لخّصلي

المبحث األول: نظرية المعرفة
ل نظرية
ّ
يه تمث أساسكل معرفة ونظرية يتبناها
رشية، ف
العلوم الب
المعرفة مكانة رفيعة بري
ا، وتعت يلذلك حجر األساس لكل رأي
ًّ
ا، فيلسوفا أم عالما طبيعي
ًّ
ا أم مادي
ًّ
اإلنسان، سواءكان إلهي
كل من مجال الفلسفة والعلوم بشكل عام.
ي

ونظرية يتبناها العالم ف
ي وتختص نظرية المعرفة بالب طبيعة المعرفة اإلنسانية وتفسري حقيقتها، وتعالج

حث ف
ي عالقتهما باألشياء، ومدى قدرتهما عىل المعرفة،

بطريقة نقدية مشكالت العقل والحواس، ف
ومعايريالتحقق مما نعرف، وكيف نعرف، ثم كيف نحدد قيمة ما نعرف؟
كانت البدايات األوىل لما نسميه اليوم "نظرية المعرفة"، قد تحددت مع بدايات الفلسفة
يس )ديكارت
الحديثة عىل يد الفيلسوف الفرن 1596 -1950م( الذي نظر إىل نظرية المعرفة
ي )جون لوك
باعتبارها أساس الفلسفة برمتها. لكن الفيلسوف اإلنجلري 1632 -1704م(، كان
ي صورة مستقلة،

نظرية المعرفة عندما وضع هذا المبحث ف
ي

ل القول ف
أول من فص ّ
ي

وذلك ف
رشي
الفاهمة الب
ي
يم كتابه "مقالة ف 1690 يتناول بالفحص والدرس
" الذي يعت ي أول بحث عل
فيها. ومن بعد لوك جاء الفيلسوف
أصل المعرفة وماهيتها وحدودها ومصادرها ودرجة اليقري
)كانط
ي

األلمان 1724 -1804 نظرية المعرفة، وعرفت فلسفته
ي

م( الذي أفرد بحوثا عظيمة ف
بالف عملية المعرفة.
ي

لسفة النقدية، وعالج دوركل من العقل والحواس ف
الحديث عن مباحث
ي

قدما ف
ىصي
من التوضيح والتحليل، يحسن بنا أن نم
ّ
عند هذا الحد
نظرية المعرفة:
: إمكانية المعرفة:
ً
أوال
؛ هما ذات عارفة تستطيع أن تعرف بقدرات خاصة
المعرفة تتطلب عنرصين مهمري
يه ملكة العقل، وموضوعا للمعرفة تفعل فيه
عارفة"،

وملكة خاصة تعينها عىل أن تكون "ذاتا
ىتي
يه طبيعة المعرفة ال
رشأن نصل إىل المعرفة؟ ما
هل المعرفة ممكنة؟ كيف يمكن لناكب
يه يمكننا الوصول إليها معارف
يمكن الوصول إليها
ىت ي
؟ هل نثق بأن مجموعة المعارف ال
يقينية من أي نوع؟ هل المعرفة اليقينية ممكنة؟ وكيف يمكن أن نصل إىل مثل هذه المعرفة
إن كان هذا ممكنا؟ هل هناك طريق واحد للمعرفة أم أن هناك العديد من الطرق؟
27
ي

هذه الذات العارفة ملكاتها لتصل مع الموضوع إىل معرفة ما عن الموضوع أو عن إمكانيات ف
يىل الموضوع تتجاوز كون فالمعرفة تكون
ه المتشكل إىل كينونة جديدة مختلفة نوعا ما. وبالتا
ممكنة بتوافر ذات وموضوع: ذات عارفة وموضوع معرفة.
يه كل ذات قادرة عىل اإلدراك والتفكري )والكائن الممثل لهذه الذات
والذات العارفة
يه الذات العارف
الكرة األرضية هو اإلنسان الفرد(، و
ي

العارفة ف
ىت ي
ي هذا العالم وال

ة الموجودة ف
يك
يه ذات اإلنسان الفرد ل
تبحث عن فهم أفضل لما يحيط بها. ونقول هنا أن الذات العارفة
المعرفة الفردية والمعرفة الجمعية، فإدراك الفرد وتفكريه عىل الرغم من تأثري
هنا بري
نمري
عن هذا المجموع.
المجموع عليه متمري
تعت يالمعرفة األسط حاولت تقديم إجابات ممكنة عىل إمكانية
ىت ي
رشية ال
يه أول المعارف الب
ورية
رشأن يحصلوا هذا المعرفة. وكانت مجمل التفسريات األسطورية ترد
المعرفة ومن أين يمكن للب
تنقل معارفها إىل اإلنسان الوضيع
ضي
المعرفة إىل مخلوقات وعوالم خارج نطاق العالم األر
ىت ي يه ليستفيد منها. ويجب
الخرافة ال
ي وبري
إنسان
ي

األسطورة كفعل معرف
هنا بري
التميري
ي

تناقض المعرفة العلمية ف
ىت ي
ىت ي ال تعتمد عىل المعرفة والمنطق وال
مجموعة من االعتقادات ال
كثريمن جوانبها.
يىع الذي نعرفه
وال ينحرصهذا التصور لمصدر المعرفة كمصدر من خارج العالم الطبي
عىل األساطري ى أن أفالطون
لمراحل طويلة من تفكريه. في
ي
الفكر اإلنسان
ي

ولكن يستمر ف
ت هذه الفكرة أيضا. فالمعرفة
)ومعلمه سقراط( وهو من أوائل من قدم أنساق فلسفية، قد تب
ي عالم

ف
ا
يه ال تحصل إَّل
)العالم المنظور( بل
ضي
العالم األر
ي

عند أفالطون ال يمكن تحصيلها ف
المثل )العال عالم المثل
ي

م المعقول(. اإلنسان هو مركب من الروح والجسد، حيث تحيا الروح ف
ي عالم

الجسد، لتنسكل ما تعلمته ف
ي

ف
وتتعلمكل ما يمكن أن تحصل عليه من معرفة، ثم تحلّ
يىل يكون مشوار الحياة لهذه الروح داخل الجسد هو مشوار عناء ومشقة، يكون فيها
المثل. وبالتا
الجسد عبارة عن سجن يمنع النفس من أن تصل إىل الحكمة الحق.
تحصيل
ي

ر(كنظرية أساسية ف
ّ
أفالطون بأن يقدم لنا نظرية التذكر)المعرفة تذك
ي
ال يكتق
يك يحث الروح داخل الجسد عىل تذكر ماكانت قد نسيته. وهذا
المعرفة، بل يرفقها بمنهج ل
المنهج هو منهج التولد والتساؤل. ويقصد به: منهج من الجدل قائم عىل طرح مجموعة من
28
يىل فعندما يصل أفالطون مع
تساعد الفرد عىل تذكر المعرفة. وبالتا
ىت ي
األسئلة االستفسارية ال
هذه األسئلة إىل حقائق جديدة تكون بالنسبة له حقائق قديمة للروح، ألنه تحت هذه الشمس
ال يمكن أن يكون جديد. وبما أن المنهج، أي منهج من حيث هو منهج، هو الطريق للوصول إىل
الحقيقة فإن المنهج أيضا عند أفالطون هو للوصول إىل الحقيقة؛ الحقيقة المنسية ال الحقيقة
الضائعة أو غريالمعروفة.
ي هذا العرض الشي ع لموقف أفالطون هوأن نوضح أن المعرفة مهماكانت

ما يهمنا هناف
يه معرفة قادم
بالنسبة ألفالطون ف ة من خارج هذا العالم، أي أنها معرفة تهبط علينا من عالم
تفرضها أجسادنا
ىت ي
أجسادنافال نحصل المعرفة بل إننا، ونظرا للقيود ال
ي

رشف
ثل، أما نحنكب
ُ
الم
ل أي نوع من المعرفة.
ص ّ
حَ
ُ
علينا، عاجزون من حيث المبدأ عن أن ن