لخّصلي

كاره البشر (الميسانتروب) هو شخصية فريدة لا تختلف عن الآخرين إلا في كيفية حكمه عليهم بمعاييرهم الخاصة. يرى نفسه تجسيدًا لمثال اجتماعي خانته بقية المجتمع، ويدين الآخرين لضلالهم ونفاقهم. رغم ذلك، يبقى المجتمع كما هو، غير متأثر بآراء كاره البشر الذي يعاني من عدم قدرته على الاندماج فيه. صارم وفظ، مما يجعله هدفًا سهلًا للسخرية.لو كان كائنًا غير اجتماعي كالمتوحد أو الناسك، لما كانت القواعد التي تحكم حياة الجماعة مشكلة لديه. لكن لأنه معادٍ للمجتمع ويحمل في داخله صورة الشيء الذي يعارضه، فإن هذا التوتر يتطلب حوارًا. كما أشار شيشرون إلى تيمون، الكاره الشهير في أثينا، بأنه لم يتحمل الابتعاد عن شريك واحد ليعبر عن ضغينته وسمومه. كاره البشر غالبًا ما يكون هجائيًا، مثل أومبريكيوس الذي يعكس نقده للمجتمع بمثاله الظلي.كاره البشر يمثل تناقضًا، إذ يجسد ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المتحضر لكنه يرفض المشاركة في الحضارة. بطبيعته، يعزل نفسه عن المثل الاجتماعية التي يدين المجتمع بسببها. رغم قسوة مبادئه، يحمل شيئًا بطوليًا لكنه ضحية لمزاجه العكر، يندد ويرفض المشاركة، مما يميزه عن النبي. هو النقيض الذاتي للمجتمع، يعبر عن تناقض المجتمع ذاته.إن طابع كاره البشر الاجتماعي يجعله تحذيرًا من اعتباره نموذجًا مجردًا. ليس انسحابه من المجتمع مجرد نتاج لشخصيته الفردية، بل يتعلق بمعايير العالم وسلوكه. كل كاره للبشر يعكس تاريخ الأشكال الاجتماعية المختلفة. في هذا البحث، سنستكشف تاريخ هذه الأشكال من خلال دراسة ثلاث مسرحيات: "ديسكولوس" لمناندر، "تيمون أثينا" لشكسبير، و"الميسانتروب" لموليير. سننظر في كيفية تفاعل هذا النموذج مع حبكة المسرحية وتكوينها، والقيم التي تشكل الشخصية والحدث، والتناقضات في المثال الاجتماعي ذاته.
لن يكون بحثنا مجرد جدول تأثيرات بسيط، حيث لا يوجد دليل على أن موليير كان يعرف شيئًا عن شكسبير أو عن مسرحية مناندر التي نُشرت لأول مرة في عام 1959. التأثيرات غير المباشرة لا يمكن استبعادها، فربما كان موليير على علم بترجمة إيطالية لمسرحية "تيمون". علاوة على ذلك، كان موليير وشكسبير على دراية بمسرحية "أوليو لاريا" لبلوتوس، التي تصور بخيلاً وتشبه "ديسكولوس" في بعض النواحي المهمة. من المفيد أن نرى كيف تغير هذا الخط في الدراما لاحقًا، متخذًا أشكال الحكاية الجديدة والتراكيب المتجددة للمعنى.

يحمل كاره البشر، الذي يعيش في مجتمع محدد، انعكاسات لعلاقات الإنتاج وإعادة الإنتاج الثقافي. تختلف مسرحية تصور كاره البشر في مجتمع الفلاحين من مسرحية تصوره في عالم الرأسمالية السلعية الجديدة. سياق المسرحية يرتبط بسياقها الاجتماعي. لتحقيق فهم أعمق، نتجه إلى المسرحيات ذاتها.

في مسرحية "ديسكولوس"، يعيش كنيمون مع ابنته وعبد كهل في مزرعته، منعزلًا عن الآخرين إلى درجة أنه يترك أجزاء من أرضه دون زراعة. يكتشف خداع تظاهره بالاكتفاء الذاتي عندما يسقط في بئر ويتطلب الأمر مساعدة الجيران لإخراجه. تنتهي المسرحية بزفاف ابنته بعد أن يسلم مسؤوليتها لأخيها غير الشقيق جورجياس.

تظهر في القصة خيطان: قصة الحب الرومانسية بين سوستراتوس وابنة كنيمون، ودراسة شخصية كنيمون. تبرز المسرحية تيمة المسؤولية أو القوامة، موضحة كيف أن انعزال كنيمون يؤثر على وحدة الأسرة والمجتمع ككل. تفصيل المسؤولية القانونية على الأسرة يوضح مدى تعقيد علاقات الأسرة والمجتمع في دولة المدينة القديمة.

بالمقارنة بين مختلف تجليات كاره البشر في أثينا القديمة، ولندن الإليزابيثية، وفرنسا إبان حكم لويس الرابع عشر، سنتمكن من فهم تأثيرات السياق الثقافي والاجتماعي على هذا النموذج الأدبي المعقد.لمسرحية "ديسكولوس" (Dyskolos) للكاتب الإغريقي ميناندر. تركز المسرحية على شخصية كاره البشر كنيمون (Knemon) وعلاقاته الأسرية والاجتماعية. يناقش النص أن العلاقة بين الأسرة والمجتمع الأثيني تُعتبر جوهرية في المسرحية، حيث تتجسد في الحب الذي يحمله سوستراتوس لأبنة كنيمون، مما يعكس التوتر بين الاستقلال الذاتي والعلاقات الاجتماعية.

تشير الفقرة إلى استخدام ميناندر لكلمة "oikeiotes" للدلالة على روابط القرابة والزواج، مع تسليط الضوء على تحولات الشخصية الرئيسية، كنيمون، ومواقفه من الآخرين. يتمتع كنيمون بفضائل ونبالة رغم عيوبه الظاهرة، مما يجعل تحوله السريع غير متسق مع طبيعته، إذ يحتفظ بشيء من النبالة في عناده واستقلاله.

تُظهر المسرحية أيضًا تناقضات المجتمع الأثيني في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث توازن بين الأخلاق الريفية والاستقلال الذاتي وبين الروابط الاجتماعية والمدينة. يتم التأكيد على احترام الآخرين وحب البشر كمبدأ أخلاقي أساسي لحل هذه التوترات. تتطرق المسرحية إلى النقد الاجتماعي من خلال شخصياتها وتفاعلاتها، مسلطة الضوء على أهمية التعاون الاجتماعي وتجاوز الانعزالية لتحقيق توازن وانسجام في المجتمع.

تُعد المسرحية انعكاسًا للأيديولوجية الأثينية في ذلك الوقت، حيث يجمع الكاتب بين الاستقلال الذاتي للأسرة والتكافل الاجتماعي، مما يُظهر بوضوح مدى تأثير الأخلاق الأثينية في حل التوترات الاجتماعية وتحقيق الانسجام.كبيا ديس و"تيمون الأثيني" في الأدب المسرحي:
الشخصية والتأثير الأدبي:
تقدم شخصية "كبيا ديس" في مسرحية "تيمون الأثيني" لشكسبير كأرستقراطي أثيني بارز، وهي مستوحاة من قصة كتبها "لوسيان"، الكاتب الإفريقي الذي عاش في القرن الثاني الميلادي. تروي قصة لوسيان حكاية تيمون الذي كان سخياً إلى حد الإسراف، ولكن أصدقاؤه هجروه بعد نفاد أمواله. يبقى تيمون محتقراً للبشر بسبب هذا الجحود، ومع ذلك يكتشف كنزاً دفيناً بمساعدة الإله جوبيتر. هذا الاكتشاف يعزز مرارة تيمون ويعطيه الوسيلة للانتقام من أصدقائه المجاملين السابقين.

التطور الأدبي:
قام الشاعر الإيطالي ماتيو ماريا بوياردو في أواخر القرن الخامس عشر بتوسيع قصة لوسيان بإضافة حبكة موازية تتحدث عن شخص آخر مسرف ينتهي به الأمر في السجن بسبب ديونه. إلا أن هذه الحبكة الموازية لم يتم تبنيها في مسرحية شكسبير.

المسرحيات المجهولة:
هناك أيضاً مسرحية إنجليزية مجهولة المؤلف تتشابه مع تناول شكسبير لحد كبير، خصوصاً في المشاهد الأولى التي تبرز إسراف تيمون ودور العبد المخلص له. تتناول حبكة فرعية قصة غنى أحمق يهدر ثروته على وعد بحصان ذو جناحين، ويغري تيمون عروسه بالهرب معه. لا نعرف إن كانت هذه المسرحية قد استمدت من شكسبير أو من مصدر مشترك غير معروف.

العلاقة بين تيمون والأصدقاء:
يمثل تيمون في مسرحية شكسبير الكرم المفرط والإسراف غير المدروس، ويتعرض لجحود أصدقائه عندما يحتاج إلى مساعدتهم. يتطرق الفيلسوف أبيمانتوس في حديثه مع تيمون إلى انتقاده للكرم غير المدروس، ويحذر تيمون من العواقب الوخيمة لإسرافه، إلا أن تيمون لا يصغي لتحذيراته حتى يفقد كل ثروته.

أخلاقيات وعواقب الكرم والإسراف:
يناقش شكسبير فكرة التوازن بين الكرم والإسراف من خلال شخصيتي تيمون وأبيمانتوس. يرى أبيمانتوس أن التوسط بين البخل والإسراف هو الفضيلة المثلى، في حين يعتبر تيمون أن كرمه المفرط كان نابعاً من حسن نية ولكنه واجه خيانة الأصدقاء.

أثينا كمجتمع ساقط:
تظهر أثينا في مسرحية شكسبير كعالم مليء بالجشع والنفاق، حيث يتم استغلال كرم تيمون لتحقيق مصالح شخصية. إن مديونية تيمون ليست ناتجة فقط عن كرمه ولكن أيضاً بسبب عدم تفهمه لأصول التعامل التجاري، مما يبرز تداخل القيم الأخلاقية مع الاقتصادية.إن هذا المقتطف يعرض جوانب معقدة من مسرحية "تيمون الأثيني" لشيكسبير، مركزًا على التناقضات بين القيم القديمة والجديدة في المجتمع. الخادم لوسيوس يُلاحظ تيمون يدفع أكثر مما عليه، مما يشير إلى التوتر بين الكرم الشخصي والتجارة. يشرح تعليق معلق آخر أن الرجل الذي يلبس المجوهرات يطلب أيضًا تسديد ثمنها، مما يعكس الخلط بين الإهداء والتجارة.

المقال يناقش التناقض بين الاقتصاد الطبيعي في العصور الوسطى والرأسمالية التجارية، حيث ينظر كل طرف إلى عيوب الآخر، ويعتبر هروب تيمون من المدينة رمزًا لزوال الأسلوب القديم. كما يتم استعراض قضية الكبياديس التي تتضمن التوتر بين السلطة المدنية والعسكرية، وتظهر التعقيدات في شخصية الكبياديس، الذي ينتمي إلى عصر الشرف والبطولة ولكنه يتعارض مع الحياة المدنية الحديثة.

تيمون يحتقر الجميع ويدعو إلى تدمير المجتمع، مما يعكس رؤيته للعالم المليء بالفساد. ومع ذلك، لا تحدث الحرب الأهلية بفضل تدخل الشيوخ والكبياديس الذين يحاولون تهدئة الجنود وتقديمهم للعدالة. في النهاية، يُكتشف أن تيمون قد مات، مما يرمز إلى التضحية التي تُخلص المجتمع، ويظهر أنه لم يكن النظام الاجتماعي سيئًا كما افترض تيمون.

يبرز المقال كيف أن تيمون لم يفهم النظام الاجتماعي المتوسط بين الإنسان والوحش، والذي يمكن تطبيقه رغم عيوبه. ويرى الكاتب أن تيمون، مثل كنيمون، يمزج بين الهمجية والنبل، مما يجعل فضائل العهد الماضي تُقدم مثالًا للحاضر.

في سياق مقارنة بين أعمال شكسبير وموليير ومناندر، يوضح الكاتب كيف أن تيمون أحب امرأة قبل خيبة أمله، وأن موليير كان أول من جعل من كاره البشر عاشقًا، مما أضاف تعقيدًا إلى النموذج الأدبي لكاره البشر.

من ثم، يُستكشف النفاق الاجتماعي كموضوع رئيسي في أعمال موليير، حيث يُبرز التناقض بين الماضي الأصيل والحاضر الملتوي، بينما يظهر السيست (أبطال موليير) كممثلين للنقاء الأخلاقي في مواجهة المجتمع المتحضر والملتوي.

باختصار، يعرض المقتطف تحليلًا عميقًا للتناقضات الاجتماعية والاقتصادية في مسرحية "تيمون الأثيني"، ويربطها بأعمال أخرى للمقارنة بين الماضي والحاضر في إطار الأدب والمسرح. في مسرحية "كاره البشر" لموليير، يتم تسليط الضوء على التوترات الاجتماعية والنفسية من خلال شخصية السيست، الذي يعكس تناقضات المجتمع والنفس البشرية بعمق. السيست، الذي يحتقر المجتمع بشدة، يُظهر من خلال أفعاله وتفاعلاته أنه يسعى في الواقع للحصول على تقدير هذا المجتمع. تشير تصويرات سيليمين إلى أن هذا الاحتقار ليس سوى وسيلة للحصول على الرضا الاجتماعي الذي ينشده السيست بعمق.

السيست يطلب احترام الجدارة (merit) وليس المديح الفارغ، ولكن معايير الجدارة التي يعتمد عليها هي تلك الخاصة بالأرستقراطية القديمة والتي لم تعد تنطبق على المجتمع الحديث. يُظهر السيست من خلال محاولاته المستمرة لإثبات جدارة قيمه وتحديه للنظام الاجتماعي، رغبةً في العودة إلى القيم القديمة التي تقوم على الشرف والسلوك والنجاح.

من ناحية أخرى، تتكشف التوترات النفسية عند السيست من خلال مطالبته بالصراحة المطلقة، حيث يطالب الآخرين بالتعبير عما يدور في قلوبهم بلا مواربة. هذه الرغبة في الصدق المطلق تعكس الطابع الرومانسي في شخصية السيست، والتي تتجلى بوضوح في علاقته بسيليمين.

موليير استلهم جزءًا من قصة الحب بين السيست وسيليمين من مسرحيته السابقة "الأمير الغيور"، حيث تدور الحبكة حول اختبار الشرف والإخلاص في سياق معقد من الشكوك والمؤامرات. على الرغم من أن مشاعر سيليمين أكثر غموضًا وتعقيدًا، فإن السيست يظل متمسكًا برغبته في كشف حقيقة مشاعرها وأفعالها.

السيست يعكس من خلال إصراره على المعرفة المطلقة للإنسان نوعًا من السعي الفلسفي والوجودي الذي يتجاوز مجرد المطالبة بالصراحة إلى نظرية في المعرفة والدلالة والإثبات. هذا السعي يواجهه الواقع المتغير والمعقد للمجتمع، حيث لا يمكن الاعتماد على الكلمات المكتوبة أو المنطوقة كضمان للصدق.

المسرحية تعكس أيضًا تحولات القيم الاجتماعية من خلال الشخصيات وعلاقاتها، حيث يتضح أن المجتمع يحتاج إلى الأصالة التي يمثلها السيست، حتى وإن كان هذا المجتمع يتسم بالفساد والنفاق. في النهاية، شخصية السيست تبقى رمزًا للمعايير القديمة والقيم التي فقدت بريقها في المجتمع الحديث، مما يبرز التوتر بين الفرد والمجتمع في سياق التحولات الاجتماعية الكبرى