة المرأة:
- للرجال الدور الأكبر في الإنتاج الزراعي بشكل عام
- يُنظر إلى النساء على أنهن "مساعدات للرجال" في الإنتاج وان دورهن الرئيس هو دور إنجابي (أي العمل البيتي وتربية الأطفال)
- لديهن سيطرة متدنية جدا على توزيع الإنتاج – ويُنظر إلى عملهن على انه ملكية أزواجهن وأسرهن. - بالمقارنة مع مجتمعات الصيد والجمع، - إن أغلبية المجتمعات الزراعية ذات خط نسب أبوي وأبوية الإقامة أي ان النساء يدخلن "كغريبات" إلى بيوت أزواجهن. - حقوق المرأة في الملكية محدودة فلا يمكن الوصول للملكية والسيطرة عليها إلا خلال أزواجهن
- يشكل سن المرأة وإنتاجها للأبناء (الذكور) عاملا حاسما في مكانتها في المجتمعات الزراعية. تكون مكانة النساء أعلى ومقدرتهن على الحركة أكبر وحقوقهن في ملكية الموارد الإنتاجية اكبر.


النص الأصلي

نشأ علم الإنسان في القرن التاسع عشر في الفترة التي ساد فيها الاعتقاد بأن التقدم الإنساني والتطور الاجتماعي هما عمليتان طبيعيتان حتميتان يمكن دراستهما باتباع المنهج العلمي. ولذلك، كانت التسمية المتعارف عليها لعلم الإنسان هي "دراسة الإنسان"، ولقد ركزت على التطور الفيزيولوجي للبشر من جهة وتطور المجتمعات الإنسانية والمؤسسات الاجتماعية من جهة أخرى. وخلال هذه الفترة لم يتطرق علماء الإنسان إلى أساليب البحث الميداني بل كانوا "مفكرين متأملين" يهدفون إلى استكشاف "جذور" المؤسسات الاجتماعية المعاصرة مثل الزواج والدين والقانون. وأدى هذا البحث عن جذور هذه "المؤسسات" إلى التركيز على المجتمعات البدائية التي اعتقدوا انها تمثل المراحل المختلفة من التاريخ البشري. ولذلك، فقد استعملوا المعلومات التي تراكمت حول مجتمعات بدائية مختلفة (والتي دونها، في ذلك الوقت، الرحالة والمبشرون وليس علماء الإنسان) من اجل تطوير النظريات حول ما قد تكون أول إشكال النظم المختلفة والممارسات الاجتماعية وكيف تطورت عبر الزمن.
وركز المنظرون الأكثر طموحا على تطوير نماذج عالمية للتطور الإنساني عن طريق ترتيب المجتمعات في تسلسل تصاعدي – ابتداءً من المجتمعات الأكثر بدائية إلى الأكثر تطورا. وبعدها حاولوا ان يصيغوا تفسيرات لارتقاء المجتمعات من مستوى معين إلى ما هو أعلى منه. ويعتبر عمل هنري لويز مورغان أبرز مثال على هذا التفسير التطوري والذي شكلت أعماله أساسا لكتاب فريدريك إنجلز "أصل العائلة، والملكية الخاصة والدولة". قسم مورغان تقدم المجتمعات إلى ثلاثة مراحل رئيسة سماها – الوحشية، والبربرية والحضارية – وأدرج ضمن كل مرحلة رئيسية ثلاثة مراحل ثانوية. واعتمد "مورغان" على المعلومات المختلفة المتوفرة عن المجتمعات البدائية وحول أنواع التكنولوجيا وأشكال الإنتاج وعلاقات القرابة والمؤسسات السياسية وحاول ان يرتبها في سلسلة من المراحل المتدرجة التي تمثل ابسط مستويات المجتمعات الإنسانية إلى أكثرها تعقيدا وحضارة. ومن ثم يمكن تصنيف جميع المجتمعات الإنسانية بموجب هذا السلم التطوري.


الاهتمام بالنساء


قام مورغان وعلماء التطور الاجتماعي الأوائل بدراسة المجتمعات البدائية في فترة لم يكن للنساء في أوروبا أي من الحقوق فمثلا لم يكن لديهن حق التصويت في الكثير من الدول الغربية، كما ولم يكن لديهن حق الملكية أو طلب الطلاق. في ذات الوقت، الذي اعتبر فيه علماء التطور الاجتماعي ان المجتمع الغربي يمثل قمة الحضارة الإنسانية، حيث تميزت العلاقات بين الرجال والنساء في المجتمع الغربي بالسمات المتحضرة والناتجة عن التقدم النوعي في التنظيم الاجتماعي الانساني.
ومع ان نظرتهم كانت ايجابية نحو موقع النساء المتدني في المجتمع الغربي، من الممكن اعتبارهم تقدميين في زمنهم لأنهم ابتعدوا عن قبول تعليمات الكنيسة التي تدعي أن هذا الموقع كان طبيعيا وجزءا ثابتا ونتيجة للإرادة الالهية. ولقد أدركوا ان تنظيم علاقات النوع الاجتماعي كانت مختلفة جدا في الماضي (أي في المجتمع البدائي)، ولكنهم نظروا إلى الماضي بسلبية جدا على حيث وصفوا واقع المرأة المتدني واعتبروا المجتمع متخلفا وهمجيا. وتمادى بعضهم إلى درجة الادعاء بان التقدم الإنساني لم يكن ممكنا إلا عندما يتمكن الرجال من السيطرة سياسيا على النساء اللواتي ادعين أنهن كن مهيمنات في المراحل المبكرة من التطور الإنساني.
ويتضح من النقاش السابق ان علماء الإنسان الأوائل كانوا مهتمين "بالعلاقات ما بين الجنسين"، وكان السبب الرئيس لذلك هو قضية القرابة. من جهة فقد اعتبروا أن أنماط الزواج (كالزواج الأحادي أو والزواج التعددي الخ) وقوانين الزواج (كسفاح القربى والزواج من أولاد العم أو الخال) أساسية لتحديد مستوى التطور الاجتماعي، ومن جهة أخرى اعتُبرت قضايا السيطرة على النساء (أو تبادل النساء عند البعض) أساسية لتعريف مستوى التطور السياسي. ولكن، كما ذكرنا سابقا، لم يقم هؤلاء العلماء في حقل علم الإنسان بدراسات ميدانية – بل استخدموا مصادر ثانوية كتبها المبشرون وضباط الاستعمار الذين كانوا منحازين للمجتمعات التي كتبوا عنها.


ميراث نظرية التطور الاجتماعي وظهور البحث الميداني


في الثلاثينات من القرن الماضي ظهر توجه جديد في حقل علم الإنسان طغى على توجه التطور الاجتماعي وهو توجه البحث الميداني أو الاثنوغرافيا (الوصفي). ويبقى علم الإنسان حتى يومنا هذا معروفا بشكل رئيسي بمنهجيته – أي البحث الميداني الذي يعتمد على "الملاحظة بالمشاركة" أي فكرة تعايش عالم الإنسان في بيئة المجتمعات "البدائية" لفترات طويلة حتى يستطيع دراستها لأنها في أكثر الأحيان لم يكن لديها لغة مكتوبة، ولم يتوفر لديها أي سجلات حول تاريخها. وكانت الفكرة هي فهم المجتمع عن طريق مراقبة المجتمع والمشاركة في حياته اليومية.
وعندما بدأ علماء الإنسان بالعيش مع المجتمعات البدائية لدراستها اتضح ان الكثير من النظريات التي توصل إليها علماء التطور الاجتماعي تأسست على معلومات مغلوطة ومضللة. كما أن تركيز علم الإنسان تغير أيضا في هذه الفترة فبدلا من محاولة رسم خارطة للتطور الاجتماعي، بدأت محاولة فهم التنظيم الداخلي وهيكلية المجتمعات البدائية بحد ذاتها. والأسئلة التي يجدر الإجابة عليها في هذا المجال هي: كيف يستطيع أي مجتمع فردي ان ينظم موارد رزقه؟ وما هي أنواع وأشكال السلطة، والقوانين التي تنظم السلوك في هذه المجتمعات؟ وما هي أشكال المعتقدات السائدة؟ ... الخ. وبشكل عام، فقد درس علماء الإنسان عبر الثلاثين عام التالية المجتمعات الفردية التي كتبوا عنها دراسات وصفية مكثفة (تعرف بالدراسات الوصفية لعلم الإنسان) التي بينت التنوع الواسع في الطرق التي تنظم فيها المجتمعات البشرية حياتها. وبرهن علماء الإنسان على ان ما قد يبدو تصرفا غريبا أو "بدائيا" في منظومة التنظيم الاجتماعي يمكن ان يفسر بأنه تكيف منطقي وعقلاني في بيئة وظروف مختلفة. وهناك مفهومان مهمان مستمدان من تلك الفترة ولهما تأثير متواصل على قدرتنا على إدراك وتفسير هذا التنوع البشري:
1- مفهوم نسبية الثقافة Cultural Relativism – يقضي هذا المبدأ بأن لا يقوم الباحث/الباحثة بتقييم مجتمع آخر من خلال مفاهيمه وقيمه الشخصية أو مفاهيم وقيم مجتمعه– ولقد ساعد هذا المبدأ علماء الإنسان في التغلب على التحيز والعنصرية التي سادت في الفترة السابقة، وتفهم الممارسات المتنوعة في إطار مضمونها الثقافي.


2- المفهوم الأنثروبولوجي للثقافة – ويقضي هذا المفهوم بأن جميع جوانب الحياة الإنسانية، ما عدا الجوانب البيولوجية، تعتبر إبداعات إنسانية واختراعات أنتجها الإنسان من اجل التأقلم مع الظروف المتباينة. فالثقافة هي العامل الرئيسي الذي يفسر تنوع المجتمعات الإنسانية – فكلنا نحمل سمات مشتركة من الناحية البيولوجية الأساسية ولدينا احتياجات بيولوجية ولكننا نختلف في الطريقة التي تنظم فيها أساليب تلبية هذه الاحتياجات. وهذا ما يعرفه علماء الإنسان بالثقافة.


الانحيازات القديمة/ والمنطلقات الجديدة في دراسة المرأة


لقد كان لهذه الفترة أبعاد سلبية وايجابية أيضا من حيث دراسة علاقات النوع الاجتماعي. حتى الستينات من القرن الماضي، لم يكن هناك إلا القليل من النساء المتخصصات في مجال علم الإنسان، ولذلك كان الكم الأكبر من الدراسات في علم الإنسان الوصفي من إنتاج الباحثين الذكور. ولذا اتخذ علماء الإنسان الذكور، وبغض النظر عن مبدأ نسبية الثقافة، مواقف متحيزة تجاه ادوار النوع الاجتماعي، وذلك لأنهم حملوا معهم افتراضاتهم النابعة من مجتمعاتهم وفرضوها على مجتمعات البحث أثناء عملهم الميداني . فقد كانوا يمضون أكثر أوقاتهم أثناء البحث الميداني في المجتمعات البدائية مع الرجال، ولم يتحدثوا أو يتفاعلوا مع النساء. وكان اهتمامهم منصبا فقط على أعمال ونشاطات الذكور (مثل الصيد) وإقامة الطقوس والشعائر (مثل احتفالات التطهير مثلا). ونتيجة لذلك كانت الأدوار والممارسات المقامة من قبل النساء في المجتمعات البدائية إما مفقودة أو مغيبة في كتابات علم الإنسان الوصفي حتى الستينات من القرن الماضي. وبالإضافة إلى ذلك كانت الكثير من هذه الكتابات تفترض ببساطة ان علاقات النوع الاجتماعي كانت مشابهة لتلك الموجودة في الغرب، بغض النظر عن مدى اختلاف الظواهر السطحية. إذ كان الافتراض السائد هو ان دور النساء الرئيسي في المجتمعات البدائية هو الحمل والولادة وان للرجال سيطرة تامة على النساء في كل مكان.
ولم تتخذ دراسة النساء في المجتمعات البدائية شكلها المميز والخاص إلا في الستينات من القرن الماضي – أي مع دخول نساء حقل علم الإنسان اللواتي بدأن بالتساؤل حول الكثير من الأعمال الوصفية لعلماء الإنسان من الذكور.كما قامت عالمات الإنسان أيضا بإزالة الغشاء عن أهمية النساء بالنسبة للإنتاج الاقتصادي ونظم علاقات القرابة، وأيضا عن الطقوس النسائية، وأشرن إلى الطرق المختلفة التي حصلت بها النساء على السلطة السياسية أو النفوذ في المجتمعات المختلفة. وظهرت النساء كمنتجات وتاجرات وأخصائيات في الأمور الدينية ومتخذات للقرار. ولقد أوضحت "الموجة الأولى" من عالمات الإنسان على ان زملائهن من الذكور قد استعملوا المنطلق البيولوجي وليس المنطلق الثقافي عند تحليلهم لوضع المرأة في المجتمع البدائي – فلقد افترضوا ان دور المرأة في حمل الأطفال في كل مكان قد حتم ان يكون لها موقعا متدنيا في المجتمع. وفي المقابل حاولت هذه الموجة الأولى من عالمات الإنسان ان تفسر موقع النساء في المجتمعات المختلفة حسب اعتبارات غير منحصرة بالفروق البيولوجية. فظهر اتجاهان لدى عالمات الإنسان "النسوي"، ركز الاتجاه الأول على اعتبار الثقافة بأنها العامل المقرر الرئيسي لموقع النساء، وركز الاتجاه الثاني على تقسيم العمل حسب الجنس والعلاقات الاجتماعية كعوامل تقرر موقع المرأة الاجتماعي. فقد بحثت المجموعة الأولى في مجال المباديء الثقافية العالمية، على افتراض انه بالرغم من تنوع علاقات النوع الاجتماعي في المجتمعات البدائية، فان النساء أينما كن فهن في النتيجة المحصلة في موقع الخضوع للرجال إما بشكل رمزي أو ثقافي. أما عالمات الإنسان النسوي اللواتي ركزّن على التقسيم الجنسي للعمل، فقد مالوا اكثر إلى اعتبار النظرة التاريخية واعتبروا ان علاقات النوع الاجتماعي متأصلة في الأسلوب الإنتاجي للمجتمع. فكان وضع المرأة يُعرف عبر النظام الاقتصادي ودور النساء فيه. فعندما كانت النظم الاقتصادية بسيطة وغير قادرة على إنتاج الفائض، كانت علاقات النوع الاجتماعي والنظم الاجتماعية اكثر مساواة. ولكن مع بدء المجتمعات بإنتاج الفائض ومع ظهور التدرج السياسي والاجتماعي، بدأ موقع المرأة الاجتماعي بالتراجع.


تصنيف مجتمعات ما قبل الصناعة، التشابه والتنوع


في كلتا الحالتين (فان الذين ركزوا على الثقافات العالمية والذين ركزوا على تقسيم العمل على أساس الجنس)، فقد اتضح انه عند دراسة المجتمع الإنساني يجد المرء الكثير من التنوع في إشكال التنظيم الاجتماعي (وكذلك التنوع في مكانة المرأة) ولكن ضمن هذا التنوع نستطيع رؤية إشكال وأنماط متشابهة عبر المجتمعات المختلفة. وان إحدى الطرق المعتمدة في تفسير إشكال التشابه هي تصنيف المجتمعات على أساس تكنولوجي- اقتصادي (أو حسب موارد رزقها). وتساعدنا هذه التصنيفات العامة لخمس أنواع رئيسية من المجتمعات على فهم التشابه الأساسي ما بين التنظيمات الاجتماعية البشرية، وعندها نستطيع ان نرى التنوع ضمن كل تصنيف.


وهذه التصنيفات الخمس هي:
1- مجتمعات الصيد والجمع
2- مجتمعات البستنة
3- المجتمعات الزراعية
4- المجتمعات الرعوية
5- المجتمعات الصناعية


السؤال هو ما هي علاقة هذه التصنيفات ببعضها البعض؟
من الناحية التاريخية، فان مجتمعات الصيد والجمع هي أقدم إشكال التنظيم البشري (فهي موجودة منذ بدايات الإنسانية أي منذ اكثر من 2 مليون سنة) وحتى القرن السادس عشر فقد اعتمدت معظم المجتمعات في العالم وما زالت تعتمد على الصيد والجمع.
وقبل حوالي 9000 عام تقريبا ظهرت البستنة (كأول نوع من أنواع الزراعة) وبعد ذلك ظهرت في بعض المناطق الطبيعية المعينة مجتمعات تعتمد على المحراث والدابة الجارّة وليس الطاقة البشرية فقط. يمكن تعريف الرعوية (أي الاعتماد على الحيوانات المدجنة وليس على النباتات) على انها تأقلم للبيئة المحلية انبثقت عن مجتمعات الصيد والجمع وفي حالات أخرى انبثقت عن مجتمعات البستنة- أي أنها مجتمعات فرعية وليست رئيسة. بالرغم من أن هناك تسلسلا تاريخيا لهذه المجتمعات لا توجد علاقة تطورية فيما بينها. فمثلا قد تكون مجتمعات الصيد والجمع هي النمط السائد في بداية إشكال التاريخ الإنساني، إلا انها لم تتطور إلى مجتمعات البستنة. والحقيقة هي ان اكثر مجتمعات الصيد والجمع كانت تعرف الزراعة ولكنها كانت تفضل عدم ممارسة العمل الزراعي وقد تحولت معظم هذه المجتمعات ضد إرادتها وذلك إما بسبب فقدانها لبيئتها نظرا للمنافسة أو بفرض من قبل المزارعين أو بسبب سيطرة المستعمرين. عليها ( نموذج مجتمع الكونج أو الفيلم بقايا شعوب الكويفا).
ولقد أبيدت الكثير من مجتمعات الصيد والجمع بشكل كامل ولكن بقي بعضها حتى هذا القرن مثل الكونج والاسكيمو والابوريجينين (السكان الأصليين في استراليا). وكانت مجتمعات البستنة هي أول شكل من المجتمعات الزراعية التي بقيت حتى هذا القرن في مناطق بيئية محددة فقط (مثل جزر المحيط الهادي والأدغال الافريقية والامازونية).
لقد ظهرت الزراعة (التي تعتمد على المحراث) في الشرق الأوسط اولا. وأدت الزراعة إلى زيادة هائلة في تعداد السكان والى تغيرات دراماتيكية في البيئة – فكان لها وقع كبير جدا على مجتمعات الصيد والجمع ومجتمعات البستنة التي تم طردها من بيئتها أو استيعابها قسرا في المجتمعات الزراعية. وقبل ظهور الإمبريالية كان للزراعة وقع مدمر على تنوع المجتمعات الانسانية.


علاقات النوع الاجتماعي ووضع المرأة في المجتمعات الأربع التي سادت ما قبل الصناعة


1- مجتمعات الصيد والجمع (أمثلة من القراءات: نساء الكونج والمرأة الصيادة- الأغتا)
كانت هذه المجتمعات تعيش على تجميع النباتات وعلى صيد الحيوانات البرية. وهي تسمى في كثير من الأحيان "مجتمعات الفرق" لأنها كانت تعتمد على العيش في مجموعات صغيرة- مكونة من 15-60 شخص، مرنة في تكوينها، كثيرة التنقل تسعى وراء مواردها من الطعام. وكانت الحركة والمرونة سمتان مهمتان سمحت لمجتمعات الصيد والجمع ان تتأقلم مع بيئتها. وان الحاجة لذلك تفسر مجموعة أخرى من الخصائص مثل التكنولوجيا المحدودة وعدم وجود الملكية الخاصة أي الأراضي والممتلكات الأخرى لأنها كانت تشكل عبئا عليهم. ويعني عدم وجود الملكية الخاصة عدم وجود مشكلة الحدود الجغرافية (ولذلك لا تشتبك مجتمعات الصيد والجمع بأي من أنواع القتال أو النزاعات أو الحروب) وبسبب عدم وجود أية حاجة لتقسيم الملكية أو الفائض فبقيت هذه المجتمعات صغيرة ومرنة لم تطور مكاتب أو سلطات سياسية رسمية أو تشكيلات طبقية اجتماعية هرمية. وهي مجتمعات تؤمن بالمساواة إلى حد كبير.


تقسيم العمل حسب الجنس


في العادة، كان الرجال يصطادون والنساء يجمعن (مع أننا نرى بعض التنوع لان نساء الاغتا هن صيادات أيضا ويمارسن الصيد باستمرار). والاهم من ذلك نجد انه في جميع الحالات (ما عدا الاسكيمو) بأن نسبة الطعام الذي كانت تجمعه النساء يشكل 60-80% من احتياجات البقاء أو الكفاف – أي ان النساء كن يُنتجن اكثر الطعام. ولقد أشار علماء الإنسان بأن أهمية المكانة المتساوية للنساء بالرجال في مجتمعات الصيد والجمع لم تحقق بسبب مساهمتهن في إيجاد الرزق فقط بل بسبب مدى تحكمهن بتوزيعه أيضا، وهذا هو السبب الاهم.


عوامل أخرى


قلة الخصوبة والتباعد ما بين الولادات: فبعكس المجتمعات الزراعية لم تحتاج مجتمعات الصيد والجمع إلى الكثير من طاقة العمل البشرية (لذا كانت كثرة الأطفال تشكل عبأ على الحركة وعلى توفر الغذاء). ومن هنا كان لدى هذه المجتمعات القليل من الاطفال. وكانت هناك فترة بين الولادة والأخرى تصل إلى أربع سنوات. ولذلك لم ينظر إلى النساء حسب دورهن الإنجابي، ولم تستغرق عملية حمل وتربية الأطفال الكثير من وقتهن


عدم التخصص، المرونة في الأدوار: نظرا لان التكنولوجيا بسيطة والمجموعات صغيرة جدا – لم توجد الحاجة إلى التخصيص وفق تقسيم العمل بين الجنسين بالنسبة للصيد والجمع – ويعني ذلك عدم تطور أدوار جنسية محددة بصرامة أو أي تخصصات قد تعطي الرجل قوة أو مكانة أكبر من المرأة. أي أن مجتمع الصيد والجمع يعتمد بدرجة قليلة على تحديد المهام حسب الجنس – وعلى الجميع معرفة القيام بمختلف الأعمال وأن يساهموا في جميع الأعمال الضرورية. هذا ولا يوجد الكثير من العمل إذ تستطيع مجتمعات الصيد والجمع ان تفي بمتطلبات عيشها لمدة أسبوع من خلال العمل ليومين فقط.
لا وجود للفصل بين الخاص والعام بسبب الحاجة للحركة المتواصلة وقلة الحاجة إلى الملكية الخاصة بالإضافة إلى الطبيعة المرنة للمجموعات، فلا يوجد المجال للتمييز بين المجالات الخاصة أو المجالات العامة. ويعيش الرجال والنساء في مجتمعات الصيد والجمع معظم الوقت في الخلاء ولذلك لا يوجد تنظيم للمساحات مثل تحديد مناطق للاستخدام السكني مثلا.


2- مجتمعات البستنة (البمبا في زامبيا)


تستعمل مجتمعات البستنة القوة البشرية (الفأس) وليس القوة الحيوانية (أي الدابة الجارة للمحراث) من اجل الإنتاج الزراعي. وهي مجتمعات شبه مستقرة إذ تمارس زراعة القطع والحرق عبر قطع الأشجار وحرقها في منطقة معينة من الأحراش، وكانت الأشجار تحرق من اجل تزويد التربة بالسماد لعدة سنوات (تقريبا أربع سنوات) وبعد ان تستنفذ التربة هذا السماد كان على هذه المجتمعات ان تجد موقعا آخر كي تبدأ العملية من جديد. اعتمدت مجتمعات البستنة في الأساس على محاصيل الجذور ولكنها كانت تتعامل أيضا مع الصيد والجمع والتجارة. وبشكل عام، ينتج عن التحول إلى مجتمع شبه مستقر، تعداد اكبر من السكان، وتنظيم اكثر تعقيدا من الناحية الاجتماعية من اجل تنظيم التوزيع والإنتاج (من الأرض ومنتوجها) ومن اجل الحصول على البضائع والقدرة على توفير الفائض.
هناك تنوع واسع في مجتمعات البستنة من حيث درجة الاعتماد على الزراعة، إما ان يكون هناك إنتاج ذو فائض وبالتالي قد توجد المساواة أو عدم التدرج في المجتمعات القروية أو أن تكون هذه المجتمعات جزءا من وحدة سياسية ذات تنظيم متدرج والذي يترتب على القرويين أن يقدموا الولاء (الفائض) إلى نخبة لا يمارسون أعمال الإنتاج الزراعي بصورة مباشرة وفي الحالة الأولى تقترب مجتمعات البستنة من مجموعات الصيد والجمع في انعدام الطبقية وفي نزعتهم السلمية وعدم الالتزام بمنطقة محددة. أما في الحالة الثانية نجد ان مجتمعات البستنة التي تتمتع بطبقية داخلية وبنزعة إقليمية وملكية الأرض وممارسة الحروب.


تقسيم العمل حسب الجنس


إن النساء هن المنتجات الرئيسيات للطعام في مجتمعات البستنة ولكن الرجال هم الذين يهيئون الأرض ويضعون سياجا حولها، بينما يقمن النساء بجميع الأعمال الأخرى المتعلقة بالإنتاج الزراعي للمحاصيل الرئيسية المطلوبة للحياة. وقد ينتج الرجال أيضا محصولا ذا قيمة (أي أنه ليس من المحاصيل الغذائية الأساسية للاستهلاك اليومي)، ويشاركون بالصيد وإنتاج الادوات. وفي بعض الحالات قد ينتج الرجال والنساء سوية محاصيل "خاصة" من اجل التجارة بها – ولكننا لن نجد وضعا ينتج فيه الرجال محاصيل للمعيشة فقط بينما ينتجن النساء المحاصيل "الخاصة" فقط. وحسب نظام الطبقية، وحالة الصراع يمكن ان يشارك الرجال في الحروب والقتال. أما من حيث سيطرتهم على الإنتاج فهناك صورة معقدة ومتنوعة. فمن جهة، نجد ان الرجال هم المسؤولون عن توزيع الأرض، بينما تتولى النساء مسؤولية الإنتاج الزراعي – الذي يوزع في العادة على الأسرة فقط.
وفي حالة وجود فائض يمكن ان يتحمل الرجال مسؤولية توزيعه (إلى الزعماء) وحيثما تقوم النساء بإنتاج المحاصيل "الخاصة" تعود ملكيتها لهن ويستطعن التجارة بها كما يشأن. وبشكل عام، وبالمقارنة مع مجتمعات الصيد والجمع، فان النساء ينتجن بشكل مباشر لاستهلاك أسرهن، ولكن العامل الرئيسي هو ان الأسر تقوم في اكثر الأحيان على مبادئ خط النسب الأمومي والإقامة عند أهل الزوجة – ولذلك يُنتجن النساء ويوزعن هذا الإنتاج ضمن إطار أسرهن التي ولدن فيها فقط حيث يوجد لديهن حقوقا اكثر. وبالتحديد فانه لا يُنظر في هذه المجتمعات إلى عمل النساء على انه ملك لأزواجهن.


نواحي أخرى


الإنجاب: يُنظر إلى النساء في مجتمعات البستنة على أنهن في الأساس منتجات للطعام وليس للاطفال. أي يقدم دورهن الانتاجي على دورهن الإنجابي وتأخذ قوتهن الإنتاجية مكانة أعلى من توفير القوى العاملة المستقبلية. وما زال الفرق ما بين فترات الإنجاب عاليا نسبيا (ثلاث سنوات). ولكن النظرة نحو الأطفال قد تغيرت إذ أصبحوا يعتبرون دعما وسندا للعائلة.


القرابة: بشكل عام يسود مجتمعات البستنة نظم خط النسب الأمومي (matri-lineal) ونظم خط النسب الأبوي (patri-lineal) ولكن هناك نسبة أعلى من النظم الأمومية بالإضافة للإقامة عند أهل الزوجة. والمنطق وراء ذلك هو إبقاء المنتجين الرئيسيين للطعام (أي النساء) سوية لأنهن يشكلن محور العائلة. ويخلق ذلك وضعا يتطلب من الأزواج أن يعيشوا مع عائلة زوجاتهم وبذلك يكون لدى الزوجات دعم وحماية اكبر من قبل والداتهن. ويخلق ذلك أيضا وضعا يعتمد فيه الذكور على عائلات زوجاتهن. وبالإضافة إلى ذلك، نجد الكثير من النشاطات التي يقوم بها كل جنس على حدا في مجتمعات البستنة، ويؤدي ذلك، فيما عدا ظروف الحرب، إلى مصلحة النساء اللواتي لهن شبكة داعمة قوية.


السياسة: كما ذكرنا، تتفاوت مجتمعات البستنة من التدرج الطبقي البسيط إلى التدرج الطبقي العالي الشبيه بالدولة. ومع اننا نجد ان النساء يتبوأن مناصب سياسية عالية عن طريق الوراثة في المجتمعات التي يوجد فيها طبقية عالية (لأنهن زوجات أو أخوات أو أمهات الزعيم) فان النتيجة العامة للطبقية هي سلبية بالنسبة للنساء ككل، لان على الرجال والنساء ان ينتجوا فائضا لهؤلاء الزعماء في هذه النظم وبذلك يفقدون الاستقلالية الذاتية والسيطرة على انتاجهم. وبالإضافة إلى ذلك فمن الأرجح ان يضطر الرجال إلى المشاركة في الحروب ويؤدي ذلك عادة إلى إقامة نظم تزود الذكور فيها سيطرة على النساء وتؤدي المنافسة ضمن الهيكلية الهرمية إلى اتخاذ الرجال مواقع مسيطرة على عمل المرأة الإنتاجي والانجابي.


الخاص والعام: يؤدي تحول المجتمعات إلى شبه مستقرة أو مستقرة، وإنتاج المحاصيل والبضائع إلى زيادة الأعباء على النساء ويربطهن اكثر "بالمجال المنزلي" حيث يتحملن المسؤولية عن سلسلة من النشاطات المنزلية التي لم تكن لها وجود في مجتمعات الصيد والجمع، فتحضير الطعام ونشاطات بيتية أخرى باتت تتطلب الكثير من الوقت.


3- المجتمعات الزراعية (مثل مجتمع البلقان الزراعي)
تعرف المجتمعات الزراعية في كثير من الأحيان على انها مجتمعات فلاحية تعتمد على إنتاج الحبوب بواسطة استعمال المحراث. ومرة أخرى نجد الكثير من التنوع وفيما يلي بعض النقاط المتعلقة بمكانة المرأة:



  • للرجال الدور الأكبر في الإنتاج الزراعي بشكل عام

  • يُنظر إلى النساء على أنهن "مساعدات للرجال" في الإنتاج وان دورهن الرئيس هو دور إنجابي (أي العمل البيتي وتربية الأطفال)

  • النساء هن في الأساس منتجات للقوة العاملة.

  • لديهن سيطرة متدنية جدا على توزيع الإنتاج – ويُنظر إلى عملهن على انه ملكية أزواجهن وأسرهن.

  • بالمقارنة مع مجتمعات الصيد والجمع، فان مكانة المرأة أدنى بكثير.

  • إن أغلبية المجتمعات الزراعية ذات خط نسب أبوي وأبوية الإقامة أي ان النساء يدخلن "كغريبات" إلى بيوت أزواجهن.

  • حقوق المرأة في الملكية محدودة فلا يمكن الوصول للملكية والسيطرة عليها إلا خلال أزواجهن

  • الحاجة لتشكيل نظام لتوزيع الأراضي والإنتاج تخلق الحاجة لبناء هياكل اجتماعية وسياسية معقدة حيث لا يوجد للنساء سلطة رسمية ضمنها مع انه قد يوجد لديهن تأثير وسلطة غير رسمية.

  • يشكل سن المرأة وإنتاجها للأبناء (الذكور) عاملا حاسما في مكانتها في المجتمعات الزراعية. فعندما يُنتجن النساء الأولاد (وبالذات الذكور) ولديهن السيطرة على القوة الإنتاجية لزوجات أبنائهن يكون لديهن سلطة اكبر من النساء الصغيرات في السن المتزوجات وغير المتزوجات.

  • يوجد عادة تقسيم عمل جنسي مركب ونظام تقسيم عمل واضح جدا ما بين العام والخاص


ولكن هناك تنوع واسع – ومن الملاحظ انه في النظم الزراعية التي فيها مساواة (حيث الدولة ضعيفة وحيث يوجد ملكية جماعية للأراضي والقليل من الهرمية الداخلية، تكون مكانة النساء أعلى ومقدرتهن على الحركة أكبر وحقوقهن في ملكية الموارد الإنتاجية اكبر.


الخاتمة


يشير هذا العرض إلى ان هنالك بعض الأنماط العامة التي يمكن استخلاصها من المعلومات الانثروبولوجية التي تم الحصول عليها حول المجتمعات التي وجدت ما قبل الصناعة من حيث مقومات مكانة المرأة. ونستطيع أن نرى بوضوح ان ابسط المجتمعات وأكثرها بدائية تطبق أعلى مستويات المساواة بين الجنسين. ان الدراسات التي أجريت منذ أكثر من مئة عام حول المجتمعات ما قبل الصناعة قد قلبت مفاهيمنا الأساسية حول المكانة المتغيرة للمرأة والتطور الانساني. ففي المجتمعات الأقل "تطورا" كانت مكانة المرأة أعلى بكثير مما هي في المجتمعات الأكثر تطورا. ومن الواضح ان ما هو مركزي بالنسبة لمكانة المرأة في مجتمعات الصيد والجمع هو كون النساء منتجات رئيسيات للطعام وقادرات على التحكم بتوزيعه. وعنى ذلك انه كان ينظر إلى النساء بشكل رئيسي من حيث مقدرتهن الإنتاجية مقابل مقدرتهن الانجابية.
وبات واضحا في مجتمعات الصيد والجمع أن مساواة المرأة تعتمد على مجالات أوسع (وليس فقط على ما تفعله النساء). إذ نرى ان النساء في مجتمعات البستنة هن أيضا منتجات رئيسيات للطعام ولكن مكانتهن متدنية نسبيا. وذلك لان الإطار الذي تتم فيه نشاطات النساء تحدد طبيعة هذه النشاطات وتقدير المجتمع لها. وتلعب طبيعة المساواة في مجتمعات الصيد والجمع عدم وجود أدوار جنسية محددة والمرونة العامة في العلاقات الإنسانية، دورا حيويا في تحديد الطريقة التي يقيم دور المرأة في ذلك المجتمع.
وبذلك، نستطيع القول ان مكانة المرأة تعتمد بذات القدر على ما تقوم به النساء وعلى نظرة المجتمع والمعاني المرتبطة بذلك النساء، وبالتالي فان البناء الهيكلي للمجتمع يحدد ما تقوم به النساء وتوجهات المجتمع نحوهن.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

لهنا مل تكن ترا...

لهنا مل تكن تراتح للس يدة بيرت بلويت و اكنت ت سمع عهنا أهنا عامةل و حوذية فظيعة , و بسبب الرواايت ال...

يسرد كتاب (زايد...

يسرد كتاب (زايد: رجل بنى أمة) السيرة الذاتية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - منذ عام ...

King Lear : Plo...

King Lear : Plot Overview great are set Critic Edwin Muir , in The Politics of King Lear , tells us ...

مرفق لكم تلخيص ...

مرفق لكم تلخيص الفصل الخامس من رواية الشيخ والبحر وبالرغم من غيوم السماء كان منظرا جميلا من اسراب ا...

إدمان الإنترنت ...

إدمان الإنترنت يمثل تحديًا متزايدًا في المجتمعات الحديثة، ومن أجل مساعدة المدمنين على التغلب على هذه...

((وصل إلينا من ...

((وصل إلينا من الجاهلية شعر كثير مقارنة بالنثر، والسبب يعود لندرة التدوين، فلماذا كان التدوين نادرا؟...

في كُلِّ مَرَّة...

في كُلِّ مَرَّةٍ نَرى فيها تِلْكَ الجَرَّةَ الطّينيَّةَ القابِعَةَ في غُرْفَةِ أَجْدادِنا، نَتَساءَل...

تناولت قصيدة يا...

تناولت قصيدة ياليل دعني العديد من الاحداث والصراعات ومن قرائه العنوان نتصور فورا بان كاتبها فاروق جو...

يتم التركيز على...

يتم التركيز على الجودة وتركيز الشركة على العملاء والابتكار كعناصر أساسية لخلق والحفاظ على ميزة تنافس...

is characterist...

is characteristic of the business firm that engages in social actions in response to a popular socia...

تبدء القصة في ا...

تبدء القصة في اليابان ويكون قاءد المعبد له كلب يدعى هاتشي فيضعه في صندوق ليتم نقله في محطة قطار الى ...

v CRM is a busi...

v CRM is a business strategy that maximizes profitability, revenue and customer satisfaction by orga...