لخّصلي

الأبطال الخارقون والأصدقاء الأوفياء والأعداء الأشرار
تخيل أنك تريد أن تكتب قصة هزلية عن أحد الأبطال الخارقين. من الواضح أنك تريد أن يكون هذا البطل الخارق هو نجم هذا العرض. ولكن، ما الذي تحتاجه أيضًا؟ ماذا عن صديق حميم، أي شخص ما يساعد البطل؟ ماذا عن الناس الذين سينقذهم؟ ربما يكون هناك شرير ليحاربه؟

في علم الأحياء، تعرف العلاقة بين كل من الأبطال الخارقين وكلٍ من هذه الشخصيات (الصديق الحميم، والأشخاص الذين سيتم إنقاذهم، والشرير) باسم “التكافل”. تعج الحياة على سطح الأرض بأنواع مختلفة من صور التكافل، ويمكننا رؤيتها في أي مكان. هل يمكنك أن تفكر في أي من هذه العلاقات الآن؟ نطلق على هذه العلاقة من التكافلعلاقة وثيقة وطويلة الأمد بين كائنين أو أكثر من الكائنات الحية. بين البطل الخارق والصديق الوفي والتي يحمي فيها كل منهما ظهر الآخر “تبادل المنفعة”،نوع من أنواع التكافل يستفيد فيه طرفا العلاقة من التفاعل فيها. وهي طريقة رائعة لوصف عبارة “يمد كل منهما يد العون لصاحبه”. أما عندما ينقذ البطل شخصًا ما من ورطة، فإن هذا النوع من التكافل يعرف باسم “المعايشة أو التطاعم”،نوع من التكافل يستفيد منه أحد الكائنات الحية، بينما لا يتأثر الآخر من هذا التفاعل. وفيه يستفيد أحد الطرفين، دون الآخر. أما عندما يؤذي الأشرار الأشخاص الآخرين بينما يساعدون أنفسهم فقط، فإن هذا النوع من التكافل يعرف باسم “التطفل”.نوع من التكافل يستفيد منه أحد الكائنات الحية، بينما يتضرر الآخر من هذا التفاعل.

إننا نتفاعل دومًا مع الكائنات الحية. وتشمل هذه التفاعلات عائلاتنا ومدرسينا وأصدقائنا وحيواناتنا الأليفة. كما تشمل أيضًا تريلونات الكائنات الحية غير المرئية التي تعرف باسم الميكروبات،كائنات حية، مثل البكتيريا والفطريات، غير مرئية لعين الإنسان المجردة. والتي تعيش في أجسامنا وعليها. نحن لا نلاحظ أبدًا معظم هذه الميكروبات، لكنها تعيش على جميع الأسطح من حولنا. ومن شأن بعض هذه الميكروبات أن تجعل حياتنا أسهل (الأصدقاء الأوفياء)، بينما بإمكان بعضها الآخر أن يمرضنا (الأشرار).

وسنقدم لكم الآن الأبطال الثلاثة الخارقين ونستكشف العلاقة بينهم وبين الميكروبات من حولنا (الشكل 1). يصف المثال الأول علاقة تبادل منفعة مثيرة للاهتمام، حيث يُكوّن كل من الأبطال الخارقين وأصدقائهم فريقًا ليصبحوا مشاعل تبدد الظلام. ثم، سنعرض عليك مثالًا لميكروبات تعيش داخل حيوان أسترالي بديع – وهو دب الكوالا. معظم ميكروبات المعدة تقطن في موضعها هناك ولا يلاحظ أحد أيًّا من ذلك. يمثل هذا حالة معتادة من التطاعم، ولكننا سنقدم لكم أيضًا ميكروبًا صغيرًا يعيش في معدة دبب الكوالا، ويساعدها على أكل السم! أما مثالنا عن التطفل، فهو عن ميكروب رهيب يسبح في المياه العذبة لقتل الضفادع؛ وستصيبك القشعريرة فور معرفة قصته. ولكن لا تقلق، فهناك صديق وفيّ جديد على الساحة بإمكانه مساعدة الضفادع على هزيمة هذا العدو الشرير.

شكل 1 - حالات التكافل للأبطال الثلاثة.
شكل 1 - حالات التكافل للأبطال الثلاثة.
يمكننا هنا رؤية أبطالنا الثلاثة (الحبار، ودببة الكوالا والضفادع) يتفاعلون مع أصدقائهم من الميكروبات والأعداء (المشار إليهم آنفًا). تشير الأسهم الزرقاء إلى الكائن الحي الذي يستفيد من علاقة التكافل (تطاعم أو تبادل منفعة)، بينما تشير الأسهم الحمراء إلى الكائن الحي الشرير (التطفل).
هل تخشى الظلام الحالك؟ الحبار يخشاه كذلك!
تخيل أنك تمتلك مصباحًا يدويًّا يمكنك أن تشغله عندما تكون خائفًا. هذه هي حياة حبار هاواي قصير الذيل، Euprymna scolopes. وبدلًا من المصباح اليدوي، يمتلك الحبار عضوًا على بطنه يعتبر موئلًا لميكروب مضيء يعرف باسم Vibrio fischeri [1]. ويمكن للحبار أن يخبر هذا الميكروب الموجود في العضو أن يضيء، تمامًا مثل الضغط على زر تشغيل المصباح اليدوي. هل تفكر في سبب جيد وراء إقدام الحبار على هذا الفعل؟ لقد اكتشف العلماء أن الحبار يفعل هذا ليتجنب أن يصبح وجبة سائغة تلتهمها الأسماك في منتصف الليل!

عندما يشغل الحبار المصباح المثبت على بطنه، تعتقد الكائنات البحرية الضخمة الجائعة والتي تنظر لأعلى من الأعماق أن ضوء الحبار ليس إلا ضوء القمر المنبثق من السماء، بينما لن ترى المخلوقات الجائعة التي تنظر من أعلى لأسفل أي شيء، حيث يتسبب الضوء الصادر من هذا الميكروب في عدم وجود أي ظل للحبار. وبتوهجه مثل المصباح، يمنح ميكروب Vibrio الحبار القوة التي تجعله غير مرئي! وهذه العلاقة بين الحبار وميكروب Vibrio المشع هي ما يسميه العلماء “تبادل المنفعة”، والتي هي طريقة أخرى لوصف الحياة الحقيقية للأبطال والأصدقاء الأوفياء. لقد عقد كل من الحبار وVibrio صفقة تعود بالنفع على كليهما! إذ أصبح لدى الحبار الآن القدرة على التخفي من الكائنات المخيفة التي تريد التهامه، بينما حصل Vibrio على مكان مريح للعيش والحصول على جميع الطعام الذي يريده داخل عضو الضوء في الحبار.

ربما تتساءل: كيف أصبح Vibrio الصديق الوفي للحبار في المقام الأول؟ لا يولد الحبار مزودًا بأصدقائه الأوفياء، ولذا فعليه أن يبحث عن صديقه في جميع ميكروبات البحر المحيطة. ومن ثم، فهو يمسك بـ Vibrio في فخٍّ يشبه المخاط على الجزء الخارجي من بطنه، والذي يعمل أيضًا على إبقاء الميكروبات الأخرى التي ربما تكون ضارة بعيدًا عنه. وبمجرد أن يعثر الحبار على صديقه الوفي، ينتقل Vibrio المشع من الفخ المخاطي إلى عضو الضوء في بطن الحبار، حيث يساعد على إبقاء الحبار غير مرئي في أنظار الكائنات الشريرة المتربصة له في الأعماق.

أتريد سمًا على العشاء؟ أجل، رجاءً
هل يمكنك أن تتخيل أنك تأكل نفس الطعام طوال حياتك؟ يا له من شيء ممل! تخيل الآن إذا كان هذا الطعام سامًا؟ شيء مقزز، أليس كذلك! هذا هو بالضبط ما تفعله دببة الكوالا، حيث تأكل أوراق شجرة تعرف باسم الكافور (Eucalyptus) كل يوم. وتحتوي أوراق هذه الأشجار على سم، وهو ما يمنع معظم الحيوانات - بخلاف دببة الكوالا - من التهامها! حسنًا، هذه سمة رائعة لهذا البطل الخارق! ولكن، كيف تستطيع هذه الدببة أن تقتات فقط على هذه الأوراق السامة؟ حسنًا، اتضح أن هناك ميكروبات خاصة في أمعاء الكوالا تعمل بجد على تكسير الأجزاء السامة من الأوراق إلى أخرى أصغر بحيث لا تستطيع أن تؤذي الكوالا. وتتسكع معظم هذه الميكروبات في أمعاء الكوالا، وهو ما يعد مثالًا جيدًا على علاقة التطاعم. ويعني هذا أن هذه الميكروبات لا تعمل فقط على تكسير هذه السموم، ولكنها لا تؤذي الكوالا أيضًا. يعرف أحد الميكروبات الذي لديه القدرة على تكسير الأوراق باسم Lonepinella koalarum، وهو صديق وفيّ مهم في محاربة السم، ويشكل علاقة تبادل منفعة مع دببة الكوالا [2]. ولا يزال العلماء يكتشفون المزيد عن هذه الميكروبات التي تعد بمثابة الصديق الوفيّ للأبطال من دببة الكوالا.

Lonepinella وغيره من الميكروبات المحاربة للسموم التي تعيش في معدة الكوالا مهمة جدًا لإبقاء الكوالا على قيد الحياة؛ لدرجة أن الكوالا تنقل هذه الميكروبات لأطفالها. لكن كيف يتم ذلك؟ نعم، لقد خمنتها! تأكل صغار الدببة البراز! أمممم، شيء مقزز! يحدث هذا عندما لا يزال صغير الكوالا صغيرًا جدًا ويعيش داخل جراب الأم. يزحف صغير الكوالا خارج كيس الأم لتناول وجبة خاصة من البراز. يعتقد العلماء أن السبب وراء قيام صغار الكوالا بهذا الفعل هو الحصول على جميع الأصدقاء الذين لهم القدرة على محاربة السموم من براز الأم. ومن ثم، تنتقل هذه الميكروبات من براز الأمهات إلى أمعاء الصغار، حيث تبني بيتًا بداخلها، وعليه تكون على أهبة الاستعداد للعمل!

هل يختبيء أحد الأشرار في بركة مياه بالقرب منك؟
هل تعرضت لعدوى جراء جرحٍ في جلدك من قبل؟ تبدأ العدوى على جلدك عندما تقرر ميكروبات معينة أن تنمو على جسمك وألا تسمح له بالشفاء! وعلى الرغم من أن غالبية الميكروبات لا تسبب أي مشكلات للحيوانات والنباتات، فإن بعضًا منها يتصرف في الطبيعة مثل الأشرار. والمثال على ذلك هو أحد الميكروبات التي تهاجم الكائنات البرمائيةمجموعة من الحيوانات مثل الضفادع وقنفذ البحر والتي تقضي، في المعتاد، جزءًا من حياتها في المياه وجزءًا آخر على اليابسة. على جلودها، ومن ثم تتسبب في إمراضها. ويسبح الميكروب الشرير في هذه العلاقة، والذي يعرف أيضًا باسم Batrachochytrium dendrobatidis (يرمز له اختصارًا بـ BD) في البحيرات والتيارات المائية حتى يجد ضفدعًا أو قنفذًا بحريًا فيلتصق بجلده. ويوضح هذا المثال علاقة التطفل، حيث يصاب الكائن البرمائي بالأذى، بينما ينمو الميكروب الشرير ويتكاثر. تستخدم الكائنات البرمائية جلدها للتنفس وامتصاص المواد الغذائية، ولذا عندما ينمو ميكروب BD فوق جلدها، فإنه يتسبب في إضعاف الحيوان ويبدأ الحيوان في الاختناق. وسيحاول الحيوان حينها أن يدافع عن نفسه بتمزيق جلده وإطلاق مواد في الطبقة المخاطية على الجلد، إلا إن هذا ليس كافيًا للتخلص من الميكروب الضار [3].

قتل المرض الذي يتسبب فيه ميكروب BD أطنانًا من الكائنات البرمائية حول العالم، مع التأكيد على أن هلاك هذه الكائنات يؤثر علينا جميعًا. فإذا اختفت جميع الضفادع والقنافذ البحرية، فستكون الأرض حينها في ورطة كبيرة. فعلى سبيل المثال، تأكل الكائنات البرمائية الكثير من الحشرات؛ مثل الناموس المزعج الذي قد يسبب مشكلة حقيقية حال وُجِدَت أعداد كثيرة منه. وهذا سبب واحد فقط وراء محاولات العلماء لاكتشاف طرق لمساعدة الكائنات البرمائية قبل أن يتسبب ميكروب BD في اختفاء المزيد من الضفادع.

حشد حلفاء جدد للمعركة القادمة
ساعدنا البحث العلمي في التعرف على الميكروبات التي يمكنها أن تعمل كأصدقاء لحمايتنا من الأشرار. فعلى سبيل المثال، ساعد الميكروب المعروف بـ Janthinobacterium lividum على حماية البرمائيات من ميكروب BD. تستخدم البرمائيات مواد على جلدها لإبعاد ميكروبات معينة عنها ولتعزيز نمو الأصدقاء الأوفياء مثل J. lividum، وهو ما يمنح ميكروب J. lividum موئلًا لطيفًا وغنيًا بالغذاء للعيش فيه. وفي المقابل، يمكن أن يقدم J. lividum منافع للكائن البرمائي. وإحدى هذه الفوائد هي أنه عندما يتقاتل مع ميكروب BD على جلد الكائن البرمائي، فإنه يقتل BD وينقذ الحيوان من المرض [4]. فهل يمكننا إنقاذ البرمائيات من خلال إضافة المزيد من الأصدقاء والحلفاء الأوفياء لجلود هذه الكائنات؟ ربما! يوجد الكثير من العلماء الذين يحاولون اكتشاف هذا الأمر الآن من خلال دراسة المعارك بين الأبطال والأشرار والدور المهم الذي يلعبه الأصدقاء والحلفاء الأوفياء. ويمكن للعلماء استخدام هذه المعرفة حول التكافل للمساعدة في الحفاظ على صحة النباتات والحيوانات (وكذلك صحتنا نحن!).