لخّصلي

مثلت مسألة وجود تنظيم تشريعي موحد لفرض ضوابط للرقابة على الإنترنت وحماية المستخدمين للخدمات الرقمية في النطاق الأوروبي، أحد المحاور الرئيسية والاهداف الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي فتعددت البوادر والجهود الأوروبية لوضع إطار نظامي للإنترنت فى الفضاء الأوروبي، حيث اعتبر البعض هذه المساعي والجهود بمثابة غزو أوروبي جديد على شركات الخدمات الرقمية لفرض السيادة الأوروبية عليها في حين اعتبرها البعض بمثابة رهان على مسئولية شركات الخدمات الرقمية لحملها على تنفيذ التزاماتها لتعزيز وجود بيئة رقمية أمنة وتوفير حماية لمستخدمي خدمات الإنترنت( ) .
وقد برزت بوادر المساعي والجهود عندما انطلق الاتحاد الأوربي في سن مجموعة من التشريعات لفرض النظام على الإنترنت، انتقلت تدريجيا من خلال تلك التشريعات والقوانين من الطابع العام لحماية مستخدمي خدمات الشركات الرقمية ابتداء الي انتهاء بالطابع الخاص لحماية مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي عبر منصات تلك الشركات.
وحاول الاتحاد الأوربي توفير حماية عامة لمستخدمي الخدمات الرقمية من خلال عدة قوانين هامة، وهي قانون حماية البيانات العامة (GDPR) الذي ينص على حماية البيانات الشخصية للمواطنين الأوروبيين( )، وتوفير الشفافية والنزاهة في جمع البيانات الشخصية والتعامل معها، ثم توجيه التجارة الإلكترونية للاتحاد الأوروبي الذي ينص على المتطلبات والتشريعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية والبيع والشراء عبرالإنترنت داخل الاتحاد الأوروبي( )، وكذلك قانون حقوق الملكية الفكرية الذي يهدف إلى حماية حقوق الملكية الفكرية على الإنترنت ومكافحة القرصنة الرقمية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية( )، وصولاً إلى وضع إطار جديد للحماية الخاصة باستهداف المحتوي الضار الذي يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال منصات تلك الشركات .
فقد صدر قانون الخدمات الرقمية(DSAالتابع للاتحاد الأوروبي ـــــــ موضوع دراستنا وبحثنا ـــــــ الذي دخل تدريجياً حيز التنفيذ بدءًا من 25 أغسطس 2023، ووصولاً إلى يوم 6 مارس 2024، الموعد النهائي لدخوله حيز التنفيذ
ويستهدف قانون الخدمات الرقمية تعزيز سيادة دول الاتحاد الأوربي على الفضاء الرقمي حيث فرض على عمالقة شركات التكنولوجيا والخدمات الرقمية، مثل شركات جوجل وفيس بوك وأمازون، تينست الصينية، مجموعة على بابا، بايدو، مجموعة برايسلاين، إيباى، نتفليكس، إكسيديا، راكوتن، سيلز فورس دوت كوم، ياهو، أوديغيو، نت إيز، زالاندو، جروبون، لينكد إن، منصة إكس( تويترسابقاً)،تريب أدفايزر، فليباركت،اسوس دوت كوم، ياندكس، الالتزام بالتشريعات الشاملة التي تحمل المنصات عبر الإنترنت المسؤولية القانونية عن المحتوى الضار المنشور عليها.
ويرمي هذا القانون الى توفير نوع من الحماية الخاصة لمستخدمي الخدمات الرقمية عبر الإنترنت تتحدد عناصرها وملامحها في خلق بيئة رقمية آمنة ومسؤولة، من خلال الحماية من المحتوي الضار الذي يحض على العنف والكراهية والاساءة، وكذلك وضع التدابير وفرض الالتزامات على شركات الخدمات الرقمية لمواجهة المحتويات الضارة التي تنتشر عبر منصاتها، وفرض عقوبات تمثلت في توقيع غرامات والخصم من أرباح تلك الشركات حال عدم الالتزام بما ورد بقانون ولوائح الخدمات الرقمية (DSA) .
ويرتبط قياس مدي فعالية ونجاعة القانون من خلال عدة عوامل منها ابراز التحديات التي تواجهه حيث أن الرقابة على أداء تلك الشركات العملاقة بتحقيق التزاماتها حيال هذا القانون لاسيما وأن تلك الشركات يتوافر لديها من المعلومات ما لا يتوافر لدول الاتحاد الأوروبي، فضلا عن أن موقعها خارج نطاق الاتحاد الأوروبي يتطلب الكثير من الموارد المالية والبشرية لتنفيذ هذا الأمر وكذلك توفير الأليات اللازمة لوضع العقوبات موضع التنفيذ ولضمان فعاليتها.
ومن جانب أخر عزّزت الرقابة التي فرضها قانون الاتحاد الأوربي لتلك الشركات على حسابات المستخدمين فكرة المواطنة عبر الفضاء الرقمي" Digital Realm Citizenship "( ) حيث أصبح مٌستخدم الخدمات الرقمية مواطناً يخضع لسلطان الشركة، حيث كانت الغاية من منح تلك الرقابة تعزيز سلطة شركات الخدمات الرقمية فى مواجهة المحتوى الضار، وفرض القيود على حسابات المستخدمين المخالفين حال عدم الالتزام بالتعليمات الصادرة من تلك الشركات عبر منصاتها. لذلك تطلب الأمر تحقيق الموازنة بين كفالة حق الشركات فى فرض الرقابة وحق المستخدمين فى حرية التعبير( )، لا سيما وإن تحديد ما يعتبر محتوي ضار وما لا يعتبر محتوي ضاراً يختلف باختلاف الثقافات والمفاهيم بين الشعوب وهو أحد ابرز التحديات التي تواجهه القانون