لخّصلي

قدوة ُمعلّم من أقدر المعلمين، مع أنها تُعلّم بل لسان وهيُّمدرسة البشر العملية، وتعليم العمل أنجع من
تعليم القول؛ وخير النصح: اْفَعْل كما أَْفعل، لا كما أقول. وكل الناس مائلون بطبعهم إلى أْن يتعلموا بعيونهم أكثر مما يتعلمون بآذانهم؛ لأن العيون هي الباب الأوسع للمعرفة.
واذا كان الأمر كذلك فل شيء أفعل من التربية البيتية؛ لأنه مهما كان تأثير المدارس قوًّيا يبقى تأثير البيوت إ
أقوى، وعليه تتوقف صفات رجالنا ونسائنا، وصفاء الدنيا وكدرها يتوقفان على صفاء البيت وكدره، وبما أَّن القدوة تؤثر في حياة الناس تأثيًار بليًغا وتميل بهم إلى الصلح أو الطلح؛ لذلك هي مهمة جًّدا حتى في الأمور الطفيفة، وصفات الوالدين تَظهر في أولادهم؛ وأفعالُهم المختلفة التي يمارسونها يومًّيا كالمحبة والاجتهاد وانكار الذات تحيا في أولادهم بعد أن يكونوا قد نسوا تعاليمهم التي سمعوها منهم بآذانهم من زمان
إْ
طويل، بل إّن نظرة واحدة من الأب قد تبقى ُمؤثّرة في الولد مدى الحياة.
ومن الأمور المهمة بل والمؤثّرة جًّدا أَّن كَّل عمل يعمله الإنسان وكل كلمة يتفَّوه بها، هي أساس نتائج عديدة لا يعرف أحٌد نهايتها، ولكٍّل منها تأثير في حياتنا وحياة غيرنا، فكل عمل-صالًحا كان أو طالًحا-يحيا ويثمر، وان لم نر ثمره بعيوننا، وأرواح البشر لا تموت ولكنها تبقى حَّية وتجول بين الأحياء بما تتركه من
ُإْ أثرفيالنفوسيتحولإلىطاقةعاملة.وكماأَّنالحاضرمتصلبالماضيوحياةآبائنالاتازلتؤثرفينا،
فكذلك نحن سنؤثر في الأجيال الآتية بسيرتنا وأفعالنا اليومية. ومن هنا نرى أهمية القدوة الحسنة التي هي
مهِّذب أخرس-كما قلنا سابقًا-ويقدر عليها الناس جميًعا بكل طبقاتهم ومستوياتهم، ومهما كان الإنسان
حقيارلايازلمديونالغيرهبهذاالنوعمنالتعليم،ولايستغنىعنتعليمهمهماكانحالهدنيئا؛لأنالمنارة
ًًَُ الموجودةعلىأرسجبلتنيروالموجودةعلىسفحهتنيرأيًضا،والرجلالحقيقيُيرىفيكلمكانوآن،في
أكواخالمازرعوقصورالمدائن.ومنيحرثقطعةأرضتُقاسبالشبرُيمكنهأْنيكونقدوةلغيرهفيالأمانة والاجتهادكَمنيملكآلافالأفدنة،وأحقرالحوانيتيمكنأْنيكونمدرسةللجتهادوالأدبأوحفرةًللشر والجهل. وكل شيء يتوقّف على الإنسان واستخدامه للفرص التي يوجدها لنفسه.
ومن ترك لأولاده وللناس سيرة حسنة وقدوة صالحة، فقد ترك لهم إرثًا فاضًل يردعهم عن الشر، ويحرضهم َُّ
على الخير، ويغنيهم أدبًّيا ومادًّيا. ولا يكفينا أن نقول للناس اعملوا كذا وكذا، بل علينا أن نعمل أمامهم، وما ُْْ
أحسن ما قالته إحدى السيدات وهو: إذا أردنا فعل شيء فعلينا أن نشرع فيه بيدنا. فالكلم وحده لا يكفي. إن الكثيرين يحثّون غيرهم على فعل هذا الشيء أو ذاك، ولكن كلمهم لا ينفع شيًئا ما لم ُيعّززوه بفعلهم ولو كانوامنذويالبلغةوالحجة،وأصحابالهمةوالمروءةلايقدرونأْنيحركواالناسللعملمالميكونواهم
من أهل العمل لا شيء يؤثر في الأخلق مثل القدوة؛ لأن البشر مائلون بطبيعتهم إلى الاقتداء بمن حولهم في العادات
والأخلق والآ ارء، وان لم يقصدوا ذلك. القدوة الحسنة مهّذب عامل، ومن ينذر بكلمه وهو فاسد السيرة كمن إُُْ
يبني بيد ويهدم بأخرى؛ لذلك كان اختيار الِرفاق أمًار ضرورًّيا لا سيما في سن الصبوة؛ لأن في الشباب قوة خفية تجعلهم يتخلّقون بأخلق رفقائهم، فعليهم أْن يعاشروا أفاضل القوم ويقتدوا بهم؛ فل تصاحب إَّلا من كان مثلك أو أعلى منك؛ لأن الإنسان ُيعَرف بأصحابه.
والالتصاقبالأفاضلُيوِّرثالفضل،كماأَّنالمروربينالنباتاتالعطريةيعطرثيابالماّرة،ولايمكنأن ُننكرأَّنقدوةالأبطالتبثالشجاعةفيقلوبالُجبناء،حتىإَّنالرجالمتوسطيالقوةقدفعلواالعجائب؛ لأن قادتهم كانوا أبطاًلا ُبَّسًل. يحدث أحياًنا أْن يأخذ إنسان كتاًبا لمجرد التسلية، فيرى فيه سيرة تؤثر فيه تأثيًار بلي ًغا، وتنبه فيه قوة كانت خاملة؛ وهنا تظهر فائدة ترجمات البشر كتخليد ِلذكر الرجال الذين ي ِحق أ ْن ُيقتَدىبهم،فنارهميحثُونناعلىالمعروفوينهونناعنالمنكر؛لذلكفإَّن َمنماتوتركوارءهمثاًلاحسًنا،
فقد ترك لنسله وغيرهم أفضل تركة، وستبقى ثمارها مدى الأيام.
ومن الأمثلة التي يمكننا أْن نعرضها على الشباب ليقتدوا بها، مثال العامل المسرور بعمله؛ لأن السرور كالزيِتللنفسُيسهلحركتهاويزيدمرونتها،وبهتزولالمصاعب،ويزدادالرجاء،وتُغتَنمالفرص،والروح المبتهجة تكون مسرورة دائًما ونشيطة، وتؤّدي أعمالها بسرور، وتحرك الغير إلى الاقتداء بها، وترفع من شأن أدنى الوظائف، وأتم الأعمال ما يعمله الإنسان من قلبه ويعمله بسرور. ولا يصدر هذا عن هَوى ولا عن ميل لعمل دون آخر، بل عن شعور عميق ثابت بأن العمل من واجبات الإنسان، وهو الغاية من قواه
المختلفة، والميدان الذي تتروض فيه طبيعته وتترقَّى فيه نحو السماء