لخّصلي

في قرية وديعة باسمة تُحِيطُ بها الْحَدَائِقُ الْفَاتِنَةُ وَالْخمائِلُ الْغَنَاءُ ، تَعِيشُ فَتَاةٌ رائعةُ الْبَهَاءِ تُدْعَى لَيْلَى. اشْتَرَى لَها وَالِدُها كَسَاءَ أَحْمَرَ وَاشْتَرَتْ لهَا أُمَّهَا حِذاءا، براق من نفس اللَّوْنِ،ارتدتهما ليلى و صبحت حمراء حمراء.وَذَاتَ يَوْمٍ قَرَّرَتْ لَيْلَى زِيَارَةَ جَدَّتِهَا لِلْإِطْمِثْنَانِ عَلَى صِحَّتِهَا فَاسْتَأْذَنَتْ أُمَّهَا فِي الذَّهَابِ إِلَيْهَا . فَسَلَّمَتْهَا سَلَّةً مَمْلُوءَةَ بِالْمَأْكُولاتِ الشَّهِيَّةِ وَحَذَرَتْهَا مِنَ الْغُرَبَاءِ. فَطَمْأَنَتْهَا الْبَنْتُ قَائِلَةً : سَأَعْمَلُ بِنَصَائِحِكِ يَا أُمِّي وَسَأَكُونُ عِنْدَ حُسْنِ ظنكِ ".سَارَتْ حَمْرَاءُ حَمْرَاءُ فِي اتِّجَاهِ كُوخِ جَدَّتِهَا وَمَا إِنْ وَصَلَتْ إِلَى الْغَابَةِ حَتَّى أَبْهَرَهَا مَنْظَرُ الْأَشْجَارِ الْبَاسِقَةِ وَالنَّبَاتَاتِ الْخَضْرَاءِ النَّضِرَةِ وَالطُّيُورِ الصَّادِحَةِ وَالْأَزْهَارِ الْفَوَّاحَةِ. فَرَاحَتْ تُقَلِّبُ نَظَرَهَا يَمْنَةً وَشِمَالًا لِتَمْلَأَ عَيْنَيْهَا بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ الْجَمَالِ الْأَخَاذِ . وَفِي غَمْرَةِ هَذَا الْجَوِّ الْرَّائِعِ الْفَتَانِ نَسِيَتْ لَيْلَى نَصَائِحَ أُمِّهَا فَرَاحَتْ تَلْهُو وَتَقْفِرُ خَلْفَ الْفَرَاشَاتِ، وَإِذَا بِذِئْبٍ يَسْتَوْقِفُهَا قَائِلاً : " مَاذَا تَفْعَلِينَ هُنَا أَيَّتُهَا الصَّغِيرَةُ" فَأَجَابَتْهُ بِبَرَاءَةِ : " أَنَا فِي طَرِيقِي إِلَى جَدَّتِي الَّتِي تَعِيشُ وَحِيدَةً قُرْبَ غَابَةِ السَّنْدَيَانِ لِأَطْمَئِنَّ عَلَى حَالِهَا وَأُسَلِّمَهَا سَلَّةً بِهَا مَأْكُولاتٌ شَهِيَّةٌ ". فَأَجَابَهَا قَائِلاً : " كَانَ عَلَيْكِ أَنْ تُهْدِيَهَا بَاقَةً شَذِيَّةً مِنَ الْوَرْدِ وَالسَّوْسَنِ عُرْبُونَ مَحَبَّتِكِ لَهَا " فَشَكَرَتْهُ عَلَى نَصِيحَتِهِ وَظَلَّتْ تَنْتَقِي من الأزهار أطيبها لتقدمها هدية إلى جدتها وفي أثناء ذلِكَ كَانَ الذِّئْبُ الْمَاكِرُ قَدْ سَبَقَهَا إِلَى جَدَّتِهَا فَهَجَمَ عَلَيْهَا وَقَيْدَهَا وَخَبَّأَهَا فِي قَبْرِ الْمَنْزِلِ ثُمَّ ارْتَدَى نَظَارَتَهَا وَاسْتَلْقَى عَلَى سَرِيرِهَا مُنْتَظِرًا فِي شَوْق غَنِيمَتَهُ الثَّانِيَةَ. وَصَلَتْ حَمْرَاءُ إِلَى الْكُوخِ فَدَفَعَتِ الْبَابَ بِقُوَّةٍ وَدَخَلَتْ وَإِذَا بِهَا تُبْصِرُ عَيْنَيْنِ بَرَاقَتَيْنِ تَلْمَعَانِ تَحْتَ نَظَارَةِ جَدَّتِهَا وَأُذُنَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَأَنْفًا مُحَدَّبًا طَوِيلاً . فَزَعَتْ لَيْلَى مِنْ مَنْظَرِ جَدَّتِهَا الْمُرْعِبِ فَقَالَتْ لَهَا : "مَا سَبَبُ طُول أُذُنَيْك " ؟ فَأَجَابَ الذَّئْبُ : " لِكَيْ أَسْمَعَكَ جَيْدًا يَا صَغِيرَتِي". " وَمَا سِرُّ طُول أَسْنَانِكِ وَحِدَتِهَا "؟ فَأَجَابَهَا الذِّئْبُ فِي حَنَقِ : " كَفَاكِ أَسْئِلَةَ أَيَّتُهَا الْفَتَاةُ الطَّلَعَةُ". ثُمَّ قَفَزَ عَلَيْهَا وَهَمَّ بِأَكْلِهَا وَلَكِنَّهَا سُرْعَانَ مَا أَطْلَقَتْ صَرْخَاتِ عَالِيَةً وَكَانَ لِحُسْنِ حَظَّهَا أَنْ سَمِعَهَا أَحَدُ الصَّيَّادِينَ الْمَوْجُودِينَ قُرْبَ الْكُوخِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا مُسْرِعًا وَصَوَّبَ بُنْدُقِيَّتَهُ نَحْوَ الذَّنْبِ فَأَرْدَاهُ قَتِيلاً . وَأَثْنَاءَ ذَلِكَ سَمِعَ الصَيَّادُ أَنِينًا مُتَقَطِّعًا فَاتَّجَهَ نَحْوَهُ وَإِذَا بِهِ يَجِدُ الْجَدَّةَ فَفَكَ رِبَاطَهَا شَكَرَتْ لَيْلَى الصَّيَّادَ عَلَى صَنِيعِهِ ثُمَّ حَضَنَتْ جَدَّتَهَا وَهَنَّأَتْهَا عَلَى سَلَامَتِهَا ثُمَّ عَادَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا عَاقِدَةُ الْعَزْمَ عَلَى اتِّبَاعِ أَوَامِرِ الْأَبَوَيْنِ.