لخّصلي

تدور أحداث مسرحية "الزناتي على كرسي الاعتراف" حول مخرج شاب يواجه مشكلة تأخر فرقة الممثلين قبل العرض، فيقوم مساعده باستعانة راوي شعبي (جابر أبو حسين) لتسلية الجمهور. يفاجأ المخرج بظهور دخان وأضواء، ثم رجل ضخم يدعي أنه الزناتي خليفة نفسه، برفقة كتاب تاريخ وشعراء سيرة. يناقش الزناتي جابر حول روايات السيرة الشعبية، معترفا بخطئه في تشبثه بالحكم، موضحا حقيقة أحداث تاريخية مغايرة لما تناقلته الروايات. يختفي الزناتي فجأة، ويصل أتوبيس الممثلين، ليكتشف المخرج أن العرض ناجح بشكل غير متوقع، وأن الراوي كان شخصا يشبه جابر أبو حسين الراحل، مما يثير دهشة لجنة التحكيم. في النهاية، يكتشف المخرج أن مساعده هو من جلب الراوي البديل عبر إعلان على الفيسبوك.

الزناتي خليفة على كرسي الاعتراف
اصطفت الجماهير بكثرة إمام شباك تذاكر مسرح الطليعة قبل بداية العرض المسرحي الجديد (الزناتي على كرسي الاعتراف)٬ وكان منظر هذا الحشد كفيل بإدخال سعادة لا حصر لها في قلب المخرج الشاب رامي حويني الذي أخذ يذهب جيئة وذهابا في قلق قبل أن يتوجه إليه مساعده عمر يحدثه في قلق
-لم يصل أتوبيس الممثلين بعد يا رامي ٬ ماذا سوف نفعل ؟
أجابه رامي متوترا

• ستكون مصيبة ٬ إن لجنة التحكيم المكونة من نادر رضوان وباهر مغازي لن ترحمنا ٬ إني أرى تقدير الصفر يظهر جليا في نظراتهم لنا ٬ تصرف يا عمر حتى اخرج للتحدث مع سائق الأتوبيس كي أعرف سبب التأخير.
  وغادر رامي المكان بينما كان أعضاء لجنة التحكيم ينظرون بقلق للساعة .
  ذهب عمر إلي الراوي الشعبي جابر أبو حسين الجالس مع فرقته على المسرح طالبا منهم أن ينشدوا شيئا يشغل الجمهور حتى قدوم أتوبيس الفرقة ٬ وافق جابر وشد وتر الربابة وأخذ ينشد وسط استمتاع الناس - بعد الصلاة ع الزين اسمع وشوف العجوبة مسكوا الحراب الاثنين عركة وجسمة مكتوبة دياب واجف كما السبع في وش الزناتي خليفة ضربة وضربها دياب وضربة زناتي مخيفة لكن يا عجب العجاب صابت ضربة دياب عين الزناتي خليفة وقع الزناتي قوام وجعة وصار جسمه جيفة
  
  ثم توقف جابر يلتقط أنفاسه ثم قال


• ووقف أبوزيد على جثة الزناتي ٬ ينظر له بحزن وينظر لدياب ويقول له اخلع الحربة من عين السبع يا ديب دا رجل ملو عين الأعادي خليك راجل حكمة وأديب نعم بالطعن ربى أرادي إنما البهدلة فى نجعنا عار دا راجل كريم وفيه الكفاية دا راجل قاد فى جسمنا نار ما نشمتوا فيه ولا هو من الهفايا».
  ويستمر في غنائه وسط دخول رامي يائسا من التواصل مع الفرقة محدثا عمر


• لم أصل لهم٬ حرفيا نحن في كارثة . وقبل أن يبادره عمر بالرد انتشر فجأة على المسرح دخان خفيف وأضواء متداخلة جعلت رامي يسأل عمر مندهشا


• ما هذا ؟ فقرة السيرك؟ ماذا فعلت في غيابي أيها الوغد؟
  عمر بذعر


• حقا لا أعرف ما هذا ؟ أما جابر أبو حسين أخذ ينظر بقلق للدخان الذي انقشع عن رجل ضخم الجثة له هيبة ينظر للجمهور الذي أخذ يشجعه بحرارة من فرط إعجابهم بظهوره.
  ثم من خلف الرجل ظهر جمعا آخر من شعراء السيرة يجلسون في خوف وقلق وجوارهم رجال آخرين يمسكون كتب ضخمة أفاق رامي من المفاجأة وسأل عمر


• من هؤلاء ؟ ومن جلبهم إلي هنا؟ هذا ليس طاقم الممثلين .


• ربما جلبهم أحد ٬ لا يعنيني الأمر ..الجمهور مندمج..وهذا يكفي.
  وعلى المسرح نظر الرجل لجابر قائلا


• إذا أنت هو ٬ كبيرهم الذي علمهم الحكي ٬ جابر أبو حسين شاعر السيرة الهمام .
  أجابه جابر في قلق وهو يظن الرجل جزء من العرض


• من أنت ؟ قهقه الرجل ساخرا ثم قال


• ألا تعرفني حقا؟ ثم أردف
  -سبحان الله في خلقه ٬ أنا هو ٬ أنا الرجل الذي تقتات عيشك من التغني بسيرته ٬ أنا الزناتي خليفة .
  ثم أشار إلي الجالسين قائلا
  -انظر ٬ هؤلاء كتاب التاريخ وشعراء السيرة الذين يلوثون سمعتي وتاريخي بالباطل ٬ جمعتهم هنا لكي أدافع عن نفسي ضد أكاذيبهم أجاب جابر -إن هي إلا سيرة وحقائق تناقلناها جيلا بعد جيل نحن نحكي سيرة شعبية بهدف التسلية والمتعة والمسامرة ٬ولسنا هنا جهة تحقيق فيما ورد فيها .


• وما أدراك أنها حقائق ؟ هل شاهدتها تحدث ؟
  قال جابر بحيرة
  -قص علينا إذن حتى نحكم بالعدل ؟


• العدل ؟ تبا لكم يا كتاب التاريخ ٬ تكتبون التاريخ مرتين ٬ مرة في حياة الحاكم ومرة بعد وفاته . ثم يلوح الرجل بذراعه قائلا. قل لي يا جابر؟ ما هي القيمة التي ستعود على المستمع حينما يعرف أن تونس سقطت نتيجة خيانة سعدى ابنة الزناتي لأبيها بعشقها لمرعي الهلالي وعزيزة ابنة وزيره العلام بعشقها ليونس الهلالي ٬ أن سبب سقوط العروش خيانة النساء دوما؟
  قال جابر بحرارة
  -واجه الناس بالصورة الحقيقية إذن.
  تنهد الزناتي ثم قال
  -أتعرف يا جابر؟ لم أكن أبدا سفاح يسفك الدماء مثلما كتبتم عني وكتب عني بنو هلال .
  لم أقتل إلا من سعى لفساد في الأرض أو من روع أمنين .
  قال جابر
  -كيف كان الأمر؟
  صمت الزناتي قليلا ثم أردف


• ما زلت أتذكر هذا اليوم حينما دخل ديواني أربعة من شعراء الصعاليك يرجون كرمي نظير المدح الزائف لي ٬ والذين ظهرت حقيقتهم فيما بعد ٬ حينما حاصرت جحافل بني هلال أسوار تونس الخضراء .
  قال جابر مؤكدا على حديث الزناتي - يحي ومرعي ويونس ٬ وقائدهم أبا زيد الهلالي


• حل الجدب والجفاف ارض نجد ٬ فلم يجدوا حلا قبل أن يموتوا جوعا وعطشا ٬ إلا بالرحيل ببني هلال والقبائل المحيطة بهم إلي تونس للاستيلاء على خيراتها.
  وحينما وقفت جيوشهم تعلن عن موقفها الصريح بالحرب والسلب والنهب٬ دون خوف مني٬ أدركت أن هذه اللحظة قادمة لا محالة ٬ لحظة الهزيمة .
  قال جابر
  -كان بني هلال كالجراد المنتشر لا حصر له ولا عدد .
  أجابه الزناتي بحزن


• نعم ٬ وجاء اليوم الموعود ٬ خرجت للحرب والقتال فبرز لي دياب ٬ دعوته للقتال ٬ فكان رده أن رفع رمحه وصوبه تجاهي من بعيد ٬ و يبدو أن دياب يحكم التصويب ٬ أصابني ٬ وقتلني وها أنا ذا .
  اطرق جابر برأسه في أسف ثم قال -كانت نهاية عظيمة تليق بك .


• فيما بعد قتل دياب وتنازع الجميع على حكم تونس ٬ حتى حلت أخبار جديدة ٬ ذهب القحط عن نجد وهطلت الأمطار ونبت الزرع ٬ فكان قرار مرعي أن يترك كل شيء ويأخذ الجميع إلي أرض الهلايل منهيا تغريبة بني هلال ٬ وعادوا بعد نهب خيرات تونس .
  سأله جابر باهتمام


• ألا تظهر نفسك ملاكا يا سيدي !؟


• لست ملاكا إن لي خطأ اعترف به ٬ هو تشبثي بكرسي الحكم الملعون ٬ والذي من اجله قتلت كل من كان ينازعني عليه وكان جزائي أن أرى ما حاربت من أجله يهوي تحت أقدام أعراب البادية ٬ هذا حكم الله في عباده .
  ثم نظر الزناتي لجابر قائلا


• والآن ٬ هل تعرف أن بني هلال كانوا يحاولون نشر المذهب الشيعي في بلاد المغرب بعد أن خرجت عن حكم الفاطميين ؟ وأنني تصديت لهم للدفاع عن السنة ؟ ماذا ستفعل وماذا ستقص على أسماع الناس ؟ الصدق أم الكذب ؟
  ترددت الكلمة في رأس جابر والحضور كصدي صوت قوي ثم اختفى الرجل وانطلق الجمهور يصفق بحرارة ٬ أما عمر نظر إلي رامي الذي يقف بجانبه قائلا


• ما الذي يحدث حقا ؟ من هذا يا رامي ؟ ثم دخل عامل من عمال المسرح إلي رامي قائلا - وصل أتوبيس الممثلين يا سيدي .
  انهار رامي على أقرب كرسي مرددا - ماذا يحدث لي يا عمر ؟ من صاحب هذا العرض ؟ أنا لا أعرف شيئا عنه حقا؟ ثم وجد أعضاء لجنة التحكيم يصافحانه منبهرين ونادر رضوان يقول له
  -عرض مميز ورائع يا فتى ٬ اقتربت من جائزة شباب المسرح كثيرا ؟
  وقال باهر مغازي


• حقا أحسنت ٬وان كان ما أتعجب له هو جابر أبو حسين .
  قال رامي في قلق
  -ماذا بشأنه ؟ أجاب باهر كيف أتيتم برجل يشبهه إلي هذا الحد ٬ بل ويجيد العزف على الربابة مثله ويحفظ السيرة ٬ رحمة الله عليك يا جابر.
  عمر بذهول


• ماذا ؟ أهو ميت ؟ قال نادر رضوان


• من عامين تقريبا ٬ لا ريب أنكم أخذتم وقتا على تدريب الرجل على دور الراوي والشاعر بإتقان ٬ جهد مشكور .
  ثم ينظر لباهر قائلا


• هيا حتى نستطيع اللحاق بالعرض الآخر . ويغادران المكان بينما رامي يسأل عمر - من أتيت بجابر الشبح هذا أيها الوغد ؟
  أجابه عمر منهارا


• لا أعرف ؟ وجدته يتصل بي بعد إعلان الفيس بوك الممول الذي طلبنا فيه شاعر سيرة لعرض مسرحي.
  قال
  رامي - إذن كنت أشاهد لثوي عرضا للأشباح٬ مرحى.
  ثم اتجه إلي باب الخروج من المسرح.
  تمت